انحياز واضح: ملامح الموقف الأوروبي من التصعيد الإسرائيلي على غزة
منذ أن بدأت أزمة القدس والمسجد الأقصى في أوائل شهر رمضان الماضي والتي أعقبها التصعيد العسكري الإسرائيلي غير المسبوق، المُتضمن لتصريحات من القادة الإسرائيليين بأنهم أمام معركة مفتوحة حتى يتم تنفيذ أهدافها- لم يتغير موقف الاتحاد الأوربي وبعض دوله من الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، حيث أنه اقتصر على تصريحات لم تأثر رسالتها في الأطراف المقصودة، بل ظلت حبيسة صفحات التواصل الاجتماعي وبيانات الوزارات، وإن كان الموقف الفرنسي هو الأكثر تأثيرا على أطرف الأزمة.
وفي ظل ردود أفعال قادة المقاومة الفلسطينية بقدرتهم على الصمود لشهور طويلة، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية- يبقى السؤال: ما هي ملامح موقف الاتحاد الأوروبي ودوله من الاعتداءات الإسرائيلية، وما هو موقف أطراف الأزمة من التصريحات الأوروبية؟.
موقف مخيب للآمال:
اقتصر الموقف الأوروبي من الضربات الإسرائيلية تجاه غزة على تصريحات لم يتجاوز تأثيرها حدود نطاقها الجغرافي وبقيت غير مسموعة من الطرف المُعتدى والمعتدى عليه، فقد عبر عن الموقف السياسي للاتحاد الأوروبي منذ بداية الأزمة، وزير الخارجية الأوروبي “جوزيب بوريل”، الذي دعا إلى “وقف فوري” للأعمال العدائية، وذلك خشية الدخول في نزاع أوسع، أما رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، فقامت بالاكتفاء بالكتابة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: بأنها تدين الهجمات العشوائية التي تقوم “حماس” بشنها على الأراضي الإسرائيلية، وأضافت أيضًا: أنه يجب حماية المدنيين من جميع الجهات، ويجب أن ينتهي العنف على الفور، وفي هذا السياق، دعا رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”، الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى التراجع عن حافة الهاوية، وأن يقوموا بالالتزام بعملية ضبط النفس.
وفي سياق متصل، صرح أيضًا المتحدث باسم الاتحاد في بيان: بأن العنف والتحريض غير مقبولين ويجب محاسبة الجناة من جميع الأطراف، كما أضاف أيضًا أن الاتحاد الأوروبي يدعو السلطات إلى التحرك بشكل عاجل لخفض التوتر الحالي في القدس، وأن طرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح ومناطق أخرى في القدس الشرقية ” أمر مقلق للغاية”، وقد حذر من أن هذه الأعمال غير قانونية بموجب القانون الإنساني الدولي ولا تؤدي إلا إلى تأجيج التوتر على الأرض.
من جهة أخرى، أعلن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، اليوم الأحد 16 مايو 2021، أن وزراء خارجية دول التكتل سيجرون الثلاثاء الموافق 17 مايو2021، مجموعو من المحادثات الطارئة عبر الفيديو، بشأن تصاعد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة، حيث صرح بوريل عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إنه في ضوء التصعيد القائم بين إسرائيل وفلسطين وعدد الضحايا المدنيين غير المقبول، سيتم عقد مؤتمراً استثنائياً عبر الفيديو لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، كما سيتم تنسيق ومناقشة الطريقة المثلى التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يساهم من خلالها في وضع حد للعنف الحالي.
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة اقتصر على تصريحات لم تفعل على أرض الواقع، وبالتالي تظل النداءات الأوروبية للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قيد القراءة كغيرها من مطالبات أكدت عليها بعض الدول، خاصة في ظل ارتفاع إجمالي عدد القتلى الفلسطينيين إلى 174 مع احتمال استمرار زيادة العدد.
انحياز أوروبي:
يبدو أن اهتمام الجانب الأوروبي ينصب على ما حدث في بعض الأماكن للجاليات اليهودية في أوروبا من الأعمال المعادية لليهود التي حدثت في ألمانيا والنمسا وإسبانيا وبريطانيا، حيث عبر عن ذلك بشكل لافت للانتباه البيان الذي صدر يوم 14 مايو الجاري، عن نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية “مارغريتس شيناص”، التي أبدت قلقها العميق بخصوص الأعمال المعادية للسامية ولليهود في البلدان الأوروبية التي وصفتها بأنها تعبير عن معاداة السامية، التي دعت إلى إدانتها بقوة، فضلًا عن تصريحها: “نحن نقف إلى جانب الجاليات اليهودية وندعو الدول الأعضاء للحذر لضمان أمنها”.
وفي هذا السياق، أعلنت ألمانيا أنها لن تتسامح مع الأعمال المعادية للسامية، حيث قامت بالتأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في إطار الدفاع الشرعي عن النفس، أما فيما يتعلق بالحكومة النمساوية، فقد قامت بفتح تحقيق بشأن ما حدث خلال مظاهرة قامت على الأراضي النمساوية لدعم القضية الفلسطينية، وعلى أثرها أمر المستشار النمساوي برفع الأعلام الإسرائيلية، وفي سياق متصل صرح المستشار النمساوي المحافظ “سيباستيان كورتس”، في بيان أوردته وكالة الصحافة الفرنسية: بإدانته الهجمات على إسرائيل من قطاع غزة، بالإضافة الى تأكيده أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات، كما أضاف تضامنهم الكامل مع الجانب الاسرائيلي، وذلك من خلال رفع العلم الإسرائيلي على مقري المستشارية ووزارة الخارجية، ومن جانب آخر قال وزير الخارجية النمساوي “ألكسندر شالنبرغ” أن لا شيء يبرر إطلاق أكثر من ألف صاروخ حتى الآن على إسرائيل من غزة من قبل “حماس” ومجموعات إرهابية أخرى، وقد أكد هو الأخر على دعم أمن إسرائيل بقوة.
موقف فرنسي “متزن”:
وفي هذا الإطار تبدو باريس الأكثر نشاطاً من بين كافة القادة الأوروبيين _ الذين اكتفوا بمجرد تصريحات دون التحرك لوقف الأزمة كما تم الاشارة سابقًا_، ذلك في سعيها لأن يكون لها دور في وضع حد لأعمال العنف الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي تبدو الأكثر دموية منذ حرب 2014 بين إسرائيل من جهة، و”حماس”، “الجهاد الإسلامي” من جهة أخرى، حيث قام الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” بالعديد من الاتصالات مع مسؤولين كبار من الشرق الأوسط، على رأسهم الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، خاصة في ظل الدور المحوري والوسيط التي تقوم به مصر لوقف أعمال العنف في غزة، بالإضافة الى إعلانه عن دعمه الكامل لجهود الوساطة المصرية.
وفي سياق متصل، شدد ماكرون وفق البيانين الصادرين تباعاً عن قصر الإليزيه، على الضرورة الملحة للعودة إلى السلام، بالتالي تسعى باريس إلى التمسك بموقف متوازن من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، حيث جاء في بيان الإليزيه، أن ماكرون واصل جهوده من أجل وضع حد لتصاعد العنف في الشرق الأوسط، إذ جدد الرئيس الفرنسي إدانته الشديدة لما تقوم به “حماس” و”المجموعات الإرهابية الأخرى”، من خلال قصف الأراضي الإسرائيلية، فضلًا عن تعبيره عن تمسكه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع احترام القانون الدولي.
ومن ناحية أخرى، أشار ماكرون إلى قلقه بشأن المدنيين الفلسطينيين في غزة، مؤكداً أنه سيواصل تحركه من أجل وضع حد لجولة العنف بالتنسيق مع شركاء فرنسا، حيث أن باريس ستساهم في اجتماع مجلس الأمن. بيد أن في الوقت نفسه قامت _باريس_ أيضًا بمنع المظاهرات التي كانت مقررة أمس 15 مايو الجاري، لدعم الشعب الفلسطيني بحجة الخوف من التجاوزات، ومن تكرار تجربة عام 2014، حيث أسفرت مظاهرات تم تنظيمها في ذلك الوقت بدعوة من منظمات وجمعيات داعمة للشعب الفلسطيني ومنددة بإسرائيل إلى مناوشات بين المتظاهرين ورجال الأمن.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إنه على الرغم من الإدانات التي صدرت عن الدول والحكومات الأوروبية، وأخرى من قبل الاتحاد الأوروبي بشأن العنف في القدس وبخصوص المستوطنات- إلا أنها تبقى في حدود التصريحات ومن غير تأثير فعلي وميداني على السياسات الإسرائيلية، وفي هذا السياق فإن الموقف الأوروبي المخيب للآمال والاكتفاء بالإدانات اللفظية فقط دون اتخاذ إجراءات فاعلة تجاه انتهاكات جسيمة مثل أنشطة الاستيطان والتهجير في القدس واستفزاز مشاعر المصلين الفلسطينيين واستمرار حصار غزة الذي أدى إلى تصعيد الأوضاع الميدانية، ويهدد بانفجار شامل وعواقب أشد خطورة.
وفي سياق متصل، يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى معالجة شاملة للانتهاكات والاستفزازات والتجاوزات لمنع تكرار التصعيد، بما في ذلك اتخاذ إجراءات ملموسة لدعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، لردع الانتهاكات الإسرائيلية التي تهدد بتفاقم التوترات وتزيد من احتمالية حدوث المزيد من العنف.