السلاح النووي أم التطور الاقتصادي
لواء عبد الحميد محمد العناني-مستشار مركز رع للدراسات.
ما يشغلني في ظل تزايد احتمالات الصدام التي تشهدها بعض مناطق العالم سواء الأغنياء أو الفقراء منه، يجعلنى أن أطرح هذا السؤال وأجيب عنه، وهو: هل سعى الأمم الفقيرة لامتلاك السلاح النووي ووسائل حملة ودفع تكاليفه الباهظة أهم وأفضل بالنسبة لها من الاهتمام بالتطور التكنولوجي لبناء اقتصاد قوى مبنى على المعرفة التكنولوجية والتصنيع التصديري والقدرة على المنافسة في السوق العالمي وامتلاك جزء منة فى السلع المدنية سواء سلع زراعية أو صناعية؟.
أعتقد أن مدركاتك القيادة وحساباتها الشخصية قد تكون جزء رئيسي في الإجابة عن السؤال، فامتلاك السلاح النووي والتقليدي للدول الفقيرة على حساب فقدان علاقات دولية مهمة، هو خلق مجد شخصي لزعيم أو لحكومة تلك الدولة، بل أيضاّ هو مسار واضح لخلق عدو وهمي يهدف إلى ضمان وتحقيق مصالح النخبة الحاكمة.
وإن كانت تلك الدولة أو غيرها تحارب طواحين الهواء، فالتاريخ دائما يذكرنا بأن الاتحاد السوفيتي كان يملك أكبر ترسانة نووية وتقليدية في العالم، ولم يهتم بتكنولوجيا الصناعات المدنية، ولم يسعى لتطويرها، وكانت وقتها السلع المدنية لروسيا تنفذ للسوق العالمي بنفوذها السياسي على حلفائها وليس لجودتها أو حاجة السوق لتلك النوعية الرديئة- ورغم ذلك كله سقطت تلك الإمبراطورية أسرع مما صعدت بسبب الحاجة للقمة العيش ورغبة المجتمع الشيوعي في الحياة والحرية التي كانت تعد عندهم جزءاً رئيسياً من متطلبات الحياة.
والآن، كوريا الشمالية تمتلك السلاح النووي ولن تستخدمه رغم أصابتها بشلل اقتصادي، وعدم قدرتها على التأثير في في القرار العالمي، بل تستخدمها الصين للتنغيص فقط على حلفاء أمريكا. وأيضاً تسير إيران على نفس الدرب في امتلاكها لأسلحة على حساب الاقتصاد ورفاهية المجتمع، وذلك من منطلق المقاومة والمواجهة، رغم أن السبب غير المعلن والحقيقي، هو إعطاء مبرر قوى لاستمرار حكم الملالى.
إن مقارنة حالات الدول المذكورة بكوريا الجنوبية، التي تمتلك المعرفة التكنولوجية، وتمتلك شركات عملاقة، وأصبحت تمتلك حصة كبيرة من السوق العالمي، بالإضافة إلى أن شعبها يعيش فى وفرة اقتصادية- يؤكد صحة مبرراتنا بأنه السعي لامتلاك السلاح النووي من قبل دول فقيرة يرجع إلى مدركات خاطئة عند القيادة السياسية لتلك الدولة، خاصة وأنه بالمقارنة بدولة كوريا الجنوبية كما سبق القول، رغم تناغمها مع المجتمع الدولي، وتحقيقها لوفرة مالية وتكنولوجية تمكنها من امتلاك أي سلاح نووي أو تقليدي في خلال ٣ شهور إذا ما قررت ذلك، فإنها لم تفعل ما سعت إليه تلك الدول الفقيرة.
كل ما سبق ذكره من خلل في التنسيق بين الرغبة في رفاهية الشعوب والسعة نحو امتلاك سلاح نووي، أدركته القيادة السياسية المصرية بعد ٣٠ يونيو، حيث سعت للبناء الاقتصادي السليم المتنوع القادر على المنافسة، وأدركت بعلمها وحساباتها الدقيقة متطلبات التغير العالمي في أسباب القوة، التي يعد أولها، هو: ضرورة امتلاك قوة اقتصادية مبنية على المعرفة التكنولوجية، وقادرة على الإنتاج بمعاير الجودة العالمية، والتنوع الاقتصادي المطلوب، وخلق علامات تجارية مطلوبة عالمياً تحقق وفرة مالية، ورفاهية لشعبها لضمان الاستمرارية. إن هذه المقومات التي تنفذها الدولة المصرية منذ التاريخ المذكور، تعطيها القدرة على الحفاظ على مصالحها فى القرار السياسي العالمي. أما الحاجة والعوز الاقتصادي حتى مع امتلاك السلاح تجعلك تتسول من العالم، ولا تعطيك أي وزن دولي، وبالتالي تظل تابع ومهدد طوال الوقت.
ويأتي، بعد البناء الاقتصادي السليم الذي تنفذه الدولة المصرية، هو امتلاكها للسلاح المتنوع بهدف المحافظة على استقلال القرار الوطني، وعلى مصالح الدولة المصرية، وهو اتجاه مبنى على احتياجات حقيقة لمتطلبات الأمن القومي المصري، وليس للدعاية للنظام الحاكم. فما تمتلكه الدولة المصرية من سلاح يجعلها قادرة على الردع قبل رد الاعتداء، خاصة وأنه سلاح متنوع من دول العالم، قرار استخدامه بيد الدولة المصرية وليس بيد الدولة المصنعة.
إن ما تفعله مصر منذ الـ 30 من يونيو من تنوع مصادرها الاقتصادية والعسكرية جاء من منطلق الحفاظ على مصالحها الاستراتيجة طبقا لدوائر الأمن المصري والإقليمي مع الحفاظ على توازن فى العلاقات الدولية وعدم الدوران فى فلك قوى عالمية على حساب قوى أخرى، وهو ما يعنى أن العلاقات الدولية المصرية قائمة على حسابات دقيقة قصدت أولاً مصالح الدولة المصرية، وهذا ما أعطى قوة دفع إضافية للقرار المصري واستقلاليته، وهذا أيضا في تقديري، هو سر صبر القيادة السياسية على مارثون التفاوض العبثي مع إثيوبيا فى قضية المياه، الذي يعطى الدولة المصرية المبرر السياسي والأخلاقي أمام المجتمع الدولي حين تطلب ذلك استخدام الخيار العسكري.
وجهة نظر عميقة وموجزة