متغيرات جديدة: ما هي دلالات الزيارة المفاجئة لوزيري الخارجية والري المصريين للسودان؟
استمراراً للتطورات المتلاحقة التي يشهدها ملف سد النهضة، قام وزيرا الخارجية والموارد المائية المصريان “سامح شكري” و “محمد عبد العاطي” بزيارة مفاجئة إلى السودان في الـ 9 من يونيو الجاري على رأس وفد من الفنيين والقانونيين، حيث التقى الوفد المصري خلال هذه الزيارة برئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق “عبد الفتاح البرهان” ورئيس الوزراء “عبد الله حمدوك”، فضلاً عن الاجتماع بوزيرة الخارجية السودانية “مريم صادق المهدي” ووزير الري “ياسر عباس”، وقد حمل توقيت هذه الزيارة وتشكيل الوفد المصري القائم بها العديد من الدلالات الهامة، خاصةً وأنها تأتي في ظل العديد من المتغيرات التي تهيمن على ملف سد النهضة.
بيان مشترك:
بعد مباحثات مطولة بين الوفد المصري ونظيره السوداني وصفتها وزيرة الخارجية السودانية “مريم المهدي” بأنها أتسمت بـ”التفهم المتبادل”، تم بحث تطورات ملف سد النهضة والمخاطر الجدية والآثار الوخيمة المترتبة على التعنت الإثيوبي ومضيها قدماً في عملية الملء الثاني بشكل أحادي، وقد صدر بيان مشترك عن الجانبين، أشار إلى اتفاق البلدين على عدة نقاط جوهرية، تمثلت أبرز ملامحها في العناصر التالية:
(*) التأكيد على أن عملية الملء الأحادي للسد من قبل إثيوبيا سيفرز مخاطر جدية وتداعيات وخيمة على دولتي المصب.
(*) ضرورة تنسيق جهود البلدين على المستوى الإقليمي والقاري والدولي لدفع إثيوبيا للتفاوض بحسن نية وإرادة سياسية حقيقة للوصول إلى اتفاق ملزم وشامل بشأن عملية ملء وتشغيل السد.
(*) أهمية التدخل النشط للمجتمع الدولي لحماية السلم والأمن الإقليميين بعدما وصلت المفاوضات التي يرعاها الإتحاد الإفريقي إلى طريق مسدود، وذلك للضغط على إثيوبيا لوقف تعنتها وسياساتها التي تستهدف فرض الأمر الواقع.
تطورات متلاحقة:
تأتي هذه الزيارة في إطار جملة من المتغيرات التي تصبغ السياق الإقليمي المرتبط بملف سد النهضة، تتمثل أبرز هذه المتغيرات في العناصر التالية:
(&) زيارة الرئيس الكيني “ أوهورو كينياتا” إلى إثيوبيا في الـ 8 من يونيو الجاري، وذلك لحضور مراسم إصدار رخصة الاتصالات لشركة “سفاري كوم” الكينية التي فازت بتشغيل رخصة اتصالات الهاتف المحمول في أديس أبابا ضمن مجموعة Global Partnership، لكن لم تقتصر أهداف هذه الزيارة فقط على هذا الأمر، بل أن هناك بعض التقارير التي أشارت إلى احتمالات أن تمثل كينيا أحد الأطراف الوسيطة في محاولة حلحلة الأزمة الخاصة بملف سد النهضة، وربطت هذه التقارير بين زيارة الرئيس الكيني لإثيوبيا بزيارة المبعوث الأمريكي لمنطقة القرن الإفريقي “جيفري فيلتمان” إلى كينيا قبيل زيارة “كينياتا” لأديس أبابا بأيام قليلة.
وقد رجحت هذه التقارير أن واشنطن، ربما باتت غير راغبة في عقد لقاءات مباشرة مع رئيس الحكومة الإثيوبية “آبي أحمد” ومن ثم فقد أرسلت واشنطن الرئيس الكيني لبحث ملفات سد النهضة وإقليم التيجراي ومشكلة الحدود الإثيوبية- السودانية مع “آبي”، خاصةً وأن زيارة الرئيس الكيني لإثيوبيا كان قد سبقها زيارة تمهيدية من قبل وزير الخارجية الكيني ” راشيل أومامو” ناقش خلالها مع وزير الدولة للشئون الخارجية الإثيوبية “رضوان حسين” العديد من القضايا الإقليمية، وفي أعقاب هذه المباحثات أعلن “رضوان حسين” أن أديس أبابا ملتزمة بإيجاد حلول سلمية لأزمة سد النهضة.
(&) إعلان وزير الري الإثيوبي “سيلشي بيكيلي” عن فشل بلاده في عملية إتمام الملء الثاني بالكمية المحددة سلفاً، حيث أشار الوزير الإثيوبي أن أديس أبابا ستشرع في عملية الملء الثاني للسد في 22 يوليو المقبل، بيد أن هناك إشكاليات قائمة تعيق إمكانية إتمام عملية تعلية السد للمستوى المطلوب لإتمام عملية الملء الثاني بالكمية المطلوبة وهي 13.5 مليار متر مكعب، ومن ثم سوف تتوقف عملية التعلية عند 573 متراً بحد أقصى، وهو ما يعني أن الكمية التي يمكن تخزينها في عملية الملء الثاني سوف تقتصر على حوالي 4- 5 مليار متر مكعب، وعلى الرغم من أن حتى هذه الكمية الأخيرة بات محل شك لاحتمالات عدم قدرة أديس أبابا للوصول إلى التعلية المذكورة عند 573 متراً، بيد أن القاهرة والخرطوم يبدو أنهما تسعيان لدراسة وتنسيق كافة الخيارات السياسية والدبلوماسية ضد أديس أبابا، وذلك نظراً لإصرار الأخيرة على المضي قدماً في عملية الملء الثاني بشكل منفرد دون التوصل إلى إتفاق ملزم مع دولتي المصب، وهو ما يمثل تهديداً للأمن والسلم الإقليميين.
(&) التصريحات الأخيرة التي صدرت عن رئيس الوزراء “آبي أحمد”، والتي أعلن خلالها أن أديس أبابا عازمة على بناء 100 سد أخرى، في رسالة استفزازية لمصر والسودان مفادها أن الأمر لن يتوقف على سد النهضة، فضلاً عما تحمله هذه التصريحات من دلالات أخرى تشير إلى أن إثيوبيا سوف تمضي قدماً في عملية الملء الثاني لسد النهضة دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب.
(&) تصريحات وزير الخارجية المصري “سامح شكري”، في وقت سابق بشأن التداعيات المحتملة لسد النهضة على مصر، والتي أدت إلى لبساً وجدلاً لدى البعض الذي فهم كلمات الوزير المصري باعتبار أنه يقلل من شأن تأثيرات سد النهضة على الداخل المصري، وهو ما نفته وزارة الخارجية في وقت لاحق كما وأوضحت أن ثمة لبس حدث في فهم تصريحات “سامح شكري”، فضلاً عن توضيح وزير الموارد المائية والري “محمد عبد العاطي” أن النهضة يمكن أن يفرز تداعيات خطيرة على دولتي المصب حال عدم التوصل إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا قبل البدء في عملية الملء الثاني، ومن ثم ربما تأتي زيارة الوفد المصري للخرطوم لتوضيح الصورة للجانب السوداني، والتأكيد على استمرار التنسيق الكامل في المواقف والتصريحات بين مصر والسودان، ولعل هذا ما عكسه البيان المشترك الصادر في إطار هذه الزيارة الأخيرة والذي أكد على جدية المخاطر والتداعيات الوخيمة المترتبة على عملية الملء الثاني المنفرد من قبل إثيوبيا.
(&) انتهاء المناورات العسكرية “حماة النيل”، فقد انتهت قبل أيام قليلة المناورات العسكرية المشتركة بين مصر والسودان “حماة النيل” والتي مثلت وجهاً هاماً للتعاون العسكري بين القاهرة والخرطوم، ورسالة قوية للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية بأن كافة الخيارات مطروحة في إطار حماية الحقوق المشروعة للبلدين ومواجهة أي تهديدات محتملة للأمن المائي لكليهما، في خطوة جعلت الكثير من التقارير تشير إلى أن الخيار العسكري بات أقرب من أي وقت مضي في ظل استمرار التعنت الإثيوبي الذي يدفع بالمنطقة إلى صراعات غير محسوبة العواقب.
(&) الجولة الإفريقية التي قامت بها وزيرة الخارجية السودانية “مريم صادق المهدي“، فقد قامت الأخيرة بجولة إفريقية التقت خلالها برؤساء نيجيريا وغانا والسنغال والنيجر، وعمدت “مريم المهدي” على أن يضم الوفد المرافق لها عناصر دبلوماسية وفنية وقانونية لبحث الموقف المصري والسوداني لدول القارة الإفريقية وحشد مزيد من الدعم لموقف القاهرة والخرطوم فيما يتعلق بملف سد النهضة، ومن ثم يبدو أن أحد أبعاد زيارة الوفد المصري هو مناقشة النتائج التي حققتها الجولة الإفريقية لوزيرة الخارجية السودانية.
دلالات هامة:
(*) التأكيد على أن الخيار الدبلوماسي والسلمي لا يزال يمثل أولوية مصر والسودان لحل أزمة سد النهضة، حيث يعكس تشكيل الوفد المصري الذي قام بالزيارة والمتكون بالأساس من وزيري الخارجية والموارد المائية والري -فضلاً عن الوفد الفني والقانوني المرافق- دلالات هامة بأن القاهرة والخرطوم لا تزال تفضل التسوية السياسية للأزمة.
(*) بحث الخيارات القانونية والدبلوماسية المتاحة، إذ أن التشكيل الفني والقانوني للوفد المصري والاجتماعات التي عقدت مع الجانب السوداني تعكس أن ثمة تنسيق وبحث بين الجانبين بشأن الخيارات المتاحة حال أصرت إثيوبيا على الملء المنفرد للسد، حتى وإن كان هذا الملء أقل بكثير عن الملء المخطط له والذي كان مقدراً بنحو 13.5 مليار متر مكعب، بيد أن إقدام أديس أبابا بعملية أحادية دون التوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب يمثل انتهاكا لاتفاقية المبادئ وتهديداً للسلم والأمن الإقليميين، وهو ما يستلزم تصعيداً من قبل القاهرة والخرطوم ضد الحكومة الإثيوبية من خلال التوجه المحافل الدولية وربما مجلس الأمن، ولعل هذا ما يفسر وجود عناصر قانونية من قبل الجانبين في الاجتماعات الأخير بين وفدي البلدين، فضلاً عن إشارة البيان المشترك إلى ضرورة التدخل الدولي لدرء المخاطر المتصلة باستمرار النهج الإثيوبي لفرض الأمر الواقع، وفي هذا الإطار يرجح أن تشهد الأيام المقبلة تحركاً مصرياً – سودانياً مشتركاً على المستوى الدولي، فضلاً عن التحضير لاجتماعات قريبة مع مسئولين أمريكيين وأوروبيين، ومن ثم فالقاهرة والخرطوم تُعدان ملفاً فنياً وقانونياً موحداً استعداداً لهذه الاجتماعات.
(*) استمرار التنسيق والتحالف المصري – السوداني وتبادل المعلومات بشأن التطورات الإنشائية المرتبطة بسد النهضة، حيث تحمل هذه الزيارة دلالات هامة أيضاً بشأن استمرار التنسيق بين القاهرة والخرطوم على كافة المستويات، وتنامي درجة التحالف والارتباط بين البلدين مما يعزز من جهودهما وتحركاتهما الإقليمية والدولية الرامية إلى حماية أمن ومصالح البلدين، والحيلولة دون أي محاولة من قبل البعض لفك هذا الارتباط والتنسيق الثنائي، وفي هذا الإطار أشارت بعض التقارير أن الاجتماع الأخير بين الوفد المصري ونظيره السوداني شهد اتفاقاً بشأن تبادل المعلومات بين البلدين حول التطورات الإنشائية الخاصة بسد النهضة وقدرة الحكومة الإثيوبية على إتمام عملية الملء والتخزين.
في الأخير، تعكس الزيارة الأخيرة التي قام بها وزيرا الخارجية والري للسودان الكثير من الدلالات بشأن مستوى التنسيق بين القاهرة والخرطوم والإعداد المشترك لكافة التحركات لحماية حقوقهما المشروعة في مياه النيل، كذلك تشير هذه الزيارة إلى وجود ترتيبات يتم التحضير لها بين البلدين لطرح الملف على المجتمع الدولي والمطالبة بضرورة تدخل دولي سريع وحاسم لوقف التعنت الإثيوبي وإصرار أديس أبابا على الملء المنفرد دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب، وهو ما يمثل تهديداً صريحاً للسلم والأمن الإقليميين، وذلك بعدما ثبت للجميع عدم فاعلية الدور الذي يقوم به الإتحاد الإفريقي منفرداً في هذا الملف، وعلى الرغم من وجود بعض التقارير التي رجحت احتمالات رضوخ إثيوبيا لفكرة التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان ولكن بعد نهاية الانتخابات البرلمانية المرتقبة في 21 يونيو الجاري، بيد أن القاهرة والخرطوم باتتا تستعدان لكافة الاحتمالات عبر تنسيق شامل بينهما.