محاولة للتموقع شرق أوسطياً: ما هو موقف إيران من الاعتداء الإسرائيلي على غزة؟

يتعرض القدس وقطاع غزة منذ عدة أيام إلى هجمة شرسة من الكيان الصهيوني المحتل، أدت إلى قتل الأطفال والنساء وهدم المنشآت والأبراج السكنية، وهو الأمر الذي أدانه المجتمع الدولي ودعت معظم الدول مجلس الأمن الدولي وأطراف الرباعية الدولية والمنظمات الإقليمية والدولية إلى تحمّل مسؤولياتها لوقف هذه الاعتداءات؛ حفاظاً على الأمن والسلم وفق أحكام القانون الدولي.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه.. هل أصبح التدخل السياسي الإيراني محدوداً بحكم الصراع السياسي بين طهران والدول العربية أم ورقة ضغط جديدة لاستغلال القضية في زيادة حضورها في منطقة الشرق الأوسط؟ وأين يكمن الدور الإيراني في ظل هذه التطورات للأحداث الأخيرة للقدس المحتلة؟.
الموقف الإيراني تجاه الأحداث:
أدانت وزارة الخارجية الإيرانية، الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، والتي تتزامن مع يوم القدس العالمي، فقد وصفت وزارة الخارجية الإيرانية أحداث القدس، مؤخرًا، بأن ما يحدث في فلسطين “جريمة حرب إسرائيلية جديدة”، داعية المجتمع الدولي إلى تحرك عاجل لوقف انتهاك أبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني، كما طالبت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتها في اتخاذ الإجراءات اللازمة، فضلاً عن تأكيدها أن إيران تقف بقوة إلى جانب شعب فلسطين البطل، وتدعو جميع دول العالم خاصة الدول الإسلامية إلى القيام بواجبها التاريخي.
لقد وصفت طهران أن ما يحدث في فلسطين “جريمة حرب إسرائيلية جديدة”، وتعمل إيران على خياران في الرد على التصعيد الإسرائيلي” مؤخراً، من خلال “الرد على الدبلوماسية والردع “.
# دبلوماسياً:
(*) صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده عن أحداث القدس المحتلة، بـ “الجرائم الصهيونية الوحشية”، ودعا المجتمع الدولي إلى التصدي للإجراءات الإسرائيلية.
(*) ثمن خطيب زاده مقاومة الشعب الفلسطيني “خاصة شباب مدينة القدس”، مطالباً المجتمع الدولي بالتصدي للإجراءات الإسرائيلية التي “تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني والأماكن المقدسة”.
(*) التأكيد على أنه “لا بد من إجراء استفتاء عام لسكان فلسطين الأصليين، وهذا هو الحل الوحيد لأزمة فلسطين”، وأن “أرض فلسطين ملك للشعب الفلسطيني، والكيان الصهيوني غاصب ومحتل”.
(*) صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن بلاده تنفرد بدعم وحماية الفلسطينيين، زاعما أن دول المنطقة، خاصة مصر والأردن، صامتة تجاه ما يحدث للفلسطينيين على يد إسرائيل.
(*) أدان روحاني ما وصفها بـ”الاعتداءات الصهيونية” على الشعب الفلسطيني، وقال: لماذا تطلقون كل هذه الصواريخ على الفلسطينيين، بأي ذنب تقتلونهم؟”، وفقا لما نقلته وكالات أنباء إيرانية رسمية.
# الدعم الإيراني لحماس:
تدرك جميع الفصائل الفلسطينية أن الدعم العسكري والمالي والتقني الإيراني لا يمكن الاستعاضة عنه بأي طرف إقليمي أخر، كما أنها تدرك صعوبة الثمن المطلوب من الأطراف الإقليمية الأخرى لقاء- أي دعم مالي، حيث تصل جذور العلاقة بين الطرفين والتي تمتد إلى أكثر من عقدين ونصف العقد، وتسببت العلاقة بين الطرفين في إشكاليات عميقة لحماس في مكونات عمقها السني، والنظام العربي بشكل عام. وتتمثل أبعاد العلاقة بين الطرفين، فيما يلي:
(&) التحالف الاستراتيجي العسكري، وتقديم الخبرات بمختلف تخصصاتها، وتزويد المقاومة بمختلف التقنيات التي تحتاجها لتطوير قدراتها العسكرية وتحديداً منظومتها الصاروخية والتقنية.
(&) الدعم المالي واللوجستي لأنشطة الحركة العسكرية، وهو دعم حصري لطهران في ظل العقوبات الأمريكية المعلنة التي تلاحق أي طرف يحاول تقديم أشكال الدعم لها.
(&) فتح قنوات الدعم من حلفاء طهران تحديداً مكونات “محور المقاومة” وتغطية أنشطتها المختلفة في هذه المناطق.
(&) تزويد فصائل المقاومة بالخبرات اللازمة، وتقديم المساعدة بنقل الدعم اللوجستي للمقاومة الفلسطينية في غزة. واستكمالاً لما سبق، يمكن تحديد أشكال الدعم الإيراني لحركة حماس على النحو التالي:
- وعدت إيران حركة حماس الفلسطينية بدعمها في الحرب ضد إسرائيل، فقد أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية أن قائد لواء القدس بالحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قاني وعد إسماعيل هنية من خلال مكالمة هاتفية، بتقديم “الدعم غير المحدود” لقوات حماس.
- “تمويل” طهران لـ”حركة حماس” وذلك بحسب موقع Newsweek حيث طالب 43 عضواً جمهورياً في مجلس لشيوخ الأمريكي الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بإلغاء المحادثات النووية مع إيران في فيينا بسبب”تمويل” طهران لـ”حركة حماس” المصنفة إرهابية من قبل واشنطن.
- الاستعدادات العسكرية من خلال تسلم “حماس” مؤخراً 600 صاروخ من إيران ومعدّات عسكرية أخرى وصلتها عبر باخرة “مجهولة” هذا الى جانب شحنة أسلحة إيرانية ضخمة من إيران الى “حزب الله” عبر سوريا.
- كشف جهاز “الشاباك” الإسرائيلي عن مسارات تحويل الأموال من إيران إلى حركة حماس والعمل على إضعافها وكسرها وتشديد الخناق على الجهات الخارجية الممولة ومن بينها طهران، بالإضافة إلى مواصلة إسرائيل قصف مؤسسات وشركات مالية باعتبارها الشريان المالي للحركة، خاصة بعد معلومات استخباراتية إسرائيلية عن تعزيز ضخم في دعم إيران لحركة حماس إلى أكثر من 30 مليون دولار شهرياً.
وبناءً عليه، هناك عدة محاور لتدخل إيران وسيطرتها على زمام الأمور في الفصائل الحاكمة في غزة، أول محور، هو عادة إيران في استغلال القضايا الإسلامية المركزية منها قضية القدس لزيادة حضورها في الشرق الأوسط، وأن خطاب “نصر الله” بأن غزة لابد أن تضرب إسرائيل، رغم أن “نصر الله” يملك صواريخ إيرانية أقوى بكثير من الصواريخ المتواجدة في غزة، والسؤال هنا: “”لماذا لا يطلق حسن نصر الله صاروخًا واحدًا على إسرائيل لنصرة القدس”، وقد يرى بعض المحللين أن ذلك إن دل فإنما يدل على أن قضية القدس بالنسبة لحزب الله وإيران هي قضية سياسية وليست قضية دينية أو مقدسات.
كما أن إيران تنسب بطولات المقدسيين إلى حلفائها لوأد بطولات الشعب المثابر، وأن إيران أرادت إدخال فصائلها المعادلة في غزة حتى تلهي العالم بعدما وقفت بجانب الفلسطيني قلباً وقالباً ًمع الشباب المقدسيين المدافعين عن أرضهم بدافع وطني وديني بعيداً عن رغبة التوجهات الحزبية، حيث إنهم يريدون أن تظهر إيران وتحويل الصراع من القدس وشباب القدس إلى غزة فقط.
وقد بدا هذا واضحاً بعدما أمر وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” برصد أهداف في غزة، لإحداث تدهور أمني، لسحب الأنظار بعيداً عن ما يحدث في القدس وتعود المعركة إلى غزة، لتبدأ بعد ذلك حروب الحركات، مما يعني ظلم المقدسيين دون قصد من قبل بعض الفصائل التي تدعمهم إيران لكن هذا ما تريده إسرائيل، وفق وكالة “معا” الفلسطينية.
التقديرات الإسرائيلية:
(&) تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن “إسرائيل ما زالت مأخوذة بالمفاجأة التي بدأت فور اندلاع المواجهة مع غزة، حيث انجرت إلى مواجهة لم تكن في حسبانها”، لأن صواريخ المُقاومة “عبثيّة” وأنه لا يزيد مداها عن كيلومتر واحد وبلا رؤوس متفجرة في أفضل الأحوال، وها هي الصّواريخ تصل إلى كل بقعة في فلسطين المحتلة، وتقلب كل مُعادلات القوة والرّدع.
(&) إسرائيل تقاتل اليوم على ثلاث جبهات فلسطينية في الوقتِ نفسه، الأولى في المناطق المحتلة عام 1948، والثانية في الضفة الغربية، والثالثة في قطاع غزة، وهذه الجبهات ستظل ساخنة، بل ملتهبة، حتى لو جرى التوصُل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، فانتِفاضة الحجر المقدس الأولى عام 1987 استمرت ثلاثة أعوام، والثانية أربعة أعوام، والثالثة ربما أكثر.
(&) إن ما سيقلب الموازين أو سيكشف الضعف البنيوي هو قرار الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة، مثل هذا القرار سيورط إسرائيل في جبهات حرب متوازية، في غزة، وفي الداخل الإسرائيلي، وربما أيضاً في صواريخ إيرانية موجهة مباشرة من إيران للمرة الأولى في العلاقة الإيرانية – الإسرائيلية.
(&) القيادة الإسرائيلية قد ترى أن لا خيار آخر أمامها سوى انتهاز الفرصة لتدمير البنية التحتية العسكرية والقيادية وحتى المدنية في غزة دماراً كاملاً للقضاء على “حماس”، ولاحتواء الداخل، ولاستعادة الهيبة بالرغم من خطورة فتح الجبهات عليها.
(&) في المقابل، ترى “حماس” وإيران أن الاجتياح البري الإسرائيلي لغزة هو الفرصة الفريدة المواتية لتدمير إسرائيل عبر صواريخ تطويقية من الأراضي الإيرانية واللبنانية والسورية وعبر التفعيل العسكري للغضب الفلسطيني داخل إسرائيل والذي ينتفض مسلحاً للمرة الأولى.
الاستنتاجات:
إن التطورات الميدانية متسارعة لدرجة استحالة حسم التوقعات المستقبلية لكن يمكن قراءة المعطيات الحالية كالآتي:
-إنها حرب إيرانية – إسرائيلية ما زالت تتفاعل بالنيابة لكن توسعها إلى مواجهة صاروخية مباشرة بات مطروحاً على الطاولة في غرف العمليات.
-التفكير العسكري والاستراتيجي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إن “حزب الله” “متأهّب وجاهز” لتفعيل الجبهة اللبنانية عبر إطلاق الصواريخ الإيرانية على إسرائيل حالما تبدأ إسرائيل الاجتياح البري لغزة، وهنا المنطِق العسكري وراء ذلك هو أن إسرائيل عاجزة عن الصمود أمام جبهتين مفتوحتين هما غزة ولبنان، ثم أن “الحرس الثوري” في طهران جاهز لإطلاق الصواريخ مباشرة من إيران إلى المواقع الإسرائيلية.
-إزاء هذا المنطق تخشى إسرائيل فتح الجبهة اللبنانية أكثر مما تخشى جبهة غزة نظراً للإمدادات الإيرانية العسكرية المتفوقة إلى “حزب الله”، لذلك فإن إسرائيل في ورطة، بحسب استنتاج المحور الإيراني الذي يقع “حزب الله” و”حماس” تحت لوائه، ثم أن الأجواء السياسية الدولية هي لصالح المنطق الإيراني، كما تعتقد طهران، وبالتالي هذه لحظة قد لا تكرر نفسها، يجب اقتناصها، خاصة ًبعد أن أصبحت الأيادي الأميركية والروسية والأوروبية والعربية مقيدة بعدما رفضت إسرائيل مساعي مصر لاحتواء التطورات.