
تحاول كثير من القوى الدولية وحتى الإقليمية أن تأخذ من تكثيف التعاون العسكري سبيلاً لتوسيع علاقاتها الخارجية خاصة مع الدول في المناطق الساخنة، أو تلك الساعية لتحديث آلياتها العسكرية، فيما يصطلح على تسميته بالدبلوماسية الدفاعية، حيث ساعدت المتغيرات الدولية الحالية في تعظيم أدوات هذه الدبلوماسية العسكرية، ومنها التحولات الحالية في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط وتوجهها نحو تحميل دول المنطقة تكلفة حمايتها وتحقيق استقرارها، وهذا ما قد يُسهم في سعي تلك الدول إلي إقامة علاقات عسكرية مع الدول المصنعة والقوي المتوسطة الطامحة لأدوار دولية أو إقليمية مؤثرة، ولعل من أهم تلك القوي المتوسطة إسرائيل التي تعتبر هذه الدبلوماسية بالنسبة وسيلة لبناء علاقات مع الدول الصاعدة وخاصة التي تبعد عن مساحة التأثير الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لذلك تنشط تلك الدبلوماسية الاسرائيلية في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية، حتي أنها تمكنت من بناء شبكة علاقات قوية مع العديد من الدول حول العالم.
مفهوم غامض:
تتعدد فروع الدبلوماسية في عالم السياسة فهناك ما يعرف بالدبلوماسية السياسية والدبلوماسية القضائية والدبلوماسية الإقتصادية وغيرها وكل دبلوماسية متخصصة في شأنها لها أدواتها ومجال عمل تتجسد فيه لكن المثير والغريب هو عدم وجود تعريف متفق عليه للدبلوماسية الدفاعية، بالرغم من دورها وأهميتها في صنع الأحداث على مستوى الدول والعالم، وتعتبر دبلوماسية الدفاع فرع مهم من فروع الدبلوماسية الفاعلة التي تحتاجها الدول لتطوير علاقاتها، و تلجأ إليها الدول في الشأن العسكري لتوضيح نواياها تجاه بعض الأحداث التي تكون طرفاً فيها أو أنها تحتاج للمشاركة الدولية في تقرير شأن معين، وتعني دبلوماسية السلاح إتخاذ التعاون العسكري أداة للتواصل وبناء تحالفات، قد تتسع مجالاتها لتشمل أوجه أخري من التعاون بين الدول المتعاقدة سواء اتخذ هذا التعاون العسكري صورة إقامة قواعد عسكرية أو صفقات تسليح أو مساعدات عسكرية أو حتي إقامة عروض عسكرية.
من مهام الدبلوماسية الدفاعية منع نشوب الصراعات المسلحة وإصلاح القطاعات الأمنية وتدخل ضمنها دائرتها الدبلوماسية العسكرية التي تعرف بأنها المناشط التي يؤديها ويقوم بها الملحقين العسكريين في السفارات ضمن سياسة دولهم وتستوعب كذلك الأنشطة الدفاعية ذات الطابع الودي مثل تبادل زيارات الوفود والأفراد العسكريين على مستوى الدول وزيارات السفن والقطع البحرية والطائرات الحربية بمختلف أنواعها ومهامها وكذلك التمثيل الدبلوماسي المتخصص عالي المستوى ( وزاء الدفاع , رؤساء أركان , وكبار مسئولي الدفاع ) إضافة إلى لجان الاجتماعات الخاصة بالتعاون والتكامل العسكري الثنائية والتدريبات والتمارين ومنتديات الدفاع الإقليمية وكذلك التدابير المتخذة لتأسيس التوعية وتعزيز الثقة والأمن وهي غالبًا ما ترتبط بمنع نشوب الصراعات والإبتعاد عن مفهوم إستخدام القوة بدافع الرغبة في ترهيب الخصوم المحتملين.تتداخل سياسة الدفاع للدولة مع دبلوماسية الدفاع والتي تعتبر أداة جزئية لتنفيذ تلك السياسة في الداخل والخارج فهي تحدد الصيغة الواجب إتباعها في مسائل الأمن الوطني والدولي والأهداف الإستراتيجية للدولة وتضم التدابير والإجراءات العملية المتعلقة بالكيفية التي تفوض بها قواتها المسلحة لضمان الحفاظ على إستقلال القرارات الوطنية بما يتعلق بأمنها وسيادتها كما أنها تتولى تحديد نمط التهديدات المعادية وتقوم بتعريف المجال العسكري للأمن القومي والتحالفات الدفاعية والجاهزية القتالية وتتناول تحقيق أهدافها وأغراضها العسكرية من خلال الاستعداد القتالي والتنظيم العسكري والعلاقات السياسية والعسكرية ودور القوات المسلحة وكل ما يتعلق بالمهام العسكرية والأمنية المباشرة لتأمين الدولة.
دروس مستفادة من مشروع الدبلوماسية العسكرية الإسرائيلية في أفريقيا:
عرضت القناة الثالثة عشرة في إسرائيل في شهر مارس 2019 تقريرًا كشف عن أن قوات الكوماندوز الإسرائيلية تدرب القوات المحلية في أكثر من 12 دولة أفريقية، وعرض التقرير لقطات للضباط الإسرائيليين الذين يقومون بتدريب الجنود التنزانيين على العمليات العسكرية. وعن ازدهار العلاقات العسكرية الإسرائيلية مع الدول الأفريقية كشفت القناة الإسرائيلية أن بعض العواصم الأفريقية تطلب من تل أبيب إرسال وحدات عسكرية خاصة لتدريب جيوشها، موضحة أن من يشارك بالمجهود العسكري الإسرائيلي في أفريقيا هو الجيش والموساد وجهاز المخابرات العامة (الشاباك) بالتنسيق مع وزارة الخارجية.كما كشفت القناة الإسرائيلية عن أن هذه الجهات تنسج علاقات أوليّة مع دول أفريقيا من خلال إرسال بعثات تلتقي حكامها وتصغي لهم ولاحتياجاتهم الأمنية، وذلك ضمن ما يسمى مشروع «الدبلوماسية العسكرية»، مؤكدة أن «الجيش الإسرائيلي يقف في صدارة هذا المشروع الذي يشمل كلًا من إثيوبيا، كينيا، أنغولا، جنوب السودان، ساحل العاج، وملاوي، وزامبيا، وتوغو، ونيجيريا، والكاميرون، ورواندا وغيرها.
أبرز صور التواجد العسكري الإسرائيلي في أفريقيا تتمثل في تدريب الجيوش الوطنية وحركات مسلحة ومجموعات مرتزقة في دول عدة، فهناك المئات من المستشارين العسكريين الإسرائيليين الذين يدربون حراس الرئاسة الأفارقة وأجهزة الاستخبارات. وهؤلاء الخبراء لهم دور كبير في محاربة الجماعات المسلحة مثل جماعة «الشباب المجاهدين» في القرن الأفريقي، و«بوكو حرام» في نيجيريا، و«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في غرب أفريقيا.
كما تحرص إسرائيل على نقل المهارات التقنية لدول إفريقية عن طريق البرامج التدريبية، وترى ذلك خطوة مهمة لترسيخ قدمها في أفريقيا والتعرف عن قرب على موازين القوى والتسليح في جيوش القارة السمراء والاستفادة منها مخابراتيًا ودبلوماسيًا وحتى على المستوى التجاري عبر بيع الأسلحة الإسرائيلية. ومن هذه الدول التي تستهدفها إسرائيل كل من: إثيوبيا، ورواندا، وكينيا، وتنزانيا، وملاوي، وزامبيا، وجنوب أفريقيا، وأنجولا، ونيجيريا، والكاميرون، وتوجو، وساحل العاج، وغانا وغيرها.
وقد كان لهذه الدبلوماسية آثاراً هامة علي السياسة الخارجية الاسرائيلية سواء علي المستوي الأمني أو المستوي الدبلوماسي، حيث استفادت اسرائيل من تجارتها بالسلاح في اختراق أقاليم ومناطق بعيدة أثرت في تمدد كيانات معادية لها في تلك المناطق ومنها دعم بعض دول أمريكا اللاتينية لحزب الله، وقد تراجع هذا الدعم بشكل كبير حتي تحول لدي بعض الدول هناك إلى النقيض تماماً واعتبرته منظمة ارهابية مثل البرازيل وجواتيمالا ، بالاضافة للتأثير القوي علي مواقف تلك الدول من القضية الفلسطينية بعد أن كانت تدعمها بقوة في كافة المحافل الدولية ، وقد كان هذا التغيير مرجعه تلك الصفقات العسكرية بأبعادها المباشرة وغير المباشرة .اما علي الصعيد الدبلوماسي فكان لتلك الدبلوماسية القدرة علي خلق مجالاً من الرضا قد يستخدم لفتح مجالات للتعاون عديدة وخلق القبول الشعبي أيضاً، وهذه ماعبر عنه حكمت حاجييف المستشار السياسي للرئيس الازربيجاني بقوله في استخدام بلاده للطائرات المسيرة الاسرائيلية في حربها مع ارمينيا الأخيرة ( أن هذه الطائرات قد أخافت أعدائنا لذلك وجب توجيه الشكر والامتنان الي المهندسين الإسرائيليين الذين صنعوها).
مما سبق نخلص، إلى أن دبلوماسية السلاح أو الدبلوماسية العسكرية هي أداة غير مُستغلة من كثير من الدول، رغم ما لها من قدرة فتح ممرات جانبية في مسارات العلاقات الثنائية مع الدول، علاوة على القدرة علي التأثير علي القرار السياسي في بعض الدول. ونعتقد أن مصر التي تحولت خلال السنوات القليلة الماضية لقلعة عسكرية في الشرق الأوسط، وما كشفت عنه المعارض العسكرية المقامة في مصر أو تلك التي تشارك فيها القوات المسلحة عن مدى ما تملكه مصر من تطور كبير في هذا المجال، جعل كثير من الدول تتطلع للخبرة المصرية في مجال السلاح، وهو ما يجب أن يتم الاهتمام به خلال الفترة القادمة، ضمن ما يسمى بالدبلوماسية العسكرية، مع الدول الصديقة والحليفة، أو تلك التي تعاني بالفعل من أوجه ضعف في بعض قدراتها العسكرية، وقد خطت مصر بالفعل خطوات بارزة في هذا المجال تجاه بعض دول القارة الأفريقية مثل الصومال والسودان وغيرها، ويحتاج الأمر لتكثيف هذا التعاون خلال الفترة القادمة، لملء الفراغ الذي تحاول بعض الدول المنافسة ملئه ( تركيا/ إسرائيل.. الخ)، بما يساعد على تعظيم المصالح العليا للدولة المصرية.