“إعادة تموقع”.. دلالات وأبعاد زيارة “دى مايو” إلى ليبيا

قام وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دى مايو” بزيارة إلى ليبيا في 23 مايو الجاري، والتي تعد الزيارة الأولى لوزير خارجية في الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا، خاصًة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث تتطلع إيطاليا لتصبح أحد الفاعلين الكبار على الساحة الإفريقية في مجال الطاقة، كونها أصبحت خلال السنوات القليلة الماضية، أحد أكبر مستثمري القارة، ذلك بهدف تحقيق أهداف سياسية واقتصادية على السواء، فضلًا عن دورها في مكافحة الاتجار بالبشر، ومنع تدفق المهاجرين غير النظاميين، ومكافحة الإرهاب، كما يعكس توقيت الزيارة دعم الجانب الايطالي ليبيا في كل المجالات، بالإضافة إلى عزمها _ايطاليا_ المساهمة في توحيد المؤسسات السيادية، فضلا عن زيادة تمثيلها الدبلوماسي في ليبيا.

وفي سياق متصل تتزامن زيارة وزير الخارجية الإيطالي إلى ليبيا مع زيارة الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية في الاتحاد الأوروبي، “جوزيب بوريل”، لتؤكد على محاولة إيطاليا إعادة إطلاق دور الاتحاد الأوروبي في ليبيا وفي أنحاء إفريقيا، وذلك عبر مهمة المراقبة الجوية لوقف إطلاق النار ووصول المروحيات الإيطالية إلى مالي، والتأكيد على مساندة الاتحاد الأوروبي مسار الاستقرار في ليبيا على طريق السلام، ومن خلال دعم حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق التحليل إلى قراءة أبعاد ودلالات زيارة وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دى مايو” إلى ليبيا، مع الكشف عن المصالح الاستراتيجية الايطالية من جراء تلك الزيارة.

أبعاد الزيارة:

جمعت الزيارة كلًا من وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دى مايو”، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد المنفي”، بالإضافة إلى وزيرة الخارجية الليبية “نجلاء المنقوش”، وبحث الجانبان خلال تلك الزيارة سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وإعادة تفعيل اتفاقية الصداقة الليبية الإيطالية، ومدى إمكانية البدء في الطريق الساحلي رأس أجدير إمساعد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك عاملان رئيسيان قد يفسران التوجه الإيطالي الجديد والقيام بتلك الزيارة؛ الأول يتمثل في: أهمية السوق الإفريقية، التي تمثل فرصة هامة أمام صادرات واستثمارات الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل دعامة أساسية للاقتصاد الإيطالي؛ حيث يعمل بها قرابة 81 % من القوة العاملة، وتسهم بحوالي 68.1 % من القيمة المضافة لاقتصاد الدولة، كما تشير التقديرات إلى نسبة الشركات الإيطالية الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل 97 % من إجمالي الشركات الإيطالية العاملة في القارة الأفريقية.

بينما يتمثل الثاني في: محاولة إيطاليا أيضا احتواء معدلات الهجرة غير المشروعة “النظامية” المتفاقمة عن طريق زيادة الاستثمارات، فضلًا عن طرح فرص عمل للشباب الإفريقي في الدول المصدرة للمهاجرين غير النظاميين.

إعادة تموقع:

تمتلك إيطاليا حضوراً تاريخيًا قويًا في القارة الإفريقية ولا سيما في ليبيا، حيث تحتل ليبيا أولوية قصوى بالنسبة لإيطاليا، ذلك نظرًا لمصالحها الاستراتيجية فيها من ناحية، بالإضافة إلى قربها الجغرافي منها من ناحية أخرى، فضلًا عن مدى تأثير التطورات الداخلية الليبية على الأمن القومي الإيطالي، بالتالي حاولت لعب دور فعال في الأزمة الليبية، ذلك من خلال قيامها باستضافة اجتماع باليرمو نوفمبر 2018، لمحاولة إيجاد حل للأزمة الليبية بجمع الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار.

وتأكيدا لصحة المسار السابق المذكور، جاء التوجه الإيطالي نحو إفريقيا انطلاقا من الساحة الليبية مع تنسيق داخلي في الاتحاد الأوروبي، ذلك للعودة لمواقع نفوذها، والعمل على إعادة التموقع، حيث تمتلك –إيطاليا-عدة مسارات تعمل من خلالها لزيادة نفوذها في القارة الإفريقية من خلال البوابة الليبية إلى النيجر، والتي تحاول بناء قاعدة لوجستية للتعاون هناك، ومنها لباقي دول الساحل والصحراء، حيث تقوم بالاعتماد على تحركات سياسية تحت عباءة الاتحاد الأوروبي، ولا تميل إلى اتخاذ مواقف منفردة، بالتالي فإنها تتبع سياسة تجنب الصدام مع قوى فاعلة في المنطقة، كما أنها تسعى أن تكون طرفا فاعلًا في منظومة البحر المتوسط، حتى وإن لم تكن عضوا في منتدى غاز المتوسط، وتحاول حماية استثماراتها في المنطقة والمشاركة في عملية إعادة إعمار ليبيا.

وفي هذا السياق، قد صرح القائد السابق لقيادة عمليات القوة المتعددة الجنسيات، الجنرال الإيطالي “ماركو بيرتوليني”، إنه ينبغي على ايطاليا إشراك الجانب الأوروبي في ليبيا، وجعل كل من المصالح الايطالية والأوروبية واحدة، حيث عانت ايطاليا في السنوات الأخيرة من الانقسام الأوروبي في هذا الملف.

كما صرح أيضًا وزير الدفاع الإيطالي “لورينزو غويريني” في هذا الشأن، بأن التزام ايطاليا تجاه ليبيا يمثل جانبا من مشاركة أوسع في إفريقيا، خاصًة في منطقة الساحل الإفريقي، حيث طلبت فرنسا بدعم قبل ذلك في القتال ضد المتطرفين.

مصالح استراتيجية:

تحاول ايطاليا الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية خاصة فيما يتعلق باستكشافات الغاز والطاقة، ذلك من خلال زيادة الاستثمارات الإيطالية في القارة الإفريقية، بالتالي وفقاً لإحصائيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “UNCTAD”، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة القادمة من إيطاليا نحو إفريقيا، لتصل إلى 28 مليار دولار في عام 2018، مما جعلها _إيطاليا_ سادس أكبر مستثمر في القارة.

وفي سياق متصل، هناك وجودا إيطاليا في البحر المتوسط من خلال مشاركتها في عملية “إيريني” لمراقبة حظر تهريب السلاح إلى ليبيا، بالتالي فإن المصالح الاستراتيجية لإيطاليا تتمثل في:

(*) تأمين استكشافات الغاز والطاقة:  تعد شركة إيني الإيطالية أكبر منتج أجنبي للمحروقات في ليبيا، حيث تسيطر _ايني_ على نسبة 45٪ من عقود النفط والغاز في ليبيا، بالتالي فإنها لها النصيب الأكبر في استكشاف الغاز والنفط في شرق المتوسط، كما أنه يتم استيراد النفط الخام والغاز الطبيعي من ليبيا إلى إيطاليا، ومن ثم فإن أي زعزعة لأمن واستقرار منطقة شرق المتوسط ستؤثر سلبًا على المصالح الإيطالية.

(*) الهجرة غير المشروعة “النظامية” والاتجار بالبشر: خاصة ما تقوم به الميليشيات الليبية بعمليات إرهابية غير محتملة، ولها عواقب وخيمة، من احتمالات دخول تلك العناصر الإرهابية لإيطاليا ومن ثم لأوروبا، وهو ما يؤثر بالسلب على الأمن القومي لإيطاليا بصفة خاصة، الأمن الأوروبي بشكل عام، حيث تعد ليبيا نقطة عبور أساسية لعشرات الآلاف من المهاجرين الذين يحاولون كل عام الوصول إلى إيطاليا بشكل غير قانوني عبر البحر الأبيض المتوسط.

(*) حضور قوي: ذلك لاستعادة الدور الايطالي في الساحة الليبية والمتروكة لأطراف عديدة أوروبية “فرنسا وبريطانيا” وغير أوروبية “تركيا”، والحفاظ على مصالحها ونفوذها الاستراتيجي في المنطقة.

خلاصة القول، تأتي زيارة وزير الخارجية الايطالي إلى ليبيا في خطوة هامة نحو إعادة إطلاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، بالإضافة إلى تأكيد ايطاليا على الالتزام بدعم عملية السلام والأمن في ليبيا، حيث يجمع البلدين مصالح جيو استراتيجية مهمة، مع مطالبات دولية بسحب العناصر المرتزقة من ليبيا، واحترام خارطة الطريق الأممية، التي ستقود البلاد إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر 2021.

 

نداء السيد حسن محمد

نائب رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي . حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ودبلومه في الدراسات الأفريقية، وماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى