تحركات في كل الاتجاهات: كيف دعمت مصر غزة فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية؟
لم تتخلى مصر يومًا على مدار تاريخها عن مساندة القضية الفلسطينية، ومساعدة الحكومة الفلسطينية فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وظهر هذا الموقف المصري مرة أخرى منذ بدء الاشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي فى حى الشيخ جراح بالقدس الشرقية والمسجد الأقصى فى الثامن من مايو 2021، وصولا إلى قصف القوات الإسرائيلية لقطاع غزة بشكل متواصل.
لقد اتخذ الموقف المصري عدة مسارات واتجاهات، بداية من الإدانات والاتصالات الدبلوماسية ووصولا إلى إرسال المساعدات الطبية وتوجيه الرئيس “عبد الفتاح السيسى” إلى التنسيق مع الأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة للوقف على احتياجاتهم وتلبيتها وفتح المستشفيات المصرية أمام الجرحى والمصابين الفلسطينيين. وفى سياق ما سبق، يحاول هذا التحليل تسليط الضوء على أبرز مسارات واتجاهات الموقف المصري لمساندة ودعم عزة فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 174 فلسطيني وتجاوز عدد الإصابات 1200 شخص.
اتصالات وتحركات دبلوماسية:
أجرت وزارة الخارجية المصرية اتصالات وتحركات دبلوماسية منذ اللحظة الأولى للاشتباكات فى غزة، بهدف الوقف الفوري للتصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، حيث استدعت الوزارة السفيرة الإسرائيلية لدى القاهرة ” أميرة أورون” لإبلاغها احتجاج مصر الشديد ضد الاعتداءات الإسرائيلية، إلى جانب التنسيق مع الدول العربية والتواصل مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس، وإجراء وزير الخارجية “سامح شكرى” اتصالات هاتفية بالعديد من نظرائه حول العالم بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا وفرنسا وألمانيا وأيرلندا وكل القوى الفاعلة الأخرى، للتنسيق ومتابعة الاعتداءات الإسرائيلية المرفوضة التى تتعرض لها غزة، والتأكيد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وتسوية القضايا بالوسائل الدبلوماسية وعبر المفاوضات وإنهاء الصراع عبر الحل العادل والدائم الذي يحقق استقرار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، ويسهم في استقرار المنطقة.
كما أجرى وزير الخارجية “سامح شكرى” اتصالا هاتفيًا بنظيره الإسرائيلي “جابي أشكنازي”، فى 12 مايو 2021، أكد خلاله على “ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وأهمية العمل على تجنيب شعوب المنطقة المزيد من التصعيد واللجوء إلى الوسائل العسكرية”. كذلك بادرت مصر بإرسال وفد أمني إلى الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، في محاولة للوصول إلى مخرج للأزمة المتصاعدة بين الجانبين فى 13 مايو 2021، وعرض الوفد المصري على تل أبيب هدنة سريعة لوقف إطلاق النار، وهدنة لمدة عام على أن تتولى القاهرة مراقبتها والتنسيق.
كما أكد وزير الخارجية “شكرى” خلال كلمته أمام جلسة افتراضية طارئة لمجلس الأمن فى 16 مايو، بالتأكيد على أن حل الدولتين هو الخيار العملي الوحيد لإزالة الاحتقان الحالي، وضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل وإنشاء دولة فلسطينية على الأراضي التى تم احتلالها عام 1967 والتى تشمل القدس الشرقية، منددا بسياسة التهجير القسري في القدس والاستيلاء على المنازل، بالإضافة إلى دعوة المجلس بالارتقاء إلى المسؤولية الملقاة على عاتقه لحل الأزمة الحالية.
تحركات على المستوى السياسي:
ظهرت التحركات على المستوى السياسى فى إدانة مجلس النواب خلال جلسته العامة المنعقدة فى 9 مايو 2021، جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي ترتكب ضد القدس الشريف، والتأكيد على أن ما يحدث من تهجير لعائلات فلسطينية من منازلهم بحي الشيخ جراح، يعتبر “جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان في انتهاك صريح لكل المواثيق الدولية وقرارات الشرعية الدولية”، وأن القضية الفلسطينية تعتبر مسئولية العرب جميعًا، كذلك أدان مجلس الشيوخ والأحزاب السياسية الاعتداءات الإسرائيلية، وتوجيه عددا من الأحزاب السياسية إلى إلغاء التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
كما قررت نقابة الصحفيين إعادة فتح حساب بالنقابة لدعم الشعب الفلسطيني لتلقى تبرعات الأشخاص الطبيعية والاعتبارية المصرية، على أن يتولى مجلس النقابة توصيلها عبر القنوات المعتمدة. هذا بالإضافة إلى انضمام نقابة الصحفيين، ودعوة النقابات المهنية الأخرى للانضمام، لكل الدعاوى القانونية الدولية التي ترفع في الجهات الدولية المختصة ضد دولة الاحتلال. كذلك دعت الصحفيين اتحاد الصحفيين العرب لعقد اجتماع افتراضي فوري، لبدء تحرك عاجل في كل الهيئات والمحافل الصحفية القارية والإقليمية والدولية، لكى تتخذ وتعلن مواقف واضحة لإدانة العدوان الإسرائيلي ودعم صمود الشعب الفلسطيني.
كما أعلن مجلس نقابة المحامين بجنوب القاهرة فى 14 مايو 2021، أنه فى حالة انعقاد دائم من أجل تأدية رسالته في نصرة الشعب الفلسطيني، وتوزيع بيانًا له يدعم تلك القضية بهدف استنهاض الهمم وإيقاظ الضمائر والذمم والتصدي لإجرام بني إسرائيل على كافة السفارات الأجنبية والعربية بالقاهرة وجامعة الدول العربية، ومن ناحية أخرى أعلنت النقابة الفرعية لمحامي القاهرة الجديدة عبر بيان لها، تشكيل لجنة لتوثيق الوقائع والحقائق وتوفير الدعم اللازم من أجل سلك طريق القانون الدولي، بهدف ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتحميلهم المسؤوليات كافة عما يحدث من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
استخدام الخطاب الديني:
استخدمت وزارة الأوقاف المصرية الخطاب الديني كوسيلة لدعم القضية الفلسطينية بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى للاشتباكات، وتوجيه رسالة من شيخ الأزهر “أحمد الطيب” إلى العالم مترجمة إلى 15 لغة بينها اللغة العربية نصت على دعوة “شعوب العالم وقادته لمساندة الشعب الفلسطيني المسالم والمظلوم فى قضيته المشروعة والعادلة من أجل استرداد حقه وأرضه ومقدساته ووقف القتال”، بالإضافة إلى توحيد خطبة صلاة الجمعة من الجامع الأزهر بالتليفزيون الرسمي فى 14 مايو 2021، للدعوة إلى نصرة الفلسطينيين والتنديد بالعدوان الصهيوني.
مساعدات متنوعة:
منذ تصاعد الاشتباكات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتوجه الرئيس “عبد الفتاح السيسى” إلى التنسيق مع الأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة للوقف على احتياجاتهم وتلبيتها، حيث أرسلت الحكومة المصرية مساعدات طبية وغير طبية عاجلة إلى فلسطين، إلى جانب إرسال سيارات إسعاف إلى معبر رفح الحدودي لنقل الجرحى، ورفع حالة الطوارئ القصوى بثلاثة مستشفيات بسيناء هم: العريش وبئر العبد والإسماعيلية لعلاج الفلسطينيين وتعليق إجازات عيد الفطر لبعض الأطباء والأطقم الطبية والتمريض بهذه المنشآت الطبية استعداداً لاستقبال القادمين من قطاع غزة للعلاج.
كذلك صدر مصري قرار بفتح معبر رفح الحدودي بداية من يوم 14 مايو 2021؛ لاستقبال الجرحى نتيجة للغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتكليف المستشفيات في سيناء بالاستعداد لاستقبال الجرحى والمصابين، هذا بالإضافة إلى فتح نقابة الأطباء المصريين باب التطوع للأعضاء لعلاج الجرحى الفلسطينيين، وعلى جانب أخر أعلن الهلال الأحمر المصري فتح باب التبرعات لإمداد الفلسطينيين بكل مواد الإغاثة تحت شعار (عيديتك لغزة).
حاصل القول، أثبتت القيادة السياسية والحكومة المصرية منذ اللحظة الأولى للاشتباكات بين الشعب الفلسطيني والقوات الإسرائيلية أن الموقف المصري تجاه القضايا العربية بصفة عامة والفلسطينية خاصة ثابت ولم يتغير، والذي يتلخص في الدعم والمساندة للدول العربية، ورفض أية انتهاكات خارجية تتعرض لها هذه الدول أو تهدد أمن واستقرار المنطقة، وأن الأمن العربي جزء لا يتجزأ من الأمن المصري، وأن القضية الفلسطينية كانت ومازالت على أولويات السياسية الخارجية المصرية فى ظل اعتراف مصر الكامل بالحقوق الفلسطينية وضرورة الوصول إلى حل عادل بين إسرائيل وفلسطين، وعدم تأخر مصر يومًا واحدا عن تقديم الدعم والمساندة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى الشعب الفلسطيني.