أربـــاح البنــوك وإيــرادات الموازنة العــامة للـدولـة
عبدالفتاح الجبالي
تزامن إحالة الحكومة لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى القادم 2021/2022 إلى مجلس النواب، مع اعتماد الجمعيات العمومية لبعض البنوك لقوائمها المالية عن العام المالي 2019/2020 والتى أظهرت العديد من المؤشرات الإيجابية المهمة التي تؤكد قوة ومتانة الجهاز المصرفي المصري، وهذا أمر جيد للغاية خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة والمتأثرة بفيروس كورونا. ويصبح التساؤل هو كيف تنعكس هذه المؤشرات على الاقتصاد القومي ككل والموازنة العامة على وجه الخصوص؟ وبعبارة أخرى إلى أي مدى تسهم البنوك العامة فى إيرادات الموازنة العامة؟
وهو ما يتطلب معرفة طبيعة العلاقة بين الطرفين، فمن المعروف أن البنوك العامة، والتى أصبحت تسمى البنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة، وفقا لقانون البنك المركزى والجهاز المصرفى رقم 194 لسنة 2020.تعتبر وحدات مستقلة ذات شخصية اعتبارية ولها استقلالها المادي والإداري بإعتبارها ذات طابع اقتصادي وفقا للقوانين المنظمة لها، وتقع ضمن الوحدات الاقتصادية (مثل الشركات العامة وقطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية وغيرها). ولذلك نصت المادة 139 من قانون الجهاز المصرفى رقم 194 لسنة 2020 على أن الموازنة العامة لا تشمل الموارد والاستخدامات الجارية والرأسمالية للبنوك المملوكة أسهمها بالكامل للدولة ويئول صافى أرباح هذه البنوك للخزانة العامة وذلك بعد اقتطاع ما يتقرر تكوينه من احتياطيات أو حصة العاملين فى الأرباح أو احتجازه من أرباح أو زيادة رأس المال أو غيرها من المتطلبات الرقابية الأخرى التى يفضلها البنك المركزى. وتُضم إيرادات هذه الجهات ضمن الباب الثالث في الإيرادات العامة للموازنة، وهو المتعلق بالإيرادات الأخرى.وهنا نلحظ انه على الرغم من التحسينات التي دخلت على السياسة المالية إلا إنها لم تؤد إلى زيادات الإيرادات العامة كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي، بل على العكس فقد انخفضت من 22% عام 2009/2010 الي نحو 16.8% عام 2019/2020 (وفقا للحسابات الختامية للدولة) مع ملاحظة أن هناك تراجعا هيكليا فى مساهمة الإيرادات الأخرى من 7.7% إلى 4% خلال نفس الفترة وذلك كنتيجة أساسية للتناقص المستمر فى الفائض المحول من البنوك العامة لإيرادات الموازنة، حيث انخفضت صافى العلاقة بين الخزانة العامة والبنوك العامة (وهو العلاقة بين ما آل للخزانة وما تمت إتاحته من دعم) من 2.6 مليار جنيه عام 2016/2017 إلى نحو 2 مليار عام 2108/2019، وذلك فى الوقت الذى تتزايد فيه الأرباح السنوية الصافية لها، فعلى سبيل المثال فإن أحد البنوك حقق صافى أرباح بعد الضرائب بنحو 13.1 مليار جنيه بينما ما تم تحويله للموازنة بلغ 1.430 مليار بنسبة 10% تقريبا من صافى الربح بينما بلغت مساهمته فيما يسمى المسئولية المجتمعية نحو 2.6 مليار بنسبة 19.8%.وبنك اخر حقق صافى ربح بعد الضرائب بنحو 11 مليار جنيه وقام بإنفاق نحو 1.5 مليار (بنسبة 13.6% من صافى الربح) فى المساهمات المجتمعية. وبالتالي فإن ما تم تحويله من فائض للموازنة العامة أقل كثيرا مما أنفقته هذه البنوك فى المسئولية المجتمعية، حيث يرى القائمون على هذه البنوك أن من حقهم التصرف في الفائض المحقق لديهم، وبالتالي يقومون بتمويل العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية بأموال طائلة بزعم المسئولية الاجتماعية وإنهم خارج الموازنة. وهنا يصبح التساؤل الأساسي أيهما أجدى؟ هل من الأفضل تحويل الجزء الأكبر من الفائض إلى الموازنة؟ أم تقوم مجالس إدارات البنوك بالإنفاق مباشرة على الجوانب المجتمعية؟ عند الإجابة عن هذا التساؤل لابد من تأكيد أن تحسين الحالة الاجتماعية وإيصال الخدمات الصحية والتعليمية إلى كل المواطنين مسئولية أساسية تقع على الحكومات. ولذلك نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة على حق كل شخص في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، وكذلك الدستور المصري الذي نص في العديد من مواده على الحقوق الاقتصادية للمواطنين. ومن هذا المنطلق تأتي أهمية الإنفاق العام، حيث يعد أحد الآليات الأساسية لتحقيق هذه الأهداف.
طريق الدعم والنفقات الاجتماعية. وبالتالي أصبح الإنفاق العام يلعب دورا أكبر عن ذي قبل في تعزيز النمو الاحتوائي والمستدام. وتكتسب السياسة المالية خصوصيتها من كونها إحدى أدوات السياسة الاقتصادية التي تمكن الدولة من تنفيذ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية من أجل رفع مستوى معيشة ورفاهة المواطنين. كما أنها تعكس الموارد المالية المتاحة للحكومة والتي يمكن استخدامها في تمويل الخدمات التي عادة لا يقبل على توفيرها القطاع الخاص (السلع العامة Public Goods) أو تلك التي لا يوفرها القطاع الخاص بشكل مقبول سياسيا (Merit Goods) . ويتوقف نجاح سياسة الإنفاق العام على عاملين أساسيين، هما الموارد المتاحة للمجتمع والكيفية التي يتم بها استخدام هذه الموارد.وهنا تشير جميع الإحصاءات والمؤشرات الاجتماعية إلى ضرورة العمل على زيادة الإنفاق العام وضمان كفاءته، وهو ما يتطلب بالضرورة البحث عن حيز مالي معقول ومستدام يسمح بتنفيذ السياسات المرغوبة لتحقيق التنمية الإحتوائية ويسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي ويعمل على ضمان وصول ثمار النمو إلي الشرائح الاجتماعية المختلفة. وذلك عن طريق التصميم الجيد للسياسة المالية على جانبي الإيرادات والمصروفات وهي السياسة التي يجب أن يعاد النظر فيها. من هذا المنطلق نرى ضرورة العمل على أن تقوم هذه الكيانات جميعا بتحويل الجانب الأكبر من الفوائض المتراكمة لديها للخزانة العامة والتى تقوم بإنفاقها وفقا لأولويات السياسات الاقتصادية بحيث يتمكن المجتمع من تحقيق إيرادات عامة أكثر دون التأثير على معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات الاستثمار، وبما يعود بالنفع على السواد الأعظم من المجتمع.
نقلاً عن الأهرام.