تعزيز الثقة: هل ساهم صندوق مصر السيادى فى تعظيم أصول الدولة؟

يطرح الإعلان عن شركتين فى مجال البترول والترويج لهما لفرص الاستثمار بهم من خلال صندوق مصر السيادي خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى إتمام باكورة استثمارات الصندوق السيادي في قطاع التعليم- عدة تساؤلات لعل أهمها: ما هو دور صندوق مصر السيادي، وما الذي حققه منذ إنشاءه؟، وما هي الأهداف الحقيقة من وراء نشأة الصندوق، وما هي انجازات الصندوق على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومكانة الصندوق عالمياً؟.

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن الصندوق السيادي المصري تأسس وفق القانون الصادر من رئيس الجمهورية رقم 177 لسنة 2018، وهو مملوك بالكامل لجمهورية مصر العربية، ويتكون من أصول مثل الأراضي أو الأسهم أو السندات أو أجهزة استثمارية أخرى. كما يتمتع الصندوق باستقلال مالي وإداري، وذمة مالية مستقلة عن الدولة. ويبلغ رأس مال الصندوق المرخص به 200 مليار جنيه، فيما يبلغ رأس ماله المصدر 5 مليارات جنيه، ونحو 30 مليار جنيه حجم الأصول التي نٌقلت له  بجانب موارده من رأسمال الصندوق، بالإضافة إلى العوائد التي يحققها الصندوق نظير شراكاته في المشروعات الاستثمارية المختلفة. وقد أنشأ الصندوق مجموعة من الصناديق الفرعية المتخصصة في المجالات المختلفة تتضمن: صندوق فرعي للخدمات الصحية المتنوعة، وصندوق فرعي للبنية الأساسية والتحتية، وصندوق فرعي للخدمات المالية والتحول الرقمي، بالإضافة إلى صندوق فرعي للسياحة والاستثمار العقاري.

الأهداف الاقتصادية من إنشاء الصندوق:

تلعب الصناديق السيادية فى دول العالم دور القوى الناعمة، حيث تساهم في زيادة الثقل السياسي للدول وأن يكون لها دور مؤثر في مجتمع الأعمال والاقتصاد ولدى متخذي القرار .فهناك 49 صندوقا سياديا حول العالم ، بقيمة تقدر 7.3 تريليون دولار، وتهدف معظمها إلى استثمار أموال التأمينات والمعاشات للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة.

ويعتبر الغرض الرئيسي من إنشاء الصندوق السيادي، هو استغلال الأصول غير المستغلة الاستغلال الأمثل، بشكل استثماري، فهناك طريقة لاستغلال أي أصل من الأصول عن طريق دخوله في شراكة  تحوله إلى أصل منتج. كما يركز على جميع أنواع الشراكات سواء محلية أو أجنبية، وذلك بهدف تنوع رؤس الأموال، وبمراعاة التغيرات الاقتصادية التي تحدث على مستوى العالم. ومن هنا جاء إنشاء صندوق مصر السيادي في إطار خطة الدولة المصرية لتحقيق رؤية مصر 2030، وما يتطلبه ذلك من زيادة حجم الاستثمارات وتنوع مصادر التمويل، فكانت هناك ضرورة لإنشاء كيان اقتصادي كبير قادر من خلال الشراكة مع شركات ومؤسسات محلية وعالمية على زيادة الاستثمار والتشغيل والاستغلال الأمثل لأصول وموارد الدولة لتعظيم قيمتها، وإعطاء دفعة قوية للتنمية والحفاظ على حقوق الأجيال القادمة عن طريق تعظيم الاستفادة من القيمة الكامنة في الأصول المستغلة وغير المستغلّة في مصر وتحقيق فوائض مالية مستدامة، من خلال تصميم منتجات استثمارية فريدة من نوعها، كما يستهدف تحقيق عوائد مالية مستدامة على المدى الطويل من خلال محفظة متوازنة ومتنوعة مصممة على نحو يحقّق التوازن الأمثل بين العوائد والمخاطر.

إلى جانب هذه الأهداف المالية، يسعى الصندوق إلى تحقيق أثر اجتماعي واقتصادي إيجابي على مستوي كافة الاستثمارات، وسيحقق صندوق مصر هذه الأهداف بالاستفادة من محفظة فريدة من الفرص المرتبطة بالأصول في مصر، وهي فرص يمكن تحويلها إلى منتجات مناسبة للمستثمرين، بالإضافة إلى تحفيز المستثمرين والمشغّلين المحليين والإقليميين والدوليين على الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية من خلال تلك المنتجات، مما سيولّد الثروة من خلال تعظيم العائد التشغيلي بالإضافة إلى تطوير مشروعات جديدة وقائمة، كما يعزز هذه الفرص ما يتميز به الصندوق من مرونة واستقلالية.

 انجازات الصندوق فى عامين:

نجح  صندوق مصر السيادى نجح في جذب مستثمرين وشركاء من الداخل والخارج، وتوقيع اتفاقيات للدخول في شراكات متعددة على كافة الأطر محليًا وعربيًا ودولياً. (&) فعلى المستوى المحلي تم تحقيق التالي:-

(*) تم توقيع اتفاقيتين تعاون استثماري في نوفمبر 2020 بين الصندوق وكل من وزارة قطاع الأعمال العام وبنك الاستثمار القومي، لتعظيم الاستفادة من بعض الأصول المملوكة لهما والعمل على ضخ استثمارات من القطاع الخاص. بالإضافة إلى عقد الصندوق اتفاق تعاون مع جهاز الخدمة الوطنية في فبراير 2020 للمشاركة في الاستثمار في الأصول المملوكة للجهاز، وبهدف الاستعانة بخبرات كوادر الصندوق فى تهيئة بعض الأصول التابعة للجهاز لجذب الاستثمارات من القطاع الخاص محليا ودوليا وتوسيع قاعدة ملكيتها تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي.

(*) يعمل الصندوق، حالياً على عدة مشروعات في مجموعة من القطاعات المختلفة، وخاصة القطاعات التي تحظى بالأولوية في ظل تداعيات فيروس كورونا المستجد لتشمل قطاع الخدمات الصحية المتنوعة، بالإضافة إلى الاستثمارات المستهدفة في القطاع الزراعي والتصنيع الغذائي وقطاع البنية الأساسية والتحتية والتحول الرقمي. كما يركز الصندوق على توطين الصناعة، حيث أن تأسيس الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكة الحديدية يعد خطوة حقيقية لدعم وتنفيذ التوجه العام للدولة وقیادتها السیاسیة بشأن تعميق وتوطين صناعة السكة الحديد في مصر، وخاصة الوحدات المتحركة بما يؤمن متطلبات الدولة من الوحدات المتحركة، وزيادة القدرة على التصدير، وقد تم توقيع عقد تأسيس الشركة في ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٠ في منطقة شرق بورسعید.

(*) أعلن كل من صندوق مصر السيادي والمجموعة المالية (هيرميس) اكتتاب الصندوق في تغطية الإصدار الثالث من صندوق التعليم المصري المدار من قبل المجموعة المالية هيرميس، حيث قام صندوق مصر السيادي بالاكتتاب في غالبية الجولة الثالثة من صندوق التعليم المصري بقيمة تتخطي 250 مليون جنيه.

(*) وقّع صندوق مصر السيادي اتفاقية مع مجموعة «جيمس مصر» للتعليم لتطوير وإدارة مدرستين غرب القاهرة؛ مستفيدًا من أصول الدولة المنقولة إليه لتفعيل استراتيجيتة هادفة إلى تعظيم العائد من تلك الأصول. ومن المخطط أن تقوم «جيمس مصر» بتدشين المدرستين بطاقة استيعابية 2500 طالب لكل منهما على مساحة 30 ألف متر مربع. ويعد هذا الاستثمار هو الأول لصندوق مصر السيادي في قطاع التعليم المصري.

(*) دشن صندوق مصر السيادى أولى الخطوات التنفيذية لتطوير وتأهيل مجمع التحرير، ويستهدف الصندوق جذب مطورين وشركاء من كافة أنحاء العالم، واستخدام كل الأفكار الإبداعية من مستثمرين متخصصين فى إعادة تأهيل واستخدام هذا المجمع كأصل تاريخى متميز فى وسط القاهرة، بهدف خلق قيمة مضافة لأصول الدولة تحقق عوائد مستمرة للأجيال القادمة. كما أن عملية إتاحة مذكرة الطرح الخاصة بتطوير مجمع التحرير تأتى فى وقت مناسب بعد النجاح الكبير للحدث التاريخى لموكب نقل المومياوات الملكية من المتحف المصرى إلى متحف الحضارة مرورًا بمجمع التحرير والذى ظهر بشكل متميز.

(*) تدشين الصندوق استثماراته بتطوير “باب العزب” بالتعاون مع “المجلس الأعلى للآثار”. وتم توقيع عقد تطوير بين صندوق مصر السيادي والمجلس الأعلى للآثار لتطوير وتقديم وتشغيل وإدارة خدمات الزائرين بمنطقة “باب العزب” الأثرية بقلعة صلاح الدين الأيوبي. هذا بالإضافة إلى الإعلان عن الدخول في شراكة مع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة لطرح شركتى صافى والوطنية للبترول للاستثمار مع القطاع الخاص.

(&) أما على المستوى الإقليمي، فقد تم إنشاء منصة استثمارية مع دولة الامارات العربية المتحدة (أبو ظبي القابضة) بقيمة 20 مليار دولار للاستثمار المشترك في مجموعة متنوعة من القطاعات والمجالات أبرزها الصناعات التحويلية، والطاقة التقليدية والمتجددة، والتكنولوجيا، والأغذية والعقارات، والسياحة، والرعاية الصحية، والخدمات اللوجستية، والخدمات المالية، والبنية التحتية وغيرها.

(&) وعلى المستوى الدولي، وقع الصندوق في يناير2020 على هامش أعمال القمة الاستثمارية البريطانية الافريقية مذكرة تفاهم بين صنــدوق مصر وشركة ACTIS Long – life، للاستثمار المشترك في مجالات الطاقة والبنية التحتية.

مكانة وترتيب الصندوق المصري عالمياً:

نجح صندوق مصر السيادي، في فرض سطوته على الصناديق العالمية والإقليمية في مدة وجيزة “أقل من عامين”، وذلك بانضمامه للمنتدى الدولي للصناديق. كما عزز من الثقة في الأصول الحكومية ووضعها على خريطة الاستثمار العالمية، إذ يعد ذلك إنجازًا حقيقيًا للاقتصاد المصري، باعتبار الصندوق مرآة للاقتصاد .كما أن مدى قوة الصندوق الاقتصادية تنعكس علي مدي رؤية العالم الخارجي والمستثمرين والدول لقوة الاقتصاد المصري وحجمه.

وقد استطاع أن يحتل صندوق مصر السيادي في التصنيف العالمي للصناديق السيادية المرتبة الـ 43 بين 93 صندوق سيادي عالمي لعام 2020، ثم ارتفع هذا الترتيب إلى الرتبة 41 لعام 2021. حيث جاء الصندوق السيادي النرويجي في المرتبة الأولى، فهو حاليًا الأكبر في العالم بأصول تبلغ 1.18 تريليون دولار أمريكي، تليه مؤسسة الاستثمار الصينية (940 مليار دولار أمريكي)، وهيئة أبوظبي للاستثمار (579 مليار دولار أمريكي)، وهيئة الاستثمار الكويتية (533 مليار دولار أمريكي).
وفى النهاية يمكن القول، إن إنشاء صندوق مصر السيادى لا يهدف إطلاقا إلى بيع أصول الدولة أو خصخصتها كما يدعى البعض، بل لتعظيم الاستفادة منها، وإنشاء آلية للشراكة بين القطاع العام والخاص لدعم تمويل برنامج الاصلاح الاقتصادى الذى تبنته مصر منذ عام 2016، والحفاظ علي موارد اقتصادية واستثمارات طويلة الأمد بما يزيد العائد المتوقع للأجيال القادمة، هذا فى ظل خضوع الصندوق لقوانين الرقابة المالية. وقد استطاع الصندوق أن يحقق نجاحا ملحوظا في عامين فقط، ويحظى بمرتبة مقبولة بين الصناديق السيادية في العالم.

 

د.جيهان عبد السلام

مساعد مدير المركز في الملفات الاقتصادية والدراسات الإفريقية. -أستاذ مساعد الاقتصاد بجامعة القاهرة. -حاصلة على دكتوراه الاقتصاد بكلية الدراسات الأفريقية العليا. -عضو هيئة تحكيم البحوث الاقتصادية لدى المركز الجامعي لترامنست. -عضو هيئة تحكيم لدى كلية الاقتصاد والإدارة وعلوم التيسير. -عضو هيئة تحكيم لدى جامعة الشهيد لخضر. -خبير اقتصادي وكاتبة في العديد من المجلات العلمية ومراكز الدراسات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى