حزمة متنوعة: كيف عززت مصر من دور التعليم العالي كـ “قوة ناعمة” في القارة الأفريقية؟

نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إعادة العلاقات مع دول القارة السمراء، من خلال دبلوماسية تركز في أحد جوانبها على الاهتمام بالشباب الأفريقي، الذى يمثل عصب ومستقبل القارة، ومن أبرز صور هذا الاهتمام، هو ما ظهر واضحا فى مجال التعليم العالى المقدم للشباب الأفريقى، والذى تم من خلاله تقديم العديد من جوانب التعاون والدعم للأشقاء الأفارقة من دول عدة مثل السودان، ونيجيريا، وتشاد، ودول شرق أفريقيا مثل كينيا وتنزانيا، وغيرها من دول حوض النيل، والتى ستكون محل اهتمام أكبر فى الخطط المقبلة. وفى الـ 6 من يونيو الجاري، أعلن وزير التعليم العالى، دكتور خالد عبد الغفار عن زيادة الدعم الرئاسى للشباب الأفريقى فى مجال التعليم العالى، حيث شمل هذا الدعم زيادة كبيرة فى المنح الدراسية المقدمة من مصر، كذلك سبل التعاون المصرى الأفريقى فى مجالات بحثية وتعليمية مختلفة ومتنوعة.

اهتمام مصري في مجال التعليم العالى:

تتعدد صور الاهتمام المصري بالشباب الأفريقي في مجال التعليم العالي، ويمكن حصر أهمها على النحو التالي:

(*) المنح لدراسية: ارتفع عدد المنح الدراسية، التى تقدمها مصر للأشقاء الأفارقة فى مجال التعليم العالى، من 1800 منحة عام 2018 إلى 2083 منحة مستهدفة بنهاية عام 2021. مقسمة إلى ”  1350 منحة في المرحلة الجامعية، 686 منحة لمرحلة الدراسات العليا، و47 منحة لدراسة اللغة العربية”، وتتنوع هذه المنح ما بين منح برامج التبادل الثقافي، ومنح وزارة التعليم العالي باللجنة الفرعية بوزارة الخارجية، ومنح الجامعات المصرية ومنح من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية. كما تخصيص 150 منحة للدراسات العليا لطلاب دول القارة الإفريقية بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا ممولة بالتعاون بين حكومتي مصر واليابان.

(*) المشروعات البحثية: في إطار التحديثات التي تجريها وزارة التعليم العالي بنظامها التعليمي، تواصل الوزارة تطوير المراكز البحثية، بالإضافة إلى التوسع في المشروعات البحثية المشتركة بين الطلاب المصريين والأفارقة. وفى مجال المؤتمرات العلمية الجادة، نظمت وزارة التعليم العالي ما يقرب من 30 مؤتمرا علميا في التخصصات المختلفة، والتى استضافت فيه العديد من الدول الإفريقية والعلماء والباحثين الأفارقة، مما يساهم في نشر المعرفة، وتبادل الخبرات. وقامت  أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا بتقديم  جوائز سنوية للشباب المبدعين والباحثين الأفارقة لدعم عملية البحث العلمى والابتكار. كما ستقدم مصر مبادرة لتدشين رابطة تعاون بين اتحاد الجامعات العربية واتحاد الجامعات الإفريقية لدعم التعاون والتبادل ومعادلة الشهادات بين الاتحادين؛ بهدف زيادة التنسيق وتبادل الخبرات بين الجامعات العربية والإفريقية، فضلاً عن احتضان أكاديمية البحث العلمي العديد من البرامج العلمية المتاحة أمام الباحثين في إفريقيا للاستفادة منها. كما تم تقديم دورات تدريبية للطلاب الأفارقة من خلال الجامعات والمراكز البحثية، كان من بينها تدريب ممثلي 20 دولة إفريقية بمعهد أمراض العيون التابع للوزارة.

(*) المعاهد والكليات المختصة: تم التوسع في إنشاء معاهد للدراسات الإفريقية، إذ يوجد عدد من المعاهد والكليات للدراسات الإفريقية بالجامعات المصرية منها ( كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، معهد دراسات حوض النيل بجامعة أسوان، ومعهد أخر متخصص في الشئون الأفريقية بجامعة الفيوم). كما تمت الموافقة على إنشاء معهد الدراسات الأفروأسيوية للدراسات العليا بجامعة قناة السويس، وتم تفعيل عمل فروع الجامعات المصرية بالخارج في السودان وتشاد. فضلا عن استعداد مصر لفتح المزيد من فروع الجامعات المصرية في الدول الإفريقية في التخصصات التي تحتاجها دول القارة، إضافة لتبادل الأساتذة وأعضاء هيئات التدريس مع دول القارة، حيث دشنت جامعة الإسكندرية فرعين لها الأول في تشاد، والآخر في جمهورية جنوب السودان.

(*) مرونة فى الإجراءات والتقديم: دشنت وزارة التعليم العالى موقع إلكتروني وتطبيق بعنوان “إدرس في مصر”؛ لتسهيل تسجيل الطلاب الراغبين في التقدم للمنح إلى جانب تذليل العقبات للدارسين الأفارقة، خلال فترة إقامتهم في مصر. كما تم تطبيق نظام الساعات المعتمدة بالبرامج الدراسية، الذى منح  مرونة فى جذب عدد أكبر من الوافدين، فتقرر الإعلان وفتح التقدم مبكرا حتى يتم إنهاء الموافقات قبل بدء الدراسة، ولو حصل الطالب على الموافقة بعد بدء الدراسة، فيمكنه من خلال  ساعات البرامج المعتمدة الانتظام فى الدراسة دون خسارة العام الدراسى بالكامل. ويجرى حاليا التنسيق مع مكاتب الوافدين بالجامعات للتأكيد على تيسير كافة الإجراءات وتذليل الصعوبات التى تواجهها.

(*) الجوانب التكنولوجية: تقرر دعم إنشاء مركز لوكالة الفضاء الأفريقية بمصر، والذى يحاكى كافة المعايير الواردة من مفوضية الاتحاد الإفريقي، ويعمل على تعزيز العلاقات المصرية الإفريقية على الصعيد العلمي والتكنولوجي، ويعد محاولةً للحاق بعصر التكنولوجيا، تستعد القارة من خلاله للدخول في سباق الفضاء، بما يخدم خطط التنمية والكشف عن ثرواتها المختلف، وتدريب شبابها وطلابها على استخدامات التكنولوجيا الحديثة. وقررت مصر مؤخراً رصد 10 مليون دولار لإنشاء وتشغيل الوكالة. كما دعمت وزارة التعليم العالى من الشراكات الثنائية بين مصر ودول إفريقيا فى المجالات ذات الاهتمام المشترك كالطاقة والغذاء والمياه، وأطلقت وزارة التعليم العالى بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مبادرة إعداد استراتيجية الذكاء الاصطناعي لإفريقيا، والتي تسعى من خلالها لتعميق استخدام الذكاء الاصطناعي داخل الجامعات والمراكز البحثية بمصر والدول الإفريقية، بالإضافة إلى التعاون الثنائي بين أكاديمية البحث العلمي في مصر والمركز البحثى لجنوب إفريقيا في التخصصات المختلفة مثل الطاقة الجديدة والمتجددة، والتي تنظمها مذكرة التفاهم الثنائية بين وزارتي التعليم العالي والبحث العلمى بالبلدين.

الأزهر الشريف والقيام بدور مكمل:

يحتضن الأزهر الشريف فى أروقته العلمية فى المرحلة الجامعية وما بعدها ما يقارب 6164 طالباً وطالبة من 35 دولة أفريقية من الشمال والجنوب والشرق والغرب والوسط، وهى “إثيوبيا، أفريقيا الوسطى، نيجيريا، الصومال، السنغال، الكاميرون أوغندا، النيجر، الكونغو الديمقراطية، الكونغو برازافيل، الجابون، أنجولا، بوروندى، إريتريا، بوركينا فاسو، تشاد، تنزانيا، توجو، جنوب أفريقيا، رواندا، زامبيا، زيمباوى، سيراليون، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا كوناكرى، كوت ديفوار، كينيا، ليبيريا، مالى، مدغشقر، موزمبيق، مالاوى”، حيث بلغ عدد طلاب دولة نيجيريا وحدها الذين يدرسون بالأزهر نحو 2030 طالباً .ويتحمل الأزهر الشريف نفقات تعليمهم بدءاً من تذكرة سفر القدوم، وانتهاء بتذكرة سفر العودة.

كما أنشأ الأزهر ستة عشر معهداً أزهرياً فى كل من “نيجيريا، وتشاد، والنيجر، والصومال، وجنوب أفريقيا، وأوغندا”، وذلك وفق بروتوكولات تعاون بين مصر وهذه الدول. يمدها بمدرسين أزهريين على نفقته الخاصة، كما يزودها بالكتب الدراسية وبالمناهج، ويمنح الطلاب المتخرجون فى هذه المعاهد شهادات معتمدة من الأزهر الشريف. ويعمل الأزهر من خلال هذه المعاهد على تحسين الأوضاع التعليمية فى هذه الدول، ونشر المنهج الأزهرى الوسطى، من خلال إمداد هذه المعاهد بالمناهج الدراسية الأزهرية وإيفاد مدرسين فى العلوم الشرعية واللغة العربية. وبالتوازي والتكامل مع هذه المعاهد ينتشر 537 مبعوثاً أزهرياً فى مختلف دول القارة السمراء، لنشر تعاليم الإسلامية الصحيحة، وفقا للمنهج الأزهري الذى يحظى بالقبول فى جميع أرجاء أفريقيا.

يضاف إلى ذلك قيام الأزهر الشريف بتشكيل ( لجنة للشئون الأفريقية ) بالأزهر لتدعيم أفريقيا تعليمياً ودعوياً، بمناسبة تولى مصر الرئاسة الدورية لمجلس السلم والأمن والأفريقي، واستكمالاً لدور مصر فى دعم شعوب القارة على كافة المستويات. وتختصّ اللجنةُ، التى قرّر الإمامُ الأكبر تشكيلَها، بالعمل على وضْع البرامجِ والخُطط والأنشطة، التى من شأنها تدعيمُ أبناء دول وشعوب القارّة الأفريقية؛ من خلال بحْث زيادة عدد المِنَح المُقَدَّمة للطلاب الدارسين فى الأزهر، وزيادة أعداد المبعوثين من المدرّسين فى دول أفريقيا، وتكثيف البرامجِ التدريبية لتأهيل الأئمة والوعاظ بها، بالتوازى مع القوافلِ الدعوية التى يرسلها الأزهر لمواجهة الأفكار المتطرفة ونشْر الفِكر الوسطيّ، فضلاً عن تَيسير قَوافلِ الإغاثة للدول الأفريقية الأشدّ احتياجاً، والتى بها عج فى الطاقم الطبي لرفْع المُعاناة عنهم، والعمل على ترتيب عِدّة زياراتٍ خارجية لشيخ الأزهر إلى غرْب أفريقيا.

وحرصاً على التواصل مع الجامعات الأفريقية تم عقد اتفاقيات مع بعض الجامعات فى شرق أفريقيا، وهى اتفاقية علمية بين جامعة الأزهر وجامعة سوزا بجزيرة زنجبار بتنزانيا فى مجال الدراسات الأفريقية، واتفاقية علمية بين جامعة الأزهر وجامعة عبد الرحمن السميط بتنزانيا فى مجال الدراسات العربية والأفريقية، كما يقوم القسم الأفريقي تحت رعاية جامعة الأزهر، بإيفاد بعثات ومهمات علمية من خلال وزارة التعليم العالى. يضاف إلى ذلك تدشين الأزهر مقرًّا إقليميًّا دائمًا لاتحاد الجامعات الأفريقية داخل جامعة الأزهر، يأتى فى إطار التأكيد على عمق العلاقات المصرية بكل دول القارة السمراء، ويتعاون مع الحكومات المختلفة والأطراف الفاعلة في مجال التعليم ودعم الحوار وتبادل الخبرات وبناء خطط فاعلة لدعم التعليم في القارة الأفريقية.

نماذج ناجحة:

فى ظل اهتمام الرئيس السيسي بدعم الروابط المصرية الإفريقية فى شتي المجالات وعلى رأسهم الاستثمار فى العنصر البشري الأفريقي، ودعم التعاون مع باقي دول حوض نهر النيل الشقيقة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لخطة أفريقيا 2063. تعمق العلاقات التي تربط بين مصر السودان، وخاصة في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي. حيث تزايدت عدد المنح المقدمة سنويًّا لطلاب السودان فى مرحلتى البكالوريوس والدراسات العليا، وعملت الوزارة على تذليل كافة العقبات أمام الطلاب السودانيين الدارسين بالجامعات المصرية وتقديم التيسيرات اللازمة لهم، فضلًا عن توفير فرص تدريبية قصيرة للكوادر المساعدة والمعلمين والتقنيين في مجالات الإدارة وريادة الأعمال والعلوم التطبيقية، وتشجيع الإشراف المشترك لطلاب الدراسات العليا بين مصر والسودان.

يضاف إلى ذلك إقامة مشروعات توأمة بين الكليات المصرية والسودانية فى التخصصات المتناظرة والبينية للوفاء بالاحتياجات الفعلية، وإنشاء شبكة تتيح التعرف على التحديات، وإيجاد حلول ابتكارية فى مجال الصحة والدواء والعلوم الهندسية والطاقة والمياه وصناعة الغذاء، وتوقيع اتفاقيات ثنائية أو متعددة لتصبح مظلة تتيح التعاون الفعلى والمؤثر فى التنمية المستدامة وتطوير المناهج الدراسية، بالإضافة إلى المشاركة فى درجات علمية بين الجامعات المصرية والسودانية أو تيسير طرق الاعتماد المتبادل، ومعادلة الشهادات بين مؤسسات التعليم العالى فى مصر والسودان، وتشكيل رابطة خريجى الجامعات المصرية والسودانية، وتنظيم فعاليات وأنشطة رياضية وثقافية على مستوى الجامعات المصرية السودانية لتعزيز روابط الصداقة بين الشباب جنوب الوادى وشماله، والسماح لخريجى كليات القطاع الطبى والصحى بالتدريب بالمراكز والمستشفيات مع منحه شهادة أداء التدريب.

كذلك الحال لطلاب جنوب السودان ، حيث يوجد فى مصر أكثر من 4500 طالب جامعى من جنوب السودان، كما تقدم وزارة التعليم العالي المصرية بشكل سنوي، 300 منحة جامعية و100 منحة دراسات عليا، إلى وزارة التعليم والعلوم والتكنولوجيا بجمهورية جنوب السودان. واتفق الطرفان على تبادل المنح التدريبية قصيرة الأجل في الجامعات والمراكز البحثية والتكنولوجية لأعضاء هيئة التدريس والباحثين والطلاب من كلا البلدين لتأمين ورفع المستوى التدريسي والبحثي وتدريب الطلاب، وكذلك تبادل الوفود الطلابية للمشاركة في النشاطات العلمية والثقافية والرياضية المختلفة بالطرق الدبلوماسية، بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات والدورات التدريبية والحلقات الدراسية والندوات العلمية المشتركة التي تقيمها مؤسسات التعليم العالي في البلدين، فضلا عن إعداد مدارس صيفية لطلاب جنوب السودان في مصر، وبحث آليات بدء تشغيل فرع جامعة الإسكندرية بجنوب السودان والتي تضم أربع كليات جامعية (الطب البيطري، الزراعة، التربية، التمريض).

تأسيسا على ما سبق، يتضح تنوع العلاقات التى تربط بين مصر وأفريقيا فى مجال التعليم العالى والبحث العلمى، حيث تحرص مصر على تقديم كل سبل الدعم للأشقاء الأفارقة خصوصًا فى مجالات المنح الدراسية والتدريب، وتقديم جميع أوجه الدعم للطلاب الدارسين بالجامعات المصرية، بما يسهم فى النهاية على إعداد شباب أفريقى على درجة كبيرة من العلم والخبرات التى تؤهله للمشاركة الفعالة فى بناء الموارد البشرية لأبناء القارة السمراء ؛ وبالتالي تنمية اقتصاداتها وفقا لخطط تنموية طموحة حددتها أجندة أفريقيا للتنمية المستدامة 2063.

 

 

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى