دلالات وأبعاد زيارة الرئيس “السيسى” إلى فرنسا
توجه الرئيس “عبد الفتاح السيسى” أمس في السادس عشر من مايو 2021 إلى العاصمة الفرنسية باريس، تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، للمشاركة في كل من مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية، اللذان سيعقدان يومي 17 و18 مايو الجارى، ويعكس توقيت الزيارة ودعوة الرئيس المصري للمشاركة دلالة ذات أهمية فيما يتعلق بالإدراك الفرنسي للدور المحورى الذى باتت تلعبه مصر فى الشرق الأوسط والقارة الإفريقية وأهمية التنسيق مع الجانب المصرى فى القضايا ذات الاتجاهات والمصالح المشتركة من جانب، وهذا فى ظل ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط فى الوقت الحالى من تأزم الأوضاع وعقبات المرحلة الانتقالية فى السودان وتأثر الاقتصاديات الإفريقية بتداعيات جائحة كورونا.
وتأسيسا على ما سبق، يتطرق التحليل إلى قراءة أبعاد ودلالات زيارة الرئيس “عبد الفتاح السيسى” إلى فرنسا، مع الوقوف على أهم المكاسب المحتملة من تلك الزيارة.
أبعاد الزيارة:
تأتى زيارة الرئيس “عبد الفتاح السيسى” إلى فرنسا للمشاركة في كل من مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية، اللذان سيعقدان يومي 17 و18 مايو الجارى، تلبية لدعوة الرئيس الفرنسى “إيمانويل ماكرون” بحضور عدد من قادة الدول الإفريقية الذين وجهت لهم الدعوة، وفى مقدمتهم الرئيس “السيسى”، وذلك فى ظل التنامى السريع الذى شهدته العلاقات الثنائية بين القاهرة وباريس فى عهد الرئيس “السيسى” اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وكافة المجالات، وتتمثل أهمية هذه الزيارة في تركيزها على عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين مصر وباقي دول الشرق الأوسط والدول الإفريقية، حيث:
(*) انعقاد مؤتمر “باريس” لدعم المرحلة الانتقالية فى السودان: تبدأ الزيارة بانعقاد مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان، وتعد مصر أحد الداعمين المهمين للسودان في انتقاله الديمقراطي، وذلك فى ظل تأزم المرحلة الانتقالية بالخرطوم منذ سقوط نظام الرئيس “عمر البشير” فى أبريل 2019، والتحديات الاقتصادية فى ظل الأزمات الاقتصادية المتصلة التى يعانى منها الاقتصاد السودانى، منذ انفصال ولايته الجنوبية فى عام 2011 بتشكيل جمهورية جنوب السودان، والذى تسبب فى صدمات اقتصادية متعددة، وكان له تداعياته فى خسارة عائدات النفط، بعد ما كان قطاع النفط هو الدافع الأكبر لنمو الناتج المحلي الإجمالي بها منذ عام 1999، ويمثل أكثر من نصف الإيرادات العامة و95% من الصادرات، ووضع الولايات المتحدة الأمريكية للسودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب قرابة ثلاث عقود قبل رفعها رسميًا من هذه القائمة فى 14 ديسمبر 2020، وظهر تأثير كل هذا فى ارتفاع ديون السودان ومعاناتها من أزمة استدامة الدين الخارجى متجاوزة فى ذلك المقاييس المعيارية لقياس مدى استدامة الدين الخارجى بتجاوز نسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى المحلى 31%، وتسجيل معدلات نمو سالبة عامى 2018 و2019.
(*) قمة تمويل اقتصادات الدول الإفريقية: من المقرر انعقاد هذه القمة فى اليوم الثانى للزيارة، والتى يستضيف خلالها الرئيس الفرنسى “ماكرون” قادة أفارقة وأوروبيين إلى جانب مؤسسات دولية سعياً للوصول إلى حلول مبتكرة لأزمات التمويل في القارة الإفريقية المتمثلة فى تحديات ارتفاع الديون الخارجية، والتى تقف عائقًا أمام تنميتها وعدم توافر مصادر التمويل القادرة على ذلك بشكل كامل بما يقلل الفجوة بينها وبين الاقتصادات المتقدمة، ويزيد من رفاهية شعوبها إلى جانب ما تعانيه مؤخرا من التداعيات السلبية جائحة كورونا.
(*) عقد قمة مصرية فرنسية بقصر الإليزية: والتى من المقرر أن تبحث العلاقات الثنائية والقضايا المشتركة بين البلدين، بما يعزز من التنامى السريع فى العلاقات الثنائية بين القاهرة وباريس فى عهد الرئيس “السيسى”.
ونلاحظ مما سبق، أن الأحداث الثلاثة التى ستتم خلال زيارة الرئيس “السيسى” إلى فرنسا، ستصب جميعها فى صالح مصر، وذلك من خلال فتح المجال أمام تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا من جانب، أو دعم استقرار السودان المشتركة مع مصر فى الحدود، والذى يعتبر إحدى القضايا التى تدعمها مصر وتساندها، بالإضافة إلى المساعدة فى تنمية الدول الإفريقية التى تعتبر مصر واحدة منهم.
خطة الرئيس “السيسى” أثناء الزيارة:
أعلن المتحدث الرسمى لرئاسة الجمهورية “بسام راضى” عن عزم الرئيس “السيسى” خلال الزيارة إلى التركيز على عدد من الملفات خلال كلمته، والتى تتمثل فى:
(&) أهمية تكاتف المجتمع الدولى لمساندة السودان خلال المرحلة التاريخية الهامة التى يمر بها، واستعراض الجهود المصرية الجارية في هذا الصدد على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وذلك خلال أعمال “مؤتمر دعم المرحلة الانتقالية في السودان”.
(&) إلقاء الضوء على مختلف الموضوعات التى تهم الدول الإفريقية، فيما يتعلق بأهمية تعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماجها في الاقتصاد العالمي، بما يساهم فى تحقيق نمو اقتصادي في مواجهة تداعيات أزمة كورونا، وكذلك تيسير نقل التكنولوجيا للدول الأفريقية، ودفع حركة الاستثمار الأجنبي بها، وذلك خلال أعمال قمة “تمويل الاقتصادات الإفريقية”.
(&) عقد مباحثات قمة مع الرئيس “ماكرون” لبحث موضوعات العلاقات الثنائية بين البلدين، ومواصلة المشاورات والتنسيق المتبادل حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
دلالات الزيارة:
تحمل زيارة الرئيس “السيسى” إلى فرنسا مجموعة من الدلالات والاعترافات من قبل ثانى أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبي بعد الخروج البريطاني من الاتحاد، ويتمثل أبرزها فيما يلى:
(*) التأكيد على العلاقات الوطيدة بين مصر وفرنسا: تُعد الزيارة الحالية للرئيس “السيسى” إلى فرنسا هى الزيارة السادسة له منذ عام 2014، فى ظل سعى باريس إلى توطيد علاقاتها بمصر بشكل مستمر، خاصة وأنها تعتبر علاقتها مع مصر بمثابة محور دبلوماسيتها فى منطقة الشرق الأوسط، حيث تطورت هذه العلاقات بشكل مطرد من خلال التبادلات السياسية والاقتصادية والثقافية المتزايدة والتعاون العسكرى بين البلدين، كما تؤكد دعوة الرئيس “السيسى” لهذه الزيارة على السعى الفرنسى للاستفادة من نجاحات الاقتصاد المصرى وجاذبيته للاستثمارات الأجنبية.
(*) الاعتراف الفرنسى بدور مصر المحورى فى القارة الإفريقية: أدركت فرنسا عودة التوجه المصرى القوى والواضح نحو القارة الإفريقية منذ تولى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” رئاسة الجمهورية فى الفترة الأولى عام 2014، حتى باتت إفريقيا تحتل المرتبة الأولى فى دائرة السياسة الخارجية المصرية من حيث الناحية العملية والتطبيقية على الرغم من احتلالها الترتيب الثالث فى دستور عام 2014، وقد كان لمصر دور فى تعزيز تكامل القارة من خلال استضافة مؤتمر توقيع منطقة التجارة الحرة الثلاثية بين التجمعات الإفريقية الكوميسا والسادك والإياك فى يونيو 2015، وكذلك إطلاق المرحلة التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة القارية فى ظل رئاسة مصر للاتحاد فى 7 يوليو 2019، ولذلك ففى الوقت الذى تتنافس فيه الدول الكبرى لزيادة تواجدها فى القارة والاستفادة من مواردها الطبيعية الضخمة ومنهم فرنسا، يأتى الاهتمام بالجانب المصرى من قبل تلك الدول بالنظر إليه باعتباره بوابة إلى إفريقيا.
(*) الاعتراف بعودة الدور المصرى فى دعم التنمية الإفريقية: جاءت دعوة الرئيس “السيسى” للمشاركة فى مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية، تأكيدًا على أهمية وجود مصر كأحد أبرز اقتصادات القارة الإفريقية، خاصة فى ضوء ما تتمتع به مصر من روابط تاريخية وعلاقات قوية مع الدول الإفريقية، وحثها على المساهمة فى دفع عملية التنمية فى القارة بأكملها، منذ تولى الرئيس “السيسى” رئاسة الجمهورية عام 2014 وخلال فترة توليه رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2019.
المكاسب المحتملة من الزيارة:
تتمثل المكاسب المحتملة لمصر من الزيارة الرئاسية الأخيرة إلى فرنسا فى النقاط التالية:
(&) تفتح القمة المصرية الفرنسية المقرر انعقادها خلال الزيارة آفاقاً جديدة لزيادة التعاون بين الجانبين فى كافة المجالات، لاسيما المجال الاقتصادى بفتح بابا جديدا أمام المنتجات المحلية في السوق الفرنسي، وجذب المزيد من الاستثمارات الفرنسية، وكذلك تعزيز التنسيق بين الجانبي فى القضايا ذات الاهتمام المشترك فى الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بالشأن اللبناني، وكذلك السودان ومواجهة الإرهاب، خاصة وأن الدول الكبرى المتنافسة فى القارة أصبحت تنظر لمصر باعتبارها بوابة لإفريقيا والشرق الأوسط.
(&) يمثل مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية فرصة لمصر فى تعزيز تواجدها فى القارة الإفريقية، وتعزيز الجهود المصرية لدعم المرحلة الانتقالية للسودان، بما يضمن استقرار المنطقة وينعكس إيجابيا على مصر، ويساعد فى تعزيز موقف السودان بجانب مصر بشأن قضية سد النهضة.
(&) توفر قمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية مجالاً للتواصل مع المنظمات الدولية المنظمة له كالبنك الدولى والأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وعددا من قادة الدول الكبرى والإفريقية، وهو ما يفتح مجالا لعقد المزيد من الاتفاقيات بين مصر وتلك المنظمات والدول بما يساعد فى تحقيق أهداف الدولة فى التنمية وتحقيق رؤيتها 2030، والترويج للاستثمار فى مصر والمشروعات القومية، ودعم الموقف المصرى فى قضية سد النهضة والتأكيد على حقوق مصر المائية، ودفع أطر التعاون الثنائي والمشاورات حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
حاصل القول، باتت العلاقات المصرية الفرنسية تأخذ منحنى تصاعديا منذ تولى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” فترة رئاسته الأولى عام 2014، حتى أكدت دعوة الرئيس “ماكرون” لزيارة الرئيس “السيسى” إلى باريس للمرة السادسة على عمق العلاقات بين البلدين والتطور الذى باتت تشهده، بما يفتح أفاقًا متواصلة لدعم الآراء والسياسة الخارجية المصرية من قبل دولة ذات حضور قوى بالاتحاد الأوروبي وثاني أكبر اقتصاد داخل الاتحاد بعد البريكست، وكذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون العسكرى بينهما بما يخدم كلا البلدين.