نقلة نوعية: الجهود المصرية للحد من حوادث الطرق وتحقيق السلامة المرورية

يعتبر الإنسان هو الكنز الحقيقي فى أى دولة، وهو الذخيرة التى تعتمد عليها الدول فى عملية التنمية و البناء، وهو الأمر الذي يستدعى وبقوة الحفاظ على حياة وسلامة البشر من أى مخاطر تُحيق به ، ومن أخطرها حوادث الطرق، التى أصبحت – نظرا لتكرارها – خبراً معتاداً، تتناوله وسائل الإعلام المختلفة، كما لا تزال الإصابات الناجمة عن حوادث الطرق تشكِّل مشكلة كبيرة تواجه الصحة العامة، وسبباً رئيسياً من أسباب الوفيات والإصابات وحالات العجز في جميع أنحاء العالم.

ففي كل عام يموت ما يقرب من 1.3 مليون شخص، ويصاب ما بين 20 و 50 مليون أخرين بجروح نتيجة حوادث الطرق. ويحدث أكثر من 90 في المائة من هذه الوفيات في البلدان منخفضة الدخل، والبلدان متوسطة الدخل، التي يقل عدد السيارات فيها عن نصف عدد المركبات في العالم. وتأتي الإصابات الناجمة عن حركة المرور على الطرق ضمن أهم ثلاثة أسباب لوفاة الأشخاص الذين يتراوح عمرهم ما بين عمر 5 سنوات و 44 سنة.

لقد قامت الدولة المصرية خلال السنوات السابقة وتحديداً منذ عام 2014 بجهود جبارة في مجال تحسين جودة الطرق المصرية، وفق المعايير الدولية، لكن هذه الجهود لم تحظى بالدعم الكافي والتوعية من جانب المؤسسات المؤثرة في الرأى العام وعلى رأسها وسائل الإعلام المختلفة، لذلك فإن هذه الرؤية التحليلية تهدف إلى تسليط الضوء على الجهود المصرية في الحد من مستويات الحوادث على الطرق، من خلال إجراءات شاملة وعملية متكاملة تبدأ منذ التخطيط لإنشاء الطرق، مروراً بمراحل التنفيذ ، وصولاً لصيانة الطرق ومتابعة حالتها بمرور السنوات.

حوادث الطرق ومؤشرات التنمية الدولية:

تهدد الإصابات الناجمة عن حركة المرور على الطرق بعرقلة الإنجازات التي تحققت في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية، إذ تقدر الخسائر العالمية من جراء الإصابات الناجمة عن حركة المرور على الطرق بما مجموعه 518 بليون دولار، وتُكلِّف الحكومات ما بين 1 %  و 3 %من ناتجها القومي الإجمالي. وتشكل هذه الخسارة في بعض البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل، أكثر من إجمالي المساعدة الإنمائية التي تتلقاها. وتُلقي الإصابات الناجمة عن حوادث المرور عبئا ثقيلا على اقتصاد البلد بسبب ما تحدثه من أثار مباشرة في خدمات الرعاية الصحية والتأهيل، وكذلك من خلال التكاليف غير المباشرة. ويمكن أيضاً أن تضع قدراً كبيراً من الضغوط المالية على الأسر المتضررة، التي لا بد لها، في كثير من الأحيان، من أن تستوعب التكاليف الطبية وتكاليف التأهيل، وغيرها من التكاليف، من قبيل فقدان دخل الضحية، بالإضافة إلى التوتر النفسي الشديد.

ولكل هذه الأمور، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة  بموجب قرارها المؤرخ في 10مايو2010، الفترة 2011 – 2020 عن عقداً للعمل من أجل السلامة على الطرق، هدفه تثبيت عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور على الطرق، ثم خفض المستوى المتوقع منها على الصعيد العالمي عن طريق زيادة الأنشطة المضطلع بها وطنياً وإقليمياً وعالمياً، ومن أهم النقاط الواردة فى هذا البروتوكول:

(*) إدارة شئون السلامة على الطرق. تركز هذه القاعدة على ضرورة تعزيز القدرة المؤسسية لمواصلة الجهود الوطنية الرامية إلى تحقيق السلامة على الطرق. وهي تشمل أنشطة مثل إنشاء وكالة رائدة تعنى بالسلامة على الطرق في البلد المعني، وتضم شركاء من طائفة من القطاعات؛ وإعداد استراتيجية وطنية من أجل السلامة على الطرق؛ ووضع أهداف واقعية وطويلة الأجل للأنشطة مع توفير التمويل الكافي لتنفيذها. وهي تطالب بإنشاء نظم بيانات لرصد وتقييم الأنشطة.

(*) طرق وتنقل أكثر أمناً. تسلط هذه القاعدة الضوء على ضرورة تحسين سلامة شبكات الطرق لصالح جميع مستخدمي الطرق، ولاسيما الأكثر تعرضاً للمخاطر، وهم: المُشاة وراكبو الدراجات الهوائية وراكبو الدرجات النارية. وتشمل أنشطة هذه القاعدة تحسين تخطيط الطرق وتصميمها وتشييدها وتشغيلها بشكل مراع للسلامة؛ والتأكد من أن السلامة على الطرق تقيم بانتظام؛ وتشجيع السلطات المعنية على النظر في جميع أشكال النقل وجميع أنواع البنية التحتية الآمنة عند الاستجابة لاحتياجات مستخدمي الطرق إلى التنقل؛ وتعزيز التدريب على السلامة على الطرق والتوعية بهذه الموضوعات. وفى ذات الإطار، تهتم مهام حفظ السلام التى تقوم بها منظمة الأمم المتحدة بتحسين وإصلاح الطرق فى مناطق العمليات للحد من الخسائر فى الأرواح والممتلكات، وأيضا لاستعادة مظاهر الحياة الطبيعية وتحسين جودة الحياة واشعار المواطنين بأهمية الاستقرار فى الدولة منأجل التنمية والتقدم.

مصر والاستجابة للمعايير الدولية في السلامة المرورية:

أشار تقرير صدر مؤخراً من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن العامل البشري كان أعلى الأسباب في نسبة الحوادث، حيث بلغ 72.0%، يليه عيوب في المركبة (الحالة الفنية للسيارة) بنسبة 18.2%، ثم العنصـر البيئي (حالة الطريق) بنسبة 3.1% من إجمالي الحوادث. ومن الأسباب البشرية المتسببة في حوادث الطرق في مصر: عدم ارتداء حزام الأمان بالنسبة للسيارات، وعدم ارتداء الخوذة بالنسبة للدراجات النارية، والقيادة بسرعة جنونية، والقيادة تحت تأثير الخمور والمخدرات. أما الأسباب الفنية فتتمثل في الصلاحية الفنية للسيارات وعيوب التصنيع وعدم الصيانة الدورية، بالإضافة للأسباب البيئية مثل الطرق السيئة، وأحياناً الظروف الجوية مثل مستويات الشبورة العالية والضباب وإنعدام الرؤية على الطرق في أوقات معينة.

في هذا الإطار، فإن مؤشر جودة الطرق العالمي هو أحد المؤشرات التي تصدر عن البنك الدولي في 140 دولة حول العالم، حيث يعتمد هذا المؤشر على بيانات استطلاعات المنتدى الاقتصادي العالمي، لآراء المسؤولين على المستوى التنفيذي حول العالم عن كافة أوجه الخدمات التى تقدم للمواطنين ومن ضمنها البنية التحتية. ويقصد بمفهوم جودة الطرق، ببساطة “اتباع المعايير القياسية فى بناء الطريق وإعداده من حيث البنية التحتية والتعبيد والسفلتة، التى تتناسب مع حجم الكثافة المرورية على هذا الطريق بما يحقق أعلى درجات السلامة لمستخدميه”.

وفقاً لهذا المؤشر العالمي حصدت الإمارات المركز الأول عالمياً في مؤشر “جودة الطرق” بحسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2018، بينما تحسن وضع مصر بمؤشر جودة الطرق، حيث تقدمت مصر 90 مركزَا في الترتيب العالمي لمؤشر جودة الطرق، خلال الخمس سنوات الماضية، لتصل للمركز 28 عام 2019، مقارنة بالمركز 45 عام 2018، والمركز 75 عام 2017، والمركز 107 عام 2016، والمركز 110 عام 2015، والمركز 118 عام 2014. وبالتالي، قد يكون هذا التطور في الحالة المصرية وفقًا لما ذكره تقرير التنافسية العالمي، هو نتيجة انطلاق المشروع القومي للطرق إذ انتهت هيئة الطرق والكباري وشركات الإنشاء التابع لوزارة النقل، من المرحلة الأولى والثانية من المشروع القومي للطرق بتكلفة 19 مليار جنيه. وتقوم الوزارة بتنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع القومي للطرق بطول 1280 كيلو مترا، وبتكلفة تصل إلى 14 مليار جنيه، مما ساعد على تحسين موقع مصر في المؤشرات الدولية، وهذا ما كشف عنه تقرير أخير لمركز معلومات مجلس الوزراء الذي أعد إنفوجرافاً، أوضح خلاله أنه وفقًا لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فإن اتجاه الدولة نحو تنمية قطاع الطرق والكباري أسهم في انخفاض أعداد الوفيات المرتبطة بحوادث الطرق والكباري، لتصبح ٧ آلاف حالة وفاة في ٢٠٢٠ مقارنة بـ ١٢ ألفًا في ٢٠١٩، و18646 مصابا، و21089 مركبة تالفة. ويقدر البعض قيمة هذه الخسائر بما يقارب 30 مليار جنيه سنويا.

وعليه، يمكن القول إن بناء طرق جديدة فى مصر على الطراز العالمى بكل تأكيد أحد أهم الأسباب وراء تقدم مصر فى تصنيف جودة الطرق على مستوى العالم .فمصر حتى عام 2013، وقبل بدء المشروع القومى للطرق، كانت تمتلك 24 ألف كيلو متر من الطرق، ومنذ بداية المشروع القومى إلى الآن تم إنشاء خمسة آلاف كيلو متر طرق جديدة، وصلت فى نهاية المشروع فى عام 2020 إلى سبعة آلاف كيلو متر، بما يعادل 29% من إجمالي شبكة الطرق المتواجدة فى مصر على مر تاريخها .والطرق التى يتم تنفيذها فى إطار المشروع القومى يجرى إنشاؤها وفقًا لأحدث المعايير الدولية دون أى انتقاص، وبالتالي، هى طرق مميزة من حيث الجودة والشكل.

كما أنه تقدم مصر إلى المركز الـ28  فى تصنيف جودة الطرق عالميًا، يعد مؤشر على تحسن مستوى الطرق المصرية، الذى ارتفع بشكل كبير، مما أدى إلى تقليل نسبة الحوادث فى مصر، حيث انخفضت حوادث السيارات فى مصر خلال العام الماضى بنسبة 24.6% مقارنة بالعام 2016، وفقًا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. أيضا الالتزام بخطة صيانة الطرق فى مصر، حيث أن الشركة الوطنية للطرق والهيئة العامة للطرق والكبارى تتسلمان الطرق الجديدة، ثم تضعان خطة صيانة بشكل دورى لها، وهذه ثقافة جديدة فى مصر، لأنه فى الماضى كان يتم إنشاء الطرق وتركها دون وجود خطط واضحة للصيانة.

دور الإعلام في تعزيز الثقافة المرورية للمواطنين:

فى عصر السماوات المفتوحة والتقدم المذهل الذى تشهده أنظمة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، أصبح للإعلام أهمية بالغة فى تكوين فكر ووجدان الشعوب على اختلاف درجة تحضرها ورقيها. ويعد جهاز الشرطة أحد أهم الأجهزة التى يستخدمها المجتمع فى القيام بعملية الضبط الاجتماعى لسلوكيات أفراده. ومن هنا ظهرت الحاجة الى مد جسور التعاون مع المجتمع واستخدام حلول جديدة بعيدة عن الحل الأمنى المنفرد، وذلك وصولاً لحل مشاكل المجتمع ذات الطابع الأمنى، وهنا يبرز الدور التوعوى للإعلام، حيث يسهم بآلياته المتعددة والمتطورة فى تنظيم حياة المجتمعات الاجتماعية والإنسانية.

وفى هذا السياق، يمكن توظيف حملات التسويق الاجتماعى التى تهدف إلى إحداث تغيير في الأسلوب والطريقة التى يعيش الأفراد والجماعات بتحويل بعض أنماط السلوك والممارسات السلبية إلى سلوك إيجابي لصالح المجتمع. ولا يحدث هذا التغيير في سلوك الأفراد بشكل مفاجيء وإنما يحدث عبر العديد من المراحل الوسيطة التي تشمل: تغيير معلومات الأفراد، تغيير معرفة الأفراد، تغيير اتجاهات الأفراد. وتعتمد هذه الاستراتيجية على ترسيخ مفهموم لدى المواطن، هو: أن القوانين ليست سيفاً مسلطاً عليه، بقدر ما هى فى مصلحته لتنظيم حركة المجتمع، وممارسة كل فرد لحقوقه دون الإضرار بالأخرين، فلا يمكن مثلا القول أن من حق المواطن أن يقود سيارته بسرعة كبيرة فى منطقة مأهولة بالسكان من باب أن ذلك من منطلق حريته الشخصية، فتدخل المشرع بتحديد سرعات محددة لكل منطقة هو من باب الحفاظ على أرواح الناس.

نخلص مما سبق، أن الحفاظ على سلامة العنصر البشرى الذى هو رأس مال أى دولة، ويعد من أهم الأولويات التى تهتم بها الدول والمنظمات العالمية لتحقيق أكبر قدر من السلامة والأمان على الطرق، وأن التجربة المصرية الأخيرة منذ 2014 وحتى الآن في عملية تشييد البنية التحتية قد وضعت في إعتبارها كافة المعايير الدولية المتعلقة بالسلامة المروية، ويتبقى فقط أن يستوعب المواطنيين بعض المعايير الخاصة بالقيادة والسلامة أيضاً، لتكتمل المنظمومة المرورية في مصر، ولنرى مصر خلال السنوات القادمة في طليعة الدول التي تنخفض فيها حوادث الطرق وتتحقق فيها أعلى المعايير في جودة الطرق وغيرها.

اللواء هشام صبري

خبير بوحدة دراسات الأمن الإقليمي. ممثل الأمم المتحدة لقوات حفظ السلام سابقا، نائب مدير معهد تدريب الشرطة السابق بأكاديمية الشرطة. خبير متمكن في دراسات الأمن الدولي وحفظ السلام، وله العديد من الدراسات والبحوث في حفظ وتعزيز الأمن والاستقرار في مناطق الصراعات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى