على خلفية أزمة “رايان إير”.. إلى أين تصل العقوبات الأوروبية الأمريكية على بيلاروسيا؟  

تسبب تحويل بيلاروسيا مسار طائرة الركاب “رايان إير” الإيرلندية التي كانت تعبر مجالها الجوي متوجهة من العاصمة اليونانية أثينا إلى العاصمة الليتوانية فيلنوس في مطار “مينسك” في 23 مايو الماضي، واعتقال معارض على متنها- في قيام كلًا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بفرض عقوبات على بيلاروسيا، بالإضافة إلى انضمام الأمم المتحدة إلى مطالبات إجراء تحقيق دولي.

وكانت مبررات الحكومة البيلاروسية بشأن هبوط تلك الطائرة على أراضيها تتمثل في ورود أنباء عن وجود قنبلة على متنها، إلا أن التحقيقات التي تم إجراؤها من قبل مكتب الادعاء العام في ليتوانيا قد أثبت عدم صحة ذلك الأمر، وفي سياق متصل، أثار هذا الحادث موجات من الغضب وردود فعل زلزالية، على اعتبار أن هذه الواقعة واحدة من أندر وقائع اعتراض الطائرات المدنية، والتي قد يكون لها تأثير على أعمال الشركات التي تعاني بالفعل من قيود السفر إثر جائحة فيروس كورونا.

تأسيسًا على ما سبق، فإن هذا التحليل يستعرض العقوبات الأوروبية الأمريكية المفروضة على بيلاروسيا اثر عملية القرصنة التي قامت بها مؤخرًا، فضلًا عن الموقف البيلاروسي من تلك العقوبات، بالإضافة إلى رد الفعل الروسي الداعم لها.

لكن قبل التطرق إلى تفاصيل التحليل، تجدر الإشارة إلى أن “رومان بروتاسيفيش” الذي تم اعتقاله من قبل السلطات البيلاروسية، هو مؤسس قناة “نيكستا” على تطبيق “تلغرام” التي تقوم بتصنيفها بيلاروس على أنها متطرفة، حيث قام ببث العديد من الفيديوهات التي تعارض حكومة الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو”، وذلك  أثناء الاحتجاجات التي قامت بها المعارضة في 9 أغسطس 2020، على إثر انتخاب لوكاشينكو للمرة السادسة، وقد تم توجيه الاتهامات من قبل المعارضة له بتزويرها.

عقوبات أوروبية أمريكية:

عقب اجتماع تم انعقاده في بروكسل في 24 مايو الماضي، قرر الاتحاد الأوروبي إغلاق مجاله الجوي أمام الطائرات التابعة لشركات الطيران في بيلاروسيا، حيث اتفق زعماء الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على منع شركات الطيران في التكتل من استخدام المجال الجوي لبيلاروسيا، متعهدين بفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها، وفي سياق متصل، طالبت الدول الأعضاء بالإفراج عن الصحفي المعارض البيلاروسي الذي تم احتجازه “رومان بروتاسيفيتش” وشريكته “صوفيا سابيجا”، كما دعت المنظمة الدولية للطيران المدني إلى ضرورة “التحقيق العاجل” في هذا الحادث، ومن المتوقع أيضًا فرض مزيد من العقوبات على صادرات النفط والبوتاس البيلاروسية، فتعتبر بيلاروسيا هي الأكبر تصديرا للبوتاس في العالم، حيث تقوم بتلبية ربع الاحتياجات الأوروبية.

ومن جانبها أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، فرض عقوبات على بيلاروسيا على خلفية أزمة طائرة “رايان إير” واجبارها على الهبوط في مينسك لاعتقال راكب معارض للنظام_ كما تم الاشارة سابقًا_، وقد صرحت في هذا الشأن المتحدثة باسم الرئاسة الأمريكية، “جين ساكي” – بأن هذا ارتكاب مثل هذا الفعل يمثل إهانة مباشرة للمعايير الدولية، أضافت أن العقوبات الامريكية تستهدف تسع شركات بيلاروسية مملوكة للدولة وأعضاء رئيسيين في نظام الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو”، وقد أشارت الى أن فرض مزيد من العقوبات على مينسك لا يزال خياراً مطروحًا.

رد فعل بيلاروسي:

صرح الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو”، قائلا إن “الهجمات” على بلاده قد تجاوزت “خطوطا حمراء”، في إشارة منه إلى العقوبات الأوروبية الأمريكية، حيث أن قطع خطوط الطيران يشكل ضربة مالية أخرى ضد بلاده، ستسفر عن  خسارة العديد من الإيرادات من الرسوم التي تقوم بدفعها شركات الطيران للتحليق فوق البلاد، فضلًا عن العقوبات وردود الفعل للسياسيين الغربيين تجاه بيلاروسيا مثل تبادل طرد الدبلوماسيين مع لاتيفيا، وبالتالي أعلنت من جانبها بيلاروس في 3 يونيو الجاري مجموعة من الإجراءات، ذلك ردًا على العقوبات الأمريكية، تنص على خفض عدد الطاقم الدبلوماسي والإداري والفني “في سفارة الولايات المتحدة في مينسك، فضلًا عن “تشديد الإجراءات المتعلقة بمنح التأشيرات”، بالإضافة إلى قيامها بسحب الرخصة الممنوحة للوكالة الأميركية لمساعدات التنمية (USAD)، والتي كانت تخوّلها العمل على أراضيها.

وفي هذا السياق صرح أيضًا الناطق باسم الخارجية البيلاروسية “اناتولي غلاز” بأنه لا يمكن ترك هذا التصرف غير الودي من دون رد، في إشارة منه على أن العقوبات الاقتصادية الأميركية على تسع شركات رسمية في بيلاروس أصبحت نافذة، كما أضاف بأن هذه التصرفات تعتبر غير قانونية وتنتهك القانون الدولي وتهدف إلى الضغط على دولة تتمتع بالسيادة، على اعتبار أن هذه العقوبات ستؤثر خصوصاً على مواطنين بيلاروس عاديين.

دعم روسي:

وعن رد فعل روسيا إزاء أزمة “رايان إير”، والعقوبات الأوروبية الأمريكية على بيلاروسيا، فقد تعهدت بحمايتها وتقديم الدعم اللازم لها، حيث دعت وزارة الخارجية الروسية، الغرب إلى الامتناع عن تطبيق “معايير مزدوجة” واتخاذ تدابير حيادية لتقييم الموقف برصانة، بالإضافة إلى عدم الكيل بمكيالين والابتعاد عن الانفعالات العاطفية، مع ضرورة التعاون مع سلطات الطيران في بيلاروسيا لتقييم الوضع حول طائرة “رايان إير”.

 وفي سياق متصل، أشار ممثلو وزارة الخارجية الروسية إلى أن الدول الغربية والمنظمات الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لم تتخذ إجراءات مماثلة مع الأحداث التي وقعت في وقت سابق بدول أخرى، حيث كان لديهم رد فعل مختلف على هذه الأحداث، وتأكيدا لذلك قامت الخارجية الروسية بتقديم مجموعة من الدلائل للاستشهاد، منها على سبيل المثال طائرة (موسكو- دمشق) التي أمرت المقاتلات التركية بهبوطها الاضطراري عام 2012، بعد تفتيشها ومصادرة حمولتها، في حادثة مشابهة أيضًا في عام 2013، تم تحويل مسار طائرة رئيس بوليفيا السابق “إيفو موراليس” خلال رحلة متجهة من موسكو إلى بوليفيا، للهبوط في فيينا للاشتباه في وجود الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، “إدوارد سنودن” على متنها، وفي وقت لاحق، تم فتح المجال الجوي الأوروبي للطائرة.

بالتالي فقد شددت وزارة الخارجية الروسية  على أن كل هذه الأعمال التي تم ذكرها، قد تم ارتكابها عمدا، وانتهكت القانون الدولي، ولم يكن هناك أي رد فعل حاسم وعملي من الغرب، كما لم تتم معاقبة أي من المذنبين.

خلاصة القول، لن تنتهي الأزمة بين حكومة بيلاروسيا متمثلة في الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو”، وبين كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها، بل قام مرات ومرات بإدانة حكومة لوكاشينكو بسبب ممارساتها الاستبدادية المناهضة للديمقراطية، حقوق الإنسان، وإذ لم تقم بالإفراج عن المعارض “رومان بروتاسيفيش”، فمن المتوقع فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية عليها، بالإضافة إلى حدوث أزمات دبلوماسية بينها وبين جميع الدول الأوروبية الرافضة والمنددة لتلك الفعلة.

نداء السيد حسن محمد

نائب رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي . حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ودبلومه في الدراسات الأفريقية، وماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى