هـل تلجأ مصر إلى «أم القنابل»؟

لواء عبد الحميد محمد العناني- مستشار مركز رع للدراسات.

من الحاجات التي لفتت نظري في الصور الرسمية لـ مناورات «نسور النيل-2» التي اختتمت فعالياتها قبل أمس بقاعدة «مروى» الجوية السودانية بحضور الفريق «محمد فريد حجازي» رئيس أركان الجيش المصري، وعدد من كبار قادة القوات المسلحة المصرية- هو استخدام مصر لمقاتلات «ميج-29 إم2» الروسية المصرية فقط، وعدم تسجيل أي حضور لمقاتلات «رافال» الفرنسية أو مقاتلات «F-16» الأمريكية نهائيا، رغم أن أغلب المراقبين توقعوا أن تكون «الرافال» هي الذراع الطولي والمقاتلة المفضلة في حال قررت مصر توجيه ضربة جوية لـ «سد النهضة».

والمقاتلة الروسية «Mig-29, M2»، هي مقاتلة اعتراضية روسية متعددة المهام من الجيل 4++، وهي إحدى أفضل مقاتلات العالم الاعتراضية متعددة المهام، والمعروفة بقدرتها على إخماد الدفاعات الجوية والاشتباك مع الأهداف الجوية كالمقاتلات الأخرى، والطائرات بدون طيار، وصواريخ الكروز، بالإضافة أيضا إلى قدرتها على تنفيذ المهام الأرضية.

وتعتبر المقاتلات الاعتراضية في العموم، هي طائرات التدخل السريع، فهي التي تصعد أولاً إلى السماء لمواجهة أي تهديد، لذلك فهي تمتاز بسرعتها العالية وقوة رادارها وطول مدى صواريخها وبصمتها الرادارية المنخفضة، وقد صُمّمت لاعتراض أية قوة جوية تهاجم مجال جوي معين، ولذلك فهي لا تحمل إلا صواريخ جو/ جو.

ولو تحدثنا عن الاعتراض الجوي، سنجد أن أطول مدى لصاروخ جو / جو للقتال خلف مدى الرؤيا علي كل المقاتلات المصرية متواجد على «Mig-29, M2» وليس على «الرافال» أو الـ «F-16»، حيث يصل مدى الصواريخ الروسية المتواجدة على مقاتلات الميج المصرية إلى 110كم.

 وللعلم، فإن المقاتلة الروسية «Mig-29, M2» التي اشترتها مصر تعتبر من الناحية الفنية هي نفسها  الـ «Mig-35»، والتي تعتبر من أفضل الطائرات العاملة في القوات الجوية الروسية، حيث أن الـ «Mig-35» مبنية أصلا على نفس «Platform» الـ «Mig-29, M2»، لكن ذات هيكل أطول. ويرجع سبب عدم إطلاق اسم «Mig-35» عليها وقت أن تعاقدت عليها مصر، هو أنه كان ينقصها الرادار الجديد المتطور AESA active Electronically Scanned Array، حيث كانت اللي روسيا في هذا التوقيت تجرى تطويره-أي وقت التعاقد، وهذا هو سبب تسليمها لمصر تحت اسم «Mig-29, M2»، ولكن لاحقا تم تزويد دفعة المقاتلات التي تسلمتها مصر بهذا الرادار الحديث، وأصبحت الـ «Mig-29, M2» في نسختها المصرية تملك نفس مواصفات وإمكانيات الـ «Mig-35» المتطورة، خصوصا بعد تزويدها بمحرك جديد طراز «RD-33MK» الذي يحتوي على غرفة احتراق لا تنتج العوادم والدخان كما كان الحال في النسخ السابقة، بما يساهم في خفض بصمتها الرادارية بشكل أكبر.

تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن هناك صورة من صور المناورة «نسور النيل» ظهرت فيها مقاتلات الـ «Mig-29, M2» المصرية، وهي تحيط وتحمي طائرة سوادنية شكلها أكبر وأطول من كل المقاتلات المصرية، وبالبحث اتضح أن هذه الطائرة السودانية هي «قاذفة استراتيجية» روسية طويلة المدى «Bomber» من طراز «سوخوي- 24»، حيث تمتلك السودان منها عدد أربع طائرات.

ولمن لا يعرف، فالقاذفة الاستراتيجية، هي قاذفة قنابل ثقيلة مصممة للقيام بالغارات بعيدة المدى على أهداف إستراتيجية في قلب أرض العدو- أي أنها تسقط قنابلها أو صواريخها على أهداف أرضية حيوية مثل مقرات القيادة العامة لجيش العدو، أو الكباري والجسور أو أي تحصينات أو منشأت خرسانية.

ولكن، العيب في هذا النوع من الطائرات، هو أنها تكون كبيرة الحجم ثقيلة الوزن لا تجيد المناورة ولا يمكنها الاشتباك جويا نهائيا- أي أنها لا تستطيع حماية نفسها، فهي لا تحمل صواريخ جو/ جو، ولذلك فهي لا تستطيع الاشتباك مع الطائرات المعادية، ولابد لها من طائرات مقاتلة لكي ترافقها وتحميها من أي عدائيات محتملة.

تفاصيل ما سبق، تشير إلى أن التشكيل الذي ظهر في الصور المذكورة سابقاً يؤكد أن القيادة قد تستخدم القنبلة الفراغية الثقيلة «نصر 9000»، وهي القنبلة اللي يصفها الأمريكان بأنها «أم القنابل- Mother of All Bombs» حيث أن قدراتها التدميرية تعادل قوة قنبلة نووية تكتيكية، وتنتج قوة تفجيرية ذات أمد طويل مقارنة بالقنابل العادية، ولكن بدون تلوث إشعاعي، وهي بذلك تعتبر أقوى أنواع القنابل الغير نووية، والبديل النظيف لسلاح الدمار الشامل.

وتعتبر القنبلة الفراغية، بمثابة قنبلة تحتوي ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺩ ﻛﻴﻤﺎﻭﻳﺔ (غازية أو سائلة) تتفاعل بشدة عندما تختلط ﺑﺎﻟﻬﻮﺍء، وعند ﺍﻛﺘﻤﺎﻝ ﻋﻤﻠﻴﺔ الاختلاط ﺗتولد ﺷﺮﺍﺭﺓ ﺗﺆﺩﻱ إﻟﻰ ﺍﻻﺷﺘﻌﺎﻝ ﺑﻤﺴﺎﻋﺪﺓ الأﻛﺴﺠﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮاء ﻣحدثة انفجارا ﺭﻫﻴﺒﺎ ﻣﻊ توليد ﻣﻮﺟﺔ ﺗﻀﺎغطية ﻋﻨﻴﻔﺔ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺑﺴﺮﻋﺔ 2 ﻛﻢ في الثانية الواحدة أي «7200 كيلومتر/ساعة»، هذا ﺑﺎلإﺿﺎﻓﺔ ﻟﺴحب ﺍلأﻭﻛﺴﺠﻴﻦ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ الانفجار.

كما أنه على عكس القنابل التقليدية التي تؤدي إلى تدمير السطوح والمواقع المواجهة للقنبلة فقط من دون تأثير يذكر على الجزء الخلفي من الهدف، تعمل القنبلة الفراغية على تدمير الهدف من جميع الجهات وليس فقط من الجهة المقابلة للقنبلة. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻨﺎﺑﻞ ينتج انفجارا شبيه بالانفجار النووي الذي ﻳﺆﺩﻱ إﻟﻰ ﻣﺴﺢ أﻭ ﺗﺒﺨﻴﺮ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣﻦ ﺍلأﻓﺮﺍﺩ أﻭ ﺍلأﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ الخرسانية ﻭﺗﺴﻮﻳﺘﻬﺎ ﺑﺎلأﺭﺽ ﺑﺪﻭﻥ أدنى ﻣﺒﺎﻟﻐﺔ، حيث أنها تنتج حرارة تعادل 3000 درجة مئوية، وهو ضعف ما تنتجه القنابل العادية.

 أما بخصوص تأثير هذه القنبلة على البشر، فهي تؤدي إلى ذوبان وانصهار وفناء تام لكل كائن حي في محيط الانفجار، نتيجة للحرارة العالية التي تنتجها، ونتيجة أيضا لشفط كل الأكسجين في منطقة التفجير، وأيضاً نتيجة للموجة الارتدادية والضغط الهائل الذي تولده، وحتى من ينجو من كل ما سبق فسيتعرض للموت نتيجة انفجار أعضاءه الداخلية كالرئتين والقلب والمخ والكبد والطحال وحتى مقلة العين.

وتعتبر القنبلة «نصر 9000»، هي قنبلة وقود فراغية يستخدمها سلاح الجو المصري، وهي تزن 9 أطنان، وقد بدأت مصر في تصنيعها بمصانعنا الحربية في منتصف الثمانينيات بأعيرة وأوزان مختلفة تبدأ من 250 كيلوجرام، وتصل حتى 9 أطنان، وهي تعد أيضاً أقوى قنبلة عاملة في ترسانة القوات الجوية المصرية، وفى الجيش المصري ككل. كما تعد سلاح الردع الاستراتيجي المصري المعلن والمخصص لاستهداف وتدمير الأهداف الخرسانية القوية والمحصنة تحصينا شديدا كمراكز القيادة والسيطرة تحت الأرضية والملاجئ تحت الأرض والكهوف والأرتال المدرعة، وأهداف العدو الحيوية الهامة. ويتم إلقاء ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﻣﻦ ﻃﺎﺋﺮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺤﻦ ﻣﺜﻞ «هيركليز C-130» أو من القاذفات الاستراتيجية ﻣﻦ ﺧﻼﻝ إﻧﺰﺍﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻣﻈﻠﺔ، ﺛﻢ ﺑﻌﺪ ﺛﻮﺍﻥ ﻣﻌﺪﻭﺩﺓ ﺗﺘﺨﻠﺺ ﺍﻟﻘﻨﺒﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻈﻠﺔ ﻭﺗﺴﻘﻂ ﺗﺤﺖ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﻴﺔ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ، ﻭﺗﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻟﻘﺎﺋﻬﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺗﻠﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟـ «رافال» ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻭﺑﺒﺴﺎطة ﻗُﻨﺒﻠﺔ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﺣﺮ.

وقد يكون قرار القيادة باستخدام هذا النوع من قنابل الردع شديدة التدمير لضرب سد النهضة، هو السبب في اعتماد مصر على مقاتلات الـ «ميج-29 إم2» الاعتراضية وليس غيرها في مناورات «نسور النيل» الأخيرة. وأيا ما كان قرار القيادة، فنحن ندعمها بكل ما أوتينا من قوة ونصطف خلفها فيما ستقدم عليه بلا مناقشة أو مجادلة، فالجدل وقت الحرب خيانة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى