ماذا قصد الرئيس ” السيسي” بإعلانه عن “الجمهورية الجديدة”؟

خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة في الـ 9 من مارس 2021 وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي تحركات الدولة المصرية في اتجاه التطوير الكلى والشامل لكافة القطاعات في السنوات الأخيرة بـ “إعلان جهورية جديدة وميلاد دولة جديدة بافتتاح العاصمة الإدارية”.

ووفقاً لمضمون كلمات ” الرئيس” التي وصف فيها المشروعات الجديدة التي تفتتحها مصر خلال فترة المقبلة- ستكون مصر بمجرد افتتاح العاصمة الإدارية فى النصف الثانى من العام الحالى، بمثابة جمهورية، خاصة وأن العاصمة الإدارية ستشكل رمز حضاري مهم له دلالة على الانتقال من ماضي عانت فيه الدولة من تكدس سكاني وازدحام مروري، وتهالك البنية التحتية للمباني الحكومية، إلى مجتمع التحول الرقمي.

 وأيضا الانتقال الجديد لمصر لم يقتصر على عاصمة الدولة بل يتضمن افتتاح عددا كبيرا من المشروعات القومية الخاصة بالطرق والمدن الجديدة، وعليه ستشهد مصر عصرًا جديدًا قائمًا على التكنولوجيا والتحول الرقمي والتطور العمرانى، واقتصادًا قويًا ومتنوعًا قادرًا على مواجهة أية تحديات، وجاذبًا للاستثمارات الأجنبية وذو مركز إقليمي قوى وفكر جديد.

تأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى أبرز ملامح الجمهورية الجديدة، والتي تمثل عصرًا جديدا فى التاريخ المصرى، يختلف عن جميع ما سبقه من عصور فى حجم الإنجازات والطفرة التى شهدها الاقتصاد، حيث يتم إطلاق مصطلح “الجمهورية الجديدة” عندما يتم تصميم جمهورية جديدة تقضى على كافة أوجه القصور التي كانت بالجمهورية القديمة.

تطوير الحجر (مرحلة بناء المدن واحتياجاتها):

منذ العام الأول لتولى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” رئاسة الجمهورية، جاء قطاع الإسكان من ضمن أولويات الحكومة، والذي شهد طفرة غير مسبوقة، من خلال المشاريع العديدة والمبادرات الرئاسية التي تمت في هذا القطاع خلال الفترة (2014- يونيو2020)، والتى تنوعت ما بين إنشاء وحدات الإسكان الاجتماعي وطرح أراضى للبناء بمختلف المحافظات، ومبادرة “سكن لكل المصريين”، وخطط التطوير العمرانى لعواصم المحافظات والمدن الكبرى وحصر الأراضي الفضاء غير المستغلة.

كذلك اهتمت القيادة السياسية في مصر بإنشاء مدن جديدة، وهى مدن الجيل الرابع، والتي تعتبر نقطة التحول في القطاع العقاري بمصر، ويبلغ عددها نحو 20 مدينة، من المنتظر أن تستوعب نحو 30 مليون نسمة، ومن أبرز هذه المدن: العاصمة الإدارية الجديدة، العلمين الجديدة، الجلالة، المنصورية الجديدة، الإسماعيلية الجديدة، غرب أسيوط، شرق بورسعيد، غرب قنا.

وتأتى العاصمة الإدارية الجديدة على قمة التطوير العمراني الذى تشهده مصر حاليا، حيث ستكون هذه العاصمة مقر مركز قيادة الدولة الاستراتيجي، ومركز سياسى وثقافي واقتصادى رائد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتعتبر بمثابة مرحلة تثبيت الأركان على أسس جديدة، حيث تضم أيضًا مدينة المال والأعمال، وهو مركز يخدم القاهرة الكبرى ومحافظات قناة السويس الثلاث (بورسعيد، الإسماعيلية، السويس)، وسيكون من أكبر المراكز في الشرق الأوسط ما يخدم توجه الدولة الساعية إلى دعم مستقبل نفوذها في المنطقة ليشكل ركيزة لمشروعاتها الاقتصادية في البحر المتوسط وتأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس.

وفيما يخص ملف تطوير العشوائيات، فحتى نهاية عام 2020، تم تنفيذ 165.958 ألف وحدة فى 298 منطقة تم تطويرها بتكلفة 41 مليار جنيه، وجارى تنفيذ 74.927 ألف وحدة أخرى، فى 59 منطقة جارى تطويرها بتكلفة 22 مليار جنيه، كما تم تطوير 53 منطقة غير مخططة، وجار تطوير 17 منطقة أخرى بتكلفة إجمالية 318 ملیار جنيه، ومن المشروعات التي تم تنفيذها بشائر الخير(1،2،3) بالإسكندرية، حى الأسمرات (1،2)  بالمقطم، المحروسة (1،2) بمدينة السلام، وأهالينا (1،2) بمدينة السلام.

كما أعطت الحكومة المصرية أولوية لتطوير وتوسيع مشروعات المياه والصرف الصحى بمختلف محافظات الجمهورية خلال الفترة (2014-2020)، ففى مجال مياه الشرب، تم الانتهاء من تنفيذ 295 مشروعا بتكلفة 38.5 مليار جنيه، وجارى تنفيذ 62 مشروعا وذلك بتكلفة 8.3 مليار جنيه. أما فى مجال الصرف الصحى بالمدن، فقد تم الانتهاء من تنفيذ 194 مشروعا بتكلفة 20 مليار جنيه، كما تم الانتهاء من الأعمال الإنشائية لـ 54 محطة للمعالجة الثنائية والثلاثية، تصرف على المجارى المائية القريبة من نهر النيل بالصعيد بطاقة 1.2 مليون م3/ يوم بتكلفة 8.9 مليار جنيه، وجارى تنفيذ 35 مشروعة بتكلفة 6.2 مليار جنيه، وفى المناطق الريفية، فتم الانتهاء من توصيل خدمات الصرف الصحى لـ703 قرية بتكلفة 5.6 مليار جنيه، وجارى توصيل خدمات الصرف الصحى إلى 169 قرية بتكلفة 7.5 مليار جنيه.

هذا إلى جانب المشروع القومي لتطوير وتنمية قرى مصر وهو المشروع الجارى تنفيذه بعد إعلان مجلس الوزراء برئاسة “مصطفى مدبولى فى 27 يناير 2021 إطلاقه ضمن مبادرة “حياة كريمة”، ويعتبر المشروع الأضخم من نوعه لتطوير البنى التحتية في محافظات مصر وتحسين حياة المواطنين، لاسيما محافظات الصعيد، والتي عانت لسنوات عديدة من الإهمال وسوء الخدمات الأساسية في بعض القرى والنجوع، بل وغيابها في مناطق أخرى كخدمات الصرف الصحي والمياه، ويستهدف هذا المشروع رفع كفاءة وتطوير 4741 قرية وتوابعها 30888عزبة وكفرا ونجعا، في إطار التغيير الجذري لحال وواقع قرى الريف وتوابعها من عزب وكفور ونجوع من كافة جوانب البنية الأساسية والخدمات، والنواحي المعيشية والاجتماعية والصحية.

التخفيف على البشر (شبكة طرق جديدة ورفع الكفاءة):

في ظل الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التنمية المستدامة، شهدت البنية التحتية للطرق في مصر طفرة غير مسبوقة منذ تولى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” فترة ولايته الأولى عام 2014، بتنفيذ مشروعات عملاقة لأول مرة في تاريخ مصر، والتي جاء أبرزها المشروع القومي للطرق والكباري بأطوال 7000 كيلو متر، ورفع كفاءة وتطوير وصيانة الطرق والكبارى، مما ساهم في ارتفاع ترتيب مصر العالمي بالنسبة لجودة الطرق، حيث تحسن ترتيب مصر فى مؤشر جودة الطرق واحتلت الترتيب 28 من بين 141 دولة عام 2019، مقارنة بالترتيب 122 عام 2013، متقدمة بذلك 94 مركز، وارتفعت قيمة المؤشر إلى 5.1 درجة، بدلا من 2.7 درجة عام 2013.

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على تقرير التنافسية العالمية لسنوات مختلفة.

انعكاسات داخلية:

عدة مشروعات سيتم افتتاحها في اطار الجمهورية الجديدة تنعكس على مستوى حياة الموطنين بشكل سريع سواء على مستوى الدخل أو الصحة أو الغذاء، وذلك على النحو التالي:

 (*) جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى: بدأت مصر فى تطبيق المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى منذ نوفمبر 2016، فى ظل ظروف صعبة كان يمر بها الوضع الاقتصادى، وقامت هذه المرحلة على معالجة الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بتعويم الجنيه المصرى وتنفيذ برنامج لضبط الأوضاع المالية العامة مدته ثلاث سنوات للحد من العجز الشديد في الميزانية، وتشديد السياسة النقدية لاحتواء ضغوط التضخم، والإصلاحات التي بدأت لمعالجه الدعم غير الفعال للطاقة، بالإضافة إلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وتحسين مناخ الأعمال التجارية.

وبعد النجاحات التى حققها الاقتصاد المصرى فى ظل تطبيق المرحلة الأولى، والتى أدت إلى تحقيق أعلى معدل نمو له منذ 11 عاما، بلغ 5.6% للعام 2018/2019 ومقارنة بـ 2.2% عام 2012/2013، وساعدت على الصمود فى مواجهة تداعيات جائحة كورونا خلال الموجة الأولى والثانية للجائحة، والتى مازالت تداعياتها السلبية مؤثرة على الاقتصاد العالمى وآفاقه المستقبلية- أعلن رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” خلال مؤتمر صحفى فى 27  أبريل 2021، عن إطلاق البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية ذات الأولوية لمدة ثلاث سنوات National Structural Reform Programme))، والذي يمثل المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح، ويستهدف تحقيق نمو اقتصادى يتراوح بين 6-7% وخفض العجز الكلي للموازنة إلى 5.5 % بحلول عام 2023/2024.

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات وزارة المالية.

ويشتمل برنامج الإصلاح الهيكلي الوطني National Structural Reform Programme)) على عددا من النقاط الأساسية، تجعله البرنامج الأول من نوعه الذي يستهدف القطاع الحقيقي بإصلاحات هيكلية جذرية وهادفة، ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة لمواجهة التحوّلات الجذرية التي طرأت مؤخرًا، حيث تتركز الأهداف الرئيسية لبرنامج الإصلاح الهيكلي الوطني في زيادة مرونة الاقتصاد المصري، وزيادة معدلات التشغيل وتوفير فرص عمل جديدة ولائقة، بالإضافة إلى رفع قدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات الخارجية والداخلية، وتحويل مساره إلى اقتصاد إنتاجي يتمتع بمزايا تنافسية، ومنتجًا للصناعات الموجهة نحو التصدير بما يحسن من ميزان المدفوعات.

(*) تغيير واقع الحياة الصحية: جاء قطاع الصحة ضمن أولويات القيادة السياسية بمصر منذ تولى الرئيس “عبد الفتاح السيسي” فترة ولايته الأولى عام 2014، وهو ما برز بشكل واضح عبر إطلاق سلسلة من المبادرات والبرامج والحملات العامة المجانية فى عام 2018،  تحت شعار “100 مليون صحة”، والتى تستهدف علاج الأمراض غير السارية، والقضاء فيروس سي، وحماية صحة المرأة والأطفال وعلاج الإدمان وإنهاء قوائم الانتظار.

هذا بالإضافة إلى وجود منظومة للتأمين الصحى الشامل لأول مرة فى مصر صدق عليها الرئيس “السيسى” في منتصف عام 2018، وأعلن إطلاق إشارة البدء بها  في محافظة بورسعيد فى يوليو 2019، وتطبق هذه المنظومة على 6 مراحل مقسمة حسب محافظات مصر خلال ١٥ عامًا، وتستهدف المنظومة تحقيق الرعاية الصحية لكل مواطن في الرعاية الصحية المتكاملة، من خلال توفير العلاج والتغطية الصحية الشاملة لكافة المصريين بأعلى جودة وأقل تكلفة ممكنة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة مع ضمان التوزيع العادل والمساواة بين المواطنين، بالإضافة إلى ضمان كفاءة منظومة التأمين الصحي واستمراريتها وتحقيق التغطية الوقائية الشاملة والتدخل المبكر بما يكفل الحماية المالية لغير القادرين.

(*) استعادة مكانة مصر الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل: حقق القطاع الزراعي المصرى العديد من الإنجازات والتطورات خلال السنوات السبع الأخيرة، انعكاسًا للجهود الكبيرة التى قامت بها الحكومة المصرية، والتى هدفت إلى استعادة مكانة مصر القديمة كدولة زراعية كبرى وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل، من خلال تعظيم الفرص الإنتاجية الكامنة في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي، وإقامة مشروعات قومية هى الأضخم من نوعها فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كان أخرها إعطاء الرئيس “السيسى” إشارة البدء فى مشروع “الدلتا الجديد” فى نهاية مارس 2021، والذى سُيقام على مساحة 1.5 مليون فدان بالساحل الشمالى الغربى منطقة محور الضبعة.

(*) قطاع صناعي واعد: لم تغفل الدولة المصرية أهمية القطاع الصناعى وخلق نهضة صناعية تشكل علامة فارقة فى تاريخ الاقتصاد المصرى، وتم هذا من خلال عدة اتجاهات يتمثل أبرزها فى إنشاء المجمعات الصناعية والتى يبلغ عددها 17 مجمعا بـ 15 محافظة بتكلفة استثمارية إجمالية بلغت حوالى 10 مليار جنيه، ويجرى الانتهاء من 13 مجمعا منهم، هذا إلى جانب إصدار قانون تيسير إجراءات منح التراخيص الصناعية وإصدار لائحته التنفيذية و إطلاق أول خريطة متكاملة للاستثمار الصناعي في مصر وتشمل 27 محافظة وإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تفضيل المنتجات الصناعية المصرية في العقود الحكومية لحماية الصناعة المصرية، و إطلاق البرنامج القومي لتعميق التصنيع المحلي والذي يستهدف الارتقاء بتنافسية الصناعة المصرية وإحلال المنتجات الوطنية محل المستوردة وايجاد قاعدة صناعية من الموردين المحليين.

انعكاسات خارجية (تحول مصر إلى مركز إقليمى فى الطاقة):

شهد قطاع الطاقة فى مصر إنجازات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، أدت إلى تغيير مشهد الطاقة بالكامل والقضاء على الفجوة  الكبيرة بين الطلب والعرض، وظهرت تلك الإنجازات فى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء وتصديرها إلى الخارج، وفوز مشروع توليد الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان بمحافظة أسوان بالجائزة السنوية كأفضل مشروعات البنك الدولي للعام 2019 تميزاً على مستوى العالم، وتحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، وأصبحت ضمن أكبر 20 دولة على مستوى العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي؛ وثالث أكبر منتج له فى القارة الأفريقية بعد كل من الجزائر ونيجريا، وواحدة من ضمن الدول العشرة الأولى على مستوى العالم التى تمتلك احتياطيات كبرى من الغاز الطبيعي بالمياه العميقة وفقاً لتقديرات الموقع الأمريكي “Global Data energy.

حاصل القول، على الرغم مما يثيره مصطلح “الجمهورية الجديدة” التى أكد الرئيس “عبد الفتاح السيسى” على الإعلان عنها بمجرد افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة، من تساؤلات عن المضمون الشامل له وما إذا كان المقصود به التطور العمرانى ووجود مقر جديد لمركز قيادة الدولة الاستراتيجي أم شبكة الطرق التى يجرى إنشاؤها والانتهاء منها أم الطفرة التى شهدها الاقتصاد المصرى، إلا أن كل الإنجازات التى حققتها الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة تؤكد أن “الجمهورية الجديدة” ما هى إلا عصر جديد ستشهده مصر بجنيها جزء كبير لثمار تلك الإنجازات والإصلاحات والمشروعات القومية، والتى ستجعل جميعها مصر دولة قوية قادرة على المنافسة فى الاقتصاد العالمى وأكثر تأثيرا فى محيطها الإقليمي.

قمر ابو العلا

باحثة مشاركة بوحدة دراسات مصر، وباحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، شاركت في العديد من التقارير والدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الشئون المصرية والخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى