انعكاسات لواقع جديد: كيف تُقيم المواقف الخليجية من الحرب الإسرائيلية علي القدس وغزة؟

في مطلع شهر مايو اندلعت صدامات قوية بين القوات الإسرائيلية وبين الفلسطينيين في حي”الشيخ جراح” في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، على هامش تظاهرة دعم لعائلات فلسطينية مهددة بالطرد من منازلها التي يحاول مستوطنون يهود الاستيلاء عليها. وبعد ذلك شهدت الأحداث مزيد من التصعيد بين الجانبين؛ حيث لا زالت تواصل طائرات ومدافع الاحتلال الإسرائيلي قصفها العنيف وعدوانها على قطاع غزة. في المقابل، ترد فصائل المقاومة الفلسطينية بإطلاق عشرات الصواريخ على المدن والمواقع العسكرية الإسرائيلية. وترفض إسرائيل وقف أعمالها العسكرية ضد الفلسطينيين إلا بعد تحقيق الأهداف الأمنية، في مقابل ذلك تشترط حركة حماس انسحاب القوات الاسرائيلية من المسجد الأقصى، وتوفير حرية العبادة، ووقف تهجير العائلات من حي الشيخ جراح المقدسي، إضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين خلال التصعيد الاخير، ووقف العدوان على غزة.
وفي ضوء ما تقدم، يسعي هذا التحليل إلى تناول الموقف الخليجي إزاء الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وتداعياته على مستقبل العلاقات بينهم.
المواقف الخليجية إزاء الاعتداءات الإسرائيلية:
لم تكن المواقف الخليجية من الاعتداء الإسرائيلي على الفلسطينيين في القدس وغزة تسير في اتجاه واحد أو تتم بتنسيق مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، إذ عبرت كل دولة عن موقفها بمعزل عن الآخرين، مما ادي إلى عدم وجود موقف خليجي قوي موحد إزاء هذا العدوان، وهو ما يعد تراجع للدور الخليجي إزاء القضية الفلسطينية، خاصة بعد توقيع اتفاقيات تعاون كامل بين دول خليجية (الإمارات والبحرين) وبين إسرائيل، وهذه المواقف كالتالي:
(*) الإمارات: أعربت دولة الإمارات عن قلقها البالغ بسبب تصاعد أعمال العنف في إسرائيل وفلسطين. وقال وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، إن “دولة الإمارات تضم صوتها إلى الآخرين في الدعوة إلى الوقف الفوري للعنف والأعمال العدائية، وتدعو جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واتخاذ خطوات فورية للالتزام بوقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي”. وطالب الوزير الإماراتي بضرورة التوقف عن جميع الأعمال والممارسات الاستفزازية والانتقامية التي من شأنها زيادة التوتر والاحتقان بين الجانبين، والعمل على تهدئة الأوضاع وتخفيف حدة التوترات”.
(*) البحرين: أدان وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة. وأعرب عن تضامن البحرين مع الشعب الفلسطيني، مؤكدا دعم بلاده بقوة للقضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية ووفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة”.ورحب الزياني بدعوة السعودية لعقد اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية لبحث تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة، مؤكدا أيضا على دعم البحرين لجهود مصر للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة
(*) السعودية: رفضت المملكة عبر وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الخطط والإجراءات الإسرائيلية بإخلاء منازل فلسطينية وفرض السيادة عليها، مؤكدة على أن الانتهاكات الإسرائيلية تخالف كافة المواثيق والدساتير الدولية، وتقوض فرص استئناف عملية السلام. وأكد الوزير علي دعم المملكة للجهود الرامية إلى الوصول لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية بما يمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. كما دعت المملكة منظمة التعاون الإسلامي لعقد اجتماع طارئ لمناقشة العدوان الإسرائيلي الأخير.
(*) قطر: أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني- في وقت سابق- إن بلاده ستواصل جهودها مع الأطراف الدولية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في كل مكان. كما أكد وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على موقف بلاده الرافض لهذه الاعتداءات ووقوفها إلى جانب الفلسطينيين والرفض القاطع للمساس بالمقدسات الإسلامية، مشددا على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية المتكررة ضد المدنيين في غزة والمسجد الأقصى المبارك. كما سمحت الدوحة بتنظيم مهرجان تضامني مع فلسطين دعا إليه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
(*) الكويت: أعرب أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، عن بالغ استنكاره وإدانته للتصعيد المأساوي على يد قوات سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمصلين في المسجد الأقصى المبارك، واصفًا الممارسات الإسرائيلية باللاإنسانية، مؤكدًا دعم بلاده للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. كما أكد وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، إن “الانتهاكات الإسرائيلية في القدس تستهدف تغيير الحقائق وفرض الأمر الواقع”. وشدد على تمسك بلاده بالموقف العربي والإسلامي، وأن السلام هو الخيار العادل والشامل للقضية الفلسطينية.
(*) سلطنة عُمان: أعرب وزير الخارجية بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، عن تضامن السلطنة مع الشعب الفلسطيني وتأييدها الثابت لمطالبة العادلة في الحرية والاستقلال، مؤكداً أن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى الشريف وحرمة الأماكن المقدسة أمر مرفوض ومستنكر جملة وتفصيلاً، وشدد على أن استمرار إسرائيل في احتلالها للأراضي الفلسطينية دون حق وانتهاكاتها المتواصلة للقانون الدولي والقيم والأعراف الإنسانية، أمر يحتاج إلى تحرك دولي حاسم من المجتمع الدولي ومجلس الأمن. وطالب الوزير العُماني بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من يونيو 1967، وحصولها على كامل العضوية لدى الأمم المتحدة.
(*) مجلس التعاون الخليجي: أدان مجلس التعاون الخليجي، بداية الأسبوع الأول من الأحداث، استمرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي باعتداءاتها على الفلسطينيين من خلال عمليات بناء المستوطنات والتهجير في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبحسب بيان صادر عن المجلس، أعرب نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام له، عن إدانته لاستمرار السلطات الإسرائيلية في بناء المستوطنات والتهجير وإخلاء حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. مؤكداً على خطورة ما تقوم به إسرائيل في الاستمرار بمخالفة مبادئ القانون الدولي والجهود الدولية، باعتبار هذا لا يزال يشكل عقبة كبيرة أمام إحياء السلام في منطقة الشرق الأوسط للوصول إلى حل نهائي للصراع الدائر فيها”. مطالباً المجتمع الدولي بالضغط على السلطات الإسرائيلية للحد من بناء مستوطنات جديدة والتهجير القسري للشعب الفلسطيني.
تقييم المواقف الخليجية:
1. نمطية المواقف ورمزية الردود: اتسمت الردود بالنمطية المألوفة التي اعتادت عليها بعض الدول الخليجية كغيرها في المواقف السابقة، فهي لم تأتي بجديد، ولم تأخذ موقف أكبر من الشجب والإدانة والتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني. ولكن وعلى الرغم من ذلك كان هناك نوع من التباين في ردود الدول؛ فبينما أكدت معظم دول الخليج بشكل صريح علي رفض الأعمال الإسرائيلية وإدانتها، كانت هناك بيانات أخري أقل وضوحًا وأكثر غموضًا لم تؤكد صراحة على مسئولية إسرائيل في الأحداث الجارية، بل ربما ساوت بين الطرفين المعتدي والمعتدي عليه.
2. إحراج الدول ذات العلاقات الكاملة الجديدة مع إسرائيل وإضعاف موقفهم رسميًا وشعبيًا: في منتصف أغسطس من العام الماضي تم الإعلان عن توصل كل من الإمارات وإسرائيل لاتفاق يتم بمقتضاه إقامة علاقات كاملة بين البلدين، وبعد أقل من شهر دخلت البحرين على نفس الخط. وفي منتصف سبتمبر تم توقيع اتفاقيتي السلام بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين عرفت باسم “اتفاقيات أبراهام” برعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وقد أعلن وقتها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان إن ثمن الصفقة هو موافقة إسرائيل على وقف ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني. إلا أن الأحداث الأخيرة دحضت هذه المقولة، وكشفت عن أن الاتفاقيات لم تعط الدول العربية ورقة نفوذ للضغط على إسرائيل، وأنها لم تكن سوي لتحقيق مصالح متبادلة بين تلك الدول وبين إسرائيل، وهو الأمر الذي وضع هذه الدول في مأزق شديدعلي المستويات الرسمية والشعبية.
3. تباين بين المواقف الرسمية والشعبية إزاء العلاقات مع إسرائيل: على الرغم من أن البحرين ثاني الدول الخليجية التي وقعت على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، إلا أنه وبالتزامن مع الأحداث الأخيرة، شهدت تظاهرات شعبية– رغم الإجراءات الأمنية المشددة-للتنديد بما قامت به قوات الاحتلال في القدس وغزة. ورفع البحرينيون شعارات تضامنية مع فلسطين والأقصى، كما رفعوا العلم الفلسطيني وأحرقوه، مشددين على ضرورة التوحد لمواجهة اعتداءات الاحتلال بحق المقدسيين والمرابطين في الأقصى، بالإضافة إلى شعارات مناوئة للتطبيع، فضلًا عن إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تندد بالجرائم الإسرائيلية.
4. البحث عن دور قطري جديد: تتمتع قطر بعلاقات وطيدة مع حركة “حماس” الفلسطينية، وفي نفس الوقت لديها علاقات قوية مع إسرائيل، ومنذ اندلاع الأحداث تسعي قطر لتوظيف تلك العلاقة والسعي لمحاولة التوسط لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية الجارية على الشعب الفلسطيني. ومن تعزيز موقعها الشعبي في العالم العربي، وإبراز دورها كطرف داعم للمقاومة الفلسطينية.
تداعيات الأحداث الإسرائيلية على مستقبل العلاقات الخليجية الإسرائيلية:
(&) احتمالات توقف العمل بالاتفاقيات المُبرمة بين إسرائيل والدول المُطبعة، كأحد تداعيات الحرب الإسرائيلية علي القدس وغزة، دون إلغاء هذه الاتفاقيات، بالإضافة إلى أنه قد يكون هناك توقف للمشاريع المشتركة، وتعليق لأي عمل عسكري مشترك بينهم، فضلًا عن ذلك قد تشهد الدول الخليجية الفترة المقبلة تظاهرات رافضة للتطبيع ومنددة له، وقد يعني ذلك أن الدول المُطبعة ربما تشهد حالة من العزلة الإقليمية الفترة المقبلة.
(&) تراجع فرص تطبيع جديد بين إسرائيل ودول خليجية أخري على الأقل في الأمد القريب، خاصة بعدما كانت هناك مساعي عربية وغربية تدفع باتجاه توسيع دائرة التطبيع مع إسرائيل لتشمل كل من السعودية والكويت. حيث أعلن رئيس مجلس الأمة الكويتي”مرزوق الغانم” بأنه يجري العمل على تعجيل الانتهاء من قانون حظر ومناهضة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بعد الأحداث الأخيرة. بالإضافة إلي رفض الملك السعودي التطبيع مع إسرائيل.
(&) تشير الأوضاع الحالية عن وجود تغيرات جيواستراتيجية عميقة وبعيدة المدي تحدث في المنطقة، خاصة مع اتجاه الإدارة الأمريكية إلى العودة للإتفاق النووي مع إيران، بالإضافة إلى محاولات التقارب السعودي الإيراني. ويعني ذلك أن الفترة المقبلة ربما تشهد تعزيز للعلاقات الخليجية الإيرانية مقابل تراجع للعلاقات الخليجية الإسرائيلية، وعندئذ سوف يتحتم على إسرائيل أن تواجه تلك التغيرات بمفردها، الأمر الذي سوف ربما يُدخلها في عزلة إقليمية من جديد.
(&) كشفت الأحداث الأخيرة عن وجود نوع من التقارب بين القاهرة والدوحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث جري اتصال هاتفي بين وزيري الخارجية لكلا البلدين لمناقشة تطورات الأوضاع في فلسطين، كما كشف بيان الخارجية المصرية عن وجود توافق مصري – قطري علي وقف إطلاق النار في فلسطين، فضلًا عن مشاركة المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار أحمد حافظ مؤخرًا بمداخلة هاتفية مع قناة “الجزيرة” القطرية للحديث بشأن جهود التهدئة ووقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد سنوات من المقاطعة، وفي إبريل الماضي شارك متحدث وزارة الري المصرية محمد غانم، في مداخلة هاتفية مع القناة، للحديث عن تطورات ملف مفاوضات سد “النهضة” الإثيوبي.
(&) تسعي كل من إيران وتركيا للاستفادة من المواقف الراهنة على حساب القوي الخليجية لاسيما السعودية والإمارات، لترسيخ أنفسهم كقوى رائدة جديدة في المنطقة من خلال انتهاجهم سياسة معاكسة- أي بمعارضة إسرائيل أو حتى معاداتها. إذ تروج طهران أن الرئيس روحاني ألغي زيارته للنمسا بعد إعلانها رفع علم إسرائيل على مبني المستشارية تضامنًا مع إسرائيل. فيما تبني الرئيس أردوغان خطاب شديد اللهجة ضد إسرائيل ووصفها بأنها “دولة إرهاب”.
وتأسيسًا على ما سبق؛ يمكن القول إن إطالة أمد الحرب سوف يؤثر بلا شك على دول المنطقة بأكملها، خاصة في ظل التواطؤ الأمريكي والاوروبي في إطالة أمد الحرب، لإعطاء المساحة الكافية لإسرائيل لتنفيذ كامل أهدافها، إلا أن صمود المقاومة ونجاحها في استهداف مواقع حيوية داخل إسرائيل لأول مرة في تاريخها قد أعاد الحيوية من جديد للقضية الفلسطينية بعدما تضاءلت أهميتها ومكانتها لصالح قضايا أخري، كما أسست هذه المواجهة الأخيرة لواقع جديد في الشرق الأوسط سوف يكون له انعكاساته على كل الأطراف.