مراحل متقدمة: أين وصلت مصر في مجال الشمول المالى؟
فى بداية شهر يونيو 2021، عقد اجتماع برئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى مع رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى وعدد من السادة الوزراء المصريين، تناول الاجتماع البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية في إطار استراتيجية “رؤية مصر2030”. وتم استعراض البرنامج الذي يمثل المرحلة الثانية من مسيرة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، والهادفة إلى تحويل مسار الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية، وذلك بالتركيز على القطاعات الواعدة، مما يدعم قدرته على تحقيق النمو المتوازن والمستدام. وتم من خلال هذا الاجتماع التركيز على محور التحول الرقمى، وخاصة سبل تعزيز الشمول المالى لدفع النمو في مرحلة ما بعد الجائحة في قطاع الخدمات المالية والمصرفية. ومن هذا المنطلق نستعرض ونحلل جهود الحكومة المصرية فى تحقيق الشمول المالى، والتى بدأت تحديدًا بشكل واضح وخطوات مهمة منذ عام 2017.
جهود حكومية مستمرة:
تعددت جهود الحكومة المصرية في إطار تحقيق الشمول المالى، حيث بدأت تلك الجهود منذ عام 2017، عندما تم انعقاد مؤتمر ( دعم الشمول المالى) بشرم الشيخ فى فبراير 2017. وقد قرر رئيس الجمهورية من خلال هذا المؤتمر، إنشاء المجلس القومي للمدفوعات بموجب القرار الجمهورى رقم 89 سنة 2017. ويختص المجلس بخفض استخدام أوراق النقد خارج القطاع المصرفى، ودعم وتعزيز استخدام الأدوات والوسائل الإليكترونية فى الدفع بهدف دمج أكبر عدد من المواطنين فى النظام المصرفى. وعليه، يمكن التأكيد على ما يلي:
(*) اهتمت الدولة متمثلة فى البنك المركزى المصرى بتطبيق وإرساء مفهوم الشمول المالى عبر إطلاق العديد من المبادرات الداعمة لهذا التوجه، من أهمها مبادرة حساب لكل مواطن، وتهدف إلى ضم أكبر عدد من فئات المجتمع إلى النظام المالى عبر تشجيع المواطنين على فتح حسابات بنكية، ودعا البنك المركزى جميع المصارف إلى تسهيل فتح حسابات بالبنوك للمواطنين دون حد أدنى لفتح الحساب. وقام كل من البنك الأهلى المصري وبنك مصر والبنك الزراعي المصري الذي أعلن مؤخرا عن مبادرة الشمول المالي والاحتفال بها، مطلقاً العديد من مبادرات تشجيع الشمول المالي التي لقيت اهتمام كبير خاصة في المناطقة الريفية.
(*) اهتمام السلطات المصرية، وعلى رأسها البنك المركزي، منذ سنوات عديدة بمواكبة التطورات الجارية في العالم بشأن تقديم الخدمات المصرفية من خلال شبكة الانترنت عبر الهاتف، كذلك التوسع في الخدمات المصرفية الالكترونية، وفي هذا المجال فقد أصدر البنك المركزي المصري تعليمات بشأن القواعد المنظمة لتقديم الخدمات المصرفية عبر الانترنت في القطاع المصرفي المصري، والقواعد المنظمة لتقديم خدمات الدفع باستخدام الهاتف المحمول. كما أصدرت وحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب إجراءات العناية الواجبة بعملاء خدمة الدفع باستخدام الهاتف المحمول. وقد ساهمت هذه القواعد في وضع الأسس الرئيسية لمزاولة خدمات المدفوعات من خلال الانترنت والهاتف.
(*) تبذل الدولة العديد من الجهود فى مجال تنظيم الخدمات المالية الرقمية ونشرها لأكبر قاعدة من المواطنين، حيث أصدر البنك المركزى قانون تنظيم وسائل الدفع غير النقدي فى عام 2019، والذي ألزم جميع الكيانات الحكومية والقطاع الخاص بسداد المستحقات المالية المقررة واشتراكات التأمينات بوسائل الدفع الاليكترونية في سبيل التحول إلى مجتمع غير نقدي. ومن أهم الجهود التى بذلت فى هذا الإطار توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الاتصالات وشركة فيزا العالمية للبدء في تنفيذ مشروع تطوير البنية التحتية التكنولوجية للمعاملات المالية وتفعيل الاقتصاد الرقمي، ومذكرة تفاهم بين الهيئة القومية للبريد وبنك مصر وشركة فيزا العالمية من أجل توسيع رقعة قبول المدفوعات الإلكترونية وتمكين التجار فى محافظات مصر وعبر البريد المصري من قبول المدفوعات بسهولة ويسر للمواطنين لقضاء احتياجاتهم المختلفة باستخدام وسائل الدفع الإليكتروني.
(*) إطلاق مبادرة السداد الإلكتروني، بتكلفة يتحملها البنك المركزي تزيد على 600 مليون جنيه (38 مليون دولار)، لتتم زيادة نقاط القبول الإلكترونية لدى الشركات والتجار بكافة المحافظات، من 200 ألف إلى 500 ألف نقطة قبول (نقطة بيع إلكترونية- رمز استجابة سريع)، وأيضاً استهداف إصدار 20 مليون بطاقة دفع وطنية “ميزة” ضمن مساعيه للشمول المالي. هذا ويتم استخدام ( بطاقة ميزة ) كأي بطاقة دفع إلكترونية أخرى على أن يكون التعامل بها داخل جمهورية مصر العربية فقط، وذلك من خلال الشراء من المنافذ التجارية، وكذلك سداد المدفوعات الحكومية المختلفة، بالإضافة إلى إمكانية السحب النقدي من آلات الصراف الآلي التابعة لكافة البنوك المصرية.
(*) قام البنك المركزي بعد انتشار فيروس كورونا بالفعل باتخاذ مجموعة من التدابير تخدم فكرة الشمول المالي منها -على سبيل المثال- إلغاء جميع العمولات والرسوم على التحويلات المحلية بالجنيه المصري، بهدف تقليل استخدام النقد، وزيادة القيمة اليومية لمحافظ الهاتف المحمول إلى 30 ألف جنيه، وإصدار البطاقات المدفوعة مقدمًا للمواطنين مجانًا لمدة 6 أشهر. وكذلك تفعيل خدمة الدفع باستخدام رقم الاستجابة السريع الموحد “QR CODE” التسجيل التلقائي للعملاء في الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.
قياس متنوع:
يقاس الشمول المالى من خلال عدة مؤشرات فرعية يمكن توضيحها فيما يلى:-
(&) الكثافة المصرفية: وهي، تقاس بعدد البنوك المتاحة لخدمة 100 ألف من السكان، ويوضح الشكل رقم (1) أن الكثافة المصرفية قد تطورت من 5 بنوك لكل 100 ألف من السكان عام 2015 إلى 14 بنك عام 2019.
(&) عدد المودعين والمقترضين فى البنوك لكل ألف من السكان: ويظهر هذا المؤشر مدى الإقبال على المؤسسات المصرفية كوسيلة لتعبئة المدخرات وتوفيرها لتمويل الاستثمارات المختلفة، وكلما تزايد عدد هؤلاء المودعين والمقترضين كلما كان ذلك مؤشراً على المزيد من الوعى المصرفى. ويوضح الشكل رقم (2) تزايد كبير فى عدد المودعين بالبنوك المصرية، كذلك تزايد فى عدد المقترضين بعد عام 2017، مما يدل على كبر حجم المتعاملين مع القطاع المصرفى المصرى.
(&) عدد مستخدمي ماكينات الصرف الآلي لكل 100 ألف من السكان: وهو مؤشر يوضح مدى توفير الخدمات المصرفية التي تعتمد على التكنولوجيا والتقنية الحديثة فى تسهيل المعاملات المالية[i]. ويوضح الشكل التالي تطور هذا العدد حيث ارتفع من 14 ماكينة لكل ألف من السكان عام 2015 إلى 28 ماكينة عام 2017 ، و39 ماكينة عام 2019.[ii]
(&) النسبة المئوية للبالغين الذين يستخدمون الخدمات المالية الاليكترونية والهواتف المحمولة: يتضمن الشمول المالى زيادة أدوات الدفع الإلكتروني سواء الدفع من خلال الموبايل أو كروت الائتمان أو التحويلات الإلكترونية بهدف خلق منظومة تبعد الناس عن التعاملات بالنقود، وتحقيق منظومة إلكترونية تتحكم في كل التعاملات. ويتضح من الجدول رقم (3) أن نحو 33% من السكان البالغين فى مصر يستخدمون الهواتف المحمولة فى العمليات المالية، ومعظمهم من الذكور فى الفئة العمرية فى سن العمل من 25-50 سنة حيث بلغت 61%. كذلك بلغت نسبة الشركات الصغيرة والمتوسطة التى لها حسابات رسمية بالبنوك نحو 67% لعام 2019، وهذه المؤشرات شهدت تزايد ملحوظ مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2017.
وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول بأن الحكومة المصرية قد استطاعت تحقيق جهودا مضنية لتعزيز الشمول المالي في مصر، حيث يستهدف البنك المركزي المصري العديد من الأهداف المحورية فى هذا المجال، وتعددت الخطوات المتبعة فى هذا الصدد منذ عام 2017 وحتى الآن، وذلك إطار تنفيذ استراتيجية الدولة المتمثلة في “رؤية مصر: 2030″، وجاءت جائحة كورونا لتضيف أبعادا أخرى للشمول المالى من الناحية الرقمية، حيث تزايدت العمليات المالية والمصرفية التى تتم عن طريق الانترنت وحسابات الهواتف المحمولة. وكل تلك الجهود المصرية ساهمت بشكل كبير فى تحسين مؤشرات الشمول المالى بشكل واضح، واستكمال محاوره ومستهدفاته من خلال المرحلة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادى ( 2021-2024).
( [i]-World Bank : World Data Bank , World Development Indicators , at : http://databank.worldbank.org/data/views/reports/tableview.aspx
[ii])Financial Inclusion Through Digital Financial Services and andFintech : The Case of Egypt , 2018 , P.5, at :
https://www.afi-global.org/sites/default/files/publications/2018-08/AFI_Egypt_Report_AW_digital.pdf