ما هي التحديات التي تنتظر الرئيس الإيراني الجديد؟
بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة للترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية، المعلن عن إجراءها من رئيس اللجنة الانتخابية في إيران في الـ 18 من يونيو2021- بدأت تتضح ملامح خريطة المتنافسين بعد توقف عملية التسجيل يوم السبت الماضي الـ 15 من مايو الجاري، والتي غلب عليها وفقاً للمراقبين سيطرة التيار المتشدد.
ونظراً لخطورة ما قد تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الإيرانية، خاصة وأن التنافس الانتخابي فيها يجرى ضمن فئة واحدة فقط، هي فئة المؤمنين بولاية الفقيه، بالإضافة إلى احتمالات انخفاض مستوى المشاركة بسبب الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي، واستمرار القمع والقبضة الحديدية واليأس من وجود أي تغيير قد تحدثه الانتخابات- فإن مركز “رع للدراسات” حرص كغيره من مراكز الفكر على تحليل ودراسة واقع العملية الانتخابية وتأثير نتائجها على الداخل والخارج.
وهنا تجدر الإشارة، إنه وفقا لانعكاسات شروط الدستور الإيراني على مسارات إجراء العملية الانتخابية، فإن التنافس الانتخابي سيقتصر على فئة واحدة فقط، هي فئة المؤمنين بولاية الفقيه، أما الآخرون فهم خارج اللعبة كلياً. وتُعد أحد أهم شروط الترشيح في الانتخابات الرئاسية للجمهورية الإسلامية الواردة في نص المادة 115 من الدستور الإيراني، أن يكون المرشح “رجل سياسة، ومتشرعاً، وحائزاً على الشروط، إيرانياً وتابعاً لإيران، وذا تجربة في الإدارة وتدبير الأمور…”.
تأسيساً على ما سبق، وفي ظل ظهور بعض الأسماء المرشحة، وملامح خريطة المرشحين، يبقى السؤال، وهو: من هو رئيس إيران المحتمل، وما هي أهم التحديات التي تنتظر هذا الرئيس؟.
خريطة المرشحين:
بعد أن انتهت مهلة الترشيح للراغبين في خوض غمار المنافسة في الانتخابات الرئاسية، وتقدم أكثر من 592 مرشحاً لأوراقهم لوزارة الداخلية قابلين للتناقص أو الاستمرار، إذ سترفع الأسماء إلى مجلس صيانة الدستور الذي تعود له صلاحية المصادقة على أهلية المتقدمين وتثبيت ترشيحهم.
ويعد من أبرز المتنافسون في هذه الانتخابات الجناح المتشدد أو “المحافظ” في النظام الإيراني، فقد رشح عنه الرئيس السابق لدورتين، محمود أحمدي نجاد، الذي فشل في الحصول على أي منصب بعد مغادرته الرئاسة عام 2013، إثر خلافه مع المرشد الأعلى، ومرشح الرئاسة الخاسر السابق، ورئيس السلطة القضائية الحالي، إبراهيم رئيسي، الخاسر في “الانتخابات” الإيرانية، كذلك من ضمن المرشحين وزير الصناعة والمعادن السابق، ونائب الرئيس الحالي، إسحاق جهانغيري، ورئيس البرلمان السابق والمستشار الحالي للولي الفقيه، على لاريجاني، وهما وإن اختلفا قليلاً في توجهاتهما، لكنهما ينتميان إلى الجناح “المعتدل”، الذي يطلق على نفسه صفة “الإصلاحي”، والذي يتزعمه حالياً الرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني، كما يبذل المحافظون جهوداً مضاعفةً للفوز في هذه الانتخابات، فيما يحاول المعتدلون البقاء في دائرة السلطة، والحفاظ على سيطرتهم على السلطة التنفيذية.
وإلى جانب هذين التيارين الكبيرين تضم الخريطة السياسية في إيران القوى الإصلاحية التي ترفع شعارات التعددية والحرية السياسية وحرية التعبير وإخضاع المسئولين لمبدأ المحاسبة، وهي القوى المحركة لما تم تسميته “الثورة الخضراء” في إيران والتي تكونت واتسع نطاقها خلال حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وقادت حملة تظاهرات 2009 وأوائل 2010، وعلى الرغم من أهمية هذه القوى التي تضم جماعات من المثقفين والفنانين والطلبة وجماعات ليبرالية صغيرة، فإنها لم تصل بعد إلى مصاف القوة السياسية المؤثرة في النظام السياسي، وتتمثل أهمية القوى الإصلاحية المدنية في إنها تحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشباب والمرأة القادرة على قيادة حراك سياسي فعال إذا توفرت لها مقومات القوة المالية والتنظيمية والسياسية.
ملامح محتملة:
المشاهد أن المشهد السياسي في الجمهورية الإسلامية لم يفرز مرشحين محتملين يحظون بكاريزما شعبية، وذلك بسبب حالة الانقسام التي تسود المعسكرين الرئيسيين الإصلاحي والأصولي. كما تتوزع القوى السياسية النشطة في إيران بين تيارين أساسيين يشتركان في المنبع السياسي نفسه، ألا وهو مبدأ ولاية الفقيه والدستور الإيراني.
من الناحية الفعلية، فإن أصوات الأحزاب والجماعات ذات الطابع المدني أو العلماني خافتة جداً ولا تأثير لها تقريباً على التوجهات النهائية للناخبين. وبالتالي، فإنه نتيجة تمدد أذرع وزارة الأمن والمخابرات الإيرانية، يديرها بمقتضى القانون رجل دين مقرب من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية- في السفارات والقنصليات الإيرانية في الخارج، وكذلك في أجهزة الإعلام والمراكز الإسلامية والتنظيمات الشبابية والطلابية، فليس من المتوقع أيا كانت نتيجة الانتخابات الإيرانية، وسواء فاز المعتدلون أو المتشددون أن تتغير السياسة الخارجية الإيرانية تجاه البلدان العربية المجاورة.
تحديات منتظرة:
ثمة تحديات تنظر الرئيس القادم لإيران، تتنوع ما بين الاقتصادي والعسكري، وما بين الداخلي والإقليمي والدولي، يمكن التطرق لها على النحو التالي:
(*)اقتصادياً: تواجه إيران صعوبات اقتصادية شديدة بسبب العقوبات الاقتصادية، ومن المتوقع استمرار هذا الوضع الفترة المقبلة. فقد أدت عدة عوامل عديدة لتفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران منها تأثر الاقتصاد الإيراني مثل باقي دول العالم من جائحة كورونا، وتفاقمت أزمة البطالة في إيران، وسط نقص فرص العمل وتدني مستوى المعيشة بفعل فشل السياسات الحكومية وتفشي الفيروس، كما زعمت الحكومة الإيرانية أن معدل البطالة في البلاد خلال الربع الأول من عام 2020 بلغ 9,8%، بينما كشف تقريراً صادراً عن مركز أبحاث البرلمان الإيراني أن معدل البطالة الحقيقي هو 24% أو ما يقارب ربع مجموع الأيدي العاملة في البلاد البالغ 26 مليوناً، وبذلك ستكون المرحلة المقبلة شديدة الصعوبة على طهران.
(*) دولياً: سوف تسعى إيران إلى المزيد من الانفتاح أكثر على أوربا والصين وروسيا والهند، على عكس علاقات طهران مع واشنطن ستظل مهزوزة وغير مستقرة نظراً لأن العداء للولايات المتحدة الأمريكية يمثل مركز السياسة الخارجية لتيار المتشدد في حال فوزه، أما في حال فوز التيار المعتدل فسوف يتجنب المعتدلون الدخول في معارك في الداخل من أجل تصحيح السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية.
(*) إقليمياً: من المتوقع أن يزيد ويتسع الدور الإقليمي لإيران ليعكس وزنها الحقيقي وسط منطقة تنهكها النزاعات وتسودها الحروب، فالخطورة في الوضع الحالي لا تتمثل في ترجيح تزايد الدور الإقليمي لإيران، ولكنها تتجسد في حقيقة أن الدول العربية بعد انهيار النظام الإقليمي العربي فعلياً، تكاد الآن تنزلق إلى مرحلة جديدة أسوأ تتقدم فيها النزاعات والخلافات الثنائية على إمكانات ومقومات التعاون، ويعد هذا أخطر من التهديد الإيراني، وأخطر من التهديد الإسرائيلي، خصوصاً وأن عدداً مهما من الدول العربية تعاني أزمات شديدة داخلياً مثل سوريا واليمن وليبيا. وعليه، ستحافظ إيران على وجودها العسكري الفعال في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، والدفاع عن حلفائها ببسالة لضمان استمرار نفوذها في مناطق شرق البحر المتوسط والخليج وباب المندب.
ومن الواضح، أن السياسة الخارجية الإيرانية تجني الكثير من المكاسب من وراء سياسة التشدد في شرق المتوسط والخليج وباب المندب، فهي إلى جانب تعزيز نفوذها الإقليمي في محيطها الجغرافي، فإنها تحقق أيضا الكثير من المكاسب التجارية والثقافية والعسكرية وتكثف شبكة مصالحها مع دول مثل العراق وسوريا
(*) عربياً: ستظل علاقات طهران مع البلدان العربية من اختصاص أجهزة الحرس الثوري والأجهزة الأمنية والمكاتب والأجهزة التابعة للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، ونتيجة لذلك فإن علاقات إيران مع محيطها الإقليمي العربي تخضع لمعادلات ترويج “الثورة الإسلامية” ونشرها، بعيداً عن معادلات إدارة السياسة الخارجية التقليدية بين إيران وغيرها من الدول.
وفي هذا السياق فإننا سوف نعلل أن موقف إيران من قرار السعودية قطع مساعداتها العسكرية للبنان (4 مليارات دولار) ومواقفها مما يحدث في اليمن وفي سوريا ولبنان يتم صياغتها جميعا بتنسيق كامل بين قيادة الحرس الثوري الإيراني وبين قيادات التنظيمات والقوى السياسية المحلية المتحالفة مع إيران (حزب اللـه في لبنان وجماعة عبد الملك الحوثي في اليمن مثلا)، ثم تجيء بعد ذلك تصريحات رسمية من وزارة الخارجية الإيرانية للتصديق على مواقف الحرس الثوري وتنظيماته التابعة في الخارج، لذلك ليس من المتوقع أن تتراجع إيران عن خصومتها مع السعودية بسهولة، فهذه خصومة في أساس فهم الدين وضرورات السياسة، من الصعب حلها في الأجل القصير.
(*) عسكرياً: سوف تمضي إيران قدماً في تطوير قدراتها الصاروخية وتطوير الطيران والقوة البحرية والدفاع الجوي في إطار التحالف مع روسيا وتعميق العلاقات مع الصين وكوريا الشمالية، وفي الوقت نفسه سوف ستقدم طهران إمكانات كبيرة لتطوير قوات الحرس الثوري وتحديثها في كل القطاعات العسكرية مع توسيع النشاط البحري، وسوف تمضي إيران في إعادة بناء وتطوير قاعدة الصناعة العسكرية بحيث يزيد الاعتماد على الإنتاج المحلي مقابل الاستيراد من الخارج.
في النهاية، يمكن القول إن المنافسة في الانتخابات الإيرانية ستبقى بين أركان النظام القائم، كما أن عزوف المعارضين عن التصويت، سوف يأتي برئيسي رئيساً، لينفذ سياسات الولي الفقيه دون اعتراض، وبالتالي قد يبقى أمام الشعب الإيراني خيارين أحلاهما مر، لذلك قد تمثل هذه الانتخابات، ضمان لاستمرار سيطرة المتشددون على السلطة العليا في إيران من أجل تحقيق الحلم الفارسي في السيادة على ما يسمونه “إقليم الخليج الفارسي الكبير” وزعامة العالم الإسلامي.