كيف ينعكس لقاء “بايدن” و”أردوغان” في بروكسل على الخلافات بين البلدين؟
وردة عبد الرازق- باحثة بوحدة الأمن الإقليمي
جرت مقابلة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش اجتماع قمة لزعماء حلف الناتو المنعقدة في بروكسل، ناقشا فيها أهم القضايا الخلافية التي تؤرق العلاقات بين البلدين وتم وصفها – المقابلة – بالإيجابية، ويعتبر هذا اللقاء بين الزعيمين هو الأول من نوعه منذ وصول الرئيس الأمريكي إلى البيت الأبيض، حيث لم يتم التواصل بينهما قبل هذا اللقاء على المستوى الرسمي، إلا من خلال مكالمة هاتفية وحيدة أجراها الرئيس الأمريكي بعد ثلاثة أشهر من تسلمه الرئاسة الأمريكية، وتم وصفها وقتها من قبل مسئولين لدى الجانبين بأنها غير جيدة، وهو ما يؤكد بالطبع طبيعة العلاقات التي شابها التوتر والفتور في الفترة الأخيرة على إثر الخلافات في عدد من الملفات التي تعود إلى فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- أي قبل وصول بايدن إلى السلطة.
تأسيساً على ماسبق، وفي ظل تعدد القضايا العالقة بين البلدين، والتي تبدو بسببها العلاقات مأزومة ومضطربة- يبقا السؤال، وهو: كيف ينعكس لقاء الرئيسين في بروكسل على مستقبل الخلافات بين الدولتين؟.
قضايا عالقة:
ثمة خلافات ظلت علاقة بين “بايدن” و”أردوغان” لم يتم حلحلتها أو التطرق لها بطريقة مباشرة منذ تولى الأول السلطة في بلادة، يمكن رصد أهمها على النحو التالي:
(*) صفقة الصواريخ الروسية: حيث يوجد اتفاق بين الخبراء والمراقبين على أن هذه القضية، تمثل رأس الأفعى حاليا، باعتبارها تسببت في مزيد من التوترات بين واشنطن وأنقرة، خاصة وأن أردوغان تحدى فيها الإدارة الأمريكية وأصر على شراء منظومة الصواريخ من روسيا كبديل عن أسلحة واشنطن، ومؤخرا تسعى الإدارة الأمريكية على إقناعه بالتخلي عن تلك الصفقة، وعدم تشغيلها، وهو الأمر الذي يرفضه الجانب التركي.
(*) اعتراف بايدن بإبادة الأرمن في عهد الدولة العثمانية: فقد أكد الرئيس الأمريكي في وقت سابق، على أن الانتهاكات والمذابح التي تعرض لها مسيحيو الأرمن من قبل الدولة العثمانية عام 1915، تمثل إبادة جماعية للأرمن راح ضحيتها حوالي 1.5 مليون شخص، وهو الأمر الذي أثار حفيظة تركيا، وقامت بدورها باستدعاء السفير الأمريكي لديها، ونصح أردوغان بايدن في تصريحات قوية بـ ” النظر في المرآة “، واتهم الرئيس التركي نظيره الأمريكي بـ ” كتابة التاريخ بأياد ملطخة بالدماء” في إشارة إلى تقديم الولايات المتحدة لصفقة أسلحة لإسرائيل خلال التصعيد الأخير مع حماس، وبدورها نددت الولايات المتحدة بهذه التصريحات واعتبرتها ” معاداة للسامية”.
(*) الدعم الأمريكي للأكراد: من المعروف في الوسط السياسي أن تركيا شديدة الحساسية في هذا الملف، ورغم ذلك تقدم الولايات المتحدة الدعم لوحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعتبره تركيا فرعا من حزب العمال الكردستاني المُصنف كمنظمة إرهابية، كما تساند – أمريكا – الأكراد الذين يمثلون تهديدا للحدود التركية والداخل التركي.
(*) تسليم فتح الله جولن: تظل عملية تسلم مؤسس حركة الخدمة “جولن” نقطة خلافية هامة بين البلدين، خاصة وأن تركيا تعتبر إقامته بالولايات الأمريكية بمثابة تحدى لها، خاصة وأنه متهم من قبل النظام التركي بتدبير محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ترفض تسليمه بسبب عدم تقديم أنقرة الدليل الكافي الذي يثبت تدبيرة أو مشاركته في الانقلاب المذكور، إلا أن أردوغان، يعتبر موقف واشنطن من تسليم كولن وعدم فيه تعمد واضح، ويمثل ورقة ضغط تحتفظ بها أمريكا للضغط على تركيا وقت اللازم، يذكر أن أنقرة أدانت واشنطن من خلال تصريحات على لسان مسئولين أتراك بأنها كانت راعية لمحاولة الانقلاب العسكري سالفة الذكر.
مؤشرات مهمة:
يمثل اللقاء المذكور وفقا للمقربين من للشئون الأمريكية والتركية، فرصة جادة ومحاولة لترميم العلاقات الأمريكية التركية المأزومة. وترجع أهمية هذا اللقاء لأنه يأتي في توقيت هام يشهد تغيرات مؤثرة على المستويين الإقليمي والدولي، فهو وفقا لبعض المحللين –التقارب- مهم للطرفين في نفس الوقت، خاصة وأن تحسن العلاقات مهم بالنسبة لحلف الناتو ولواشنطن وليس لأنقرة فقط نظرا لحجم المصالح المتبادلة بين الدولتين في مجالات عدة، خاصة في مواجهة الصين وروسيا التي طالما يناوش بتحسين علاقاته معها كلما اختلف مع الغرب.
وبالتالي، من المحتمل أن يقدم الجانبان على تقديم تنازلات والتخلي عن المواقف الصارمة لتحقيق المنفعة المتبادلة من خلال التوصل لاتفاق مرضي لهما. وإن كان الاتفاق مبدئي ولا يشمل كل الملفات العالقة، إلا أنه يمثل بادرة بداية في طريق تحسين العلاقات، وبذلك تكون نجحت تركيا في إرضاء الولايات المتحدة ونجحت الأخيرة في احتواء تركيا، وقد أفضى هذا الطرح إلى مجموعة من المؤشرات الإيجابية التي عبر عنها بايدن وأردوغان، التي يتمثل أهمها في الآتي:
(&) قبل التوجه إلى حضور قمة حلف الناتو في بروكسل عقد أردوغان لقاء مع مجموعة من الصحفيين اعتبره محللون لتلطيف الأجواء قبل اللقاء المباشر بينهما، تحدث فيه عن متانة العلاقات التركية الأمريكية، وعن علاقته شخصيا بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وابتعد عن الحديث عن أي خلافات تذكر.
(&) تقديم الرئيس التركي إيضاحات بخصوص صفقة الصواريخ في محاولة لإرضاء الولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه قام بعرضها مرة أخرى على الرئيس الأمريكي في وقت سابق. كما أعرب عن استعداده لتخزين الصواريخ الروسية في قاعدة أنجرليك الدولية في تركيا وتكون تحت إشراف القوات الأمريكية. كما عمل أردوغان على طمأنة الولايات المتحدة الأمريكية بعدم السماح للجيش الروسي بدخول الأراضي التركية بحجة تفعيل منظومة الصواريخ، بل أنه أرسل مجموعة من الخبراء والفنيين إلى روسيا للتدريب على كيفية تفعيلها.
(&) عرضت الولايات المتحدة على أردوغان إلغاء العقوبات الأمريكية مقابل التزام تركيا كتابيا بعدم تفعيل منظومة الصواريخ الروسية نهائيا، وعلى الرغم أن هذا الاتفاق لم يكتمل بسبب رفض تركيا للعرض الأمريكي، إلا أنه في ذاته يعتبر مؤشرا على رغبة واشنطن في استعادة علاقتها الحيوية مع أنقرة والتوصل إلى حل للخلافات بينهما.
(&) التصريحات الإيجابية والمبشرة من الطرفين بعد اللقاء، حيث وصف الرئيس الأمريكي اللقاء بأنه ” جيد للغاية، مؤكداً أنه على يقين بتحقيق تقدما حقيقيا”. وعلى الجانب الآخر أكد الرئيس أردوغان أن بلاده ستعمل مع الولايات المتحدة على زيادة التعاون في الفترة المقبلة، ووصف اللقاء بأنه إيجابيا على صعيد استمرار العلاقات، مشيرا إلى ثبات الموقف التركي من منظومة إس 400 الروسية. كما أوضح-أروغان- أنه تمت مناقشة الوضع في أفغانستان وصرح ” نحن جاهزون للتعامل معهم، لا يمكننا إهمال طالبان إذا حصلنا على دعم الولايات المتحدة ودول أخرى “، وفي النهاية وجه أردوغان دعوة لبايدن إلى زيارة تركيا.
(&) تقديم تركيا عرض لأمريكا، يتمثل في القيام بحماية وتشغيل مطار كابول بعد انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو نهائيا من أفغانستان، وهذا العرض لاقي ترحيبا من الجانب الأمريكي، لكن مع الإشارة التي توجب الحظر بشأن النوايا التركية، بحسب وكالة رويترز. لكن رغم تقارب موقف الطرفين الأمريكي والتركي بشأن إدارة مطار كابول بعد خروج الأولى منه، إلا أن طالبان أعلنت بسرعة رفضها تنفيذ هذا المخطط، حيث طالبت القوات التركية بالانسحاب من أفغانستان بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي وحلف الناتو في 11 سبتمبر القادم باعتبار قواتها جزء من حلف الناتو التزاما بالاتفاق الموقع في 29 فبراير 2020م.
وبناء على ذلك؛ نستنتج أن هذا اللقاء لن يحل كل المشكلات التي تثقل كاهل العلاقات بين البلدين خاصة ملف الصواريخ الروسية واعتراف بايدن بادرة الأرمن، لكن لكل دولة مصلحة مع الأخرى تحثها على رأب الصدع إلى حد ما بالنسبة لتركيا التي تحاول تشجيع الاستثمارات الغربية خاصة بعد تراجع السياحة لأن استعادة العلاقات النشطة مع واشنطن سيكون بمثابة البوابة لتحسين العلاقات مع أوروبا خاصة في المجال الاقتصادي، وأيضا الولايات المتحدة التي تحاول احتواء تركيا واسترجاعها تحت المظلة الغربية حتى لا تتجه للصين وروسيا نظرا لمكانة تركيا التي تعد ثان أكبر جيش مساهم في قوات حلف الناتو بعد الجيش الأمريكي، بالتالي فإن الهدف من اللقاء تلطيف الأجواء ووضع خطة لمسار العلاقات وليس تصفية كل المشاكل.
في النهاية يمكن القول، إن العلاقات الأمريكية التركية ستظل مأزومة لفترة ليست بالقصيرة، وإن تحركت في اتجاه الإيجابي فإنها ستكون علاقات حذرة ومحسوبة بدقة، خاصة وأن هناك قضايا تحمل مواقف لم تحسم بدقة حتى تاريخه، يعد أهمها ثبات كل دولة على موقفها الصارم في ملفي الصواريخ الروسية والاعتراف بإبادة الأرمن. وإن كانت تركيا تصر على تسليم مؤسس حركة الخدمة، فإنها من الواضح لا تعقد عليه آمالا ولن تصر عليه كثيرا – وهو في حد ذاته تنازل تقدمه تركيا – لأن المؤشرات لا تدل على إمكانية حدوث تقدم في هذا الملف، وهو نفسه ما ينطبق على الملف الكردي، خاصة وأن تركيا أحبطت محاولة المليشيات الكردية الانفصالية على حدودها.