إلى أين تنتهي حرب التصريحات بين “واشنطن” و”موسكو”؟

شهدت العلاقات الأمريكية الروسية تصاعدًا حادًا في التصريحات خلال الأسبوع المنتهي بسبب ملفات كثيرة بينها سوريا وأوكرانيا واتهامات تجسس وتدخل بالانتخابات وحقوق وحريات وديمقراطية، حيث فرضت الولايات المتحدة، يوم 15 أبريل الماضي، عقوبات جديدة على روسيا، طالت 32 فردًا وجمعية، كما تمنع العقوبات المؤسسات المالية الأميركية من شراء سندات حكومية روسية للاكتتابات العامة بعد 14يونيو.

بالإضافة إلى ما تقدمت، أعلنت واشنطن عن طرد 10 موظفين من البعثة الدبلوماسية الروسية من البلاد، بالمقابل، ورداً على ذلك أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن نهج واشنطن لا يتجاوب مع مصالح شعبي البلدين، وقامت بطرد 10 دبلوماسيين أمريكيين وفرضت عقوبات على عدد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين، يشار إلى أن العلاقات بين روسيا والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وبلدان الاتحاد الأوروبي، تدهورت على خلفية الأزمة الأوكرانية، وعودة شبه جزيرة القرم إلى الوطن الأم “روسيا” في مارس 2014، وفرض الغرب عقوبات على روسيا.

“قصف متبادل”:

قام وزيز الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالإدلاء بعدد من التصريحات في مقابلة مع وكالة “سبوتنيك”، حيث قال إن “بلاده سترد بحزم على أي محاولات تتخطى فيها الولايات المتحدة “الخطوط الحمر”، وهنا يقصد المتحدث التعدي على مصالح بلاده ومنع التدخل في عملياتها السياسية والتعدي على مصالحها الاقتصادية، في إشارة منه إلى أن التصعيد الروسي ضد الولايات المتحدة الأمريكية مستمر بلا هوادة، خاصة بعد الاتهامات التي طالت الاستخبارات الامريكية في محاولة اغتيال الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو”، الذي يمثل تهديداً صريحاً للنفوذ الروسي.

هذا بالإضافة، إلى  قيامها (واشنطن) بإصدار عددا من العقوبات الجديدة ضد موسكو، منها طرد 10 دبلوماسيين روس، هذا بعد ساعات من تلقي بوتين مكالمة من بايدن يدعوه فيها لعقد قمة تستضيفها دولة ثالثة في خطوة كان يٌنظر لها على أنها محاولة لتهدئة الوضع المتأجج على الحدود الروسية الأوكرانية الذي ينذر باندلاع حرب بين روسيا والغرب بزعامة الناتو.

 كل هذه القرارات الأمريكية دفعت روسيا نحو المزيد من التصعيد لا التهدئة، وقد ظهر ذلك في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي، والذي طالب الولايات المتحدة الأمريكية احترام السيادة والسلامة الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة، وأن تقوم ببساطة-يقصد واشنطن- بالتزاماتها القانونية، وإجراء حوار يقوم على الاحترام المتبادل وتوازن المصالح، على أساس ميزان المصالح الذي يجب إيجاده، وإلا لن يتوصل الجانبين إلى شيء، وفي هذا السياق فقد أنذرت تلك التصريحات بأنه من الممكن حدوث حرب باردة أو ربما أسوأ من ذلك.

وفي المقابل، صرح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في أول كلمة سياسية مهمة له إنه على الولايات المتحدة الاستعداد لصراع محتمل في المستقبل، هذا الصراع لا يشبه كثيرا “الحروب القديمة” التي استهلكت وزارة الدفاع لفترة طويلة، كما أنه دعا إلى حشد التقدّم التكنولوجي وتحسين دمج العمليات العسكرية على الصعيد العالمي، ذلك من أجل “الفهم بشكل أسرع ، واتخاذ القرار بشكل أسرع، والعمل بشكل أسرع”. كما صرح أيضًا بأن الطريقة التي ستقاتل بها واشنطن في الحرب الرئيسية المقبلة ستكون مختلفة تماما عن الطريقة التي كانت تقاتل بها في الحروب السابقة.

وأشار الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في خطابه بمناسبة مرور 100 يوم على وجوده في البيت الأبيض- إلى القوى العظمى خاصة روسيا والصين، حيث حرص على ذكر الرئيس الصيني بالاسم، قائلا، لقد تحدثت مع الرئيس “شي” وقلت له بأننا لا نمانع المنافسة، ولكنها يجب أن تقوم على أسس عادلة، فلا تهاون مع سرقة الجهود والابتكارات الأمريكية، كما أن تواجدنا العسكري في بحر الصين الجنوبي سيظل قائما كما هو، وينطبق ذلك أيضًا على أوروبا، وتواجد قوات حلف الناتو في القارة. كما وجه إشارة مماثلة لروسيا، مكررا رفضه لأي محاولة تسعى لاختبار الصبر الأمريكي.

تهديد روسي للاستراتيجية الأمريكية إقليمياً ودولياً:

انتقلت روسيا من مجرد قوة كبرى إقليمية إلى منافس للولايات المتحدة الأمريكية، ممثلاً خطراً خطر داهم على أمنها القومي، وتهديدا للنظام الليبرالي الدولي، الذي تقوده واشنطن ولمستقبل هذا النظام، وذلك وفقا لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية 2017.

كما أنها –روسيا- تتبنى سياسة خارجية نشطة، وفي هذا السياق فإن التدخل الروسي في سوريا أتاح لها الفرصة لمد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل وأمتد أيضًا ليشمل أفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي تستفيد موسكو من تحالفاتها المرنة مع كلًا من تركيا وإيران، وترتيبات أسعار النفط مع المملكة العربية السعودية وعلاقاتها العسكرية وصادراتها من السلاح إلى العديد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة الى علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، وفي سياق متصل شهد العامان الماضيان طفرة في العلاقات الروسية الأفريقية أبرزها استضافة أول قمة روسية إفريقية في سوتشى في أكتوبر2019، أعلنت فيها روسيا عن نفسها كشريك أمنى للقارة.

ويضاف إلى ذلك التحالف بين روسيا والصين لمواجهة التصعيد الأمريكي من جهة، سياسة العقوبات الغربية من جهة أخرى، وأيضا الدعم السياسي والمادي الروسي لمادورو في فنزويلا، بالرغم من عدم اعتراف الولايات المتحدة بنظامها الحاكم، وفضلا عن ذلك وبالرغم من الضغوط الامريكية، فإن روسيا تقوم بتقديم الدعم اللازم لكوبا وتعمل على تعزيز علاقاتها بها، إلى جانب السعي الروسي إلى التواصل مع البرازيل، والأرجنتين والمكسيك، حيث تعاقدت الدول الثلاث على شراء مصل “سبوتنيك V” الروسي لمواجهة وباء “كوفيد 19” فيها.

ترقب روسي في ظل تهدئة أمريكية:

اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يُعقد اجتماعاً مع الرئيس الروسي “بوتين” في دولة ثالثة، لكن لم يتلق الجانب الأمريكي أي رد إلى الآن، في سياق متصل كشف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، الأسباب التي أدت بموسكو لعدم الرد رسمياً بعد على الاقتراح الأمريكي بعقد اجتماع بين الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن، حيث أشار إلى أنه في كل مرة تكون التصريحات الأمريكية مرافقة لكلمات حول العقوبات.

وفي النهاية، يمكن القول إن التوتر المتصاعد في العلاقات الأمريكية الروسية يمثل تحدياً مهماً وخطيراً للأمن والاستقرار العالميين، بيد أن، فإنه ليس من المتوقع أن يصل التوتر المتفاقم بين واشنطن وموسكو إلى مرحلة الصدام المباشر في الفترة القادمة بالرغم من التصريحات الحادة التي تلوح الى بوادر حرب باردة جديدة بين المعسكرين، حيث أن الجانبين يدركان أهمية الحوار والتفاهم بينهما لمواجهة التحديات العالمية الكبيرة، خاصة أن هناك العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، مثل الملف النووي الإيراني أو كوريا الشمالية أو سوريا أو أفغانستان أو أزمة المناخ العالمي أو مكافحة جائحة فيروس كورونا. كما تدرك واشنطن جيداً أن روسيا خصم قوي، يجب التعامل معه بشكل يضمن أولاً وقبل كل شيء، تجنب أي صراع عسكري مباشر، وثانياً، تجنب دفعها إلى تزايد التعاون مع الصين، مما يمثل تهديد صريح ومباشر للنفوذ الامريكي سواء المستوى الاقليمي “منطقة الشرق الاوسط”، او المستوى الدولي.

نداء السيد حسن محمد

نائب رئيس وحدة دراسات الأمن الإقليمي . حاصلة على بكالوريوس العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، ودبلومه في الدراسات الأفريقية، وماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى