مناظرات كاشفة: هل يقتنع الشعب الإيراني ببرامج مرشحى الرئاسة؟

قبل نهاية شهر يونيو الجاري سيختار الإيرانيون رئيساً جديداً في ظروف تُعد في غاية الأهمية لدولتهم على المستويين الداخلي والخارجي. ورغم حرص المرشحين على تكثيف المناظرات، فإن هناك اعتقاد سائد السائد لدى شريحة كبيرة من الإيرانيين الذين ينوون مقاطعة الانتخابات، يتمثل في أن “الانتخابات المقبلة ستكون غير حرة ونزيهة لأسباب أرجعها المراقبون إلى التدقيق في المرشحين من قبل هيئة متشددة هي مجلس صيانة الدستور”، هذا بالإضافة إلى أن السياسات العامة للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك سياستها الخارجية، يتم تحديدها من قبل المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي”،- وهو ما يفسر وفقاً للمحللين أن مناظرات المرشحين لم تقنعهم، وستظل ظاهرة المقاطعة مستمرة، بل يترسخ خلال الفترة المقبلة الاعتقاد السائد في الداخل الإيراني، بأن الرئيس القادم ليست لديه سلطة كبيرة لتغيير الوضع الراهن دون موافقته.

تجدر الإشارة، أنه يبلغ عدد الناخبين في إيران 59 مليوناً و310 آلاف 307 أشخاص، منهم مليون و392 ألفاً و148 شخصاً يشاركون لأول مرة في الانتخابات، ومن المقرر أن تنتهي الحملات الدعائية في 16 يونيو الجاري، ثم تدخل البلاد في فترة الصمت الانتخابي اعتباراٌ 17يونيو الجاري، لذلك لا يزال قادة إيران بحاجة إلى نسبة مشاركة عالية لإثبات شرعية النظام السياسي الذي يواجه أصلاً صعوبات جمة نتيجة أحداث السنوات الأربع الماضية، لكن هذه الانتخابات تبدو أشبه بالمنعرج في تاريخ إيران.

واقع العملية الانتخابية:

جاء توجه الانتخابات هذا العام من مجلس صيانة الدستور، في منع معظم المرشحين الإصلاحيين أو الوسطيين من الترشح، ومن بين عشرات الشخصيات السياسية البارزة المسجلة، وافق المجلس على سبعة فقط، اثنان فقط من السبعة مرشحان إصلاحيان وسطيان، وكلاهما يعد شخصية غير معروفة، ويعد رئيس القضاء الإيراني، “إبراهيم رئيسي”، الذي كان أحد المنافسين في انتخابات عام 2017، المرشح الأكثر شهرة، ووفقاً لبعض استطلاعات الرأي الحكومية، فهو المرشح المفضل بين المتشددين، ويعتقد بعض المتابعين للشأن الإيراني أن الآخرين الذين سُمح لهم بالترشح في هذه المسيرة الانتخابية، هم فعلياً موجودون فقط لدعم المرشح الرئيسي.

ويتنافس في هذه الانتخابات الرئاسية لخلافة حسن روحاني، 7 مرشحين 5 منهم ينتمون للتيار المحافظ والمتشدد، واثنان آخرون إصلاحيين غير بارزين، ما يعنى أن التنافس سينحصر داخل معسكر سياسي واحد، وهو المعسكر المحافظ الذي لم يتمكن من الإجماع على مرشحاً واحداً، بسبب التشتت والانقسامات التي تسيطر عليه منذ سنوات، والمرشحين هم: إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، ومحسن رضائي  وهما من التيار المحافظ ، وسعيد جليلي ، و”علي رضا زاكاني” ، وأمير حسين قاضي زادة هاشمي من (التيار المحافظ المتشدد )، وعبد الناصر همتي ، ومحسن مهر علي زادة من التيار الاصلاحي.

مناظرت كاشفة:

كشفت مناظرات ووعود المرشحين عن ضعف برامجهم الانتخابية، التى تراوحت عناصرها ما بين تغطية تكاليف الإنجاب وتسهيل الزواج، وتلقيح كافة شرائح الشعب الإيراني ضد فيروس كورونا خلال 3 أشهر، هذا بالإضافة إلى ظهور واقع جديد بين المرشحين لم يحدث من قبل تمثل في تبادل الاتهامات فيما بينهم.

فبعد أن تبادل المرشحون الانتقادات الحادة في المناظرة الأولى التي عقدت في بداية الشهر الجاري، حيث اتهم كل منهم الآخر بالخيانة أو الافتقار إلى الكفاءة العلمية اللازمة لإدارة اقتصاد البلاد، جاءت المناظرة الثانية، التي وصفها العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، بأنها كان أضعف من مثيلتها الأولى والتي بثت من خلال الشبكات الإذاعية والتلفزيونية الحكومية المناظرة في وقت واحد، وقد هاجم فيها المرشحون المحافظون الخمسة أداء الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني بعد 8 سنوات في السلطة، وحمل المرشحون مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية إضافة إلى أزمة وباء كورونا لإدارة حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني.

فبدوره، قال المرشح “عبد الناصر همتي” “إنني صوت الذين لا صوت لهم، وسلطة الذين لا سلطة لهم، لأن حكومتي هي داعمة للأفراد الأكثر تضرراً”، كما أنّ المسائل المتعلقة بالحظر هي أولوية حكومته، وأعلن أنه “ضد احتجاز المدمنين”، وأن “الإدمان ناشئ عن عدم وجود أعمال ووظائف، وعن السياسات الخاطئة للحكومة”، كما ألقى باللائمة على “المحافظين في إذكاء التوتر مع الغرب”، وأن هذا الأمر “تسبب في تفاقم المصاعب الاقتصادية الإيرانية”.

كما صرح المرشح والنائب السابق المحافظ، “على رضا زكاني” بأن “قيمة النموّ لدينا أصبحت 0.8 في المائة، وهذا رقم كارثي. نحن لدينا 3.5 ملايين من الأزواج الذين يعانون العقم”. وأضاف “أول قراراتي سيكون تقديم ضمان طبي/اجتماعي إلى هؤلاء الشبان، الذين يريدون أن يُنجبوا الأطفال ولم يتمكنوا”، ودعا المرشح للإنجاب، قائلاً:” إن أحد برامجنا لزيادة النمو السكاني هو تغطية تكاليف الإنجاب في البلاد، فضلاً عن تسهيل زواج الإيرانيين”.

وأشار إلى أنّ جزءاً كبيراً من المشكلات الكبرى للبلاد يتعلّق بالمصرف المركزي، قائلاً إنه كان هناك نوع من تقاذف المسؤولية بين المسئولين، في هذا الإطار، ولفت إلى أنّ المشكلات اليوم هي “انعدام العدالة، في مقابل التمييز والفساد، وطلبُ الحرية في مقابل الاستبداد”.

أما رئيس السلطة القضائية والمرشح المقرب من المرشد الأعلى، إبراهيم رئيسي، فقد صرح بإن عدم تطبيق العدالة في توزيع الطاقات والثروات، يؤدي إلى ترسيخ الشرخ الطبقي في المجتمع، ووجود تفاوت في رواتب موظفي بعض المؤسسات الإيرانية، قائلا: “لا بد من صرف الرواتب على أساس العدالة”، ردّاً على سؤال يتعلق بالفوارق الطبقية لدى الشعب الإيراني.

ورأي المرشح أمير حسين قاضي زاده هاشمي، أنّ واحدة من مشاكل النظام الإداري الحالي هي طريقة تقسيم الوظائف والواجبات، واعتبر أنه يجب أن يتم حذف “الكنكور” (المسابقات الحكومية التي تحدّد التحاق الطلاب بالجامعات وفقاً لعلاماتهم)، وانتقد الوضع في إيران خلال حكومة حسن روحاني حيث شهدت “ارتفاعاً ملحوظاً في الهجرة، وارتفعت أرقام العاطلين من العمل من فئة الشبان”، وفي هذا الإطار، قال إنّ “حكومة السلام (اسم حكومته) ستعمل على مواضيع العائلة والشباب. والفاعلون الأساسيون في هذه الحكومة، سيكونون من الشبّان”.

من جهته، اعتبر المرشح الإصلاحي “محسن مهر علي زاده” أن “مطالب السيد رئيسي للحدّ من الطبقية، ليست كاملة ولا تخصّصية”، وأشار، في هذا الإطار، إلى أن “لدينا 7 ملايين رب أسرة ليس لديهم راتب ثابت، وهناك، في الحد الأدنى، 3 ملايين منهم من دون أيّ راتب”. وقال “يجب، على الأقل، أن نعطي هؤلاء شيئاً يستطيعون من خلاله تأمين قُوت يومهم”، وبالنسبة إلى الحل الذي طرحه رئيسي بشأن مسألة الحدّ من الطبقية، علّق زاده بالقول “أردت أن أقول إنه غير قابل للتطبيق، وغير كامل”، كما وعد المرشح الشعب الإيراني بتلقيح كافة شرائحه بلقاح ضد فيروس كورونا خلال 3 أشهر.

حول الاتفاق النووي، قال “مهر زادة” في المناظرة الثانية الرئاسية، “يجب أن نتواجد لإحياء الاتفاق النووي ونعيد حقوق الشعب الإيراني الواردة في نص الاتفاق، علينا أن نساعد كي تصل المفاوضات إلى نتيجة”. وحول الحريات العامة، قال المرشح الإصلاحي: “يجب أن نتقبل نمط حياة الشباب كما هو، وإرشاد الفتيات وعدم رعبهم بسبب الحجاب”.

كما انتقد المرشح “سعيد جليلي”، ممثل المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” في المجلس الأعلى للأمن القومي، والذي يترشح للمرة الثانية، سياسات حكومة “حسن روحاني” في السنوات الثماني الماضية، وقال إن البنية التحتية للبلاد جاهزة للتحسين، داعياً إلى الاهتمام بالظروف المعيشية للإيرانيين وخاصة القرويين منهم.

وجدد “محسن رضائي” وعده بدفع إعانة مالية قدرها 450 ألف تومان وانتقد طريقة إدارة البلاد قائلاُ: ” إنه إذا أصبح رئيسا ًفسوف يطلب من المرشد “على خامنئي” حل المجلس الأعلى للثورة الثقافية.

تعميق الفجوة بين الرجال والنساء:

إن التحدي الأهم بالنسبة للإيرانيات يتعلق بغيابهن الكامل عن هيئات اتخاذ القرار في الجمهورية الإسلامية، ويعد مسار حضور النساء سياسياً والذي لا يزال “طويلاً وصعباً”، حيث لم تطرح من الأساس مسألة تمثيل النساء في مناصب تنفيذية “بشكل جاد” في تصريحات المرشحين السبعة للانتخابات الرئاسية المقبلة، فالمرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات المرتقبة في 18 يونيو الحالي، رئيس السلطة القضائية المحافظ “إبراهيم رئيسي”، تجنب التطرق إلى ذلك، واكتفى بانتقاد وعود “روحاني” الرئيس الحالي في هذا المجال، من دون أن يوضح ما سيكون عليه توجهه، أما لدى المرشحين الذين تطرقوا إلى هذا الأمر، فتبدو الاختلافات شبه معدومة: المحافظ “محسن رضائي” تعهد بتسمية “وزيرتين على الأقل”، في حين وعد الإصلاحي “عبد الناصر همتي” بتعيين وزيرة “سيدة واحدة على الأقل”.

وفي الوقت ذاته أيضاً، توجّه أصوات نسائية انتقادات لاذعة إلى سجل الرئيس المعتدل، “حسن روحاني”، الرئيس الحالي الذي وعد عند انتخابه، قبل ثمانية أعوام، بتعزيز التحرر الاجتماعي، ولم يفِ “روحاني” بوعوده بإنشاء وزارة للنساء، وتسمية ثلاث وزيرات، بل إن ولايته الثانية شهدت انخفاضاً في عدد النساء اللواتي يتولين مناصب حكومية، وتتولى سيدتان فقط مناصب عليا في الحكومة الحالية، هما نائبة الرئيس لشؤون المرأة والعائلة “معصومة ابتكار”، ونائبة الرئيس للشؤون القانونية “لعيا جنيدي”.

وبالرغم من تخطى عدد الإناث في الجامعات الإيرانية عدد الذكور، وسط إقبال على التعليم العالي والشهادات الجامعية، مما يفتح للنساء مجالات أوسع في ميادين عدة أبرزها العمل، إلا أنه بعد أكثر من 40 عاماً على الثورة الإسلامية، فإن عدد النساء في مجلس الشورى حالياً هو 17 فقط (من أصل مجمل مقاعد البرلمان البالغ عددها 290)، مقارنة بأربع” في المجلس الذي انتخب عام 1980 بعد عام من انتصار الثورة وإسقاط حكم الشاه.

تأسيساً على ما سبق، وبتحليل ما كشفت عن مناظرات المرشحين، وما تناوله المراقبون للشأن الإيراني في مختلف وسائل الإعلام يمكن التأكيد على الأتي:

(*) وجه جميع المرشحون سهام النقد للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية رغم أن جميعهم كانت ولا تزال لهم مناصب في النظام، كما انتهزوا الفرصة لانتقاد منافسيهم، وانتقد جميعهم دون استثناء الوضع الراهن في البلاد وقطعوا وعودا لتحسين الوضع بغية كسب أصوات الناس.

(*) قد يبرز “علي لاريجاني” كمنافس أساسي “لرئيسي” من خلال استمالة قاعدة “روحاني”، حيث يفتقر الرئيس السابق للمجلس (البرلمان) إلى الجاذبية بالنسبة إلى عامة الناس ولا يتمتع بقاعدة ناخبين قوية خاصة به، ومع ذلك، لا يزال بإمكان “لاريجاني” أن يجعل نفسه كمرشح تسوية من خلال جذب البراجماتيين الذين لا يريدون رؤية رئيسي في منصب الرئاسة.

(*) سيحاول “رئيسي” على الأرجح توحيد المعسكر المحافظ خلفه أكثر فأكثر، مع التركيز على برنامجه المعروف لمكافحة الفساد واستخدام مرشحين متشددين آخرين في الوقت نفسه لمساعدته وحمايته خلال المناظرات الرئاسية.

(*) ربما يقود “رئيسي” حملة ليصبح أيضاً المرشد الأعلى، حيث أن النظام كان يهيئ رئيسي لخلافة خامنئي منذ بضع سنوات، وذلك من خلال اتخاذ بعض الإجراءات مثل رَفعه إلى رتبة آية الله وجَعل وسائل الإعلام الحكومية تربط صورته مراراً وتكراراً بصورة خامنئي، وعلى الرغم من أن الفوز بالانتخابات الرئاسية لا يشكّل شرطاً مسبقاً للوصول إلى منصب المرشد الأعلى، إلا أنه يمكن أن يحسن موقع “رئيسي” في هذا الصدد. وعلى كل حال، لم تشهد الجمهورية الإسلامية في تاريخها سوى عملية انتقالية واحدة كهذه، وكان الخلف المختار هو “خامنئي” الذي كان رئيساً آنذاك.

د.سهرة القاسم

خبير مشارك في شئون الأمن الإقليمي. حاصلة على الدكتوراه في تخصص أثر التنافس التركي الإيراني على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى