احتمالات واردة: هل تتراجع فرص الأحزاب المسيحية في الانتخابات الألمانية المقبلة؟
تشير استطلاعات الرأي التي أجريت بخصوص خليفة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الـ 26 من سبتمبر المقبل- إلى تراجع شعبية الأحزاب المسيحية التي منها “ميركل”، بالإضافة وقوع الأحزاب المسيحية في مأزق الاتفاق على مرشح واحد منها، خاصة وأنه وفقا للتقاليد السائد بين تلك الأحزاب أنها تتفق مسبقاً على مرشحها، حيث يقدم الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري مرشحاً مشتركا للمنافسة على منصب المستشار.
وعليه، قد يكون الانقسام الحادث في هذه المرة بين الحزبين، المسيحي الاجتماعي البافاري والمسيحي الديمقراطي المنتمية إليه المستشارة أنجيلا ميركل، وعدم اتفاقهما حتى تاريخه على مرشح داخلي، يعد مؤشراً على تراجع تحالف الأحزاب المسيحية في الانتخابات الرئاسية الألمانية المقبلة، وتصاعد قوة لاعبين جدد كتحالف 90/الخضر واليمين المتطرف، وهو ما قد يؤدي إلى تغيرات واسعة في المشهد السياسي الألماني الداخلي، وتغير خارطة الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى قطيعة مع استمرارية السياسات التي انتهجتها المستشارة الألمانية على مدى السنوات الماضية.
ولتوضيح ما سبق، يمكن التطرق إلى خريطة التحالفات الحزبية في الانتخابات الألمانية المقبلة، وملامح التحالف المسيحي وأهم منافسيه، هذا بالإضافة إلى الأسباب التي قد تؤدى إلى تراجع التحالف المسيحي وتقليص فرصها في تلك الانتخابات.
خريطة التحالف الحزبية في الانتخابات الألمانية:
تتمثل خريطة التحالفات الحزبية في الانتخابات الألمانية المزمع انعقادها في 26 سبتمبر المقبل، فيما يلي:
(*) التحالف المسيحي، وهو يتكون من الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا (CSU): وهنا نشير إلى أن التحالف استقر على ترشح “أرمين لاشيت” رئيس حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي خلفًا للمستشارة ميركل، حيث هذه المرة الأولى منذ عام 2000 يتولى رئاسة الحزب رجل.
(*) الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني (SPD)، وهذا الحزب استقر على ترشح “أولاف شولتز”.
(*) البديل من أجل ألمانيا (AfD)، وهو حزب يميني متطرف، لم يقم بترشيح أحد حتى تاريخه من منطلق أنه يرى أن الوقت غير ملائم في ظل جائحة كورونا.
(*) الحزب اليساري الألماني “دي لينكه” (LINKE)، وهذا هذا الحزب يعتبر من الأحزاب حزب الاشتراكية الديمقراطية، ويترأسه في الوقت الحالي “لوثر بيسكي”، وهو أيضاً لم يحدد بعد مرشحه في الانتخابات القادمة.
(*) تحالف 90/الخضر (GRÜNE)، ويعرف هذا الحزب باسم “الخضر”، وعلى الرغم من تركزه في برنامجه الانتخابي منذ يناير 2018 على الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه أيضاً لم يحدد بعد مرشحه للانتخابات القادمة.
التحالف المسيحي ومنافسيه:
يتكون التحالف كما ذكر سابقًا من الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، حيث يترأس الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني حاليًا “أرمين لاشيت”، بعد منافسة داخلية مع المرشح المحافظ “فريدريش ميرز”، “نوربرت روتغن”، بأغلبية 521 صوتا مقابل 466 لفريدريش ميرز. وعلى الجانب الاخر يترأس الاتحاد الاجتماعي المسيحي “ماركوس زودر” والذي يحظى بشعبية كبيرة داخل الساحة السياسية الألمانية.
وفي سياق متصل يعتبر حزب الخضر من أقوى المنافسين للتحالف المسيحي في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد تغير الخريطة الحزبية في ألمانيا في الآونة الأخيرة من نظام الحزبين إلى التعددية الحزبية، نتيجة لزيادة شعبية حزب الخضر داخل المدن الكبرى والمتطرفين (من اليمين واليسار) في شرق ألمانيا.
الفرص المحتملة للتحالف المسيحي:
يرى بعض المراقبين أن هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى تعثر التحالف المسيحي خلال الفترة الأخيرة، وهو ما قد يقلل من فرصة المحتملة في الانتخابات المقبلة، ويمكن تحديد أهم هذه الأسباب على النحو التالي:
(&) توقيت استقالة رئيسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني “أنجريت كرامب- كارنباور”: قد يكون توقيت استقالة “أنجربت” من منصبها في رئاسة الحزب في فبراير 2020، وإعلانها عدم الترشح لمنصب المستشارية- أدى إلى هزة غير متوقعة داخل أروقة الاتحاد الديمقراطي المسيحى، خاصة وأنها كانت تحظى بدعم المستشارة ميركل.
(&) انقسام داخل التحالف المسيحي: عادة وقبل أي انتخابات يتم تقديم مرشح مشترك ممثلًا للتحالف المسيحي من قبل الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، وذلك للمنافسة على منصب المستشار، بيد أن تلك المرة حظت باختلاف عن المرات السابقة، حيث حدثت حالة من الانقسام داخل التحالف حول المرشح، حيث أعلن المجلس التنفيذي قبل الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني دعمه الكبير لرئيس الاتحاد الحالي “أرمين لاشيت” لينافس كمرشح على منصب المستشار الألماني في الانتخابات الألمانية المقبلة.
فقد أسفرت نتائج التصويت التي جرت داخل الحزب عن حصول “أرمين لاشيت” على نسبة 77,5%، وفق ما أفاد به مشاركون، بينما حصل “ماركوس زودر” -رئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا- على 22,5%، في هذا السياق أشار المتحدث باسم الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني إن 31 من أعضاء المجلس دعموا لاشيت فيما صوت 9 لصالح منافسه “ماركوس زودر” وامتنع 6 أعضاء عن التصويت.
الجدير بالذكر، أن “ماركوس زودر” يعد حاليا أحد أكثر السياسيين شعبية في ألمانيا، فيما يحظى “أرمين لاشيت” على الجانب الآخر بدعم معظم كبار الأعضاء في الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، وذلك على الرغم من حالة الانقسامات الملحوظة داخل الاتحاد، لكن أشار رؤساء حكومات الولايات التي يقودها الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني في ساكسونيا-أنهالت وزارلاند إلى دعمهم لرئيس الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا بالإضافة إلى شباب التحالف المشترك للاتحادين.
(&) الفشل في التعامل مع جائحة كورونا: لم يتمكن الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني الذي تنتمي إليه المستشارة “أنجيلا ميركل” من التعامل مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، فيما استطاع الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا إلى استخدام الجائحة لصقل ملف مرشحه إلى ما هو أبعد من ولاية بافاريا، حيث تشهد شعبية التحالف المسيحي في الوقت الحالي تراجعًا في إستطلاعات الرأي العام الألماني على أثر تعامل إدارة المستشارة ميركل مع جائحة كورونا، الأمر الذي أسهم في تعزيز شعبية مرشح الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا لدي استطلاعات الرأي لخوض السباق الانتخابي مع مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني بعد تراجع شعبية الاتحاد.
(&) صعوبة تشكيل ائتلاف حكومي جديد: تؤكد معظم إستطلاعات الرأي أنه من المتوقع أن يحل الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني في المقدمة وبفارق بسيط عن حزب الخضر، وبحسب استطلاع نشرته مؤسسة “Statista” الألمانية في أبريل 2020، حصل الاتحاد الديمقراطي المسيحي على نتيجة تتراوح بين 29,27%، وحزب الخضر 24,20%، والحزب الديمقراطي الاشتراكي 14,13%، والبديل من أجل ألمانيا 15,10%، وداي لينكه 9,6%، والحزب الديمقراطي الحر أو الليبرالي 9,6%، مما يعني أن التحالف الحالي بين المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي لا يمكنه الاستمرار في الحكم إلا ضمن حكومة أقلية.
وعلى الأغلب سيتم تكوين تحالف حكومي جديد هناك بين الديمقراطي المسيحي وحزب الخضر، وربما قد يستلزم الأمر ضم الحزب الليبرالي كشريك أصغر (ضمن ما أصطلح على تسميته بائتلاف جامايكا نسبة إلى لون أعلام الأحزاب الثلاثة: اللون الأسود للتحالف المسيحي، واللون الأخضر لحزب الخضر، والأصفر للحزب الليبرالي). ويحتاج التحالف مع حزب الخضر إلى الكثير من تقارب وجهات النظر، لأن الطرفين على خلافات عميقة بشأن مواضيع حيوية كالصناعات الثقيلة، وحجم الإنفاق العام، والسياسة الدفاعية لألمانيا.
(&) تغير في طبيعة النظام الحزبي في ألمانيا: أدى تصاعد شعبية الخضر داخل المدن الكبرى والمتطرفين (من اليمين واليسار) في شرق ألمانيا إلى تغير في طبيعة النظام الحزبي في ألمانيا، حيث تحول من نظام قائم على حزبين كبيرين مسيطرين (Volksparteien) هما الديمقراطي الاشتراكي والديمقراطي المسيحي يحصلان على أكثر من 90% من أصوات الناخبين إلى نظام قائم على تعددية حزبية من 6 أحزاب، حيث تشير الإحصاءات الحالية حصول الحزبين الأولين فيه على نسبة تقارب الـ 45% من الأصوات، وتنعكس آثار هذا التحول على تعقيد عملية تشكيل حكومات الولايات الألمانية.
وفي هذا السياق، أشارت دراسة نشرتها مجلة “الإيكونوميست” البريطانية في فبراير 2020 أنه قبل ثلاثين عامًا كانت 7 ولايات من أصل 16 في ألمانيا تحكم من خلال حزب واحد، فيما كانت الولايات الباقية تُحكم من تحالف حزبين، أما اليوم فهناك 8 ولايات يتم إدارتها من تحالف من ثلاثة أحزاب مختلفة، مع وجود 13 نوعًا من الائتلافات المختلفة بين الأحزاب الحالية. وعلى الرغم من أن تنوع التحالفات داخل حكم الولايات قد يشكل مختبرًا للتجارب التحالفية قبل تطبيقها على المستوى الفيدرالي، إلا أن نقطة الضعف في هذه التجارب تتجسد في أن الائتلافات المتباينة أيديولوجيًّا كثيرًا ما تؤثر على فعالية الحكم.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن الحكم على تراجع التحالف المسيحي في الانتخابات المقبلة يظل مبكراً وغير محسوماً. فهناك عوامل جديد قد تغير من المشهد في حالة ثباتها، منها اختيار “ارمين لاشيت” لرئاسة الاتحاد الديمقراطي المسيحي بعد المستشارة الألمانية ميركل، واختياره كممثل للتحالف بصفة عامة في الانتخابات المقبلة، بل وإتباعه النهج المتوازن وتجنب التطرف. فقد تكون تلك العوامل أسهمت في منح “لاشيت” ثقل في الانتخابات المقبلة، خاصة بعد قيامه بتشكيل تحالفا مع “ينس سبان” -وزير الصحة الألماني- ورؤيتهما للحزب باعتباره حزبا شعبياً رئيسياً يضم جناحاً عمالياً يميل إلى حد ما إلى اليسار، وجناحاً اقتصادياً يميل إلى أن يكون أكثر محافظة.