عواقب ممتدة: هل انتهت الأزمة الإسبانية المغربية بسبب “غالي”؟

ما زالت الأزمة بين الجانبين الإسباني والمغربي تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين على إثر سماح السلطات الإسبانية لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي مغادرة البلاد، في خطوة تعد “متهورة”، حيث تلوح بقطيعة دبلوماسية في الأفق القريب بين البلدين؛ فالمغرب كانت تنتظر محاكمة “غالي” والنظر في جرائمه، بينما اختارت إسبانيا عكس ذلك، وقررت ترحيله إلى الجزائر، بيد أن المؤكد أن هذه الأزمة غير المسبوقة بين الجانبين قد تخلق وضعا جديدا ومنطلقات مختلفة لهذه العلاقات على كثير من الملفات الحيوية التي تجمع بين البلدين، ولعل أكثر الملفات على المدى القريب، هو ملف عودة مغاربة المهجر المقيمين بأوروبا إلى المغرب خلال الفترة المقبلة.
تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى رصد التداعيات المتلاحقة للأزمة الدبلوماسية القائمة حتى هذه اللحظة بين إسبانيا والمغرب، ذلك من خلال إلقاء الضوء على موقف دول الجوار المغربي، أزمة المهاجرين في سيبتة والموقف الأوروبي الداعم لإسبانيا، بالإضافة إلى تعليق المغرب لعملية “مرحبا” والتي تمثل توجيه ضربة قاسية للاقتصاد الإسباني.
موقف دول الجوار:
لم تقم أي دولة مغاربية مجاورة بطرح مبادرة لدعم المغرب في الأزمة الحالية، بالرغم من العديد من الوساطات التي قامت بها الرباط من قبل لبلدان شقيقة؛ خاصة ليبيا، بل ظلوا على “الحياد”، في المقابل فإن المنتدى الديمقراطي الاجتماعي، الذي يضم تكتلا لأحزاب عربية، قد طالب بفتح مفاوضات جدية بين الجانبين حول وضعية مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وفي هذا الإطار خرجت العديد من الأصوات من الداخل الاسباني مطالبة باستحضار صوت العقل والخروج من الأزمة بأقل الأضرار.
أما الجزائر فكانت داعمة ومؤيدة للموقف الإسباني، فقامت بالتخطيط لمغادرة زعيم البوليساريو بمجرد أن قام بالإدلاء بشهادته بالتحقيقات الموجهة له في قضيتين، الأولى تتمثل في“ارتكاب تعذيب” في مخيمات تندوف، قد تقدم بها فاضل بريكا، المنشق عن “البوليساريو” والحامل للجنسية الإسبانية، أما القضية الثانية فتقدمت بها “الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان”، ومقرها إسبانيا، بتهم “ارتكاب إبادة جماعية، والقتل والإرهاب والتعذيب والإخفاء القسري”، وفق الوثيقة التي وصلت إلى القضاء الإسباني، قد اتضح هذا التخطيط من خلال وصول طائرة جزائرية تزامنا مع مثوله أمام المحكمة لكنها عادت أدراجها إلى الجزائر بعد قيام السلطات الإسبانية بمنعها من الهبوط، حيث لم يكن لديها إذن مسبق للتحليق فوق الأجواء الإسبانية، في سياق متصل حرص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، برفقة قائد الجيش الجزائري على زيارة غالي في مستشفى عين النعجة العسكري بعد عودته قادما من إسبانيا.
ورقة الهجرة:
في ظل التوتر الدبلوماسي بين الرباط ومدريد إثر الأزمة الدبلوماسية الأخيرة، قامت الرباط بفتح الحدود لعبور آلاف المهاجرين نحو سبتة الواقعة في الشمال الإسباني، بينهم عدد كبير من الأطفال والقصر والعائلات، ذلك في محاولة منها للضغط على مدريد في مواقفها من القضية الصحراوية عبر ملف الهجرة واستغلال مآسي المهاجرين، وفي هذا السياق استنكرت منظمة العفو الدولية، استخدام المغرب للمهاجرين غير الشرعيين، وطالبي اللجوء، كـورقة في لعبة سياسية على خلفية الأزمة القائمة، أكدت المنظمة في بيان لها يوم 23 مايو الماضي، أن حوالي 8000 شخص، من بينهم 2000 قاصر غير مصحوبين بذويهم، قد وصلوا إلى سبتة، سواء عن طريق السباحة أو سيرا على الأقدام في الفترة ما بين 17 و 18 مايو الماضي.
استنكار أوروبي:
وعلى ما سبق، قد يقوم البرلمان الأوروبي الأسبوع المقبل بالمناقشة والتصويت على قرار بشأن الانتهاك المحتمل لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل واستخدام المغرب للقصر في أزمة الهجرة لسبته، كما سيقوم أعضاء البرلمان بالتحقيق في مدى انتهاك المغرب لاتفاقيات حقوق الطفل، ذلك عبر إرساله الآلاف منهم نحو سبتة واستخدامهم كأداة للضغط والابتزاز ضد الحكومة الاسبانية.
وفي هذا السياق، اعتبرت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية “إيلفا جوهانسون” أن تدفق ما يزيد عن ستة آلاف مهاجر إلى سبتة أمرا يعد “مقلقا” داعيةً المغربإلى احترام حدود إسبانيا لأنها حدود الاتحاد الأوروبي، كما أوضحت أيضًا أن من المهم أن يواصل المغرب التزام منع العبور غير القانوني للمهاجرين وأن تتم إعادة الأشخاص الذين لا يحق لهم البقاء، بشكل منظم وفعال.
في سياق متصل، دعا وزير الشؤون الأوروبية في الخارجية الألمانية “مايكل روث”في حوار مع صحيفة “ألباييس” الإسبانية، يوم 27 مايو الماضي، الاتحاد الأوروبي بعدم الخضوع لابتزاز النظام الحاكم في المغرب لدول القارة الأوروبية بورقة الهجرة مقابل تغيير مواقفها من قضية الصحراء الغربية، وقد حذر من مساعدة بلدانًا مثل المغرب ببرامج لدعم الشباب وخلق فرص عمل.
وتجدر الإشارة إلى أنه في وقت سابق ومنذ بداية أزمة المهاجرين، قد أعلنت المفوضية الأوروبية عن دعمها لإسبانيا في الأزمة مع المغرب بعد مرور آلاف الأشخاص إلى سبتة، بعد أن ربطت الرباط أزمة الهجرة بالموقف الإسباني من الصحراء الغربية، من جانبه دعا الاتحاد الأوروبي إلى الاستئناف السريع للمفاوضات ذلك بالاتفاق مع الأمم المتحدة من أجل “إيجاد حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، وفقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة”.
عملية مرحبا:
وفي إطار تصاعد الخلاف الدبلوماسي بين الجانبين _اسبانيا والمغرب_، أعلنت السلطات المغربية في 6 يونيو الجاري عن إلغاء “عملية مرحبا” التي تتم خلال الفترة الممتدة من 15 يونيو إلى 5 من سبتمبر من كل عام، حيث تقوم بتنظيمها السلطات المغربية مع عدة دول أوروبية، ذلك لتسهيل عبور الآلاف من الجالية المغربية، التي تعود إلى المملكة لقضاء عطلتها الصيفية، وترجع مرة أخرى إلى بلدان الإقامة في أوروبا.
ونظرًا لتداعيات الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، أقصت السلطات المغربية موانئ جارتها الشمالية إسبانيا من عملية عبور جاليتها المقيمة في أوروبا، فقد تقرر العام الجاري بشكل رسمي، عودة المواطنين المغاربة القاطنين في الخارج على مستوى الممر البحري، حصريا من مينائي “سيت” في فرنسا و”جينوى” في إيطاليا؛ هذا بالرغم من تواجد عدد كبير من الجالية المغربية في إسبانيا، وهو ما يؤثر بالسلب على الاقتصاد الإسباني من خلال العائدات المالية الضخمة، بالإضافة إلى الرواج التجاري لمئات آلاف المغاربة، الذين كانوا يعبرون عبر الموانئ الإسبانية؛ من قبيل الجزيرة الخضراء، وألميريا، وفالنسيا وغيرها.
وفي سياق متصل وصف عمدة الجزيرة الخضراء بأقصى الجنوب الإسباني “خوسي إغناسيو”، القرار المغربي بإلغاء عملية “مرحبا” بالخبر السيئ لإسبانيا عامة ولمدينته الجزيرة الخضراء على وجه الخصوص لكونها إحدى الموانئ المشاركة في هذه العملية، فقد اعتبر أن تعليق تلك العملية، يقوم بخلق أزمة حقيقية لعدد من القطاعات كشركات النقل البحري والشحن، وكآلات الأسفار، فضلًا عن الشركات المساعدة، سيارات الأجرة، قطاع المطاعم، تضاف إلى معاناة العام الماضي وما خلفته أزمة كورونا.
وفي النهاية، يمكن القول أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لن تعود إلى سابق عهدها على المدى القريب، ويبقى تغير الحكومة في إسبانيا في المستقبل القريب كفيلا بتحديد المعالم المحتملة التي من شأنها المساهمة في حلحلة هذه الأزمة غير المسبوقة.