«واشنطن كابول».. ونهاية حقبة ١١ سبتمبر

محمد كمال

اسم العاصمة الأفغانية «كابول» لا يتردد هذه الأيام فقط فى المسلسل الذى يذيعه التليفزيون المصرى بعنوان «القاهرة كابول»، ولكن يتردد فى العديد من عواصم العالم، بسبب القرار الذى اتخذه الرئيس الأمريكى جو بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان بشكل كامل بحلول ١١ سبتمبر المقبل. القرار له دلالات كبيرة، ويحمل رمزية تاريخ الانسحاب فى ١١ سبتمبر المقبل، دلالة على نهاية الحقبة التى بدأت بهذا التاريخ منذ عشرين عاما (٢٠٠١) بالهجوم الإرهابى على الأراضى الأمريكية، والذى أعقبه غزو أفغانستان للإطاحة بحكومة طالبان، التى آوت أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وبدأت الولايات المتحدة عملية لإعادة «بناء الأمة» فى أفغانستان، ورفع شعار مكافحة الإرهاب فى العالم كله. فى ١١ سبتمبر المقبل، وبعد عقدين من الزمن، تسدل الولايات المتحدة الستار على هذه الحقبة، بعد أن فشلت فى تحقيق معظم أهدافها، وبعد أن تغيرت أولويات التحديات والمنافسين.

الولايات المتحدة تكلفت تريليونات الدولارات فى أفغانستان، وفقدت أكثر من ٢٣٠٠ أمريكى، وأصيب أكثر من ٢٠ ألفًا، بالإضافة لمقتل وإصابة ١٠٠ ألف أفغانى.

اليوم، وبعد كل هذه الخسائر نعود لنقطة عام ٢٠٠١، فطالبان التى رفضت الولايات المتحدة التعامل معها لسنوات طويلة، تجلس الآن أمامها على مائدة المفاوضات، وتشير معظم التقارير إلى أن طالبان ستعود للسيطرة على أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية.

الدرس الأساسى الذى تعلمته الولايات المتحدة من التجربة الأفغانية هو الاعتراف بوجود حدود لقوتها العسكرية، وأنه يجب ألا تحاول استخدام جيشها لمحاربة متمردين، أو تتورط فى حروب برية طويلة الأمد. وكذلك محدودية قدرتها فيما يتعلق ببناء الأمم وتغيير الثقافات للدول الأخرى. وقد أشار الرئيس بايدن إلى أن الجيش الأمريكى قد مُنح صلاحيات تتجاوز اختصاصه فى أفغانستان، بما فى ذلك تحقيق أهداف اجتماعية، مثل حقوق المرأة.

.. وتشير تقارير صحفية إلى أنه عندما ذكرت قضية النساء فى أفغانستان، اللواتى تمتعن بحقوق وحريات جديدة بعد هزيمة طالبان، قال بايدن: «لن أعيد أبناءنا إلى هناك للمخاطرة بحياتهم نيابة عن حقوق المرأة، هذا ليس ما هم هناك من أجله». وذكر أنه لن يشعر بأى مسؤولية إذا عانت المرأة الأفغانية أو حقوق الإنسان الأخرى نتيجة الانسحاب الأمريكى، وأكد على أن مصير أفغانستان يحدده شعبها.

البعض فى الولايات المتحدة ينتقد قرار الرئيس بايدن بالانسحاب من أفغانستان، ويشير إلى ضرورة الاستفادة من «درس العراق»، حيث نمت «داعش» وتحولت إلى قوة رئيسية بعد انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأمريكية من العراق عام ٢٠١١، ثم اضطرت الولايات المتحدة لإعادة قواتها مرة أخرى لمحاربة داعش. ولكن القيادة الأمريكية ترى أن احتمال عودة تنظيم القاعدة لأفغانستان محدودة، وتعتقد أنها قادرة على التعامل مع أى تهديدات إرهابية عن بُعد، ودون تمركز قوات فى أفغانستان، ودون أن تصبح قواتها ورقة مساومات مع طالبان.

ويصف البعض انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وكأنه استسلام «للإرهاق» أكثر من كونه تسوية سياسية مع عدو سابق، وهنا يشير كولن باول، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، إلى أن الاتحاد السوفيتى، الذى احتل أفغانستان لعقد من الزمان حتى انسحب فجأة فى عام ١٩٨٩، «فعل ذلك بنفس الطريقة لقد تعبوا، وخرجوا وعادوا إلى وطنهم». هذا التعب أو الإرهاق يشير إلى حالة الولايات المتحدة كقوة كبرى فى عالم اليوم، والتى اختلفت عما كانت عليه فى حقبة ١١ سبتمبر.

أما المتغير الأكبر الذى يدل على نهاية حقبة ١١ سبتمبر، فهو تغير أولويات الولايات المتحدة فيما يتعلق بمصدر التهديد لأمنها القومى. ففى حقبة ١١ سبتمبر ارتبطت التهديدات بالإرهاب، وحملات مكافحته. أما اليوم، فالولايات المتحدة تتحدث عن أولويات أخرى، يأتى على رأسها تحديات الداخل المرتبطة بكورونا، والاقتصاد، والاستقطاب السياسى، وفى الخارج هناك تحديات أخرى أكثر أولوية من أفغانستان، أو كما ذكر أحد المسؤولين الأمريكيين «الولايات المتحدة لديها مصالح استراتيجية كبيرة فى العالم، مثل منع انتشار الأسلحة النووية، مثل روسيا التى تزداد عدوانية وحزمًا، مثل كوريا الشمالية وإيران التى تشكل برامجها النووية تهديدًا للولايات المتحدة، مثل الصين… التهديدات الرئيسية للوطن الأمريكى هى فى الواقع من أماكن أخرى… أفغانستان فقط لا ترقى إلى مستوى تلك التهديدات الأخرى فى هذه المرحلة». ويشير آخرون إلى أن هذه التهديدات بالإضافة إلى انهيار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كلها جعلت الإرهاب يبدو وكأنه تهديد أقل إلحاحًا، عكس ما كان عليه الوضع فى حقبة ١١ سبتمبر.

باختصار، فإن قرار الرئيس الأمريكى بايدن بالانسحاب من أفغانستان يعنى نهاية «حقبة ١١ سبتمبر» وما ارتبط بها من أولويات، كما لم تعد الولايات المتحدة نفس القوة الكبرى التى عهدناها خلال تلك الحقبة. وهى أمور جديرة بالدراسة ونحن نتعامل مع عالم اليوم.

نقلاً عن المصري اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى