إعادة رسم التفاهمات: قراءة لأبعاد زيارة ولي عهد أبوظبي إلى مصر
تحليل يكتبه د. أكرم حسام ونداء السيد حسن
تُسلط الأنظار بقوة على الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للقاهرة أمس (24 ابريل 2021) ، رغم أن الزيارة تبدو طبيعية ومفهومة في ضوء ما هو معروف عن مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، وحجم التنسيق بينهما في الملفات الإقليمية المشتركة، ويكفي للتدليل على ذلك ذكر أن ولي عهد أبوظبي قد زار القاهرة منذ تولي الرئيس السيسي المسئولية نحو 14 مرة، علاوة على زيارات ولقاءات بين مسئولين البلدين بشكل متكرر. إذن ما هو الجديد اليوم في القاهرة ، والذي استدعى هذه الزيارة الخاطفة، البعض تحدث عن ملف سد النهضة، وأخرين تحدثوا عن ملفات مشتركة تستدعي التنسيق مثل ملف العلاقات مع تركيا، أو ربما ملف ليبيا التي خطت فيها مصر خطوة كبيرة خلال هذا الأسبوع بالزيارة الناجحة لدولة رئيس مجلس الوزراء المصري برفقة عدد من الوزراء ، وما أسفرت عنه الزيارة من اتفاقيات مهمة وذات دلالة.
نحاول من خلال هذا التحليل، كشف أبعاد هذه الزيارة، وقراءة ما وراء الأفق كما يقولون، فالزيارة بدون شك مهمة، في توقيتها، وفي مضمونها بالتأكيد( الذي لم يتم الإفصاح عنه حتى الآن).
الموقف الإماراتي من تحولات اتجاهات التهديد في البيئة الاستراتيجية المصرية:
شهدت البيئة الاستراتيجية المصرية خلال الأشهر القليلة الماضية ما يشبه تغيراً في اتجاهات وأولويات التهديد الحالة والماثلة، ودوما ما كانت الإمارات حاضرة في كافة التحركات المصرية لرسم خرائط التهديد وخطط الحركة على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي، فالقيادة الإماراتية لا تدخر جهداً في تقديم أي دعم للقيادة المصرية، وظهر ذلك بقوة في الملف الليبي خاصة خلال المراحل الحرجة التي مر بها، عندما كانت ليبيا مُعرضة للسقوط في يد بعض الميلشيات المععومة من دول إقليمية، كذلك قدمت الإمارات دعماً واضحاً لموقف مصر في ملف شرق المتوسط، واقتربت الإمارات من خطوط الحركة المصرية نحو اليونان وقبرص، وتجلت أخر هذه الخطوات في تأسيس منتدى الصداقة الذي جمع مصر وبعض دول الخليج ومنها الإمارات بالطبع مع كل من اليونان وقبرص، وذلك في فبراير الماضي.
كما استمرت المشاورات بين البلدين على أفضل مستوياتها فيما يتعلق بملف المصالحة الخليجية، وغني عن الذكر أن مستويات التهديد في البيئة الاستراتيجية المصرية قد تغيرت اتجاهاتها، بعد أن ظلت خلال السنوات القليلة الماضية مركزة على الجانب الغربي والتهديد القادم من ليبيا، الآن وبعد أن دخلت ليبيا للمسار السياسي، وصعود ملف سد النهضة على رأس أولويات الحكومة المصرية، خاصة بعد فشل جولة التفاوض الأخيرة في كينشاسا واستمرار إثيوبيا في المراوغة ورفض الحلول المقدمة لها حتى من السودان، واتجاه الأطراف لمخاطبة مجلس الأمن لمحاولة توضيح الموقف، صعد التهديد من الناحية الجنوبية للواجهة ، ما تطلب إعادة رسم الخريطة، ورسم التفاهمات حولها، مع الدول الحليفة وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.
لكن، مع ذلك ظل ملف سد النهضة من الملفات التي أثارت علامات استفهام حول حدود التنسيق المشترك بين البلدين، وحاولت بعض الأقلام المعادية لمصر والإمارات استغلال ذلك للإساءة للعلاقات الراسخة بين مصر والإمارات، خاصة في ضوء ما طُرح عن مبادراة إماراتية بين السودان وإثيوبيا لتسوية النزاع الحدودي بينهما، الأمر الذي اعتبرته بعض الإقلام محاولة لإضعاف الموقف التفاوضي لمصر، بجر السودان نحو التوافق مع إثيوبيا، بعيداً عن مصر. لكن هذه الزيارة الخاطفة، وفي هذا التوقيت لا شك قد أماطت اللثام عن الجوهر الحقيقي لحقيقة الموقف الإماراتي من كافة مصادر التهديد التي تتعرض لها مصر، باعتبارها ركيزة الاستقرار في قلب الأمة العربية، وهذا ما نسمعه باستمرار من كافة المسئولين الإماراتيين.
الملفات المتوقعة على طاولة النقاش:
في ضوء ما سبق من تمهيد، نعتقد أن أولويات الملفات التي نُوقشت في هذه الزيارة كانت على النحو التالي:
(*) ملف سد النهضة. لا شك أن ملف سد النهضة قد صعد لقمة اهتمامات الدولة المصرية خلال الفترة الحالية، فكل الأنظار مترقبة لكافة التحركات التي تقوم بها مصر داخليا وإقليمياً ودولياً، وسط تقارير كثيرة متداولة عن اتجاهات للتصعيد في هذا الملف، بمستوياته السياسية وربما العسكرية. ولا شك أن زيارة ولي عهد أبو ظبي في هذا التوقيت مرتبطة أيضاً بملف سد النهضة، فما الذي تتوقعه القاهرة من أبو ظبي في هذا الملف؟ كان لافتا وجود مطالبات إعلامية مصرية لدول الخليج وعلى رأسها الإمارات، بتقديم دعم قوي لمصر في ملف سد النهضة، بحكم الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا، لذلك نعتقد أن القاهرة ربما ستطلب من أبو ظبي أن تحاول لعب دور ما في هذا الملف، خاصة فيما يتعلق بموضوع الملء الثاني للسد، الذي تصر إثيوبيا على تنفيذه، دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم. ونذكر أن الإمارات سبق وأن طرحت مبادراة للتوسط في ملف النزاع بين السودان وإثيوبيا وكذلك ملف سد النهضة( سبق أن قدم مركز رع تحليلاً شاملاً لأبعاد هذه المبادرة، يمكن الرجوع إليه( https://rcssegypt.com/2547)
(*) ملف التعاون في ليبيا. لقد كان للتعاون المصري الإماراتي والتنسيق المشترك بينهما في ليبيا دوراً كبيراً في حسم توجهات الملف الليبي، ودفعه في المسار السياسي، الآن الوضع في ليبيا اختلف، ومصر تتحرك بمنظور تنموي إقتصادي هذه المرة، حيث كشفت الزيارة الأخيرة لدولة رئيس مجلس الوزراء المصري لليبيا عن عدد كبير من الاتفاقيات الاقتصادية، الخاصة بإنشاء جامعات مصرية ومستشفيات وغيرها من المشاريع الخاصة بإعادة تأهيل البنية التحتية الليبية، التي تدمرت من جراء الحرب، ولا شك أن مصر بحاجة للدعم الإماراتي لإنجاح هذه الخطوة، بما تملكه الإمارات من قدرات مالية واستثمارية عالية، حيث يمكنها في حال التعاون مع مصر إعادة الحياة لليبيا عبر بوابة التنمية والمصالح المشتركة.
(*) ملف العلاقات مع تركيا. من الواضح أن هذا الملف لم يكن بعيداً عن طاولة المناقشات بين الزعيمين المصري والإماراتي، فتركيا تمثل مصدر تهديد مشترك للبلدين منذ 2013 وحتى الآن، حيث ظلت أنقرة تقف على الطرف الأخر من الموقفين المصري والإماراتي في ملفات كثيرة منها ليبيا والموقف من قطر، وسوريا وغيرها، والآن مطروح مسألة استعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة، كذلك بين أنقرة والسعودية والإمارات، فهناك قنوات مفتوحة بالفعل على هذ المسارات، وربما تحتاج القاهرة وأبو ظبي لتنسيق الخطوات، حول كيفية التعامل مع تركيا، التي تطرح نهجاً جديداً تصالحياً ، وما يستتبعه ذلك من تحولات متوقعة في الموقف التركي من كثير من الملفات مثل ليبيا وشرق المتوسط وربما سوريا أيضاً.
(*) ملف مصير المصالحة الخليجية. نعتقد أن هذا الملف لا يزال موجوداً على طاولة المناقشات بين مصر والإمارات، حيث تراقب أبو ظبي الخطوات الواضحة التي تقوم بها دولة قطر خاصة مع السعودية ومصر، في سبيل تحقيق التقارب والتفاهم حول القضايا الخلافية وفق استحقاقات قمة العلا. فلا شك أن أبو ظبي غير مطمئنة للكيفية التي تسير فيها الدوحة في المسار الخاص بالإمارات والبحرين، وهما المساران اللذان لم يشهدان تطوراً كبيراً، مقارنة بالمسار المصري والسعودي، ونعتقد أن أبو ظبي ربما تطلب من القاهرة أن تتريث في خطوات المصالحة، ومحاولة الضغط عل قطر للسير بنفس الوتيرة في كل المسارات الثنائية.
(*) تقييم قنوات الحوار مع إيران. نعتقد أيضا أن ملف إيران لم يكن بعيداً عن طاولة النقاشات المصرية الإماراتية، خاصة في ضوء ما تم الكشف عنه مؤخراً من قيام العراق بوساطة لفتح قناة حوار بين السعودية وإيران، قد تكون مقدمة لتغيير الموقف الخليجي من إيران بالمجمل، ولا شك أن الإمارات لها موقفها الخاص من هذا التقارب ولها محدداتها التي تنظر بها. ولا شك أن موقف مصر مهم للغاية في مثل هذه الحوارات، فمصر تعتبر الأمن الخليجي جزءً من أمنها القومي.
(*) إعادة تأكيد الثوابت. وفق ما خرج عن هذا الاجتماع، فقد تم الاتفاق على تعظيم التعاون والتنسيق المصري الإماراتي كدعامة أساسية لحماية الأمن القومي العربي، ومواجهة التدخلات الخارجية في الشئون السيادية لدول المنطقة، والتي أفضت إلى تأجيج التوترات والنزاعات والنشاطات الإرهابية والمتطرفة بها، حيث شدد الرئيس السيسي في هذا الإطار على التزام مصر بموقفها الثابت تجاه أمن الخليج ورفض أية ممارسات تسعى إلى زعزعة استقراره.
نخلص مما سبق، أن الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي والوفد الرفيع المرافق له إنما جاءت في توقيت دقيق ولحظة مهمة، ويكفي لو أخدنا مجمل الزيارة أنها كشفت عن وجود دعم سياسي إماراتي / خليجي للموقف المصري من الملفات الإقليمية، التي تؤرق الدولة المصرية، بينما يقودنا الغوص في التفاصيل إلى حقيقة وجود ملفات تحتاج من كل من مصر والإمارات أن يقومان بإعادة رسم التفاهمات حولها، تمهيداً لرؤية تحركات معينة خلال الفترة القادمة في بعض هذه الملفات.
وأخيراً، نؤكد أن الإمارات قيادة وشعباً دوماً ما ساندت الدولة المصرية في أوقات صعبة، فالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين جرى اختبارها في أكثر من موقف، وثبت مدى صلابتها واستقرارها أمام بعض الزوابع الصغيرة التي تحاول الاصطياد في الماء العكر، كما أن مصر حريصة على تقوية تحالفها الاستراتيجي مع الإمارات، والذي يشكل بلا شك رمانة ميزان مهمة لإعادة التوازن للموقف الاستراتيجي في المنطقة.