مؤشرات عاكسة: هل تهدد تركيا التموقع الفرنسى في منطقة الشمال المغربي؟

وردة عبد الرازق- باحثة بالمركز.

تمثل منطقة الشمال المغربي منطقة جديدة للتنافس التركي الفرنسي، خاصة بعد محاولة تركيا مزاحمة التواجد الفرنسي الذي تمثل له تلك المنطقة، بمثابة سوق مفتوح ومنطقة استثمار قديمة. ويرجع اهتمام تركيا بمنطقة الشمال المغربي، باعتبارها منصة هامة لمتابعة العديد من الملفات العالقة، منها المحافظة على درجة ما من تموقعها في ليبيا، فضلا عن مراقبة الوضع في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وباعتبارها سوق خصبة للمنتجات التركية، هذا بالإضافة إلى أن تلك المنطقة، هي الوحيدة التي ما زال يشارك فيها التيار الإسلامي السلطة، مثل حزب العدالة والتنمية في المغرب، وحركة النهضة في تونس، بالإضافة إلى الترحيب الدائم من قبل حركة مجتمع السلم الجزائرية ( حمس) بالنموذج الأردوغاني في التنمية –كما وصفه عبد الرزاق مقري رئيس الحركة أثناء زيارة  رجب طيب للجزائر في عام 2018.

مؤشرات عاكسة:

ثمة مؤشرات تشير إلى الرغبة التركية الجادة في التموقع بقوة في منطقة الشمال المغربي، يمكن رصد أهمها على النحو التالي:

(*) تزايد الاتصالات الرسمية والزيارات المتبادلة في السنوات الأخيرة ( الجهود الدبلوماسية ): منها زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدول المنطقة في أغسطس 2020، وذلك لمناقشة الوضع وقتها في ليبيا، فضلا عن كثافة الاتصالات الهاتفية بينه وبين بعض قيادات دول الشمال المغربي، كان أخرها مناقشة الأوضاع في غزة.

(*) المؤشرات الاقتصادية: أصبحت تركيا أكثر الدول استثمارا في الجزائر بأكثر من 4.5 مليار دولار، كما بلغ حجم التبادل التجاري بينهما أكثر من 4 مليارات دولار متفوقة على فرنسا، كما تنشط بالجزائر أكثر من 800 شركة في مجالات عدة، وتم إبرام 7 اتفاقيات خاصة بالتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة، ونتيجة لتلك النجاحات وجه السفير الجزائري لدى تركيا بالاستثمار في الجزائر، وتحاول تركيا الحفاظ على علاقاتها بالجزائر نظرا لكونها أكبر مورد للغاز، لذلك تم توقيع اتفاقية بشأن إمدادات الغاز حتى 2024م. كما تعتبر تونس وجهة للاستثمارات التركية؛ إذ يوجد بها حوالي 50 مؤسسة اقتصادية تركية وفرت العديد من فرص العمل. كما بلغت الاستثمارات التركية في المغرب أكثر من مليار دولار، ووقعت الدولتان على اتفاقية للتبادل الحر وتم تعديلها فيما بعد، ثم أقدمت تركيا على فتح سلسلة متاجر في منطقة العيون، وهو ما اعتبر اعتراف منها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

(*) المؤشرات العسكرية: وقعت تونس وتركيا في أواخر 2020 اتفاقا عسكريا قدمت تركيا من خلاله ما يقرب من 150 مليون دولار لتونس على شكل قروض بدون فوائد مقابل شراء معدات عسكرية تركية، كما نص الاتفاق على التعاون في إنتاج قطع الغيار والتصدير المشترك للمعدات العسكرية. وما يؤكد تعزيز العلاقات العسكرية بين تلك الأطراف، هو تصرح رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية إسماعيل ديمير التابعة للرئاسة التركية بأن “الصادرات إلى تونس بلغت 100 مليون دولار”، وذلك-حسب تصريحه- من أجل تعزيز مجالات الدفاع التونسي، وشملت المدرعات وأنظمة كهروضوئية ودبابات.

وفي ذات السياق، حصلت المغرب على 13 نظام من درون بيرقدار، كما تقدمت مؤخرا بطلب 12 طائرة بيرقدار TB2، والتي تعتبر واحدة من أكثر أنواع الطائرات المسيرة تطورا. وفي السياق نفسه؛ هناك تقدم ملحوظ في المجال العسكري بين الجزائر وتركيا، حيث تنفق الجزائر حوالي 10 مليارات دولار سنويا على الأسلحة، وتقوم تركيا بتقديم صفقات مربحة لها خاصة المدرعات من طراز كيربي وفوران وأنظمة مراقبة ورادارات.

(*) الأيديولوجيا: حيث يلقى النظام التركي ترحيبا من قبل التيار الإسلامي في دول الشمال المغربي الثلاثة، ففي المغرب تبدو هناك اتصالات دائمة بين حزب العدالة والتنمية المغربي ونظيره في تركيا، وفي الجزائر تعتبر حركة “حمس” إخوان الجزائر التيار الدعم لأردوغان في مواجهة الفرانكفونية، وفي تونس تبدوا العلاقات الأقوى بين النظام التركي وحركة النهضة ذات العلاقات المتجذرة مع حزب العدالة والتنمية التركي، حيث تسبب تحركات النهضة منفردة دون تجاه النظام التركي دون التنسيق مع السلطة التنفيذية خلال الفترة  السابقة في أزمة بين الرئيسين السابق الباجى قائد السبسى والحالي قيس سعيد وراشد الغنوشي رئيس الحركة.

الموقف الفرنسي:

بناءا على ما سبق، ونتيجة لقلق باريس من تزايد النفوذ التركي في المغرب العربي فضلا عن توتر العلاقات الفرنسية التركية في عدد من الملفات الأخرى- تعمل فرنسا على محاصرة تركيا من خلال إعادة تصحيح العلاقات مع دول الشمال المغربي، وخاصة الجزائر، وفتح الملفات العالقة مع الدول المغربية، والتي تمثل خلافات دائمة مع شعوبها أثناء ذكراها. فقد اعترف ماكرون من أجل أحياء التيار الفرانكفوني لموجهته للتيار الديني المرحب بالتواجد التركي- بالمسؤولية الفرنسية في كل ما حصل من مجازر أثناء الاحتلال. هذا بالإضافة إلى تنشيط فرنسا علاقتها الاقتصادية العسكرية مع دول الشمال المغربي. وبالتالي يمكن القول إن هناك مجموعة من التحديات تحاصر المد التركي في منطقة الشمال المغربي، وفي الوقت نفسه تدعم تثبيت التموقع الفرنسي في تلك المنطقة، وتتمثل أهم هذه التحديات في:

(&) الفرانكفونية: حيث يعتبر التيار الفرانكفوني واحداً من أهم التحديات التي تحد من التواجد التركي في دول الشمال المغربي، خاصة في ظل تمتع الفرانكفونية بامتيازات خصصت لها بموجب القانون في بعض الدول. وهو ما تمثل في الرفض الشعبي والإعلامي لزيارات أردوغان  للجزائر في  2020 وتونس 2019 فضلا عن فشل زيارته المخطط لها إلى المغرب، وذلك بسبب ازدياد تدخله خوفا من تكرار ما فعله بليبيا.

(&) الاستثمارات الفرنسية في الشمال المغربي: تمثل تلك الاستثمارات تحديا آخر للوجود التركي، لأنه وبالرغم من تنافس العديد من القوى الجديدة في شمال أفريقيا مثل تركيا والصين، إلا أن فرنسا ستظل تملك نصيب الأسد من الاستثمارات والمبادلات التجارية والصادرات والواردات وعلى مختلف الأصعدة. حيث تعتبر فرنسا المورد الأول لتونس، وتملك حجم استثمارات ضخمة وصلت إلى حوالي 1.2 مليار دولار، وبلغ عدد المؤسسات الفرنسية حوالي 1349 مؤسسة، ويبلغ الاستثمار الفرنسي في الجزائر حوالي 2.6 مليار يورو، ويوجد بها حوالي 450 مؤسسة، وقد بلغ إجمالي صادرات فرنسا للمغرب والجزائر فقط حوالي 29 مليار دولار.

(&) التعاون العسكري: يعتبر التعاون العسكري والأمني بين دول الشمال المغربي وفرنسا متجذراً، فقد قامت فرنسا العام الماضي ببيع أنظمة مدفعية من طراز قيصر للقوات الملكية بالمغرب بقيمة 200 مليون يورو، كما اشتركت فرنسا مع الجزائر وتونس في العديد من التدريبات والمناورات المشتركة البرية والبحرية الخاصة بالكشف عن الألغام ومكافحة الإرهاب والتجارب النووية، وبالتالي ستكون تركيا أمام مهمة شبه مستحيلة لتحويل دفة العلاقات مع دول شمال أفريقيا ناحيتها وتهميش فرنسا.

(&) المستجدات الإقليمية الجديدة: قد يتسبب التقارب التركي المصري حتى بلوغ مرحلته النهائية في تضاءل مستوى الدوافع التركية لاستمرار التوغل في منطقة الشمال المغربي، خاصة وأن مصر قد اختصرت عليها ذلك الطريق الطويل نظرا لتمكنها-مصر- من إدارة ملفات المنطقة سواء الليبي أو الفلسطيني، وملف شرق المتوسط، هذا بالإضافة إلى التقارب الأمريكي المصري الملحوظ بقوة خلال الفترة الأخيرة.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى