أي دور يمكن للصحافة الإماراتية القيام به في معالجة الأزمات الاقتصادية؟.. (عرض رسالة ماجستير)

شكلت الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم منتصف سبتمبر 2008، اختبارا حقيقيا لقدرة وسائل الاعلام على معالجة مثل هذا النوع من الأزمات، وفي هذا الإطار جاءت الدراسة الموسومة: “معالجة الصحافة الإماراتية للأزمة المالية العالمية- دراسة مسحية لصحف البيان والخليج والاتحاد خلال الفترة من 2008 – 2010″، والتي أعدها الباحث “عبدالحي محمد عبد الحي”، للحصول على درجة الماجستير في الإعلام، من معهد البحوث والدراسات العربية عام2014.

ففي عالم اليوم، صار للأخبار والموضوعات الاقتصادية أهمية كبري، لدى الشخص العادي كما هو الحال لدى رجل الأعمال والشركات والحكومات، مما جعل دور الصحافة في المجال الاقتصادي، لا يقتصر عند وظيفة الاخبار والإعلام، بل يتعاظم دورها في تثقيف القارئ بأبعاد وجوانب الأزمات والمشكلات الاقتصادية التي تواجهه، وتحلل له أسبابها، ومراحل تطورها، وتعرض له الحلول التي تقدمها التيارات والمذاهب الاقتصادية المختلفة في العالم المعاصر، كما تقوم بتقييم أداء المؤسسات والمنظمات والحكومات المعنية بهذه الأزمات.

الإشكالية المثارة:

اتجهت الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات التي تتعلق بكيفية معالجة الصحافة الإماراتية للأزمة المالية العالمية، ومدى قيامها بالدور المنوط بها في تشكيل المعارف والاتجاهات حول هذه الأزمة؛ باعتبار دولة الإمارات العربية المتحدة، تمثل تجربة اقتصادية تنموية عربية جديرة بالدراسة، إذ استطاعت تحقيق إنجازات اقتصادية ملحوظة، ترتكز على الاندماج في الاقتصاد العالمي المرتبط بالنظام الرأسمالي المسيطر على العالم، ما جعلها أكثر عرضة لدورات الانتعاش والانكماش التي تصيبه، الأمر الذي يجعل اقتصادها أكثر عرضة لتكرار مثل هذه الأزمات.

وفي معرض الإجابة عن تلك الإشكالية، استهدفت الدراسة التعرف على أشكال المعالجة الصحفية للأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الإمارات، ونوعية القضايا والموضوعات الأكثر بروزا في المعالجة، كما سعت للكشف عن أطر معالجة الصحف الإماراتية لهذه الأزمة، ومدى توظيفها للمواد الصحفية في تحديد اتجاهات المعالجة.

وعرضت للموضوع في ثلاثة فصول؛ تناول الأول: الإطار المنهجي، والثاني تضمن الإطار المعرفي للدراسة، والذي اشتمل على دراسة أسباب الأزمة المالية العالمية، وتداعياتها الدولية عامة وعلى الاقتصاد الإماراتي خاصة، أما الفصل الثالث ناقش نتائج معالجة الصحف الإماراتية عينة الدراسة، لتداعيات الأزمة على قطاع البنوك، وعلى قطاع العقارات؛ ثم أزمة ديون إمارة دبي.

محددات الأزمة، ومآلاتها:

شملت أبرز الأسباب التي رصدتها الدراسة، للأزمة المالية العالمية وتداعياتها على العالم عجز النظام الرأسمالي، إفراط البنوك ومؤسسات التمويل الأمريكية في الإقراض لتمويل إستهلاك المواطنين، جشع المستثمرين والبنوك والشركات، غياب الرقابة على البنوك والأدوات المالية، بينما جاءت أسباب تأثر الإمارات بتداعيات الأزمة المالية العالمية ممثلة في صعوبات وتحديات ناتجة عن الأزمة، وجفاف مصادر التمويل الدولية، والغيرة والحقد والحسد ضد دبي، وتحديات الظفر العقارية والمضاربات، وخروج الأموال الأجنبية الساخنة.

وكشفت معالجة الصحف الإمارتية الثلاث (البيان والخليج والاتحاد)، للأزمة المالية العالمية على العالم، عن إنهيار فكرة القطب الاقتصادي الأوحد في العالم، وإنهيار وعجز البنوك والشركات الإستثمارية العالمية وأسواق الأسهم، وتدخل الحكومات بالدعم والتأميم، ودخول الاقتصاد العالمي مرحلة الإنكماش والركود، وفشل الرأسمالية كمنهج إقتصادي.

وأكدت الدراسة على أن خصوصية طبيعة مجتمع دولة الإمارات؛ (حيث يغلب عليه الطابع التجاري والإقتصاد)، وطبيعة التركيبة السكانية؛ (حيث تغلب العمالة الأجنبية)، فرضت على الصحف الثلاث الاعتراف بتداعيات الأزمة على دولة الإمارات – وإن كان حدث ذلك متأخرا- حيث ساد الركود غالبية الأنشطة الاقتصادية وجفت منابع تمويل المشاريع وتوقفت المشاريع الكبيرة وفقد الكثيرون من العمالة الأجنبية وظائفهم.

من أهم الدلالات التي أكدت عليها الدراسة، هو أن الصحف في الإمارات- سواء الحكومية أو الخاصة- هي صحف تدعم النظام السياسي القائم، وتتبني أيديولوجيته وتنفذ تعليماته، ولاتوجه له أية إنتقادات، وهي إحدي أدواته المؤثرة في تشكيل الرأي العام بما يدعم سياساته وأفكاره وتوجهاته بصفة خاصة، خلال الأزمات، وتتمثل وظيفتها، في كونها وسيلة للتأكيد والإشادة بإنجازات الدولة الاتحادية والحكام، وتوصيل قرارات الحكومة إلي الشعب.

اخفاقات معالجة الأزمة:

تشير الدراسة إلى أن الصحف الثلاث أخفقت في تقديم تصور متكامل للأبعاد المختلفة للأزمة المالية العالمية، (أبعاد أزمة الائتمان- أزمة الرهن العقاري- أزمة النظام الرأسمالي)، ويرجع ذلك إلي غلبة تقارير وكالات الأنباء في المعالجة، وهي تقارير ترصد الأحداث ولا تفسرها أو تحللها، ولم تطرح تحليلات اقتصادية متعمقة لمفهوم وأسباب الأزمة وتطوراتها، وركزت التحليلات على الأبعاد السياسية للأزمة، في حين لم تركز بدقة وشفافية على القوي المتسببة في الأزمة، وعلى رأسها صناديق التحوط وقيادات البنوك الكبري ووكالات التصنيف الائتماني والإدارة الأميركية بشكل واضح.

كشف نتائج الدراسة أن معالجة الصحافة الإماراتية للأزمة المالية العالمية وتداعياتها على دولة الإمارات، لم تكن معالجة متوازنة كميا وكيفيا، وأن الصحافة لم تقم بوظائفها في تعريف وزيادة وعي القاريء وتثقيفه بجوانب وأبعاد الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على دولة الإمارات وتحليل أسبابها ومناقشة نتائجها وكيفية علاجها.

كما كشفت النتائج عن تراجع المعالجة التفسيرية التحليلية النقدية للأزمة المالية العالمية وتداعياتها على العالم ودولة الإمارات في الصحف الثلاث، وغلبة المعالجة السردية التقريرية التي تقوم على السرد والإحاطة بعيدا عن تقديم معلومات حقيقية وجوهرية تساعد على تكوين رأي تجاه الأزمة، وغلب على الصحف الثلاث الكم على الكيف، وبلغت نسبة الأشكال الإخبارية 82.7% والأشكال التحليلية والتفسيرية 17.2%.

وقد أرجعت الدراسة أسباب قصور الصحف الثلاث، في تقديم معالجة صحفية متكاملة للأزمة المالية العالمية وتداعياتها؛ إلي عدة أسبابها، أهمها:

  • طبيعة العلاقة بين السلطة السياسية والصحافة، فالعلاقة بينهما علاقة تبعية تمارسها الأولي على الثانية، والصحف في الإمارات رغم تنوع ملكيتها لا تتبني أيديولوجيات تخالف النظام السياسي الحاكم، وتلتزم بسياسات تحريرية تدعمه ولا توجه له أية إنتقادات، وتنفذ التوجيهات الرسمية، مما يبعد الصحافة عن المشاركة في صنع القرار، إذ يقتصر دورها على التثبيت وإضفاء الشرعية.
  • محدودية هامش الحرية المتاح أمام الصحفيين لمعالجة الأزمات بموضوعية وشفافية، وهذا الهامش المحدود يتزايد أو يتقلص بناءً على رغبة السلطات الحاكمة، ولا يرتبط برغبة المؤسسات الصحفية أو الصحفيين.
  • نوعية الصحفيين العامليين في الصحف الثلاث، فغالبية هؤلاء الصحفيين تحولوا بسبب غياب حرية الصحافة إلي موظفين وليسوا صحفيين مهنيين، وتعاني الصحف الثلاث من ندرة الكفاءات الصحفية بعد توقف العمل بنظام إستقطاب الكوادر الصحفية من البلدان العربية عام 2000، وإلتحق للعمل بها كوادر متدنية، تم التعاقد معها من داخل الدولة وغالبيتهم كانوا موظفين في شركات للعلاقات العامة ويفتقرون إلي الموهبة الصحفية.
  • افتقار الصحف الثلاث إلي كتاب المقالات والأعمدة والخبراء والمحللين الإقتصاديين والماليين المتابعين لدقائق الأزمة وتداعياتها على الإمارات، وزيادة الاعتماد على شركات العلاقات العامة والإستشارات المالية والعقارية، كمصدر لمعلومات المحرر الصحفي عن الأزمة.

مؤشرات الاستفادة:

خرجت الدراسة بعدد من المؤشرات التي يمكن الاستفادة منها، في معالجة الأزمة المالية العالمية من ناحية، وفي معالجة الصحف لمثل هذا النوع من الأزمات من ناحية أخرى، تشمل:

  • الحاجة إلى إقرار نظام إقتصادي ومالي عالمي جديد، وتشديد الرقابة على المؤسسات والأدوات المالية، وإستعادة الثقة في أسواق المال، ومحاسبة كبار موظفي الشركات والبنوك وضخ المزيد من السيولة، والحد من المضاربات.
  • للحد من تداعيات الأزمة المالية على الإمارات، يمكن السعي إلى تعزيز الثقة في إقتصاد دبي، وإعادة الثقة في القطاع العقاري والحد من المضاربات، وجدولة ديون الشركات وإنجاز الهيكلة، وضخ سيولة جديدة في البنوك، وزياد تمويل البنوك للعملاء وقطاع الأعمال.
  • عند المعالجة الصحفية، من الأهمية تجنب الخلط بين التحرير والإعلان في المواد المنشورة، وتفعيل ميثاق الشرف الصحفي الذي أعدته جمعية الصحفيين.
  • الحد من تغول شركات العلاقات العامة، وشركات الاستشارات العقارية في العمل الصحفي، وإعطاء الأولوية للمواد الصحفية التي ينتجها الصحفي في عملية النشر.
  • أهمية إجراء دراسات حول الواقع الصحفي داخل المؤسسات الصحفية، والقائمين بالإتصال في وسائل الإعلام بشكل عام، والوقوف على تأثير إنتماءاتهم وخلفياتهم الفكرية والأيديولوجية على إنتاجهم الصحفي، وأهم ما يوجهونه من صعوبات وضغوط في عملهم الصحفي، والعمل على تذليل تلك الصعوبات.
  • أهمية منح مزيد من الحرية للصحف والعاملين في المجال الإعلامي، لتناول الموضوعات والقضايا بشكل أكثر شفافية وموضوعية، حتى يمكن لهم ممارسة الدور الرقابي بإيجابية وفاعلية، تنعكس على الصالح العام وعلى المجتمع ككل.

(*) رحم الله الباحث “عبدالحي محمد عبد الحي”، الذي كان صحفيا نابغا، وحاز على جائزة دبي للإعلام العربي، خلال عمله بصحيفة البيان الإماراتية، وكان على وشك الانتهاء من إعداد رسالة الدكتوراه في الإعلام، لكن وافته المنية العام الماضي.

د. عبد الناصر سعيد

خبير مشارك- حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية , حاصل على في ماجستير الإعلام ,حاصل على ماجستير في العلوم السياسة , باحث مشارك في عدد من المراكز البحثية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى