إيران في مشهد مختلف.. هل تُقلل العقوبات الأمريكية من فرص فوز “رئيسي”؟

وسط استياء من الوضع الاقتصادي الصعب ودعوات للمقاطعة من إيرانيين في الداخل والخارج، انطلقت صباح اليوم الجمعة الموافق 18 يونيو 2021 الانتخابات الرئاسية الإيرانية بدورتها الثالثة عشرة في جميع أنحاء إيران، في الساعة السابعة صباحًا بالتوقيت المحلي لطهران، ليستمر حتى منتصف الليل، وتم تمديدها حتى الساعة الثانية فجراً، وتجاهد السلطات الإيرانية لتسجيل نسبة تصويت مرتفعة في هذه الانتخابات.
لقد وصِفت هذه الانتخابات بأنها “الأكثر فتوراً”، وذلك بعد أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد سجلتها الانتخابات البرلمانية عام 2020 في ظل جائحة كورونا وتدهور الوضع الاقتصادي، وكذلك وسط مناشدات واسعة واحتجاجات شديدة بمقاطعة هذه الانتخابات، ومع كل هذه التحديات فتحت مراكز الاقتراع اليوم أبوابها أمام 59 مليونًا و310 آلاف و307 أشخاص من ضمنهم مليون و392 ألفًا و148 شخصًا يدلون بأصواتهم لأول مرة لبلوغهم السن القانونية 18 عامًا، بالإضافة إلى أنه تجرى اليوم أيضاً تزامناً مع الانتخابات الرئاسية الدورة الـ 6 من انتخابات المجالس البلدية والقروية والانتخابات التكميلية لمجلس خبراء القيادة.
المشهد من الداخل:
يجرى الاقتراع في نحو 70 ألف مركز في 31 إقليماً، يختار فيها الناخب الإيراني مرشح ليتولى منصب رئاسة الجمهورية من بين أربعة مرشحين، ثلاثة عن التيار المحافظ هم: إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، ومحسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي النائب الأول السابق لرئيس البرلمان، والمرشح المعتدل عبد الناصر همتي المحافظ السابق للبنك المركزي الإيراني.
وبالتزامن مع اقتراع الداخل، تفتح السفارات الإيرانية أبوابها أمام الجاليات الإيرانية في الخارج للتصويت، وبحسب وزارة الخارجية فإن عدد مواطنيها المؤهلين للتصويت يبلغ 3 ملايين و 500 ألف شخص، وهناك 234 مركز اقتراع تم إنشاؤها في 133 بعثة أجنبية، لكن في 3 دول لم تتمكن الحكومة الإيرانية من إجراء الاقتراع إحداها كندا بسبب قطع علاقاتها الدبلوماسية منذ 9 سنوات، ورفض الحكومة الكندية إجراء انتخابات على أرضها.
وفي إطار تغطية هذه الانتخابات الحالية ومع بدء إدلاء الإيرانيون بأصواتهم اليوم لاختيار رئيس للبلاد خلفًا لحسن روحاني، يبدو أن هناك حالة من الإحباط والتثبيط لعزيمة الشعب الإيراني، وإحجام عن المشاركة في الانتخابات كما في المرات السابقة، في ظل ظروف حساسة تمر بها إيران داخلياً وخارجياً، وتعويل الإيرانيين على تغيير قادم في السنوات الأربع الأخيرة، فقد صرح بعض الأصوليين وأنصار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، بمن فيهم عبد الرضا المصري، نائب رئيس مجلس الشورى سابقاً، وجمال عارف، الرئيس الحالي للجنة الانتخابات، علناً وصراحة أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الحالية منخفضة، الأمر الذى انتقدته جهات حكومية، ووصفته بـ “اللامسؤول” وأن تصريحاته تتماشى مع شعارات “دعاة تغيير النظام في إيران ومقاطعي الانتخابات”.
حكماً للمحافظين المتشددين:
غلبت كفة المرشحين المحافظين المتشددين في هذه الانتخابات بعد أن أعلنت جبهة الإصلاحيين الإيرانية أنها لن تكون ممثلة في الانتخابات الرئاسية بعد استبعاد كل مرشحيها التسعة، فقد تم استبعاد المرشحين المعتدلين والإصلاحيين من الوزن الثقيل من الترشح قبل أسابيع من موعد الانتخابات، كما تم انسحاب علي رضا زاكاني لصالح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، المرشح الأوفر حظاً في الفوز، وانسحب في 16 يونيو الجاري، محسن علي زاده، المرشح الإصلاحي الوحيد الذي كان سيخوض السباق، تاركاً رسالة لوزارة الداخلية التي تنظم الانتخابات، دون أن يتطرق إلى أسباب انسحابه أو يؤيد أحداً من المرشحين الأربعة الباقيين، وبذلك، تخلو قائمة المرشحين للرئاسة الإيرانية تماماً من التيار الإصلاحي، وبات الطريق ممهداً أمام رجل الدين المحافظ إبراهيم رئيسي ومرشح المتشددين، حيث الأمر بالنسبة لهم لا يتعلق فقط بمنصب الرئيس، وإنما يريدون وضع رئيسي في موقع كخليفة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وإنما يُعد منصب الرئيس إنما هو على سبيل الاستعداد لتولي المنصب الأعلى – منصب المرشد.
فتور انتخابي:
تشهد الانتخابات الإيرانية حالة من الفتور، حيث شهدت طهران وغيرها من المدن انخفاض الزخم الانتخابي، ولا يرجع ذلك فقط بسبب جائحة كورونا والتي منعت حدوث تجمعات وحملات انتخابية حاشدة، بل أيضاً لاستبعاد مجلس صيانة الدستور مسبقًا عددًا من المرشحين الواعدين من المعسكر المعتدل، وهو ما قد يعكس الحالة المزاجية للانتخابات في إيران، كما شهدت الانتخابات الإيراني امتناع عدد قياسي من المواطنين بسبب الصعوبات الاقتصادية والإحباط من حكم المحافظين، وبالرغم من محاولات المرشحين حث الناخبين على الاقتراع، تنادي حملات شعبية بالمقاطعة لعدم جدواها في تحقيق أية تغييرات منشودة، ويعتمد تيار المحافظين على ناخبيهم الدائمين، والقادمين من الشرائح الفقيرة والأكبر سناً في المجتمع الإيراني، حيث لا تحظى المطالبة بمزيد من الحقوق المدنية أو حقوق المرأة، باهتمامهم الأكبر في عملية الانتخاب.
انتخابات باردة:
فقد دعت مجموعة واسعة من الأحزاب والجماعات السياسية داخل إيران وخارجها إلى مقاطعة “فعالة” و”هادفة” من أجل “سحب المشروعية” من النظام، كما أنها تأتي في وقت يواجه فيه النظام تحديات داخلية وخارجية تتمثل في استمرار الاحتجاجات والإضرابات التي يواجهها بالقمع، وكذلك العقوبات والضغوط الاقتصادية وعلى عكس الانتخابات السابقة، تخلو هذه الجولة من المنافسة التقليدية بين المتشددين والإصلاحيين، حيث إن التيار الأخير انقسم على نفسه بين من انضم للدعوات الشعبية للمقاطعة وبين من دعا للمشاركة ودعم المرشح عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي الذي أقاله قبل أسابيع الرئيس الإيراني حسن روحاني، وعبر خامنئي عن قلقه عدة مرات من دعوات المقاطعة ودعا الشعب للمشاركة في الانتخابات، من خلال اللجوء إلى كافة الوسائل الدينية والسياسية.
ويبدو قلق خامنئي مبرراً حيث لأول مرة تتوحد المعارضة الخارجية والداخلية مع أحد مطالب الشارع هو “مقاطعة الانتخابات” في هذه المرحلة، وشدد المرشد الإيراني على خامنئي، عقب الإدلاء بصوته بعد دقائق من بدء عملية الاقتراع، على أن اليوم هو يوم الشعب الإيراني وأن مشاركته في الانتخابات يرسم مستقبل البلاد للسنوات المقبلة، داعيا المواطنين إلى المشاركة في التصويت على أوسع نطاق ممكن، وبدون مشاركة وحضور المواطنين في الساحات لا يتحقق ركن الجمهورية في النظام السياسي الإسلامي في إيران، وقال أيضاً: “إن الانتخابات والمشاركة الشعبية فيها تزيدان من قوة الجمهورية الإسلامية، مشددًا علی أن هناك من يُطلق تصريحات فارغة حول المشاركة في الانتخابات بهدف تثبيط عزيمة المواطنين ومن ثم زعزعة استقرار البلاد، واستطرد: ” إن الانتخابات الرئاسية تشهد أجواءً تنافسية، وبعض البلدان التي تبث العداء ضد الانتخابات الإيرانية لم تشهد بعد إجراء أي انتخابات في تاريخها، إذا ما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات متدنية فآنذاك يستغله العدو كذريعة للتغطرس ضد بلادنا”.
وقد دعا أيضاً الرئيس الإيراني حسن روحاني على ضرورة مشاركة أبناء الشعب في الانتخابات الرئاسية التي تجري اليوم، وقال إنه بالحضور عند صناديق الاقتراع، “لا ينبغي أن نسمح بتحقيق رغبات العدو”، وقال أيضاً: إن “الأعداء يبحثون عن انتخابات باردة وإنه من خلال الحضور عند صناديق الاقتراع ينبغي أن نحبط رغبات وآمال العدو”،: كما صرح بـ”أن أصوات الشعب للرئيس القادم مهمة من أجل حضوره الفعال للغاية، وتمكنه من العمل بمزيد من القوة ولحل مشاكل البلاد الداخلية وكذلك القضايا الدولية”، كما حضر إبراهيم رئيسي، المرشح الأقوى للنظام، إلى مسجد إرشاد في مدينة الري جنوب طهران، وأدلى بصوته وسط هتافات أنصاره.
اتجاهات ومستوى التصويت:
وصف الرئيس الإيراني السابق المستبعد من سباق الانتخابات الرئاسية، محمود أحمدي نجاد، المشاركة بالاقتراع بـ “الخطيئة”، وأكد أحمدي نجاد على ضرورة مقاطعة الاقتراع، وتمسكه بموقفه غير الداعم لأي مرشح من بين مرشحي التيار المتشدد الذي ينتمي إليه، وأنه “ليس لدي الاستعداد للمشاركة في الخطيئة، وبعض عديمي الأخلاق قاموا الليلة الماضية بنشر بيان باسمي يدعون فيه دعمي لمرشح معين بالانتخابات الرئاسية”، كما قال نجاد في مقطع فيديو بثه من منزله اليوم، “ما يمكنني فعله الآن لمواجهة هذا الخطأ الكبير هو أن أقول إنني لن اشارك في الانتخابات وليس لدي أي خطط لدعم أي شخص”.
وبالرغم من انخفاض نسبة المشاركة، لا سيما وأنها وصفت بالانتخابات الأقل تنافسية، بالإضافة إلى أنه تشهد العديد من مراكز الاقتراع بشتى أنحاء البلاد مشكلات تنوعت بين انقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر صناديق اقتراع متنقلة لكبار السن بالمناطق الريفية، علاوة على عيوب أخرى أثارت استياء وفاقمت من العزوف، إلا أنه نقل التلفزيون الإيراني عن وزارة الداخلية، أن 5 ملايين شخصاً أدلوا بصوتهم بعد مرور نحو 6 ساعات على فتح باب التصويت، كما تم تمديد التصويت ساعتين، وهو ما يؤكد أن تلك الانتخابات ما هي إلا صورية لمرشح معين بالانتخابات الرئاسية؟.
وتأسيساً على ما سبقن يمكن التأكيد على، ما يلي:
(*) تشهد إيران انتخابات باهتة، فقد سجل مؤشر الإقبال على التصويت مستوى جديدًا من الضعف في بلد مستنزَف بفعل عقوبات اقتصادية أمريكية قاسية على نحو أضعف آمال الناخبين في مستقبل أفضل.
(*) يعود تراجع حماس الناخبين أيضاً، بعد استبعاد العديد من المرشحين الواعدين من السباق، فضلاً عن تبعات الأوضاع الاقتصادية المتردية في إيران خاصة ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، ثم وباء كورونا.
(*) كما يرجع ضعف الإقبال من الناخبين أيضاً بعد أن دعت جماعات المعارضة في الخارج وعدد من المعارضين في الداخل إلى مقاطعة الانتخابات التي يرون أنها مفصّلة خصيصاً لإبراهيم رئيسي بهدف إحكام المحافظين المتشددين قبضتهم على السلطة في البلاد.
(*) ومن هنا نستنتج: بالرغم من وجود العديد من اللاعبين في الساحة السياسية الإيرانية يستعدون لهذه المرحلة، أولهم أحمدي نجاد، ولاريجاني وأشقاؤه ومنافسون آخرون، فمن المتوقع أن يفوز فيها رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، ويأتي السؤال الوحيد حال فاز رئيسي هل سيكون مقنعاً، نظراً للإقبال المنخفض المتوقع بسبب قلة المنافسة.
(*) تكمن أهمية هذه الانتخابات الرئاسية الإيرانية في أن النظام جعل منها مرحلة تحول مصيرية في تركيبته السياسية حيث إنه في حال فوز مرشحه الأقوى إبراهيم رئيسي ستصبح كل مفاصل السلطة بيد المتشددين الثوريين.
(*) بعد كل هذه التطورات المتسارعة والمدروسة، سيكون النظام، مع إعلان النتائج هذه الانتخابات يوم غد السبت، أمام حدثين مهمين: الأول محادثات فيينا ومآلاتها، والثاني والأهم، اختيار خليفة للمرشد خامنئي، وفقاً لإعلان المتحدث باسم لجنة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية الإيرانية أن نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران ستعلن حتى ظهر السبت، وحيث ترجح التوقعات في معظمها وصول رئيس السلطة القضائية المحافظ إبراهيم رئيسي لمنصب الرئيس، لا سيما بعد إخلاء السباق من المنافسين الحقيقيين، خاصة بعد استبعاد أسماء كبيرة، منهم أحمدي نجاد وخصوصاً لاريجاني الذي رجح الإعلام المحلي في إيران أن يكون أبرز منافس لرئيسي، وهو الذي أعطى انطباعاً بأن الانتخابات حسمت سلفاً، وهنا يعود بنا التساؤل الرئيس هل سيفوز المرشح الذي يعد من غلاة المحافظين المنتقدين للغرب، والذي يخضع لعقوبات أمريكية بسبب ضلوعه في إعدام معتقلين سياسيين قبل عشرات الأعوام؟ إذا ما ذلك تم انتخاب رئيسي فسوف يكون أول رئيس لإيران في التاريخ المعاصر يخضع لعقوبات، ليس قبل توليه المنصب فحسب وإنما من المحتمل أثناء توليه السلطة كذلك.