“الطائفة الممتنعة”.. الخلفيات الفكرية لقصة اغتيال الضابط الشهيد محمد مبروك
ترددت في الدراما الرمضانية لهذا العام 2021 مصطلحات جديدة في الإستخدام الدرامى سواء في مسلسل الاختيار 2 أو القاهرة كابول أو هجمة مرتدة، أهمها: (قتال الطائفة الممتنعة، دفع الصائل، الطواغيت)، وهو ما يشكل طفرة في استخدام الألفاظ التي تعبر عن المناخ الحقيقى الذى يدور في أروقة الجماعات التكفيرية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية. ولعل تردد تلك المصطلحات خلال تلك الفترة، وعدم تفكيكها تفكيكاً كاملاً نظرا لضيق وقت العرض- يجعلنا في هذا التحليل أن نطرح عدة تساؤلات نجيب عنها، حول: مفهوم “الطائفة الممتنعة” الذي يعد المسوغ الذي على أساسه ارتكبت عناصر جماعة الإخوان، وغيرهم من التكفيريين، جرائمهم ضد رجال الجيش والشرطة بعد ثورة 30 يونيو 2013 سواء بالاستهداف المباشر أو عند طريق الأكمنة. بالإضافة التأصيل الفقهي الذي خرجت منه هذه الفتوى بالقتل، وحجم إنتاج الكتب التكفيرية التي تتحدث عن الطائفة الممتنعة، والعنف الذي ترتب على هذا المفهوم وتلك الكتب.
مفهوم مفخخ يأسس للعنف:
يعد ابن تيمية ومدرسته أول من أسس لمفهوم “الطائفة الممتنعة”، فالطائفة الممتنعة وفقا لفتوى ابن تيمية كتاب “مجموع الفتاوى” 28.502، هي:” كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وأن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين ببعض شرائعه…..”، هنا يستوى قتال الطائفة الممتنعة سواء في وقت الحرب أو السلم.
إذن، الفتوى تنطبق على المجتمعات التي يعيش فيها المسلمين الآن، فالمجتمعات تحكم بالقوانين والدساتير الوضعية الكافرة وفقا لرؤيتهم. عليه، قتال المجتمعات التي لا تحكم بما أنزل الله فرض عين وفقاً لأدبيات التكفيريين، وعلى رأسهم الجيش والشرطة الذين يحمون هذه الأنظمة الكفرية، وعند الجهاديين المتأخرين اتسع هذا المفهوم فتشكل مفهوم “الطاغوت”، وهم أعوان الحكام، وتتألف طائفة الأعوان من فريقين: مناصرون بالأقوال( علماء السلطة، والكتاب والصحفيون)، ومناصرون بالأفعال( الجيش والشرطة)، ويدخل معهم كل من له تعامل معهم، ومن هذه الأطياف تتكون في الوعى التكفيري كيان “الطائفة الممتنعة ” في الصورة العصرية الراهنة.
تراث من الكتب المفخخة:
اعتمدت الجماعات التكفيرية على مجموعة من الكتب، أسست لهذه المفاهيم المفخخة منذ عقود، فالكتب التكفيرية المتداولة الأشهر في أروقة الجماعات التكفيرية، وعلى رأسها الإخوان الإرهابية أكثر من 40 كتاب، أسس لمفاهيم مثل ( الفرقة الناجية، ووجوب قتال الطائفة الممتنعة، ودفع الصائل، وتكفير المجتمعات، والحاكمية)، وانتشرت هذه الكتب بين شباب جماعة الإخوان الإرهابية عقب إسقاط المعزول محمد مرسي، للتأجيج لمرحلة من العنف لم يسبق لها مثيل في تاريخ العنف داخل مصر، فتمخض عنها (جماعة أنصار بيت المقدس، وجماعة حسم، ولواء الثورة، وغيرها)، التي ارتكبت الفظائع منذ 2013 تحت لواء هذه المفاهيم.
لقد تنوعت هذه الكتب بين الفئة الأولى؛ أكثر من17 كتاب تحدث عن تكفير المجتمعات وقتال الطائفة الممتنعة منها: ( مسائل في فقه الجهاد، الجهاد والإجتهاد، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، أعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام، أهل التوقف بين الشك واليقين، نقاط الإرتكاز بين سيد قطب وأسامة بن لادن، رفع الإلتباس عن ملة من جعله الله أمام للناس، العمدة في إعداد العدة، الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث)، هذا بالإضافة إلى كتاب فقه المقاومة الشعبية 2015، الذى كتبه القيادى الإخوانى محمد كمال، تحدث فيه لشباب الإخوان عن مفهوم الطائفة الممتنعة، وأحكام دفع العدو الصائل، فاصبح بمثابة منهج حديث،للتأسيس لمرحلة عنف جديدة.
الفئة الثانية؛ تتحدث عن الإمامة والبيعة، وهي، أسست فقه جديد لدولة الخلافة وفقا لتصوراتهم، وتخطت الكتب التي أسست لهذا الفكر 12 كتاب منها؛( فصول في الإمامة والبيعة، معالم الطائفة المنصورة في بلاد الرافدين، إدارة التوحش، الفريضة الغائبة، الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر، الولاء والبراء، آيات الرحمن في جهاد الأفغان وغيره).
أما الفئة الثالثة؛ فهي، تتحدث عن الفرقة الناجية،وتتضمن أكثر من 9 كتب منها، (عندما ترعى الذئاب الغنم، قواعد في التكفير، ملة إبراهيم)، بالإضافة إلى معالم في الطريق، الذي يعد المنهج الذى تمخضت عنه كل الأفكار التكفيرية (الإخوان وداعش والقاعدة)، منذ الستينات.
نتائج التأصيل للعنف على الأرض:
بدأت جماعة الإخوان الإرهابية عقب سقوطها في مصر بعد ثورة 2013، إصدار الفتاوى التي تحض على الغنف، وتقدم للشباب التأصيل الشرعى لممارسة الإرهاب، وأصدرت الجماعة كتاب 93 صفحة بعنوان ” فقه المقاومة الشعبية للإنقلاب” في محاولة ثابتة الأقدام لتقديم اجتهاد فقهى، يؤسس لمنهجية عنف جديدة ضد الدولة (الجيش والشرطة والمجتمع). فوفقا للكتاب يعتبر(الرئيس والحكومة) هم أهل بغى وظلم، انقلبوا على الرئيس الشرعى الإسلامي، ومن ثم فإنهم يعتبرون أعداء يجب قتلهم بموجب الشريعة الإسلامية على حد زعمهم. لذلك أصبح هذا الكتاب بمثابة وثيقة موجهة لجماعات عنف جديدة، فخرجت جماعة “الحرس الثورى” في بيانها التأسيسي للإعلان عن نفسها، وشددت خلال بيانها على محاربة النظام، باعتباره أهل بغى وطواغيت، وكذلك فعلت جماعات أخرى وقتها، كجماعة “العقاب الثورى” وغيرها.
وهنا تجدر الإشارة، إلى أن صدور البيان الذي سمى بـ “نداء الكنانة” في 2015، والذي وقعه شخصيات إخوانية من خلفيات شرعية- كان بمثابة فتوى باستباحة دماء رجال الجيش والشرطة والحكومة، حيث أقر الموقعون بشرعية اللجوء للعنف في مواجهة مؤسسات الدولة، ووجب مقاومة النظام الحالي في مصر الذى وصفه البيان بأنه “عدو للإسلام”، فكان بمثابة الخطوة التالية الهامة التي أسست لمرحلة عنف إخوانية، نتج عنها المئات من عمليات الإغتيال والتفجير والعنف التي طالت كل أنحاء البلاد.
في النهاية؛ يمكن القول إن الفكر السائد في المجتمعات يمثل حجر الأساس في تشكيل وعى شعبوها، وهو ما يعكس حجم المواجهة الفكرية التي تتعرض له مصر لمحاربة الأفكار المتطرفة. فالمسح الشامل لشبكة المعلومات، ينبأ عن نتائج مفزعة تعكس مدى انتشار هذه الفتاوى على بعض المواقع، وتفاعل بعض الشباب معها باعتبارها الحق، مما يعكس أهمية دور القوة الناعمة في إعادة تشكيل الوعى، الذى ربما زيف لدى البعض بفعل التيارات الظلامية على مدى عقود.