هل نجحت قمة “بورتو” الاجتماعية للاتحاد الأوروبي في إرضاء مواطنيها؟

حاول الاتحاد الأوروبي تسليط الضوء على السبل الكفيلة لتحسين الأبعاد الاجتماعية ومجالات التنمية داخل دول التكتّل بعد أن تسببت الأزمة الصحية المرافقة لاستشراء وباء كوفيد-19 في الدفع ببعض الحكومات الأوروبية إلى التزام سياسة التقشف الاقتصادى، تسببت في كثير من الأحيان في حالات بطالة طالت عشرات الآلاف من الأشخاص، ومن هذا المنطلق اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي مساء يوم الخميس 6 مايو 2021، بمدينة بورتو البرتغالية في قمة كرست البعد الاجتماعي كأولوية بعد أزمتين اقتصاديتين تاريخيتين طالت دول العالم( الأزمة المالية العالمية 2008 ، وأزمة وباء كورونا 2020)، وتسببت بزيادة الفقر وتقويض القوة الأوروبية الى حد كبير.

ومن خلال تلك القمة تعمل دول الاتحاد الأوروبي على اتباع خطط جديدة للتعامل مع جائحة كورونا من خلال ما يسمى ب (وعد بورتو) خاصة، وأنها المرة الأولى التي تجتمع فيها هذه الجهات لتوقيع إعلان حول الشؤون الاجتماعية لمواطنيها، ومن نتطرف في هذا التحليل إلى الدوافع الاجتماعية والاقتصادية فى أوروبا لعقد قمة بورتو، وذلك نتائج تلك القمة، وردود أفعال مواطني أوروبا تجاه وعد بورتو الاجتماعي.

الدوافع الاجتماعية والاقتصادية فى أوروبا لعقد قمة بورتو:

عانت العديد من الدول الأوروبية من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة فى ظل تفشى وباء كورونا، فعلى الصعيد الاجتماعى، أصبح نحو 700 ألف شخص أوروبى بلا مأوى بعد أن فقدوا أعمالهم وتركوا منازلهم نتيجة صعوبة سداد أجورها. ولا يزال 6.7 ٪ من جميع الأوروبيين يعيشون في حرمان مادي شديد، كما أن أكثر من 20 مليون مواطن يعيشون في تحت خط الفقر. وفي مطلع شهر أبريل2021، أكد مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي أن معدل البطالة في منطقة اليورو بلغ 8.3 %وفى طريقه للزيادة، كما يبلغ نحو 4.22% من سكان الاتحاد الأوروبي معرضون لخطر الفقر أو الإقصاء الاجتماعي.

وعلى صعيد التأثيرات الاقتصادية، فقد تأثرت بشكل كبير الدول الأوروبية لتشهد صدمة اقتصادية دون سابقة منذ الكساد الكبير، حيث تأثرت البورصات المالية، وقوة العملات وتصاعدت البطالة وبدأت الشركات تواجه مخاطر الإفلاس… إلخ. كما أحدث تفشي فيروس كورونا خسائر ضخمة إنسانياً واقتصادياً ومالياً لدول أوروبا التى أصبحت بحاجة إلى (خطة مارشال جديدة ضخمة) لإعادة إطلاق اقتصادها بعد الضربة التي منيت بها جراء الجائحة.

كما سجل الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، أسوأ انخفاض على الإطلاق في الربع الثاني من العام 2020، إذ انكمش اقتصاد الاتحاد الأوروبي بنسبة 11.9%، وفقاً لتقدير مكتب إحصائيات الاتحاد الأوروبي، وهو أسوأ انكماش منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي في العام 1993، في حين انخفض الناتج المحلي الإجمالي في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 4.3٪ خلال فترة الركود المواكبة للأزمة المالية العالمية وتحديداً بين العامين 2008 و2009.

وعلى جانب التوقعات الاقتصادية لعام 2021، تشير أحدث البيانات إلى خفض توقعات نمو الناتج المحلى لمنطقة اليورو إلى 4.2% فى 2021، ومن المتوقع أن تنكمش بعض الاقتصادات فى الاتحاد بشكل كبير، ومنها أسبانيا وايطاليا وفرنسا، فعلى سبيل المثال، سوف ينكمش الاقتصاد الإسبانى بأكثر من 12% هذا العام، وهو أكبر ضربة فى الكتلة النقدية وأكثر من المتوقع فى السابق. وهذا يقارن بمتوسط منطقة اليورو البالغ سالب 7.8%. كما أنه من المحتمل أن تقفز الديون الحكومية لدول منطقة اليورو إلى أكثر من 100% من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام وحتى حلول عام 2022، وستصل فى اليونان إلى 207% من الناتج.

وقد أظهر مسح أجرته شركة ماكينزى، أن أكثر من نصف الشركات الصغيرة والمتوسطة فى أوروبا قد تواجه الإفلاس فى العام 2021، فى حال عدم ارتفاع الإيرادات، حيث توقعت واحدة من كل 5 شركات فى إيطاليا وفرنسا تقديم طلبات للإفلاس فى غضون الأشهر الستة المقبلة.ومن هنا يمكن القول بأنه سيكون المسار طويلاً نحو التعافى من الأزمة جراء وباء كورونا، والتى ستترك “ندوبًا دائمة” على اقتصاد أوروبا ومستوى معيشة مواطنيها، وهو الأمر الذى دفع قادتها الى عقد قمة بورتو للبحث عن الحلول.

نتائج “بورتو” الاجتماعية:

أثمرت القمة الاجتماعية للاتحاد الأوروبي عن (وعد بورتو الاجتماعي) أو ما يسمى بـ “القاعدة الأوروبية للحقوق الاجتماعية”، وهو اتفاق يضمن آليات للدول الأعضاء لتحقيق أهداف الركيزة الاجتماعية الأوروبية في العقد المقبل. ويتضمن عشرين مبدأ أساسيا مثل الحق في التعليم وضمان حد أدنى لائق للأجور، والحق في الحصول على الخدمات، وتساوي الفرص.

وتهدف الوثيقة إلى تعبئة الموارد المالية اللازمة للاستثمارات والإصلاحات لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز التنافسية القائمة على النمو المستدام من خلال خلق “فرص العمل والعدالة الاجتماعية”. وتحدد هذه الخطة ثلاثة أهداف يتعين تحقيقها بحلول 2030، وهي: زيادة نسبة العمالة إلى 78%، وضمان تدريب مهني لما لا يقل عن 60% من البالغين كل سنة، وخفض عدد الأشخاص المهددين بالفقر أو الإقصاء الاجتماعي بمقدار 15 مليون شخص.

ردود أفعال مواطنى أوروبا تجاه وعد بورتو الاجتماعى:

تظاهر الآلاف من المواطنين في مدينة بورتو شمال البرتغال التى عقد فيها قمة بورتو، للتنديد بالبطالة والتوظيف الهشّ والخصخصة، خاصة هؤلاء المواطنين الذين فقدوا أعمالهم نتيجة وباء كورونا، كما أن خطة العمل الأوروبية من وجهة نظر المواطنين الأوروبيين، تفتقر بشكل واضح إلى سبل التنفيذ العملي على أرض الواقع.

فالقاعدة الأوروبية للحقوق الاجتماعية”، تلزم الاتحاد الأوروبي بتقليل عدد الأشخاص المعرضين لخطر الفقر بمقدار 15 مليون بحلول عام 2030، لكن مع وجود أكثر من 90 مليون شخص معرضين لخطر الوقوع في حالات الفقر في الاتحاد الأوروبي، فإن هذا الهدف يفتقر إلى الطموح. هذا فى الوقت الذى لم تحدد فيه القمة طبيعة الركيزة الأساسية لدعم الاستثمارات في الأبعاد الاجتماعية، التي تعتبر ذات أهمية بالغة بالنسبة للفئات الاجتماعية المتضررة.

كما انتقد المواطنين الأوروبيين حال الاتحاد الأوروبي، حيث أظهرت مؤشرات غير مسبوقة على اضطراب العلاقات البينية بين دول أوروبا، وفي العلاقات الدولية فقد جاء مفاجئاً أن الدول الأوروبية باتت في موضع من يتلقى مساعدات من الصين وروسيا؛ خاصة إيطاليا وإسبانيا، وهو ما دعا قادة إيطاليين للإشادة الواسعة بالدولتين بما أثار حفيظة الشعوب الأوروبية.

كما أوضحت أزمة وباء كورونا عن ضعف وبطء استجابة الاتحاد الأوروبى لتلك الأزمة. ويثير الاحتكاك الواضح بين الدول الأوروبية بشأن الصحة العامة والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن هذا الوباء تساؤلات خطيرة حول مستقبل الاتحاد نفسه، ولذلك شدد مواطنى أوروبا على أن قادة الدول الأوروبية بحاجة إلى إظهار دليل على التزام أكبر بالتعاون المتعدد الجنسيات لمعالجة هذه الأزمة بشكل أكثر فعالية. كما أظهرت الجائحة، التي انتشرت بشكل كبير في دول القارة الأوروبية، ضعفاً في مبدأ “التضامن” الذي يشكل أساس الاتحاد الأوروبي، في حل هذه الأزمة الخطيرة، مرجحة المنافع القومية على مصالح الاتحاد.

وتجلى ما سبق، في قيام دول الاتحاد الأوروبي بالتحرك منفردة دون تنسيق فيما بينها، فضلاً عن إغلاق حدودها، وبدء إجراءات التفتيش وتطبيق سياسات العزل، مما يشير إلى أنّ الروح التي جمعت دول الاتحاد والقائمة على التضامن في الصعيد الأول، قد انتهت في عموم دول الاتحاد.

في النهاية، يمكن القول أنه على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يبدو كأحد أهم التكتلات الإقليمية في العالم وأنجحها، إلا أنه لم يستطع تحقيق جميع الشروط الواجبة للتكتل الإقليمي، خاصة بعد (البريكست) حيث تقرر للمرة الأولى في تاريخ الاتحاد الأوروبي خروج عضو مهم وبارز من الاتحاد وهو بريطانيا، وتخليه عن انتمائه إلى إحدى أهم المجموعات الإقليمية في العالم. كما ظهر بشكل واضح أثناء جائحة كورونا أنانية بعض الدول وسعيها الى تحقيق مصلحتها دون باقي مصالح التكتل، هذا ما يجعل نظريات التكامل والاندماج محدودة في تفسير الواقع وموضع تساءل، ومنه فهي بحاجة إلى إعادة النظر في الكثير من مبادئها. وهو الأمر الذى أوضح بشكل كبير الأصوات الداعمة بتجنب التسرع في اطلاق موجة جديدة من توسع الاتحاد الاوروبى قبل معالجة الأزمات الداخلية التي مازالت تشكل خطراً على تماسك المشروع الأوروبي، خصوصاً أن هناك 5  دول، وهي: ألبانيا، والجبل الاسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا وتركيا، منخرطة في مفاوضات مع الاتحاد، إضافة إلى مرشحين محتملين هما: البوسنة والهرسك، وكوسوفو، وهى دول تعانى بعضها من مشكلات اجتماعية واقتصادية.

 

 

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى