علامات مضيئة: أين تقع مصر على خريطة ريادة الأعمال الشرق أوسطية؟
يحظى قطاع ريادة الأعمال باهتمام خاص من قبل الحكومة المصرية، التي تحرص على تهيئة المناخ لشباب رواد الأعمال، سواء بدعم ثقافة العمل الحر أو بتوفير التمويل اللازم لمشروعاتهم ومبادراتهم. وفى هذا الإطار، أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عدد من البرامج للنهوض لريادة الأعمال، ومنها حملة (المليون ريادي) لتأهيل مليون رائد أعمال بحلول عام 2030، وذلك في إطار استراتيجية التنمية المستدامة؛ ورؤية مصر 2030.
وتستهدف الحملة الشباب المصرى من جميع الأعمار والفئات؛ وتوفر البرنامج التدريبي الكامل عبر الإنترنت، مع توفير مدربين على أعلى مستوى، وبرامج تدريبية خاصة بريادة الأعمال باللغتين العربية والإنجليزية. ومن هذا المنطلق نستعرض ما يلى :-
دوافع الاهتمام بمشروعات ريادة الأعمال:
أصبح التركيز على ريادة الأعمال ضمن فئة الشباب من الموضوعات التي لا يمكن تجاهلها لارتباطها الوثيق بمسألة النمو الاقتصادي، حيث أن الصلة بين التعليم والاقتصاد أصبحت وثيقة، فالتعليم يساهم في بناء قدرات القوى البشرية وتنمية معارفهم العلمية ليشكل قوى بشرية متعلمة يغرس فيها اتجاهات إيجابية حول العمل والتنظيم والمجتمع، بما يساهم في تكوين القاعدة الأساسية للابتكار والإبداع.
فبالنسبة إلى أصحاب تلك المشروعات، تسهم ريادة الأعمال فى تمكين الشباب من تأسيس المشروعات الخاصة بما يساهم فى تقليل نسب البطالة، فهي تعد المصدر الرئيس لتوفير الوظائف في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء. كما أنها تمثل طريق واضح وناجح نحو الحصول على أعلى أرباح ممكنة دون الحاجة للعمل عند الآخرين وتحت قيادتهم، فهي تتيح مساحة كبيرة من الحرية وإمكانية الابتكار.
أما بالنسبة إلى المجتمع والاقتصاد ككل، فهناك أهمية كبيرة لريادة الأعمال لما تقدمه من فوائد، متمثلة في مجموعة المساهمات والابتكارات التي يقدمها الرواد الجدد للمجتمع، مما يساهم في رفع الاقتصاد وتحسينه. يضاف إلى ذلك دور مشروعات ريادة الأعمال، المتمثل في تطوير المزيد من الصناعات، خاصة في المناطق الريفية التي لم تستفيد بالتطورات الاقتصادية، والتشجيع على تصنيع المواد المحلية في صورة منتجات نهائية سواء للاستهلاك المحلى أو التصدير لتشجيع على استخدام التكنولوجيا الحديثة على مستوى الصناعات الصغيرة لزيادة الإنتاجية. إضافة إلى تحفيز الاقتصاد بمشروعات جديدة صغيرة للشباب. كما تعمل ريادة الأعمال على تحقيق رفاهيـة الإنســان، لاسيما أنها تشجع على الاستفادة من اقتصاد المعرفة، وتشجيع تبادل المعلومات والخبرات وتسهيل الأنشطة التعاونية الداعمة للابتكار.
الجهود المصرية لتعزيز دور ريادة الأعمال:
يعد قطاع مشروعات ريادة الأعمال الصغيرة ومتناهية الصغر العمود الفقري للاقتصاد المصري، حيث بلغ عدد المنشآت القائمة نحو 1,7 مليون منشأة، وتمثل ما نسبته 44.6% من إجمالي أعداد المنشآت الرسمية في القطاع الخاص. علاوة على وصول عدد العاملين في القطاع إلى نحو 5.8 مليون عامل. يتركز معظمها فى قطاع تجار الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية كما هو موضح فى الشكل رقم (1).
(&) الجدول: من إعداد الباحثة استنادا الى المرجع التالى :
Global Entrepreneurship Research Association,Global Entrepreneurship Monitor , 2019\2020 , Global Report ( London : Global Entrepreneurship Research Association, 2020), P.210.
ومن منطلق هذا التوسع الملحوظ فى مشروعات ريادة الأعمال، أولت الحكومة المصرية اهتماماً كبيراً بمشروعات ريادة الأعمال، خاصة منذ أن شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة الاهتمام برواد الأعمال، وأعلن ضمن توصيات منتدى شباب العالم 2018 عن إطلاق مبادرة دولية لتدريب 10 آلاف شاب مصري وأفريقي على ريادة الأعمال، وإنشاء 100 شركة متخصصة في مصر وأفريقيا بهذا المجال، وتوجيه مؤسسات الدولة لإنشاء مركز إقليمي لريادة الأعمال .وفى هذا الإطار نستعرض أهم جهود مصر في هذا المجال كما يلى :-
(*) تم إنشاء مشروع رواد مصر 2030 تحت مظلة وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري بقرار وزاري 88 لعام 2017 بهدف تمكين الشباب من تأسيس المشاريع الخاصة، والعمل على تكريس ودعم دور ريادة الأعمال في تنمية الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل وذلك من خلال تنفيذ محاور المشروع. وهنا نشير إلى أن هذا المشروع يساهم في توفير مجموعة من الخدمات مثل المنح التعليمية، والماجستير لدراسة مجال ريادة الأعمال بشكل أعمق وعلي نطاق أوسع، ودعم وتأسيس حضانات أعمال للشركات الناشئة التي تقدم أفكاراً جديدة في سوق العمل. كما نجح المشروع فى إنشاء مرصد لريادة الأعمال، بحيث يكون قاعدة بيانات قومية محدثة بشكل مستمر تقدم تقارير ربع سنوية عن آخر أعمال كافة الحاضنات في مصر لرواد الأعمال ومتخذي القرار.
فضلاً عن إنشاء تسع حاضنات أعمال (منهم حاضنات متميزة فى مجال الذكاء الإصطناعى والسياحة بالإضافة إلى حاضنة مصرية أفريقية). كما تم التوسع فى حاضنات الأعمال فى الجامعات والمدارس الفني ، وتم تأسيس أول حاضنة متخصصة للذكاء الاصطناعى بجامعة الاسكندرية، وأول حاضنة تكنولوجية في جامعة المنيا وأخرى بطنطا، وقنا. وتهدف الدولة المصرية الى تعميق التنمية التكنولوجية وزيادة عدد الحاضنات التكنولوجية ليصل عددها إلى 13 حاضنة بنهاية عام 21/2022 .
(*) أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بالتعاون مع “فيس بوك” ومؤسسة رايز أب أول “منصة تفاعلية لريادة الأعمال لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتمثل المنصة إحدى آليات نشر ثقافة ريادة الأعمال، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساندة الشباب ودعم أفكارهم بتقديم المساعدة اللازمة لهم حول مشروعاتهم، وذلك في إطار حرص الدولة المصرية ووزارة التخطيط في دعم فكر ريادة الأعمال واحتضان الشباب ودعمهم في إخراج أفكارهم وتوجيههم نحو خلق فرص عمل بأنفسهم.
(*) وافق مجلس النواب المصري فى عام 2020، على مشروع قانون مشروعات ريادة الأعمال والشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وذلك فى إطار توفير البيئة التشريعية المناسبة للمواجهة الشاملة لانتشار فيروس كورونا .وتضمن القانون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، في المواد من 31- 34 عدد من الحوافز للشركات والمنشآت الداعمة للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وريادة الأعمال. متضمنا مصادر التمويل المتنوعة لمشروعات ريادة الاعمال كذلك الحوافز الضريبية وغير الضريبية للشركات.
(*) قام جهاز تنمية المشروعات بالعمل على توفير البيئة المناسبة لمساندة هذه المشروعات عن طريق تقديم أنواع مختلفة للتمويل تناسب احتياجات هذا النوع من المشروعات الابتكارية، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني والتسويقي والتدريب، حيث خصص الجهاز تمويلاً قدره 50 مليون دولار من خلال التمويل المقدم من البنك الدولى للمشروعات الابتكارية والتكنولوجية. كما أن الجهاز يقوم بإطلاق برنامج جديد لتدريب وتأهيل مديري صناديق رأس المال المخاطر، وهي الصناديق التى تدعم أصحاب الأفكار المبتكرة، التى لا يتم تمويلها من خلال المؤسسات التمويلية التقليدية، وتساعدهم حتى تتحول أفكارهم إلى مشروعات قائمة بالفعل لتحقيق استثمارات تساهم فى تحقيق التنمية الاقتصادية بالدولة.
مكانة مصر فى مؤشرات ريادة الأعمال:
حافظت مصر على المركز الأول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث عدد الصفقات التمويلية والاستثمارية الموجهة للشركات الناشئة بالمنطقة، وذلك خلال عام 2020، وفقاً للتقرير الصادر عن ( مؤسسة ماجنيت الاماراتية). حيث سجلت مصر أكبر عدد من الصفقات بنسبة 37٪ من إجمالي الصفقات بالمنطقة. وارتفع حجم التمويل المعلن عنه للشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2020 بنسبة 2% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019 ليصل إلى 277 مليون دولار في 108 من المشاريع والشركات الناشئة في المنطقة خلال تلك الفترة.
ومن ناحية أخرى، ذكر تقرير صدر حديثاً عن ( شركة ومضة لريادة الأعمال )، وهي منصّة متعدّدة البرامج تهدف إلى تسريع وتعزيز البيئات الحاضنة لريادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن مصر جاءت في المركز الأول بنسبة 33% كأكثر الدول التي تم إنشاء وتسجيل شركات ناشئة بها، وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة 27%، تلتها الأردن بنسبة 11%، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 6%. كما هو موضح بالشكل رقم (2).
أما فى تقرير المرصد العالمى لريادة الأعمال لعام 2019 \ 2020، جاءت مصر فى المرتبة الـ 32 ضمن 54 دولة، وحققت رتب مرتفعة من حيث المكونات الفرعية لهذا المؤشر وهما (12 مكون )، وخاصة من حيث إتاحة التمويل لتلك المشروعات، والبيئة التشريعية والحوافز الضريبية وغير الضريبية، كذلك فرص التدريب والابتكار.
وفى الختام، يمكن القول إن مصر أصبحت تمتلك أسرع بيئة لدعم نمو ريادة الأعمال بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبدء ارتفاع ترتيبها بشكل ملحوظ فى مؤشرات ريادة الأعمال الإقليمية والعالمية، خاصة أن الجهود المصرية لتعزيز دور مشروعات ريادة الأعمال لم تنحصر فقط على مجرد منح التسهيلات والتمويل، بل اخترق الجانب الأكثر أهمية فى بناء وتطوير عقلية الشباب المصرى نحو الابتكار والابداع من خلال توفير فرص التدريب والتطبيق العملى على أرض الواقع، بما يسهم فى النهاية إلى بناء جيل أكثر وعياً بمفهوم ريادة الأعمال وقادرا على قياده أعماله بكفاءة أعلى بما يعود عليه وعلى الاقتصاد المصرى بالنفع.