من هو رئيس إيران القادم؟

عمرو عامر- باحث ببرنامج الدراسات الإيرانية.

تشهد إيران اليوم الجمعة 18 يونيو انتخاباتها الرئاسية الثالثة عشر، وسط مخاوف من ضعف إقبال الناخبين الإيرانيين على صناديق الاقتراع، وذلك وفقًا لما أكدته استطلاعات الرأي والتقارير التي أجريت في هذا الصدد خلال الأيام القليلة التي سبقت قفل باب الدعاية.

وعلى الرغم من أن خريطة المرشحين تبدو سهلة الوصف، إلا أن انعكاساتها على مستقبل الدولة والتفاعلات الداخلية سيكون صعب، وممتد وقد يتجاوز حدود الدولة. وفقا لهذه الخريطة، يخوض المنافسة الرئاسية أربعة مرشحين، ثلاثة عن التيار المحافظ وهم، “إبراهيم رئيسي” رئيس السلطة القضائية، و”محسن رضائي” أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، و”أمير حسين قاضي زاده هاشمي””، النائب الأول السابق لرئيس البرلمان، والمرشح المعتدل “عبد الناصر همتي”، المحافظ السابق للبنك المركزي الإيراني.

 قراءة خريطة المتنافسين، تشير إلى أن عدم وجود مرشح من الصف الأول للإصلاحيين والمعتدلين تسبب في إرباك الحراك الإصلاحي، فبينما يوجد تشتت في صفوف الإصلاحيين بعد فشل الاجتماعات المطولة لجبهة الإصلاحات قبل أيام في اختيار مرشح لتوحيد صفوفهم خلفه؛ نجح المحافظين في توحيد صفوفهم خلف مرشحهم البارز إبراهيم رئيسي.

مشهد مرتبك:

قبل يومين من فتح مراكز الاقتراع أمام الناخبين، أعلن ثلاث مرشحين من أصل سبعة الانسحاب من الانتخابات الرئاسية في إيران، أحدهم إصلاحي، وهو محسن مهر علي زاده، الذي لم يعلن عن أسباب انسحابه حتى تاريخه، ولكن من الأرجح أن يكون خروجه من المعركة الانتخابية، نُفذ لصالح المرشح الإصلاحي الآخر عبد الناصر همّتي. أما الاثنين الآخرين المنسحبين فكانا من المتشددين، وهما سعيد جليلي، وعلي رضا زاكاني، والذي خرج من السباق لصالح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.

وتأسيسا على ما سبق، ووفقا لمنحنيات الخريطة التنافسية التي اتسمت بعدم الاستقرار، وقبل قراءة النتائج المحتملة للعملية الانتخابية، نتطرق إلى المتنافسين الأربعة حتى يمكن ترجيح أحدهما وفقا للمعطيات التي قد تفرزها تحليل الشخصيات، وذلك على النحو التالي:

(*) إبراهيم رئيسي: يعد ” رئيسي” أحد أبناء المحافظين من المقربين للمرشد الأعلى، ونظرا للانسحابات التي تمت من فريقه أو أبناء إيديولوجيته يعتبر الأكثر حظاً، خاصة وأن الطريق أصبح ممهداً أمامه بعد انسحاب وتأييد اثنين من المرشحين المتشددين له. ولدي “رئيسي” علاقات قوية مع الحرس الثوري، ويُنظر إليه بأنه المرشح المناسب للتيار المتشدد. هذا بالإضافة إلى أنه كان عضواً في ما أطلق عليه “لجنة الموت” والتي كانت تقرر مصير الآلاف من المعارضين. ورئيسي، مدان بعقوبات أوربية وأمريكية عام 2011 عن مسؤوليته في إعدامات 1988، كما أنه كان منافسا لـ ” روحاني” في انتخابات 2007، التي لم يحصل فيها على النسبة المطلوبة للفوز.

(*) محسن رضائي: يتقلد “رضائي” منصب أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام، وقد كان مرشحًا سابقًا في انتخابات 2007، ويُنظر إليه على أنه من جيل الثورة الإسلامية. وتشير قراءة أغلب المقربين للشأن الإيراني أن ” رضائي”، هو المنافس الحقيقي لإبراهيم رئيسي، فضلا عن أنه يحاول أن يُظهر نفسه بشكل أكثر اعتدالا، في إشارة منه إلى إمكانية أن يسلك مسلكًا برجماتيا، خاصة في ملف العلاقات مع الولايات المتحدة، وفي ضوء الاتفاق النووي الإيراني، وذلك بهدف تحقيق أقصى قدر من المصالح الاقتصادية لإيران، وهذا ما قد يكسبه الكثير من أصوات الرأي العام.

(*) عبد الناصر همتي: ويشغل “همتى” منصب رئيس البنك المركزي الإيراني، والشاهد هنا أن تعيينه في هذا المنصب جاء بعد أشهر قليله من إعداده فرض العقوبات الأمريكية على طهران. ويعتبر ” همتى” المرشح الإصلاحي الوحيد المتبقي بعد انسحاب محسن مهر على زاده.

أمير هاشمي: يتقلد ” هاشمي” منصب النائب الأول لرئيس مجلس الشورى الإيراني، ويعتبر من التيار المحافظ، وينتمي أيضاً إلى “جبهة ثبات الثورة الإسلامية” التي تعتبر جماعة أصولية متشددة ضمن التيار المحافظ.

الرئيس المحتمل:

قراءة الخريطة التنافسية سابقة الذكر، وتحليل اتجاهات الرأي العام التي كشفت عنها الاستطلاعات، تشير إلى ترجيح كفة إبراهيم رئيسي بالرئاسة، خاصة بعد انسحاب اثنان من المحافظين وإعلانهما عن دعمه الكامل. وبالتالي قد تكون عملية الانسحابات في فريق المحافظين مقصودة ومدبرة، خاصة بعد تأكيد استطلاعات الرأي إلى احتمال ضعف الإقبال على التصويت، الذي يتطلب وفقا لمن نصح بعملية الانسحاب توحيد الكتلة التصويتة المحافظة لصلح مرشح وحيد، وهو “رئيسي”. وقد يكون اتفاق الكتلة المحافظة وبقيادة المرشد على استمرار رئيسي في المعركة الانتخابية وانسحاب غيره- راجع إلى سيرته الذاتية الأكثر تأثيرا في الناخبين، حيث ” رئيسي:، هو الأكثر شهرة، وبالتالي الأقل تكلفة في المعكرة الانتخابية، فـهو رئيسًا سابقاً للقضاء الإيراني، وخاض الانتخابات الرئاسية السابقة ضد الرئيس الحالي حسن روحاني في 2017، وهو ما يشير إلى أن النظام قد بذل جهودًا كبيرة لهندسة نجاحه من خلال استبعاده شخصيات كبيرة أخرى، بما في ذلك رئيس البرلمان علي لاريجاني ونائب الرئيس الحالي اسحق جهانجيري والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وعلى ما سبق، وفي ظل ترجيح نجاح ” “رئيسي” يمكن القول، إن تصدره نتائج التصويت وفقا لبعض المقربين والمتابعين للداخل الإيراني، سيزيد الغضب المحلي، وربما يتسبب في إرباك داخلى يرتبط بتعالي أصوات المنددين بالتلاعب في الانتخابات. ومن ناحية أخرى، إذا لم يفز رئيسي، فسيحدث اضطراب كبير في النظام القائم، فضلاً عن تداعيات ذلك على الملفات المطروحة حاليًا وأبرزها مفاوضات الاتفاق النووي.

ومع ذلك، لا يُتوقع أن يكون للانتخابات تأثير على المفاوضات الجارية مع إدارة بايدن والقوى العالمية بشأن إحياء الاتفاق النووي؛ فالمحادثات في مراحلها النهائية. ومن غير المرجح أن يتأثر الحوار بفوز رئيسي لأن القرارات الاستراتيجية تُترك إلى حد كبير ليس للرئيس؛ ولكن للمرشد الأعلى.

 ردود الأفعال المحتملة:

وفقاً لوزارة الداخلية الإيرانية تعلن النتائج بحلول منتصف نهار السبت 19 يونيو، بعد أقل من 12 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع. وعليه، سيكون هذا التاريخ نقطة فاصلة ومؤثرة فيما بعده، خاصة وأن هناك تقديرات تشير إلى احتمال أن تشهد شوارع العاصمة (طهران) والمناطق السكنية للمرشحين المنافسين لرئيسي- احتجاجات واسعة تتطلب تدخل النظام الذي يحتاج الحذر في التعامل معها.

وبالتالي، فإن فوز إبراهيم رئيسي بأغلبية ساحقة، أو ارتفاع نسبة المشاركة غير المتوقعة سيؤدي بالضرورة إلى تساؤلات حول شرعية هذه الانتخابات، وهو ما يعطى شرعية للاحتجاجات، التي قد تكون مماثلة لتلك التي حدثت في عام 2009، عندما طالبت الاحتجاجات الجماهيرية بإعادة الانتخابات؛ والتي أعادت بالفعل انتخاب “أحمدي نجاد”. ولكن من المرجح بشكل كبير أن تكون النتائج بمثابة دافع لإعادة إشعال الاحتجاجات المناهضة للحكومة مره أخرى وعلى نطاق أوسع.

والحقيقة أن المزيد من الاحتجاجات سيعني تزايد حدة المشاكل العالقة التي تواجه طهران، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية والوباء، بالإضافة إلى مزيد من زعزعة الاستقرار، وتدخل حكومي أكثر صرامة يؤجج دوامة الاستياء، وسيكون السؤال، وهو: أي جانب يجب أن يستسلم.. المتظاهرون أم النظام، وإلى أي مدى ستنخرط الجهات الفاعلة الدولية في أي أزمة متنامية يمكن أن تحدث.

في النهاية، يمكن القول إن “إبراهيم رئيسي”، أحد رعايا المرشد الأعلى علي خامنئي، هو المرشح الأول المحتمل والأكثر حظا في هذه الانتخابات. على الرغم من أن تلك الانتخابات التي يتم التحضير لها بعناية يمكن أن تكون غير متوقعة، إلا أنه يبدو من المؤكد أن خليفة الرئيس حسن روحاني الذي تولى ولايتين سيكون مواليًا للنظام ومع سلطة محدودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى