آفاق جديدة: كيف يؤثر لقاء ” السيسي” و” ماكرون” على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا؟
توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الأحد 17 مايو 2021، إلى العاصمة الفرنسية باريس للمشاركة في كل من مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية, وذلك في ضوء العلاقات الوثيقة والمتنامية التي تربط بين مصر وفرنسا.
وقد شهدت زيارة الرئيس لفرنسا إلقاء الضوء على الموضوعات التي تهم الدول الإفريقية، خاصة فيما يتعلق بأهمية تعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماجها في الاقتصاد العالمي؛ الأمر الذي سيسهم في تحقيق نمو اقتصادي في مواجهة تداعيات أزمة كورونا، فضلاً عن تيسير نقل التكنولوجيا للدول الإفريقية، كما جاءت القمة لتؤكد الدور المصري الحيوي لدعم المرحلة الانتقالية في السودان على الصعيدين الإقليمي والدولي، وسط اهتمام واسع وآمال داخلية عريضة بأن يسهم المؤتمر في إخراج السودان من أزمته الاقتصادية.
كما تناولت تلك القمة أوجه التعاون المشترك بين مصر وفرنسا فى المجالات المختلفة، وكان على رأسها المجال الاقتصادي. وبالتركيز على طبيعة العلاقات الاقتصادية التى تربط بين البلدين، فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حرصه خلال هذا اللقاء على تدعيم وتعميق الشراكة الاستراتيجية الممتدة مع الجمهورية الفرنسية، والتي تمثل ركيزة هامة للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معرباً عن التطلع لتعظيم التنسيق بشأن ملفات التعاون الثنائي، لا سيما على المستويين الاقتصادي والتجاري من خلال زيادة حجم الاستثمارات الفرنسية في مصر، باعتبار فرنسا واحدة من أهم شركاء مصر داخل القارة الأوروبية، فضلاً عن الفرصة الكبيرة حالياً للتواجد فى السوق المصرية للاستفادة من البنية التحتية الحديثة، وتحسن مناخ أداء الأعمال.
تأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل تسلط الضوء على طبيعة وملامح العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا، وتأثير زيارة الرئيسي “السيسي” لفرنسا على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
العلاقات التجارية بين مصر وفرنسا:
تعتبر فرنسا شريكاً اقتصادياً بالغ الأهمية لمصر، حيث بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين مصر وفرنسا نحو 4.2 مليار دولار عام 2019، كما سجل نحو 6.1 مليار دولار خلال العشرة شهور الأولى من عام 2020، إذ بلغت الصادرات المصرية لفرنسا خلال تلك الفترة نحو 412 مليون دولار، فى حين بلغت الواردات المصرية من فرنسا خلال نفس الفترة نحو 1231 مليون دولار.
ومن أهم الصادرات المصرية لفرنسا كل من: الأسمدة، التي بلغت إجمالي الصادرات منها في 2019 نحو 1.1 مليار دولار، إذ حلت فرنسا في المركز الثاني بين الدول المستوردة للأسمدة المصرية بعد تركيا. كذلك مجموعة أسلاك الإشعال، ومجموعات أسلاك أخرى من النوع المستعمل في السيارات والطائرات. كما رصدت البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن قائمة الصادرات المصرية تضمنت أيضا كلاً من الوقود والزيوت المعدنية بقيمة 126.4 مليون دولار، ثم الصادرات المصرية من الملابس الجاهزة وبلغت قيمتها نحو 45.3 مليون دولار، وأخيرا صادرات اللدائن ومصنوعاتها بقيمة 44.9 مليون دولار.
بينما تستورد مصر من فرنسا القمح والحبوب، التي تعتبر أحد أهم البنود السلعية التي تم استيرادها من فرنسا، كذلك معدات الطيران، والآلات والأجهزة الكهربائية. كما احتلت منتجات الصيدلة المرتبة الثانية بقائمة أهم عشر مجموعات سلعية استوردتها مصر من فرنسا خلال عام 2020، حيث بلغت قيمة وارداتها 290.5 مليون دولار، ثم سيارات وجرارات ودراجات وأجزاؤها 166 مليون دولار، ثم آلات وأجهزة كهربائية 108.7 مليون دولار، ومنتجات كيماوية متنوعة 100.9 مليون دولار، واللدائن ومصنوعاتها 64.7 مليون دولار.
الاستثمارات المشتركة بين البلدين:
تطورت قيمة تدفقات الاستثمارات الفرنسية المباشرة إلى مصر بالارتفاع إلى 349 مليون دولار فى العام المالى 2020 / 2019 مقارنة بما قيمته 296.1 مليون دولار فى العام المالى 2019/2018 ، وحوالى 251.2 مليون دولار فى العام المالى 2016/2015، كما هو موضح فى الشكل رقم (2) .
وتتضمن قطاعات الاستثمار الفرنسي فى مصر كل من الصناعة، تليها الاستثمارات التمويلية ثم الخدمية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والاستثمارات الزراعية، والسياحة والإنشاءات. في حين بلغ إجمالي الاستثمارات المصرية المدفوعة لفرنسا نحو 1.312 مليار دولار ( متضمنة سداد أقساط القروض) ليكون ميزان الاستثمارات الأجنبية لصالح الجانب الفرنسي بنحو 863,8 مليون دولار خلال العام المالى 2018-2019.
ويتكون الاستثمار الفرنسى فى مصر من نحو 165 شركة تابعة للشركات الفرنسية الأم، توظف أكثر من 38 ألف شخص. وتتمتع الشركات الفرنسية بمكانة قوية في القطاعات الرئيسية للاقتصاد المصري، مثل الصناعة، والأغذية الزراعية، والمعدات الكهربائية، والأدوية، وتجارة التجزئة ، واستغلال الهيدروكربونات، والسياحة، والبنية التحتية.
كما اشتركت فرنسا مع مصر في تنفيذ مشروعات البنية التحتية الكبرى من خلال شركات فرنسية عدة، في مجال النقل، وتوليد الطاقة والطاقة المتجددة، ونقل وتوزيع الكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والمتوسطة في قطاع الزراعة، وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل، ومشروعات تحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي المرحلتين الأولى والثانية، وإنشاء محطة خلايا بقدرة 26 ميجا وات بكوم أمبو بأسوان، هذا بالإضافة إلى المساهمة في إنشاء محطة رياح خليج السويس، ومشروع دعم الرعاية الصحية الأولية.كما أن هناك شركات فرنسية تعمل فعليا بالعاصمة الإدارية تصل إلى 3 شركات حتى الآن، كذلك المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس.
مجالات التمويل والإقراض:
في ديسمبر 2020، وقعت مصر وفرنسا ثلاث اتفاقيات تمويل بقيمة 715.6 مليون يورو. وتشمل هذه الاتفاقيات، التعاون مع المستشفيات الجامعية الفرنسية لتقديم التقييم الفني والدراسات الفنية لوزارة الصحة، والتعاون الفني مع مؤسسة الدم الفرنسية لتطوير مراكز التبرع بالبلازما، وتشمل أيضا توريد 32 سيارة للخط الأول للمترو، وتوريد 32 سيارة للخط الثالث للمترو، وإعادة تأهيل 32 قطار في الخطين الثاني والسادس، وتمديد عدة خطوط سكك حديدية، منها القاهرة إلى وادي حلفا وليبيا والعريش إلى طابا وميناء سفاجا. كما كان للوكالة الفرنسية للتنمية دوراً فى تمويل مشروعات محافظتي الدلتا والإسكندرية، وكذلك المركز الإقليمي للتحكم في الطاقة بالإسكندرية، وتطوير مستشفى القصر العيني، بالإضافة إلى استكشاف فرص التعاون في مجال الاتصالات الرقمية.
وفى مجال دعم الاقتصاد الأخضر، وضمن برنامج “التحول نحو الأنظمة المالية الملائمة مناخيا”، وهو برنامج شامل يتضمن مساهمات مالية مقدمة من صندوق المناخ الأخضر- وقع البنك الأهلي المصري والوكالة الفرنسية للتنمية في 16 نوفمبر 2020، عقد جديد للتسهيل الائتماني بقيمة 100 مليون يورو، حيث يهدف هذا التسهيل غير السيادي المقدم من الوكالة الفرنسية للتنمية إلى توسيع فرص الدعم التمويلي في مصر لصالح المناخ. وسيقوم البنك الأهلي المصري بتوجيه هذا التمويل من أجل تقديم الدعم المالي اللازم لتنفيذ الاستثمارات التي تتلاءم مع أهداف التحكم في الحد من آثار التغيرات المناخية ( جزء من هذا التسهيل الائتماني سيتم للتغيرات المناخية و40% منها سيخصص للمشروعات المعنية بالتكيف مع هذه التغيرات) .
كما تعتبر فرنسا من أهم المقرضين لمصر، حيث تعد فرنسا ثالث أكثر الدول الأوروبية إقراضًا لمصر بعد ألمانيا وبريطانيا، وخامس أكبر الدول غير العربية في العموم، حيث يشكل الدين المصري لفرنسا بنحو 1.4% من إجمالي الدين الخارجي، يأتي في معظمها كدين طويل الأجل الذي انخفض إلى 1.33 مليار دولار في نهاية 2019 عندما كان قد بلغ 72. 1 مليار في 2017.
وخلاصة القول، تؤكد زيارة الرئيس السيسي السادسة لفرنسا على نجاح الدور المصري فى أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى تجاوز مصر لمشكلاتها الاقتصادية التي ظهرت منذ أحداث 2011، ونجاحها مصر في برنامجها التنموي، وهذا ظهر في الإشادة الفرنسية بما حققته مصر فى المجال الاقتصادي والتنموي في ظل برنامج إصلاح اقتصادي محدد الأهداف والرؤى.
كما يمكن القول، إن القمة المصرية الفرنسية جاءت لتفتح أفاق جديدة للتعاون بين الجانبين خاصة في مجال الاستثمار، مستغلة في ذلك عمق العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين، والتى تتزايد قوتها فى اتجاهات مختلفة سواء التجارة أو الاستثمار أو التمويل، وغيرهم من المجالات الاقتصادية، فى ضوء جهود مصر لتشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية للمشاركة فى المشروعات القومية الكبرى في إطار عملية التنمية الشاملة التى تشهدها مصر.