عودة العلاقات “الصومالية” “الكينية”.. لماذا عمدت قطر إلى تعزيز نفوذها في مقديشو؟

في ظل المرحلة الفاصلة التي باتت تمر بها الصومال، والتي بلغت أوجها خلال الفترة الأخيرة، حتى أضحت البلاد قاب قوسين من الدخول في حرب أهلية شاملة، خرج الرئيس الصومالي (المنتهية ولايته) “محمد عبد الله فيرماجو” ليعلن التراجع عن فكرة تمديد فترة ولايته إلى عامين إضافين، والتي مثلت الشرارة التي أججت الصراعات الأخيرة التي شهدتها العاصمة مقديشو، في موقف فسرته الكثير من التحليلات بأن “فيرماجو” لم يجد مفراً من الإذعان إلى الضغوط الداخلية والخارجية التي أعقبت قراره بتمديد ولايته المنتهية، بيد أنه بعد أيام قليلة من هذه الخطوة المفاجئة، أعلنت الحكومة الفيدرالية الصومالية عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع كينيا، منهية بذلك المواجهات التي أستمرت لعدة أشهر بين البلدين، والتي أفرزت حالة من عدم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي المضطربة، وعلى الرغم من إيجابية هذه الخطوة من قبل مقديشو.

وعلى ما سبق، فقد أثار سياق العام لهذه التطورات، فضلاً عن الديناميكية المتسارعة التي اصطبغت بها هذه الخطوات- العديد من التساؤلات، خاصةً وأنها جاءت بعد أيام من إعلان قطر عن تعيين مبعوث خاص لها إلى الصومال، وقد ربطت بعض التقارير بين عودة العلاقات بين مقديشيو ونيروبي وجهود هذا المبعوث.

خطوة مفاجئة:

أعلنت الصومال في الـ 6 من مايو الجاري استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كينيا، بعد نحو ستة أشهر من التوتر في العلاقات بين البلدين، والتي أدت إلى قطع العلاقات بينهما منذ نهاية العام الماضي، فقد أعلن نائب وزير الإعلام الصومالي “عبد الرحمن يوسف” بأن الحكومتين اتفقتا على إعادة العلاقات الدبلوماسية، وتجنب إثارة العداء من خلال الاحترام المتبادل لوحدة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل جانب. في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية الكينية في بيان لها أنها ترحب بهذه الخطوة وتتطلع إلى تطبيع العلاقات مع الصومال، خاصةً فيما يتعلق بالتجارة والاتصالات والنقل.

ويجب الإشارة إلى أن الصومال كانت قد أتهمت كينيا في ديسمبر الماضي بالتدخل في شئونها الداخلية، من خلال دعم بعض حكام الولايات الفيدرالية، خاصةً جوبالاند وأرض الصومال، إضافةً إلى النزاعات القائمة بين الجانبين بشأن خلافات الحدود البحرية في الساحل المقابل للبلدين في المحيط الهندي، قبل أن تعلن الصومال عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع كينيا نهاية عام 2020 وطرد السفير الكيني وإغلاق سفارة نيروبي في مقديشو، في خطوة تصعيدية مفاجئة، حملت وقتها دلالات هامة بشأن نية الرئيس الصومالي “عبد الله فيرماجو” لمحاولة السيطرة على كافة الولايات الصومالية واصطناع بيئة عدائية متوترة تحول دون إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، ومن ثم ضمان استمراره في الحكم.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن البيان الصادر عن الحكومة الصومالية كان قد وجه الشكر إلى الجهود القطرية في الوساطة بين مقديشيو ونيروبي لحلحلة الخلافات القائمة بينهما، بينما أكتفت الحكومة الكينية بالإشارة إلى أن الرئيس “أوهورو كينياتا” قد تسلم رسالة خاصة من أمير قطر من خلال مبعوث الدوحة الخاص للصومال الدكتور “مطلق بن ماجد القحطاني.”

السياق المحلي والإقليمي:

تأتي هذه الخطوة المفاجئة من الصومال في ضوء العديد من المتغيرات التي تهيمن على منطقة القرن الإفريقي بشكل عام، وعلى الداخل الصومالي بشكل خاص، حيث تشهد المنطقة حالة من الحراك المكثف بسبب الملفات المعقدة التي باتت تهدد الاستقرار الإقليمي، سواء فيما يتعلق بملف سد النهضة والتعنت الإثيوبي المستمر، الذي يدفع نحو تأجيج صراعات بالغة الخطورة، فضلاً عن تصاعد حدة التوترات الداخلية في دول القرن الإفريقي، حيث تشهد غالبية هذه الدول صراعات عرقية داخلية ملتهبة، تهدد وحدة واستقرار هذه الدول، ولعل الحالة الأبرز هي إثيوبيا، والتي باتت تعاني من احتقان داخلي متصاعد، وقد توسع نطاق هذا الاحتقان في الكثير من الولايات الإثيوبية بدرجة تنذر بأزمة ذات تداعيات إقليمية كارثية، ولا يختلف الأمر كثيراً في إريتريا التي تشهد إتساع رقعة ونشاط المعارضة الرافضة لإستمرار الرئيس “أسياس أفورقي”، وتزداد حدة الأزمات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي في ظل حالة الإستقطاب والتنافس الدولي والإقليمي التي أضحت تمثل عاملاً محفزاً للتوتر بالمنطقة، وفي محاولة للحيلولة دون إنفراط عقد هذه الأزمات المتفاقمة أرسلت الولايات المتحدة مؤخراً مبعوث خاص لها للقرن الإفريقي، للعمل على تهدئة الصراعات القائمة.

أما محلياً، فقد شهدت الصومال درجة غير مسبوقة من الاحتقان الداخلي خلال الأسابيع الأخيرة، بعدما أعلن الرئيس “فيرماجو” قراراً منفرداً بتمديد فترة ولايته (المنتهية في 8 فبراير الماضي) لعامين إضافيين، ما دفع بقوى المعارضة بحشد قواتها في العاصمة مقديشيو، كما شهدت البلاد حالات متعدد من الإنشقاقات داخل مؤسسة الجيش والشرطة الصومالية إعتراضاً على قرار “فيرماجو”، وقد أنضمنت بعض هذه العناصر إلى قوى المعارضة، ما أفرز مواجهات مسلحة أنذرت بدخول البلاد في حرب أهلية جديدة.

لكن، إضافة إلى الضغط الداخلي، تمخض عن قرار الرئيس الصومالي المنفرد تنديدا دولياً واسعاً من قبل الشركاء الدوليين للصومال، باعتبار أن هذه الخطوة تهدد المكتسبات التي حققتها الجهود الدولية في الصومال خلال السنوات الماضية، لذا فقد هدد الشركاء الدوليون ( خاصة البنك الدولي والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) بسحب التمويل المقدم لتحقيق الاستقرار في الصومال، كذلك، هددت واشنطن بفرض عقوبات على القيادات الصومالية بسبب تأجيل الانتخابات، كما أعلن الإتحاد الأوروبي عن تأجيل إرسال حزمة من أقساط دعم الميزانية (تبلغ حوالي 100 مليون يورو على مدار 3 سنوات) وهو ما أدى إلى تراجع الرئيس الصومال عن قرار تمديد ولاته، بعدما كان قد رفض وساطة مجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي.

ما هو دور قطر؟

في الوقت الذي كان الموقف الداخلي يزداد سوءاً في الصومال، بدأ الاتحاد الإفريقي يناقش فكرة إرسال مبعوث خاص إلى الصومال، لمحاولة تهدأة حدة التوتر والتوسط بين الأطراف المتصارعة، بيد أن الاتحاد الإفريقي عمل على إسناد مهمة تمويل  نفقات إرسال المبعوث الإفريقي للصومال إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى عرقلة عملية إرسال المبعوث إلى الصومال خلال الأسابيع الأخيرة، من ناحية أخرى يجب الإشارة إلى أن هناك بعض التقارير الدولية تشير إلى دور إثيوبي محتمل في تعطيل عملية تعيين مبعوث إفريقي لمقديشيو، للحيلولة دون التوصل إلى أي توافق ربما يهدد استمرار حليف أديس أبابا في الصومال “عبد الله فيرماجو”.

في هذا السياق، عمدت قطر إلى الإسراع في تعيين مبعوث خاص لها في الصومال، وهو الدكتور “مطلق بن ماجد القحطاني”، والذي كان قد قاد عملية الوساطة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، لقطع الطريق أمام مساعي الاتحاد الإفريقي لإرسال مبعوث للصومال، في خطوة تستهدف بها الدوحة تعزيز نفوذها في الصومال، وضمان مصالحها من خلال تعزيز علاقاتها بكافة الأطراف في الداخل الصومالي، وعدم الاعتماد كلياً على حليفها “فيرماجو” الذي يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية هائلة ربما تؤدي إلى خروجه من المشهد خلال الفترة المقبلة. وتجدر الإشارة إلى وجود بعض التقارير تشير إلى وجود دعم من الإدارة الأمريكية للتحركات القطرية للوساطة في الأزمة الصومالية، وتفضيل المبعوث القطري عن المبعوث الإفريقي، خاصةً وأن الأول لن يواجه الإشكاليات الخاصة بالتمويل كما هو الحال بالنسبة لمبعوث الإتحاد الإفريقي، في ظل رفض أوروبي لتمويل عملية إرسال مبعوث إفريقي للصومال.

دلالات هامة:

لقد وصل المبعوث القطري إلى الصومال منذ مطلع مايو الجاري، وقد عمد إلى عقد لقاءات مع كافة الأطراف الصومالية، في محاولة لحلحلة التوتر القائم بين الحكومة الفيدرالية وقوى المعارضة، التي تضم اتحاد مرشحي الرئاسة وبعض حكام الولايات الصومالية (جوبالاند وبونتلاند)، كما شهدت أولى محادثات المبعوث القطري لقاءات بقيادات هيرجيسا عاصمة إقليم أرض الصومال (الذي أعلن الإنفصال عن الصومال في 1991)، فقد بدأ “مطلق القحطاني” جولاته من خلال زيارة إلى أرض الصومال وهو ما قد يحمل مؤشرات بشأن إطلاق حوار محتمل بين الحكومة الصومالية والإقليم الصومالي الذي كان قد أعلن الإستقلال من جانب واحد.

كذلك، شهدت الأيام الأخيرة بعض ملامح التهدئة في الداخل الصومالي، بعد سلسلة من المواجهات المسلحة بين القوات التابعة للرئيس “فيرماجو” والقوات التباعة للمعارضة، وسيطرت الأخيرة على بعض المدن والنقاط في العاصمة، وقد تجلت أبرز مؤشرات هذه التهدئة في مغادرة قطاعات من الجيش الصومالي الرافضة لتمديد فترة ولاية الرئيس نقاط تمركزها في العاصمة مقديشو، على الرغم من أن هذه الخطوة جاءت تنفيذاً للاتفاق الموقع بين رئيس الوزراء الصومالي “محمد حسين روبلي” والمعارضة، بيد أن هذه الإنفراجة المفاجئة تحمل تساؤلات هامة، خاصةً وأن كافة الأطراف كانت متمسكة بموقفها، مع إصرار قوى المعارضة بعدم مغادرة العاصمة لحين إجراء الانتخابات.

أيضاً، على مستوى العلاقات المتوتر بين الصومال وكينيا، عمد المبعوث القطري إلى الضغط على الحكومة الصومالية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نيروبي، وتجنب الإستمرار في التصعيد الذي يهدد الاستقرار في منطق القرن الإفريقي، لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الخطوة التي انتهجتها الدوحة لإعادة العلاقات بين مقديشو ونيروبي استهدفت بالأساس فتح مجال للتواصل مع  كينيا التي تمثل الداعم الرئيسي لحكومة جوبالاند والتي تمثل أحد أبرز أطراف المعارضة الداخلية للرئيس “فيرماجو”، ومن ثم فأي خطوة إيجابية للحوار كانت تحتاج مباركة كينيا لتجنب رفض إنخراط ولاية جوبالاند، كما يجب الأخذ في الإعتبار الدور المحوري لكينيا (عضو حالي في مجلس الأمن) في مكافحة حركة الشباب.

في النهاية، يجب فهم هذه التطورات الراهنة في الصومال في سياق عملية التنافس الإقليمي والدولي، وهو ما يعكسه الانخراط القطري المتصاعد في الصومال، ومحاولتها تعزيز نفوذها واتصالاتها بكافة الأطراف، بما في ذلك أقليم أرض الصومال. فقد أشارت تقارير صومالية أن المبعوث القطري ناقش مع رئيس جمهورية أرض الصومال “موسي بيهي” إقامة علاقات ثنائية وفتح الدوحة لبعثة دبلوماسية رسمية في هيرجيسا، بالإضافة إلى بحث إمكانية فتح مكتب لمنظمة “قطر الخيرية” في أرض الصومال.

كذلك، تستهدف الدوحة استغلال التوتر الراهن في منطقة القرن الإفريقي لتعزيز حضورها في هذه المنطقة الحيوية، ويعكس تعيينها لشخصية “مطلق بن ماجد القحطاني” خطوة تستهدف بها ضمان دعم واشنطن لتحركاتها، في ظل العلاقات القوية التي تجمع “القحطاني” بالولايات المتحدة؟

 كما أن إعلان قطر أنها مهتمة برؤية انتقال سلمي في الصومال يعكس تغييرات “نسبية” في الدعم المستمر من قبل الدوحة للرئيس “فيرماجو” خلال السنوات الأربعة الماضية، والذي كان قد أفرز غضباً واسعاً من قبل المعارضة، وربما يعزى هذا التحول في الموقف القطري إلى محاولة تقديم نفسها كوسيط محايد، فضلاً عن إدراكها بأن عدم إجراء انتخابات عاجلة تحقق الإنتقال السلمي بات يهدد مصالحها في الصومال، وفي ضوء ذلك بدأت بعض التقارير المحلية والدولية ترجح إحتمالات إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال الأشهر القليلة المقبلة على أساس إتفاق 17 سبتمبر 2020، لكن هذا لا يعني أن سيناريو الحرب الأهلية لم يعد مطروحاً.

المراجع

  1. Abdi Latif Dahir, Somalia Moves to Defuse Tensions at Home and Abroad, The New York Times, May 6, 2021.
  2. Abdulkadir Khalif, Somalia: Qatari Special Envoy in Somalia Over Electoral Impasse, The East African, 5 MAY 2021.
  3. Aggrey Mutambo, Somalia Restores Ties with Kenya, The East African, 6 MAY 2021.
  4. Davis Ayega, Kenya: Somalia Normalises Relations With Kenya on Intervention By Qatar, All Africa, 6 MAY 2021.
  5. Hassan Barise, Somalia says it has resumed diplomatic ties with Kenya, the washignton post, May 6, 2021.
  6. Mohamed Olad Hassan, Kenya: Somalia and Kenya Restore Diplomatic Ties, All Africa, 6 MAY 2021.
  7. Mohammed Omar Ahmed and Mohamed Sheikh Nor, Somalia, Kenya Restore Diplomatic Ties After Five Months, Bloomberg, May 6, 2021.
  8. Money prompts an about-turn on elections, Africa Confidential, 7TH MAY 2021.

عدنان موسى

باحث في الشئون الأفريقية معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وباحث سياسي منذ 2013، نشر العديد من الدراسات والأبحاث الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى