هل تنجح الوساطة الفرنسية في حلحلة الأزمة الإسبانية المغربية؟
على إثر استقبال إسبانيا في أبريل الماضي لـ زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي باسم مستعار وبجواز سفر دبلوماسي جزائري، نشبت أزمة سياسية حادة بين كلا من إسبانيا والمغرب، بالرغم من ما تتمتع به العلاقات الإسبانية المغربية بشراكة استراتيجية على مستوى الاقتصاد والأمن، خاصًة فيما يتعلق بمحاربة الهجرة غير النظامية وشبكات الاتجار بالمخدرات والإجرام الدولي، بالإضافة إلى محاربة المنظمات الإرهابية.
ونتيجة لاستقبال إسبانيا لـ “غالي” لاعتبارات إنسانية وعلاجه من فيروس كورونا- كما ببرت إسبانيا-، قامت الخارجية المغربية في الـ 24 من إبريل الماضي باستدعاء السفير الإسباني في الرباط، “ريكاردو دييز هوشلايتنر رودريغيز”، وذلك للتعبير عن استياء المغرب من الموقف الإسباني، الذي قامت بوصفه الخارجية المغربية بأنه “غير عادل”، وحتى تقوم بالتأكيد على عدم تساهلها _المغرب_، ذلك باعتبار أن الصحراء موضوع وجودي بالنسبة لها، يتم وضعه على رأس أولوياتها الاستراتيجية، وأن تجاهل هذا الأمر يعرقل عمل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وتأسيسًا على ما سبق، يستعرض هذا التحليل عواقب الأزمة السياسية بين إسبانيا والمغرب، إثر قيام إسبانيا، كما سبق القول باستقبال زعيم الانفصاليين “إبراهيم غالي”، وما تؤول إليه هذه الأزمة من تصعيد مستمر بين الجانبين.
تصعيد متعدد:
تجدر الإشارة إلى أن موجة الهجرة أتت على إثر التوتر الدبلوماسي الحاد بين كلًا من المغرب وإسبانيا _كما تم الإشارة سابقًا_، في خطوة أثارت غضب المغرب وجعلتها تقوم بتخفيف القيود الحدودية، مما سمح لآلاف المهاجرين بدخول جيب سبتة الإسباني بشمال أفريقيا يوم 17 مايو الجاري، ومن جانب أخر يرغب المغرب باعتباره شريكا أساسيا في مكافحة الهجرة أن يقوم الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية.
استكمالاً لما سبق، يمكن التأكيد على أن المغرب قامت باستدعاء سفيرتها في مدريد “كريمة بنيعيش” يوم 18 مايو الجاري، ذلك كرد فعل للتصعيد على إثر استقبال إسبانيا لزعيم الانفصاليين “إبراهيم غالي”، فضلًا عن عدم تلقيها أي توضيحات أو ردود فعل في هذا الشأن من قبل الجانب الإسباني؛ بيد أن قيام وزارة الخارجية الإسبانية بالادعاء بأنها قدمت جميع التفسيرات المناسبة إلى المغرب، من خلال قنوات متعددة، ومن جانبها أكدت _كريمة بنيعيش_، بأن لجوء إسبانيا إلى إخراج إبراهيم غالي من أراضيها دون إبلاغ المغرب، فإن ذلك سيزيد من تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، وفي تصريحات صحفية قد أدلت بها إلى وسائل إعلام إسبانية، فقد شددت على أن الأزمة بين البلدين اندلعت بسبب استقبال الجانب الأسباني لزعيم الانفصاليين_ كما تم الإشارة سابقًا_، وبشكل سري وهوية منتحلة، الأمر الذي يعد اختبارا لقياس مدى ثقة وصدق الخطاب السائد منذ سنوات بشأن حسن الجوار والشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
وفي هذا الإطار أضافت “بنيعيش”- أيضًا بأن هذه الأزمة تشكل اختبارا لاستقلالية القضاء الإسباني الذي يحظى بثقة الجانب المغربي، بالإضافة إلى كونه اختبار آخر لعقلية السلطات الإسبانية فيما إذا كانت تريد أن تختار تعزيز العلاقات مع المغرب أو التعاون مع أعدائه.
قد أكدت أيضًا” بنيعيش” بأن إسبانيا اختارت التعتيم من أجل العمل من وراء المغرب من خلال استقبال هذا المجرم والجلاد وحمايته، لدواع إنسانية، وبالتالي الإساءة إلى كرامة الشعب المغربي، كما شددت على أن المغرب، وفي ظل الأزمة الخطيرة التي يعيشها مع إسبانيا، لا يبحث عن أي مجاملة أو محاباة، بل يطالب فقط باحترام روح الشراكة الاستراتيجية التي تجمعه مع أسبانيا وبتطبيق القانون الإسباني.
وذكرت أيضاً “بنيعيش” بأن الشخص الذي سمحت إسبانيا بدخوله إلى أراضيها بجواز سفر مزور وبهوية منتحلة، متابع من قبل القضاء الإسباني بسبب أفعال خطيرة تتعلق بجرائم ضد الإنسانية بالإضافة إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، قد قامت بالإشارة إلى أن ضحاياه يحملون الجنسية الإسبانية، وأن معظم الأفعال المنسوبة إليه وقعت على الأرض الإسبانية، وفي سياق متصل ربطت الرباط عودة سفيرتها إلى مدريد بـانتهاء الأسباب الحقيقية للأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين، وبالتالي فإنها _بنيعيش_ لن تعود ما دامت أسباب الأزمة قائمة بينهم.
دعوة للثبات وعودة الشراكة:
قام وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة”، بدعوة الجانب الإسباني إلى تجنب “تصعيد الأزمة” التي نجمت عن استقبالهم زعيم جبهة “البوليساريو” إبراهيم غالي، والعمل على إعادة الشراكة الاستراتيجية، حيث صرح لوكالة الصحافة الفرنسية بأن السماح لزعيم جبهة “البوليساريو” بالعودة والالتفاف على القضاء الإسباني وتجاهل الضحايا سيكون بمثابة دعوة للتصعيد.
وفي سياق متصل، أضاف أيضًا أن تجنب هذا التصعيد لا بد أن يمر بإجراء تحقيق شفاف حول ظروف دخوله إلى إسبانيا، مع الأخذ في الاعتبار الشكاوى التي تم تقديمها ضده بتهمة التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان والاختفاء القسري، كما شدد على أن ذلك يمثل اختبارا للشراكة الاستراتيجية التي تربط الجانبين، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وفي هذا السياق فقد تطرق أيضًا إلى أن حسن الجوار ليس طريقا ذا اتجاه واحد، في إشارة منه إلى أن المغرب ليس عليه التزام حماية الحدود، بيد أنه يقوم بذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية والتاريخية بين البلدين، حيث لفت _بوريطة_ إلى أن المغرب قامت عام 2017 بتفكيك أكثر من 4 آلاف شبكة هجرة غير شرعية، فضلُا عن منعها 14 ألف محاولة غير نظامية لعبور الحدود، في حين أن المساهمة المالية الأوروبية في هذا الجهد كانت بمتوسط 300 مليون يورو سنويا وهو مبلغ يمثل أقل من 20% من التكلفة التي يتحملها المغرب في محاربة الهجرة غير النظامية.
وساطة فرنسية:
تقوم فرنسا بوساطة عن طريق مبادرة من وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان”، من أجل إنهاء الأزمة الدبلوماسية الحالية بين المغرب وإسبانيا، حيث تواصل وزير الخارجية الفرنسي مع نظيره المغربي يوم 22 مايو الجاري، حتى يتم إطلاق وإجراء حوار سياسي بين الجانبين الإسباني والمغربي، يهدف إلى تجاوز الأزمة الدبلوماسية بينهما، وقد صرح لودريان في حوار تم إذاعته عبر راديو “RTL” الفرنسي يوم 23 مايو الجاري بأن هناك علاقة معقدة للغاية بين إسبانيا والمغرب في الوقت الحالي، أنه يأمل بأن يتم تجاوز الأزمة على أفضل وجه ممكن، كما أضاف بأن هناك حتى الآن علاقة إيجابية إلى حد ما بشأن الهجرة غير النظامية بين المغرب وإسبانيا”.
خلاصة القول، تقوم العلاقة بين إسبانيا والمغرب على أسس شراكة شاملة سواء كانت سياسية، اقتصادية، تجارية، إنسانية وأمنية، وفي هذا السياق، يتعين على إسبانيا، بداية أن تقوم بالتوضيح للرأي العام الإسباني، قبل أن توضح للمغرب، الظروف والملابسات التي أدت إلى دخول إبراهيم غالي إلى البلد، بشكل احتيالي، وبوثائق مزورة وهوية منتحلة، الضرر الذي من الممكن أن يلحق بتلك الشراكة، خاصًة وأن إسبانيا تعتبر أحد أكبر المستفيدين من جهود المغرب في مكافحة الهجرة غير النظامية، فضلًا عن خبرتها في المجال الأمني، وذلك بحكم قربها الجغرافي من القارة الإفريقية، بالإضافة إلى تواجدها على بضعة كيلومترات من الساحل المغربي.