التعميم المؤجل: لماذا لم تتمكن بعض الدول من تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية؟

ما زالت، بعض الدول تواجه صعوبات في تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كـ “تنظيم إرهابي”، رغم تعدد وتنوع الجرائم التي ارتكبتها تلك الجماعة منذ نشأتها في الكثير من جغرافيا العالم. وعلى الرغم من ممارسة جماعة الإخوان الإرهابية لكافة أشكال العنف ومستوياته، والتي تعدت في كثير من الأوقات معدلات جرائم قامت بها جماعات إرهابية أخرى منافسة أو متعاونة- فإن تصنيف جرائم العنف التي قامت بها الجماعة وفقا للقانون الدولي كجرائم عدوان، ما زال يواجه رفض من قبل بعد الدول، وهو ما يعرقل إمكانية مجابهة إرهاب الجماعة داخلياً وخارجياً، بل ويقف حجر عثر أمام إمكانية تفعيل استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

وفي ظل، تطور مستوى الجرائم التي ارتكبتها تلك الجماعة في مناطق مختلفة من العالم، واستمرار تهديدها لنظم الحكم المستقرة في بعض الدول العربية، وتغذيتها للتيار الجهادية الأخرى بعناصرها، وهو ما كشفت عنه الدراما( الاختيار2، القاهرة كابول)، بالإضافة إلى تعثر بعض الدول في اعتبرها جماعة إرهابية أو رفضها التصنيف- يبقى السؤال: لماذا ترفض بعض الدول تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي؟، وما هي أوجه القصور في المنظومة التشريعية الدولية التي تعرقل تصنيف الإخوان تنظيما إرهابيا دوليا؟، وما دور مجلس الأمن في هذا الشأن؟.

معوقات سياسية وبرجماتية:

على الرغم من تدليل قيادات السلطة التنفيذية في بعض العربية على زعزعة الإخوان لاستقرار دولهم وارتكابهم عنف واغتيالات بعد أحداث 2011، وكذلك تخوفات النظم الحاكمة في بعض الدول الأجنبية من خطورة تلك الجماعة، والرغبة في عزلهم عن المجتمعات من خلال تصنيفهم كجماعة إرهابية- فإن هناك معوقات سياسية أو برجماتية تقف حائط صد أمام قيام تلك الأنظمة بإتمام عملية التصنيف، وذلك على النحو التالي:

(*) معوقات سياسية: تتمثل في استمرار تمثيل جماعة الإخوان في السلطة سواء بوزراء في الحكومات أو كتل برلمانية ووازنة في المجالس النيابية، بالإضافة تغلغل عناصر الجماعة داخل مؤسسات تنفيذية مؤثرة في بعض الدول العربية، وهذا مثل وفقاً لبعض المراقبين حجر صلب أمام إمكانية تصنيف جماعة الإخوان في هذه الدول كـ “تنظيم إرهابي”، حتى وإن كانت تلك الدول صدقت على اتفاقيات مكافحة الإرهاب، وعانت عبر تاريخها ومازالت تعانى من جرائم التنظيم.

(*) دوافع برجماتية: على الرغم من مطالبات بعض البرلمانيين في عدة دول أوربية، فضلا عن الولايات المتحدة الأمريكية، بضرورة تصنيف جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، حتى يسهل رصد ومصادرة وتجميد أموال التنظيم سواء التي تأتى من استثمارات مشروعة أو غسيل أموال أو استيلاء على أموال التبرعات، وتستخدم في تمويل أعمال إرهابية- فإن هذا الإجراء ما زال يصعب تطبيقه، ويرجع  الاستبعاد إلى أن التنظيم لديه استثمارات تتجاوز مليارات الدولارات في تلك المناطق من العالم، فضلا عن أن بعض الدول تحرص على استخدام التنظيم كورقة ضغط في مناطق نفوذها، عن طريق عقد صفقات وتحالفات غير معلنة مع التنظيم الدولي للإخوان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاستخدام القذر لجماعة الإخوان من قبل بعض الدول الكبرى، هو استخدام تاريخي متجدد حسب مستوى المصلحة بين الطرفين.

معوقات في المنظومة الدولية:

على الرغم من اعتماد الأمم المتحدة منذ عام 2006 لاستراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب، مؤسسة على أربعة ركائز أبرمت تنفيذا لها مجموعة من الاتفاقيات لتكافح وتجرم الإرهاب ومسبباته ومصادر تمويله- إلا أن بعض هذه الركائز لم تُمثل بشكل فعال في الاتفاقيات، ويمكن تناول هذه الركائز على النحو التالي:

(*) الركيزة الأولى: تتمثل في معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب، وهذه الركيزة تعرضت لها اتفاقيات مكافحة الإرهاب بشكل وافى ولكن غير فعال، حيث هناك صعوبة في مكافحة بعض مسببات الإرهاب، على رأسها المجابهة الفكرية والعقائدية، خاصة بعد أن سيطرت التنظيمات الإرهابية على المجتمعات وبثت أفكارها التكفيرية المسمومة على مدى عقود التي ساهم الفضاء السيبرانى على سرعة وانتشارها وتجنيد من يؤمن بها من عناصرها، هو ما يتطلب إعادة النظر في التشريعات الدولية، بما يضمن إلزام الدول بالعمل على إصلاح الخطاب الديني، وتغليظ العقوبات على كل من يدعو إلى خطاب يحض على العنف والتكفير خاصة عبر الفضاء الإلكتروني.

(*) الركيزة الثانية: تتمثل في تدابير لمنع الإرهاب ومكافحته، وهذه الركيزة ممثلة بشكل فعال في الاتفاقيات الدولية، وقد قامت الدول المصدقة على هذه الاتفاقيات بالتشريع لقوانين داخلية لمكافحة الإرهاب وتمويله والمساعدة في تبادل المعلومات، تنفيذا لالتزاماتها الدولية في هذا الشأن.

(*) الركيزة الثالثة: تتعلق بتدابير لبناء قدرة الدول على منع الإرهاب، ومكافحته وتعزيز دور منظمة الأمم المتحدة في هذا الشأن. وتشكل هذه الركيزة خلل كبير في إمكانية تفعيلها وإنزالها على واقع المجتمع الدولي، فمن آليات تفعيل هذه الركيزة رسم إطار واضح والنص على مبادئ وأسس لتوصيف الجماعات الإرهابية كجماعة الإخوان المسلمين وأخواتها، تلزم المجتمع الدولي بتصنيفها تنظيمات إرهابية. لكن الواقع يشير إلى أنه حتى الآن لم يتم التوافق دوليا حول تعريف واضح ومجرد للإرهاب، فمن خصائص  القاعدة القانونية أنها عامة مجردة، والواقع أن كل دولة تعرف الإرهاب في تشريعاتها الداخلية وفقا لمصالحها، وتحالفاتها مع بعض الجماعات الإرهابية وعدائها للبعض الآخر.

إضافة إلى ذلك؛ ترتكب بعض الجماعات الإرهابية بمساعدة ودعم وتمويل بعد الدول، أعمال عنف وإرهاب بما يشكل جريمة عدوان داخل بعض الدول مما يهدد استقرارها، وتدخل تلك الجريمة في نطاق الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية، وفقا للتعريف المعتمد للعدوان للأمم المتحدة في قرارها (3314) الصادر 14/12/ 1974.

 لكن رغم استقرار تلك القاعدة القانونية، فإنه يصعب مسألة هذه الدول الداعمة والممولة للإرهاب بوصفها هذا أمام محكمة العدل الدولية  أو مسألة الأنظمة الممولة والداعمة بصفتهم الشخصية وعناصر الجماعات الإرهابية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك لأن تكييف أي عمل بوصفه عدوان يخضع إلى قرار من مجلس الأمن، لذا غلب على وظيفة المحكمة الجنائية الدولية الاعتبارات السياسية وليست القانونية. فالدول الخمسة دائمة العضوية التي يتمخض عنها قرارات مجلس الأمن تصوت وفقاً لمصالحها. وعليه، فإن آليات مجلس الأمن الحالية أصبغت المنظومة التشريعات الدولية بالطابع الأدبي، وغاب الطابع الملزم الذي تمتاز به القاعدة القانونية.

وبالتالي، فإن الركيزة الثالثة من إستراتيجية الأمم المتحدة غير مفعلة داخل المنظومة التشريعية الدولية، مما يعرقل قدرة الدول على مجابهة الإرهاب بشكل حاسم، فمن أهم نتائج تفعيل هذه الركيزة الوصول إلى آلية تمكن الدول من تصنيف الجماعات الإرهابية كتنظيمات إرهابية دوليا وفقا لإطار مجرد، لتحقيق نتائج أكثر فاعلية من أهمها: منع العناصر المنتمين إلى الجماعات الإرهابية من السفر وتجميد جوازاتهم، مصادرة أموال عناصر هذه الجماعات والكيانات والمنظمات التابعة لهم، وإمكانية تتبع العناصر المنتمين لهذه الجماعات دوليا، والمطالبة بتسليمهم عن طريق الإنتربول، وتهديد استثماراتهم التي تنتشر في معظم الدول الأوربية، وتمثل لوبي مؤثر في المعادلة الدولية.

(*) الركيزة الرابعة: تتمثل هذه الركيزة في اتخاذ تدابير لضمان احترام حقوق الإنسان الواجبة للجميع، وسيادة القانون بوصفه الأساس الجوهري لمكافحة الإرهاب. وهذه الركيزة ممثلة بشكل فعال في المنظومة التشريعية الدولية وأغلب الدول مصدقة على اتفاقيات فاعلة في هذا الشأن.

في النهاية، يمكن القول إذا توافرت الإرادة الجادة للجماعة الدولية لمجابهة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها، فإننا أمام ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية وجوهرية للمنظومة التشريعية الدولية واليات تنفيذها، تتمثل في:

(&) النص صراحة على تعريف مجرد للإرهاب دوليا بما لا يترك مجالا للبس، لإلزام الدول على تصنيف من ينطبق علية هذه الشروط من الجماعات والكيانات كتنظيمات إرهابية.

(&) تشجيع آلية الاختصاص العالمي والنص عليها وإلزام الدول بها في التشريعات الدولية، مما سيجعل الإرهابي متخوف دائما وحذر أثناء تنقلاته، وهذا يمثل في ذاته عقاب.

(&) ضرورة العمل على وضع آليات لتشكيل جهاز تنفيذي دولي له صلاحيات ملزمة للدول، على غرار الأجهزة التنفيذية داخل الدول.

 (&) دخول الإرهاب بشكله الحالي في زمرة الجرائم الدولية، فالحرب بالوكالة التي باتت واقع فاعل في المعادلة السياسية الدولية، عن طريق دعم وتمويل بعض الدول للإرهاب، جعل الإرهاب يحمل كل صفات الجريمة الدولية.

(&) إدخال تعديلات هيكلية على آليات التصويت داخل مجلس الأمن، وذلك لضمان إصدار قرارات بناء على وقائع قانونية وليس سياسية. وأخيرا ضرورة إدخال تعديلات على التشريعات المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي بما يضمن ألزاميتهما، إعمالا لمقولة الفيلسوف مونتسيكيو” القانون يجب أن يكون مثل الموت لا يستثنى أحد”.

أسماء دياب

د. أسماء دياب، المدير التنفيذي للمركز، ورئيس برنامج دراسات التطرف والإرهاب، دكتوراه في القانون الدولي- كلية الحقوق جامعة عين شمس، حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. وحاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة، خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى