” أنا لا أصوت” و” لا للتصويت”.. هل تؤثر المقاطعة على شرعية الرئيس الإيراني الجديد؟
“أنا لا أصوت”.. “لا للتصويت” تلك هي الأصوات والدعوات للناشطين السياسيين والمدنيين التي تعلو في الداخل الإيراني، خاصة وأنها على مشارف إجراء الانتخابات الرئاسية والتي ستجرى في 18 يونيو2021، تأتي حملات ودعوات المقاطعة للانتخابات التي يراها جمهور واسع من الإيرانيين بأنها “تمت هندستها ونتائجها معروفة مسبقاً”.
توضيحاً، تأتي تلك المقاطعة، والتي تبدو تلاقى قبول لدى الإيرانيين جاءت بداية بدعوات من 231 ناشطاً مدنياً إيرانياً من50 مدينة و25 محافظةً يدعون فيها الإيرانيين لمقاطعة هذه الانتخابات حتى لا يستمر النظام المناهض للشعب بحسب تعبير الناشطين واصفين الانتخابات بأنها “استعراض” وذكر هؤلاء الناشطون، في رسالتهم، أن الغرض من مقاطعة هذه الانتخابات، هو انتقال غير عنيف وسلمي من نظام ولاية الفقيه إلى تحقيق “دستور ديمقراطي وعلماني قائم على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
كما تم التأكيد في رسالة الناشطين على الأوضاع التي تعيشها إيران في ظل عقود من قمع المعارضة والشعب الإيراني، وطالب أيضاً الناشطون في رسالتهم تنحية المرشد الإيراني”على خامنئي”، وإجراء استفتاء عام لحل دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتهيئة الظروف اللازمة والكافية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في الفترة الانتقالية تحت إشراف منظمات محايدة مثل ” الأمم المتحدة” وتحت رعية مجلس الأمن لـ “تشكيل جمعية تأسيسية وصياغة دستور جديد”، وطالبوا أيضاً دعم الأمين العام للأمم المتحدة لهم.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدد الناخبين في إيران يبلغ 59 مليوناً و310 آلاف 307 أشخاص، منهم مليون و392 ألفا و148 شخصاً يشاركون لأول مرة في الانتخابات، وستبدأ الحملات الدعائية لمدة 20 يوما من 28 مايو حتى 16 يونيو، وفي 17 يونيو ستدخل البلاد فترة الصمت الانتخابي.
المرشد يحذر من المقاطعة:
حث خامنئي، الإيرانيين على تجاهل الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، وقال خامنئي للمشرعين في كلمة عبر الفيديو: “تجاهلوا الذين يشنون حملات ويقولون إن لا طائلة من التوجه إلى صناديق الاقتراع ولا ينبغي لأحد أن يشارك” في الانتخابات، على ما جاء في حسابه الرسمي على “إنستجرام”.
وفي هذه الاختيارات غلبت كفة المرشحين من المحافظين المتشددين في الانتخابات المقبلة، بعد أن أعلنت جبهة الإصلاحيين الإيرانية أنها لن تكون ممثلة في الانتخابات الرئاسية في الـ 18 من الشهر المقبل بعد استبعاد كل مرشحيها التسعة، وحسب مراقبين فإن علي خامنئي، المرشد الأعلى الذي ترجع إليه كل الصلاحيات في البلاد، يريد حماية نفسه وأتباعه من خلال التأكد من أن جميع أفرع السلطة في يديه أو أيدي “الدولة العميقة” عبر تأمين انتخاب رئيس متشدد للبلاد وخاصة المرشح إبراهيم رئيسي.
لقد كشف استطلاع أجرته “ISPA” عن غضب وإحباط بالشارع ودعوات واسعة للمقاطعة، حيث أكد أن طهران تتجه لأدنى مشاركة متوقعة في تاريخها على الإطلاق بالانتخابات الرئاسية المرتقبة، وأظهر استطلاع لمركز استطلاع رأي الطلاب الإيرانيين، المعروف باسم “ISPA” مؤخراً، أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكون 36%، وهي أقل نسبة مشاركة في تاريخ إيران.
ولقياس مدى اهتمام الإيرانيين بقضية الانتخابات، سأل مركز ” ISPA” الذي أجرى استطلاعه بعد يومين من مصادقة مجلس صيانة الدستور على أهلية المرشحين السبعة وأغلبهم من التيار الأصولي المتشدد، وقد أشار المركز المذكور على موقعه الإلكتروني، أن “نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في مراكز المحافظات ستكون 30.2%، فيما تكون في المدن الأخرى بنسبة 39.2%، وستكون في الأرياف والقرى 47.2%”.
وفي سؤال عن مدى معرفة الناخبين بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية، أكد المركز أن قرابة 30% من الإيرانيين أبدوا أنهم لا يعرفون في أي شهر ستجرى هذه الانتخابات. كما تم طرح سؤال أخر، هو: إلى أي مدى تابعت أخبار تسجيل هذه الشخصيات؟” فأجابت العينة أن 36.4% من أفرادها لا يتابعون أخبار التسجيل للمرشحين إطلاقا، و23.7% يتابعون أخبار التسجيل للمرشحين إلى حد ما، فيما قال 13.3% من المشاركين إنهم يتابعون الأخبار والأنشطة الخاصة بالمرشحين.
وعن الشخصية المرشحة التي سوف يتم انتخابها، قال المشاركون إن “43.9% سيصوتون لصالح إبراهيم رئيسي، 3.7% محسن رضائي، 1.8% سعيد جليلي، 1.0% أمير حسين قاضي زاده هاشمي، و1.0% عبد الناصر همتي، و0.4% اختاروا محسن مهر علي زاده و0.2% علي رضا زكاني”، فيما أجاب 48% من المشاركين بالاستطلاع بأنهم لا يزالون لا يعرفون أي مرشح سيصوتون له، ولم يختاروا أيًا من المرشحين السبعة.
وأوضح المركز أنه “قام بجمع معلومات هذا المسح من خلال مراعاة المبادئ العلمية مع الأخذ في الاعتبار إجمالي عدد سكان الدولة (بما في ذلك المناطق الحضرية والريفية) بعينة من 1564 شخصًا من خلال المقابلات الهاتفية”.
شرعية الرئيس القادم:
المؤكد وفق ما نشرته وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية أن الموافقة من قبل لجنة من رجال الدين والحقوق يشرف عليها المرشد الأعلى خامنئي- وقعت على “7 مرشحين فقط” من بين 590 مرشحا، وتمثلت الأسماء التي تم نشرها في رئيس السلطة القضائية “إبراهيم رئيسي”، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي “سعيد جليلي”، وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام “محسن رضائي”. والثلاثة من التيار المتشدد.
كما ضمت القائمة، رئيس مركز الأبحاث في البرلمان “علي رضا زاكاني”، ونائب رئيس البرلمان الإيراني “أمير حسين قاضي زادة هاشمي”، (الاثنان من التيار المتشدد) ورئيس اتحاد رياضة “الزورخانة” وعضو مجلس إدارة منطقة كيش الاقتصادية الحرة “محسن مهر علي زادة” (إصلاحي)، إضافة إلى محافظ البنك المركزي “عبد الناصر همتي” (معتدل)، فيما رفض مجلس صيانة الدستور أهلية محمود أحمدي نجاد، وعلي لاريجاني، وإسحاق جهانغيري. وعلى ما سبق، يمكن القول أن قائمة المرشحين تشير إلى المصادقة على شخصيتين إصلاحيتين هما “همتي” و”مهر علي زاده،” بينما المرشحون الخمسة المتبقون هم من التيار المحافظ.
لكن الملاحظ، هو أن “مجلس صيانة الدستور” لم يذكر الأسباب التي دفعته لرفض طلبات المُرشحين، فقد يحدث من خلال وجودهم في المشهد السياسي تغيرات في اتجاهات مختلفة في السياسات الداخلية والخارجية الإيرانية، منهم الرئيس الأسبق “أحمدي نجاد” فقد كانوا يرون فيه شخصاً “شعبوياً” قد يُهدد استقرار الطبقات السلطوية المُحيطة بالمُرشد، كذلك كانوا يعتبرون علي لاريجاني قد غير اتجاه المحافظ ليكون برجماتياً، فيما كانوا يعتبرون نائب الرئيس إسحاق جهانغيري جزءاً من التيار الإصلاحي، وإن دون تصريح منه بذلك.
ويعتبر رئيس السلطة القضائية الإيرانية، إبراهيم رئيسي، وهو رجل دين متشدد ترشح ضد روحاني في عام 2017، أحد المرشحين الأبرز في انتخابات 18 يونيو المقبلة، وفي ظل غياب التنافس من شأنه التأثير على مستوى المشاركة الشعبية، وهو أمر حذّر منه الرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي لا يحق له الترشح بحسب الدستور لدورة رئاسية ثالثة، مما وصفه بالاستبعاد الجماعي لعدد من المرشحين قبيل الانتخابات الرئاسية في الشهر المقبل، ودعا في رسالة أرسلها إلى القائد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، إلى التدخل لتوفير “منافسة أكبر” وإلا ستتحول الانتخابات إلى “جثة هامدة”، بحسب تعبيره.
وشهدت الاختيارات إقصاء الوجوه المنتمية للتيار الإصلاحي أو الشخصيات غير المرغوب فيها من قبل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي، ووفق الدستور الإيراني لا يحق لروحاني -الذي حكم لدورتين رئاسيتين- الترشح لفترة رئاسية ثالثة، لذا يتوجب على الإيرانيين اختيار رئيس أخر، ويعد أبرز المرشحين هو “إبراهيم رئيسي” رجل دين وسياسي إيراني محافظ ومتشدد، ويعد الأوفر حظ من بين المرشحين لخلافه روحاني، يشغل رئيسي حالياً منصب رئيس السلطة القضائية في إيران، حين تم تعيينه في 7 مارس 2019 من قبل المرشد الأعلى على خامنئي، كما شغل عدة مناصب في النظام القضائي الإيراني، مثل النائب العام (2014- 2016)، ونائب رئيس القضاة (2004- 2014)، كما شغل منصب المدعي العام ونائب المدعي العام في طهران في الثمانينيات والتسعينيات، خاض “رئيسي” سباق الرئاسة الإيرانية في عام 2017، وخسر أمام الرئيس الحالي “حسن روحاني” 57٪ مقابل 38.3٪ لـ “رئيسي”.
تأسيساً على ما سبق، يمكن التأكيد على الاستنتاجات الأتية، وهي:
(*) إن مجلس صيانة الدستور مهمته الحقيقية هي تطبيق إرادة الفقيه بشأن قبول أو استبعاد المُرشحين لأية انتخابات عامة في البلاد بشكل مُسبق، حيث يقوم بتصفية المُرشحين حسب معايير غير معروفة تماماً، ولا تخضع قراراته لأية مراجعة أو نقض، وقد زاد في السنوات الأخيرة من تدخلاته عبر رفض مرشحين لمناصب وطنية وقوانين أقرها البرلمان بهدف ترسيخ حدود التوجهات السياسية والاجتماعية في إيران، واستبعد الإصلاحيين من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية وسط دعوات تتصاعد للمقاطعة وهو ما يزيد من حالة الغليان داخل الشارع الإيراني.
(*) يبدو أن المشهد السياسي في الجمهورية الإسلامية به حالة من الغضب المكتوم يكتنف الشارع الإيراني على خلفية استبعاد الإصلاحيين من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية وسط دعوات تتصاعد للمقاطعة، وأنه قائمة السبعة مرشحين لم تفرز مرشحين يحظون بكاريزما شعبية، وذلك بسبب حالة الانقسام التي تسود الشارع الإيراني.
(*) كل التكهنات تشير إلى أن رئيسي هو المُرشح الوحيد لمركز القرار في إيران، وأن المُرشحين الآخرين، خاصة الثلاثة الأقوى الذين رُفضت طلباتهم، كان لهم أن يُعكروا حملة المُرشح رئيسي، وأن يُحدثوا زعزعة في البلاد، شبيهة بما جرى خلال انتخابات العام 2009، وما تبعها مما سُمي بـ “الثورة الخضراء”، حيث أن مستشار المرشد للصناعات العسكرية ووزير الدفاع السابق العميد حسین دهقان أعلن انسحابه من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن أعلن انسحابه جاء دعما للمرشح إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية”.
(*) إن استطلاعات الرأي والتدوينات على منصات التواصل الاجتماعي تظهر إحباطا وسخطا إيرانيا على الطبقة الحاكمة في طهران.
(*) تأتي الدعوات بالمقاطعة للانتخابات بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية في إيران، والعقوبات الاقتصادية على إيران، حيث يظل اتساع رقعة الغضب على السلطات الحاكمة بسبب سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وفشل السلطات في الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا الذي زاد من حجم المعاناة ورفع معدلات البطالة والفقر، وإلى الاقتصاد المتعثر بالإضافة إلى القمع الذي تمارسه السلطات، فضلاً عن انتشار الفقر والفساد والمحسوبية، وهو ما قد يدفع إلى حالة لا يتوقعها النظام الإيراني من الشعب الإيراني خاصة بعد فترات طويلة من القمع والغضب الشعبي، وتلك هي الصورة التي قد نشدها خلال الأيام القليلة القادمة.