قراءة فى مشهد تجديد الخطاب الدينى
د. حسن حماد
تعرضنا على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية للمشاريع الفكرية الحداثية، وأوضحنا أهم الأسباب التى أدت إلى إخفاقها، والموضوع الذى نناقشه اليوم ليس ببعيد عن هذه المشاريع، فهو يرتبط بها بصورة بنيوية، ونعنى بذلك مشروع تحديث وتجديد الخطاب الديني، والحق أن الرئيس عبد الفتاح السيسى عندما تولى رئاسة مصر وضع فى مقدمة اهتماماته مسألة تجديد الخطاب الديني. وفى اللقاء الذى جمعه بشيخ الأزهر فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف عام 2015 قال الرئيس ما نصه: «لا يمكن لـــ 1.6 مليار مسلم أن يقتلوا سبعة مليارات من البشر حتى يعيشوا هم فقط…» وقال: «نحن نحتاج لثورة دينية».
ومنذ أيام قلائل فوجئ العالم كله بالتصريحات الثورية للأمير محمد بن سلمان والتى جعلت أنظار المسلمين فى العالم كله تتجه إلى المملكة السعودية. ما الذى حدث؟ وكيف أقدم الأمير على الإدلاء بهذه التصريحات النارية التى تركزت كلها حول ضرورة الحد من أهمية السنة النبوية والأحاديث، خاصة أحاديث الآحاد والأخبار التى تشكل أغلب الأحاديث وقال إن هذه الأحاديث غير مُلزمة حتى لو وردت فى صحيحى البخارى ومسلم.
ونحن – من جانبنا – نصف هذه التصريحات الواضحة بأنها ثورية لأننا نعلم جميعا أن السعودية منذ تأسيسها عام 1932، تتخذ من المرجعية الوهابية أساسًا أيديولوجيًّا لها، وتصريحات الأمير معناها أن السعودية لن تكتفى فقط بمظاهر التحديث التى طرأت عليها فى السنتين الأخيرتين مثل إقامة الحفلات وقيادة النساء للسيارات، بل من الواضح أن الأمر قد وصل إلى تغييرات جوهرية فى البنية الأيديولوجية، وهذا أمر ليس بالهين بالنسبة للتاريخ السياسى والدينى للمملكة.
وفى سياق يبدو للوهلة الأولى وكأنه يساير تصريحات الأمير محمد بن سلمان ذكر شيخ الأزهر الإمام الشيخ الطيب فى الحلقات التى يبثها التليفزيون المصرى تصريحات ظن البعض أنها تُشير إلى تغيرات وتحولات فى موقف فضيلته من التراث، وخلاصة رأى الشيخ الطيب أنه يدعونا إلى عدم تقديس التراث الفقهى أو مساواته بالشريعة.
وقد رأى معظم المتابعين فى الإعلام والسوشيال ميديا أن تصريحات الشيخ الطيب الأخيرة تشكل تغيرا نوعيا فى موقف فضيلته من تراث الأحاديث والمرويات، وواقع الأمر أن ما تفضل به فضيلته فى الآونة الأخيرة لم يمس الأحاديث النبوية من قريب أو بعيد، بل وليس مناقضا أو مغايرا لآرائه السابقة ولا يشكل تغيرا أو تحولا عن موقف فضيلته الثابت تجاه عدم الاقتراب من التراث. وربما يكون مفيدا لنا أن نستعيد بعضا من الحوار الذى جرى فى رحاب جامعة الأزهر بين فضيلته ورئيس جامعة القاهرة أثناء انعقاد مؤتمر تجديد الفكر والعلوم الإسلامية (يناير 2020) وفى هذا اللقاء دعا الخشت فى كلمته إلى تطوير علوم الدين وليس إحياءها، كما انتقد الخشت المذهب الأشعرى الأزهرى، داعيًا إلى خطاب دينى جديد يتجاوز المذاهب والفرق الدينية. وجاء رد شيخ الأزهر حادًّا وساخرًا ورافضًا لكل ما قاله الخشت، ولن نستطيع هنا أن نورد كل ما قاله الشيخ الطيب، ونكتفى ببعض الإشارات مثل وصفه لرؤية الخشت للتجديد بقوله: «هذا ليس تجديدًا، هذا إهمال وترك وإعلان الفرقة لبيت الوالد…» وأكمل: «… هذا التراث الذى تهون من شأنه اليوم… خلق أمة كاملة…».
وفى تصريحات أخرى تالية ذهب الشيخ الطيب إلى أن هجر التراث سيؤدى إلى ضياع ثلاثة أرباع الدين، وأن سلخ القرآن عن السنة يضعه فى مهب الريح، ويفتح عليه أبواب العبث بأركانه وتشريعاته!!
وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل ستؤثر التغيرات الدراماتيكية فى السعودية على موقف مؤسسة الأزهر فى مصر- وعلى موقف المسلمين عموما – من التراث والأحاديث والمرويات؟ هل ما قاله فضيلته فى الآونة الأخيرة يُعبر عن موقف فكرى جديد، سوف نشهد ترجمة واقعية له من خلال تشكيل لجان موسعة من داخل وخارج الأزهر يكون هدفها إعادة تقييم التراث فى ضوء معطيات الواقع وأحكام العقل واستنادًا إلى القرآن الكريم بوصفه النص المؤسس للشريعة؟ تُرى هل سيكون لدينا الجرأة على أن نُغير تراثنا الثقافى والدينى بأيدينا وبمحض إرادتنا وبذلك نتصالح مع ذواتنا ومع روح العصر ومع الحداثة والتجديد؟ أم أن قدرنا أن ندور فى دائرة التراث المغلقة وننتظر رياح التغيير الآتية لنا من الشرق؟!
نقلا عن صحيفة الوفد.