ساحة ملتهبة: لماذا يتزايد نشاط الإرهاب في غرب إفريقيا؟

أعلن برنامج “مكافأة من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار، لمن يدلى بمعلومات عن “أبى عبيدة يوسف العنابى” زعيم تنظيم القاعدة في غرب إفريقيا، ولم يكن العنابى أول زعيم جماعة إرهابية يعلن البرنامج عن مكافأة لمن يدلى بمعلومات عنه في تلك المنطقة، فقد سبق إعلان مكافأة 7 مليون دولار، لمن يدلى بمعلومات عن “أبو بكر شيكاو” قبل مقتله، زعيم بوكو حرام في غرب إفريقيا، كما أدرج على قائمة المطلوبين “حمد الخيرى” زعيم، وأحد الأعضاء المؤسسين لحركة التوحدة والجهاد في غرب إفريقيا، مقابل مكافأة 5 مليون دولار، مما يوضح ارتفاع أعداد زعماء الإرهاب المطلوبين من منطقة غرب إفريقيا، وهو ما يعكس مدى خطورة منطقة غرب إفريقيا والساحل في تنامي نشاط الأعمال الإرهابية.

تأسيسا على ما سبق،  يمكن طرح التساؤل التالي، وهو: هل أصبحت منطقة غرب إفريقيا الساحة الرئيسية لنشاط الجماعات الإرهابية، وما دلالات الإعلان عن مكافأة للحصول على معلومات تفيد في القبض على هذه الأسماء؟، وما العوامل التي ساهمت في تصاعد نشاط الإرهاب في تلك المنطقة.

بؤرة إرهاب ملتهبة:

أدى تراجع الإمكانيات الأمنية المحلية والإقليمية، المبذولة في ملف مكافحة الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا، إلى تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية(القاعدة، بوكو حرام، داعش) في هذه المنطقة، حيث صنفت هذه المنطقة من العالم، بأنها أخطر المناطق من حيث تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، وفقا للتقرير السنوي لمؤشر الإرهاب العالمي 2020، فالمعطيات تشير إلى تحول شبه كامل لوجهة الجماعات الإرهابية من منطقة الشرق الأوسط، بعد تقويض نشاطها على يد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتمركز هذه الجماعات وتصاعد نشاطها في منطقة غرب إفريقيا والساحل.

وبالتالي، يمكن القول إن ثمة عوامل تشير وأدت إلى أن تصبح منطقة غرب إفريقيا بمثابة البيئة الأكثر احتضاناً للإرهاب بكافة تياراته خلال الفترة المقبلة، وهي:

(*) عوامل أمنية: عانت منطقة غرب إفريقيا والساحل، من صراعات داخلية وعنف مستمر، أدى إلى تنامي نشاط الجماعات الإرهابية، كما لعبت الحدود الهشة بين دول غرب إفريقيا، دورا رئيسيا في سهولة نقل الإرهابيين والسلاح، فضلا عن المخدرات التي تعد المصدر الرئيسي لتمويل التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى أن الارتخاء الأمني على الحدود أسهم في تسهيل سيطرة التنظيمات الإرهابية، على مساحات صحراوية كبيرة أدت إلى تمدد وانتشار تلك التنظيمات.

كما ساهم الفراغ الأمني في سهولة تجنيد الشباب عبر الفضاء الإلكتروني، مما زاد من نفوذ هذه الجماعات في المنطقة. ويعتبر من أهم التنظيمات الإرهابية المتمركزة في غرب إفريقيا (بوكو حرام والقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”)، وقد أسهم مبايعة أفرع بعض هذه التنظيمات لتنظيم داعش، في تثبيت وقوة نشاط هذه الجماعات في غرب إفريقيا، وجعلها أكثر دموية، فضلا عن حدوث فجوة أمنية بعد انسحاب قوى دولية من المنطقة (الولايات المتحدة، فرنسا)، واكتفاء هذه القوى بمحاربة الإرهاب، عن طريق محاولة القبض على زعماء وأعضاء التنظيمات الإرهابية، كما أصبحت الفدية التي تدفعها بعض هذه الدول للتنظيمات الإرهابية، مقابل إطلاق سراح مخطوفين رعايا لهذه الدول، من أهم مصادر تمويل هذه الجماعات، مما أسهم من تغذية منابع وتدفق الأموال اللازمة لتقوية نشاط ونفوذ هذه الجماعات.

بالإضافة إلى ما سبق؛ أدى غياب الإمكانيات اللوجستية وضعف تمويل القوة العسكرية، وعدم وفاء بعض الدول الأوروبية بالتزاماتها المالية لمكافحة الإرهاب، إلى عدم قدرة القوى الإقليمية، متمثلة في مجموعة الخمسة التي تضم( موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد)، على صد تمدد نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي.

(*) عوامل سياسية: أدى عدم سيطرة بعض القيادات السياسية في دول غرب إفريقيا، على الأوضاع السياسية داخل بلادهم، إلى تصاعد نشاط التيارات العنيفة، كما ساهم مقتل الرئيس التشادى “إديس ديبي”، إلى إحداث فراغ سياسي وأمني، كان يستوجب معه إعادة صياغة استراتيجية جديدة لمجابهة الإرهاب، خشية سيطرة التنظيمات الإرهابية على مساحات أكبر وأخطر من خارطة الساحل الأفريقي، خاصة مع سيطرة التنظيمات الإرهابية على قادة القبائل وتوظيفهم لخدمة مصالحهم، خاصة القبائل التي تسيطر على منافذ تهريب المخدرات والسلاح، والاتجار بالبشر الذي يعد المصدر الأساسي لتوفير مقاتلين.

(*) عوامل اجتماعية: ساعدت الأوضاع الاقتصادية المتردية وازدياد معدلات البطالة، وعدم قدرة دول غرب إفريقيا على توفير متطلبات الحياة الأساسية للمواطنين، على تنامي دور التنظيمات الإرهابية لتحل محل الدول في سد احتياجات المواطنين، خاصة في ظل تفشى وباء (كوفيد 19) الذي زاد من الصعوبات الاقتصادية، مما أدى إلى عجز الحكومات عن السيطرة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، تاركة الفراغ لتمدد نشاط التنظيمات الإرهابية، خاصة مع توافر مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية، من خلال تعزيز علاقات هذه التنظيمات مع جماعات الجريمة المنظمة عبر الحدود، الذي يمثل ابرز سمات الظاهرة الإرهابية في منطقة غرب إفريقيا.

بؤرة عنف مظلمة:

أدى تغير الأوضاع والحسابات الدولية، إلى تفشى ظاهرة الإرهاب في غرب إفريقيا، فمع صعود بايدن للسلطة في الولايات الأمريكية، وتغير السياسات الأمريكية تجاه مكافحة الإرهاب، أعطى فرصة لتمدد التنظيمات الإرهابية في المناطق الرخوة أمنيا، وأصبح الوقت والظروف الأمنية والسياسية دوليا، مهيأة للتمدد والسيطرة على مساحات أوسع، بعد أن قررت السياسات الأمريكية الجديدة عدم استنزاف قدراتها العسكرية والمادية في هذا الملف.

فمن جانب؛ تعتبر الولايات المتحدة أن فرنسا، هي المسئولة عن ملف الإرهاب في الساحل الأفريقي، من جانب آخر؛ أعلنت فرنسا أنها لن تستطيع السيطرة وحدها على تصاعد أعمال العنف والإرهاب، الذي تشهده غرب إفريقيا في الفترة الأخيرة، ورغم أن الوجود العسكري الفرنسي في غرب إفريقيا مازال موجود ، إلا أن كل المؤشرات تشير إلى وجود نية في تغير هذا الوضع، حيث أوضح الرئيس الفرنسي خلال قمة جمعت قادة دول الساحل الأفريقي في العاصمة التشادية “نجاميا”، وجود نية لسحب القوات العسكرية الفرنسية من الساحل، كما أضاف أنه لن يحدث بشكل فوري، مما يعنى أنه سيحدث لكن بشكل تدريجي.

على ضوء ما سبق؛ نستنتج أن القوى الدولية الكبرى، أخذت قرار بعدم استنزاف إمكانياتها العسكرية والبشرية والمادية لمحاربة الإرهاب في هذه المنطقة من العالم، مما يعطى الضوء الأخضر لتنامى نشاط التنظيمات الإرهابية في غرب إفريقيا في الفترة القادمة، ويتوقع معه أن تشهد منطقة الساحل الأفريقي، أسوء فترات تصاعد للأعمال الإرهابية، سواء في مواجهة الحكومات لكسر ما تبقى من سلطة أمنية، أو في مواجهة المواطنين للسيطرة على القوة البشرية، وتجنيد شباب راغب في الشعور بالقوة والزعامة، فضلا عن تصاعد أعمال العنف بين التنظيمات الإرهابية المختلفة، ومحاولة كل تنظيم السيطرة على مساحات أوسع واهم جغرافيا.

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى