كيف استخدم الشيخ “يعقوب” مبدأ التقية ردًا على أسئلة القاضي “الشربيني”؟  

في الـ 15 من يونيو الجاري استمعت محكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، برئاسة المستشار “محمد السعيد الشربينى”، لشهادة الداعية السلفى “محمد حسين يعقوب”، بخصوص محاكمة 12 متهما، في القضية رقم 271 لسنة 2021 جنايات أمن الدولة طوارئ، قسم إمبابة أمن الدولة عليا، المعروفة إعلاميا ب”خلية داعش إمبابة”، لتكون هذه الشهادة بمثابة مناظرة فكرية، توثق وتعرى الأيديولوجية الأصولية السلفية أمام الجماهير، لتتساقط الأقنعة وتعرى مشاهير دعاة، أثروا في جماهير الشباب على مدى عقود أمام الرأي العام، وتبين مدى جهل هؤلاء الدعاة بأحكام الشرع من جانب، ومدى قدرة هؤلاء الدعاة على التسويف والمراوغة من جانب آخر، وتفتح الباب لطرح أسئلة محورية، وهي: ما هي الدلالات والغاية من الأسئلة التي طرحها المستشار “محمد الشربينى” على الداعية “يعقوب”؟، وما هي دلالات إجابات “يعقوب” عليها؟، وما هو تأثير هذه الشهادة على قواعد السلفيين، خاصة من مريدى الداعية “محمد يعقوب”؟.

محاصرة فكرية ثابتة الرؤية:

انحسرت أسئلة المستشار “الشربينى” للداعية السلفى “يعقوب”، حول مفاهيم تتعلق بالفكر التكفيرى، ومحاولة استبيان طبيعة فكر الداعية ومرجعيته، التي أستند عليها أعضاء الخلية الإرهابية، التي تخضع للمحاكمة في القضية المذكورة لتبرير جرائمهم الإرهابية، فوفقا لأقوال أعضاء الخلية الإرهابية، فإنهم تدرجوا من الالتزام الديني، ثم الانتماء للفكر السلفى، ثم الفكر السلفى الجهادى، متأثرين بذلك بخطب وأحاديث بعض دعاة السلفية، منهم محمد حسين يعقوب، وأبو إسحاق الحوينى، ومحمد حسان.

 عليه، تمركزت أسئلة المستشار “الشربيني” حول، محاولة التوصل إلى طبيعة هذه الأفكار، التي بثت على المنابر والشاشات على مدى عقود، وأدت إلى اعتناق بعض الشباب إلى الفكر التكفيرى، وارتكاب أعمال عنف لم يسبق لها مثيل في الغلظة والكثافة، وأوضحت أسئلة المستشار عن سعة إطلاع ومعرفة، بجذور الفكر السلفى التكفيرى ومدى خطورته ومآلاته، وانعكس هذا في نوعية أسئلته، حيث وجه “ليعقوب” اسئلة تتعلق ببعض المفاهيم عن الفكر السلفى، والفكر السلفى الجهادى، وتكفير الحاكم، وحكم هدم المساجد والكنائس والأضرحة، وحكم قتل رجال الجيش والشرطة، ومفهوم الطائفة الممتنعة وغيرها، فتمركزت الأسئلة حول محاصرة الداعية السلفى بأصول وأدبيات الفكر السلفى التكفيري، الذي استقت منه كل الجماعات التكفيرية أفكارها، وعلى رأسهم تنظيمي (داعش والقاعدة) اللذان ادعى الداعية عدم معرفته بهما.

اللجوء للتقية والمراوغة:

لجأ الداعية السلفى “محمد حسين يعقوب” لمبدأ التقية، للهروب من بعض أسئلة المحكمة أثناء الإدلاء بشهادته، وهى الأسئلة التي تتعلق بالفكر التكفيرى، فجاءت إجابات “يعقوب” بلا أدرى، للهروب من الأسئلة التي تدور حول جذور الفكر السلفى، الذى يدعوا له منذ بداية عمله الدعوى، والذى حاول في بداية الشهادة إنكار انتمائه له، وناقض كلامه فيما بعد واعترف بانتمائه للفكر السلفى، حيث كانت الأسئلة التي رد عليها الداعية بلا ادري ما يقرب من 10 أسئلة، مدعيا أنه لا يعرف الفرق بين المذاهب الفكرية، ولا يعرف مفهوم الطائفة الممتنعة، ولا يعرف شيء عن أفكار داعش والقاعدة، ولا يعرف حكم هدم الكنائس والأضرحة، ولا يعرف الفكر الجهادى وغيرها، من الأسئلة التي يدعى “يعقوب”أنه لا يعرف عنها شيء. وعلي ما سبق، وووفقا لإجابات الشيخ يعقوب، يطرح هذا السؤال الذي يطرح نفسه، وهو: ماذا يقدم الداعية إذن للشباب وللعوام على حد وصفه، على مدى ما يقرب من خمس عقود، وما المرجعية الفكرية للمحتوى الذى يقدمه، والتي أسست عليها خطبه وأحاديثه طوال هذه الفترة، وهل ينتمي الداعية “يعقوب” إلى الفكر السلفى، دون أن يعرف شيء عن طبيعته وأصوله.

إجابة الداعية يعقوب على أحد الأسئلة التي وجهت إليه، أنه يتبع المذهب الحنبلى وأنه يقرأ لابن تيمية وابن العثيمين، بذالك ناقض الداعية نفسه، فهل يتبع ويقرأ لمذهب وآراء فقهية لا يعرف محتواها، فإنكار الداعية معرفته ببعض المفاهيم والأحكام فيه تسويف ومراوغة، كمفهوم الطائفة الممتنعة، وهى فتوى معروفة ومثبتة لابن تيمية، تبيح قتال الطائفة الممتنعة، وهم من يطبقون أحكام غير شرع الله، ويحتكمون للقوانين الوضعية، كما أنه وفقا لتفسيرات هذا الاتجاه ينطبق هذا على الحكام والشرطة والجيش، كما أجاب الداعية بأنه لا يعرف حكم هدم المساجد والكنائس والأضرحة، والمعروف لدى أتباع الفكر السلفى، وجوب هدم المساجد التي يصلى فيها الشيعة والصوفيين على اعتبار أن هذه طوائف شركية كافرة، فضلا عن أن الفكر السلفى لا يبيح إقامة أو ترميم كنائس في بلاد المسلمين، ويقر بوجوب هدم الأضرحة باعتبار أن الصلاة في مسجد به ضريح، من باب الشرك وفقا للفكر السلفى.

بناء على ما سبق؛ يمكن القول إن الداعية السلفى “يعقوب” قد لجأ إلى الأخذ بالتقية، وهى رخصة شرعية معروفة لدى أصحاب الفكر الأصولي، يؤصلون لها بتأويل مجحف للآية الكريمة، قال تعالى” لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء، إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير” آل عمران: 28، حيث يؤولون الآية بجواز موالاة الكفار ومداهنتهم حين يكون الكفار غالبين ظاهرين، حين يخاف المؤمن على نفسه وسط قوم كفار، فيكذب ويجاريهم باللسان دفاعا عن نفسه، وقال بهذا ابن جرير والرازى وابن بطال، فاعتبر “يعقوب” نفسه في حضرة أهل كفر، وخشى على نفسه الأذى، واستخدم رخصة التقية، في الإجابة على الكثير من الأسئلة أثناء الإدلاء بشهادته، مما يعكس جانب من الفكر السلفى، الذى يرى أصحابه أنهم الفرقة الناجية، التي تتحدث عنها آحاد الروايات عن النبى ” تفترق أمتى على نيف وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة” فيعتقدون أنهم هذه الفرقة الناجية، ويقسمون عامة المسلمين بين أهل ضلال وأهل كفر.

فالجدير بالذكر؛ أن قادة التيار السلفى، يستخدمون التقية في التعامل مع مؤسسات الدولة، كالأزهر والأوقاف والسلطة التنفيذية، فيمدحون مؤسسة الأزهر، ويكفرون ويفسقون المنهج الأشعرى الذى ينتمى له الأزهر في مجالسهم وخطبهم، ويداهنون الأوقاف للحصول على إذن بالخطبة في المساجد، ويقف قادة السلفية داعمين للدولة والسلطة الحاكمة، في حين أن قواعد السلفيين، يمثلون نسبة كبيرة من الداعمين لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مواجهة الدولة، وأغلب السلفيين شاركوا في اعتصام رابعة المسلح، مواليين وداعمين للإخوان، بهذا اشترك السلفيين مع الإخوان في الأخذ بالتقية، في وقت الاستضعاف كمرحلة انتقالية أملا في التمكين.

تساقط الأقنعة:

في ضوء ما تقدم؛ يظهر كيف تتساقط الأقنعة عن مشاهير السلفيين، الذين طالما قادوا جماهير من الأتباع على مدى عقود، وأثروا فى الوعى الجمعي لدى أعداد كبيرة من الشباب والمغيبين، الذين تشبعوا بالأفكار التكفيرية، سواء مارسوا العنف أو لم تتح لهم الفرصة، فمن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة انقسام لدى أتباع الدعوة السلفية، بين غاضبين على السوشيال ميديا مبررين شهادة”يعقوب”وتنصله من أفكار التيار السلفى، والبعض الآخر من الأتباع الذين ربما يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى صحيح تعاليم الإسلام، خاصة مع تساقط المزيد من الأقنعة في الفترة القادمة، متبرئين عن أوصياء الدعوة السلفية، امتثال لقوله تعالى  ﴿وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ۝ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىَ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ (سورة الإسراء:13، 14).

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى