كيف يغير مشروع مستقبل مصر من واقع الزراعة المصرية؟
فى سلسلة متتابعة من المشروعات القومية التى تقوم بها الدولة المصرية بالقطاع الزراعى منذ العام 2014، بهدف إحداث تطوير جذرى بالقطاع وتعظيم الفرص الإنتاجية الكامنة في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي المصري- يأتي مشروع “مستقبل مصر للإنتاج الزراعى” ليمثل قيمة مضافة إلى سلسلة المشروعات القومية التى تقوم بها الدولة فى هذا المجال، والذى أصبح إحدى المشروعات التنموية الكبرى التى تحظى على اهتمام كبير من القيادة السياسية ويدخل ضمن إطار المشروع القومي العملاق “الدلتا الجديدة”.
ففي السادس من أبريل 2021 تفقد الرئيس “عبد الفتاح السيسى”، موسم الحصاد الزراعي بهذا المشروع، وقد سبق هذا توجيه الرئيس “السيسى” بضرورة توفير كافة عوامل النجاح للمشروع القومي “مستقبل مصر” وأهمية تحقيق واستمرارية عامل جدارة الأداء والتنفيذ للمشروع، خلال اجتماع عُقد في العشرين من يناير 2021 بعد مرور نحو ثلاثة عشر يومًا عن قيام الرئيس “السيسي” بجولة تفقدية للمشروع، مع كل من قائد القوات الجوية، ومستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمراني، ومستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ورئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة.
تأسيسا على ما سبق، نحاول في هذا التحليل رصد وكشف ملامح المشروع القومي للإنتاج الزراعي “مستقبل مصر”، والنتائج المحتملة من هذا المشروع.
ملامح المشروع:
يعتبر مشروع “مستقبل مصر” هو إحدى المشروعات القومية التي تقوم بها الحكومة المصرية في مجال الإنتاج الزراعي ضمن استراتيجية الدولة لتعظيم الفرص الإنتاجية الكامنة في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي في رؤية مصر 2030. وقد بدأ العمل بهذا المشروع منذ عامين، ويهدف إلى استصلاح نحو 500 ألف فدان، بتوفير منتجات ومحاصيل زراعية بأفضل جودة، وأسعار مناسبة مقبولة للمواطنين، وسد الفجوة في السوق المحلى ما بين الإنتاج والاستيراد ومن ثم توفير العملة الأجنبية لصالح الاقتصاد القومي للدولة، وتم ضم هذا المشروع ضمن المشروع العملاق ” الدلتا الجديدة”، والذى أعطى الرئيس “عبد الفتاح السيسى” فى نهاية مارس 2021، إشارة البدء فى تنفيذه، وسُيقام على مساحة 1.5 مليون فدان بالساحل الشمالى الغربى منطقة محور الضبعة، وذلك على مرحلة واحدة خلال عامين فقط.
ويتمتع مشروع ” مستقبل مصر” بموقع استراتيجي يوفر له مزايا عديدة، حيث يقع على امتداد طريق محور الضبعة، أحد الطرق الجديدة التي تم تمهيدها ضمن الشبكة القومية للطرق، مما يجعله قريبا من موانئ التصدير والمطارات والمناطق الصناعية وعدد من الطرق والمحاور الرئيسية، الأمر الذي يسهل نقل ونفاذ المنتجات الزراعية من أراضي هذا المشروع إلى سائر أنحاء الجمهورية.
وتتضمن البنية الأساسية والإدارية للمشروع منظومة متكاملة للميكنة الزراعية والري، تتضمن أحدث المعدات والتقنيات لإتمام العمليات الزراعية المختلفة بجودة وسرعة عالية وتكلفة أقل، بالإضافة إلى الآلاف من أجهزة الري المحوري “بيفوت”، والتى تكمن جدواها الاقتصادية في انخفاض قيمة العمليات التامة بهذا النوع من المواسير، وقلة تكاليف التركيب وسهولة النقل والإحلال وتبديل الأجزاء وسهولة تغيير أو النقل بين مواقع الاستخدام، كما يشمل المشروع ۲ محطة كهرباء بطاقة ٢٥٠ ميجا وات وشبكة كهرباء داخلية بطول ۲۰۰ کم، وكذلك شبكة طرق رئيسية وفرعية بإجمالي طول ٥٠٠ كم.
ويتم التركيز في هذا المشروع على المحاصيل الاستراتيجية المهمة، التي يمكن أن يحدث بها فجوة إلى جانب بعض الخضروات التي يمكن أن يتحقق فيها فائضًا للتصدير، وهذه المحاصيل هي: بنجر السكر، والبطاطس، والذرة الصفراء، والخضروات، والقمح، وزراعات محمية. كما يوفر المشروع العديد من الأنشطة الاستثمارية، من خلال التعاون مع كبرى الشركات المتخصصة في الزراعة من القطاع الخاص.
انعكاسات إيجابية:
يوفر المشروع القومي “مستقبل مصر” العديد من العوائد والمكاسب سواء على مستوى القطاع الزراعى أو الدولة ككل أو المستوى المعيشى للمواطنين، والتي تتمثل فيما يلى:
(*) على مستوى القطاع الزراعي والدولة:
(&) زيادة حجم الناتج المحلى الإجمالى:
يشكل نشاط الزراعة نحو 12% من الناتج المحلى الإجمالى للدولة، وبالتالي فإن التوسع في ناتج هذا النشاط الاقتصادى الحيوى، يساهم في زيادة الناتج المحلى الإجمالي لقطاع الزراعة، والذي بلغ 438725.7 مليون جنيه في العام المالى السابق 2019/2020، وبالتالي الناتج المحلى الإجمالى للدولة.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصرى.
(&) زيادة مساحة الرقعة الزراعية:
يعمل المشروع على زيادة نحو 500 ألف فدان للرقعة الزراعية بمصر، وهو ما يساعد بجانب المشروعات القومية الأخرى التي تقوم بها الدولة المصرية في القطاع الزراعى ومنها مشروعي المليون ونصف مليون فدان ومشروع المائة ألف صوبة زراعية والدلتا الجديدة والتى يعتبر مشروع “مستقبل مصر” ضمن نطاقها- في زيادة المساحات المزروعة بمصر، وبالتالي زيادة حجم المحاصيل الزراعية وتنوعها، لاسيما في ظل النمو البطئ لمساحة الأراضى الزراعية في مصر، والتى لم تنم إلا بنسبة 45% خلال الفترة 1990-2018، لتصل إلى 9.4 مليون فدان عام 2018، مقارنة بـ 6.5 مليون فدان عام 1990، وهو ما لا يتناسب مع الزيادة السكانية الكبيرة في مصر، والتى تعتبر أكبر دول الشرق الأوسط وثالث دولة أفريقية من حيث عدد السكان.
فبتتبع عدد سكان مصر بالداخل منذ التعداد السكانى للعام 1966، نجد أن هناك تزايد مطرد ومستمر فى هذا العدد، على الرغم من الجهود والخطط الحكومية المستمرة للحد من تلك الزيادة ومواجهة تفاقمها منذ السبعينيات، ففى خلال الفترة بين تعدادى 1966 و2017، ارتفع عدد سكان مصر بالداخل بنحو 46.5 مليون نسمة بنسبة زيادة قدرها 97.5%، والذى ارتفع من 29 مليون نسمة للعام 1966 إلى 94.8 مليون نسمة للعام 2017، وبمقارنة عدد السكان وفقا لنتائج تعداد 1996 بالساعة السكانية في 16 أبريل 2021 (الساعة 2:57 ظهرا)، نجد أن عدد السكان قد زاد بنحو 71.5%، وهو ما يفوق بكثير معدل النمو في مساحة الأراضى الزراعية خلال تلك الفترة، بما يعنى تناقص نصيب الفرد من الأراضى الزراعية في مصر.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
المصدر: اعداد الباحثة، بالاعتمد على احصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء.
(&) تحقيق الأمن الغذائى المصر:
تنعكس الزيادة في مساحة الأراضى الزراعية بشكل إيجابى على الأمن الغذائى المصرى، لاسيما فى الوقت الذى زادت فيه نسبة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى فى مصر، فوفقًا لمؤشر انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في إجمالي عدد السكان، والذى يصدر عن منظمة الأغذية والزراعة للامم المتحدة، زاد متوسط نسبة السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى المعتدل أو الشديد خلال الفترة 2017-2019، ليصبح 34.2% (33.6 مليون شخص) مقارنة بـ 27.8% (25.7 مليون شخص) خلال الفترة 2014-2016.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة
(&) التغلب على نقص المياه مقابل التوسع في الزراعات:
تستخدم المياه الجوفية في زراعة الأراضى الزراعية بمشروع “مستقبل مصر”، كما تساعد أجهزة الري المحوري “بيفوت”، والمستخدمة في المشروع، في ترشيد استخدام مياه الري ومواجهة أزمة تناقصها الحاد مقابل التوسع في الزراعات لمواجهة تزايد السكان وتناسبه مع الزيادة الدائمة في حاجات الغذاء للإنسان والحيوان.
حيث تعمل هذه الأجهزة على عدم إهدار المياه وتوجيهها التوجيه الأمثل والمباشر للزراعات القائمة مع المحافظة على جودة وحماية التربة الزراعية لتوزيع وتقنين مياه الري التوزيع الجيد والمنتظم، خاصة في ظل الموارد المائية المحدودة فى مصر والتى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب واعتمادها بنسبة 97% على الخارج فى الحصول عليها، ودخول مصر في منطقة الفقر المائى ووصول نصيب الفرد بها من المياه إلى أقل من 600 متر مكعب بسبب تأثير الزيادة السكانية المستمرة على ندرة المياه، وانخفاض نصيب الفرد منها، خاصة في ظل التوقعات بانخفاض نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 400 متر مكعب بحلول عام 2050.
وهو ما يتفق مع أهداف الحكومة المصرية المتضمنة تطوير منظومة الري والتقاوي، والتوسع في استخدام أساليب الزراعة الحديثة، واختيار الأصناف الزراعية التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه في الزراعة، واستخدام الصوب الزراعية بغرض الاستفادة من وحدات مساحة الأرض الزراعية وكميات المياه.
(&) سد الفجوة بين احتياجات السوق المحلية وزيادة حجم السلع الزراعية المصدرة إلى الخارج، وضمان توافر الغذاء أوقات الأزمات والحروب العالمية مثلما حدث في إغلاق اقتصادات الدول بالموجة الأولى من جائحة “كورونا: يساعد زيادة المحاصيل الزراعية المنتجة محليًا، في تغطية احتياجات السوق المحلى من الغذاء، وهو ما يؤدى إلى خفض الواردات المصرية من هذه السلع، وزيادة المصدر منها مع مرور الوقت وبالتالي خفض العجز في الميزان التجارى، والقدرة على مواجهة نقص الغذاء أوقات الأزمات.
فإذا نظرنا إلى صادرات وواردات مصر من المواد الغذائية باستثناء اللحوم والألبان ومنتجاتها والعسل الطبيعى والشحوم والدهون والزيوت النباتية والحيوانية، نجد أن إجمالى واردات مصر من المواد الغذائية بلغ 7.1 مليار دولار للعام المالى السابق 2019/2020، وذلك بزيادة قدرها 808 مليون دولار عن العام 2018/2019، وقد شملت هذه المواد الغذائية (خضر ونباتات وجزور ودرنات غذائية، محضرات غذائية منوعة، سكر ومصنوعات سكرية، فواكه أو ثمار صالحة للأكل، محضرات حضر ومحضرات ثمار أو فواكه، الحبوب ومنتجات المطاحن)، وفى المقابل صدره مصر ما قيمته 2.9 مليار دولار من هذه السلع في العام 2019/2020، بزيادة قدرها 338.8 مليون دولار عن العام 2018/2019.
كما يعتبر العجز التجاري في الميزان السلعى للحبوب والمطاحن، والذى بلغ 5.05 مليار دولار عام 2019/2020، هو ثانى أعلى عجز في الموازين السلعية لمصر بعد الميزان السلعى للألات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات البنك المركزى المصرى
(*) على المستويات المعيشية للمواطنين:
(&) توفير المحاصيل الزراعية بأسعار أقل للمواطنين، وخفض معدل التضخم: فطبقا للنظريات الاقتصادية، تؤدى زيادة العرض من السلع إلى خفض أسعارها، بالإضافة إلى انعكاس تكاليف الإنتاج والنقل أيضًا على أسعار السلع، وبالتالي فإن مشروع “مستقبل مصر” وغيره من مشاريع الاستصلاح الزراعى التي تقوم بها الحكومة المصرية، تساعد على زيادة المعروض من السلع الزراعية المنتجة، وبالتالي خفض أسعارها في الأسواق، بما يوفر هذه السلع بأسعار أقل للمواطنين، وخفض معدل التضخم، حيث تشكل مجموعة الطعام الوزن النسبى الأكبر من الرقم القياسى لأسعار المستهلكين، مقارنة بباقى المجموعات الرئيسية للسلع المكونة للرقم، حيث يبلغ هذا الوزن النسبى نحو 34.45%.
المصدر: اعداد الباحثة، بالاعتمد على احصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء
(&) توفير المزيد من فرص العمل بالقطاع الزراعى: يعمل المشروع على توفير أكثر من 4 آلاف فرصة عمل للمواطنين في تخصصات مختلفة، سواء المباشرة أو غير المباشرة، لجميع الأنشطة المتنوعة والفرص الاستثمارية العديدة التي يوفرها المشروع من خلال الاشتراك مع العديد الشركات الزراعية المتخصصة من القطاع الخاص.
وهو ما سينعكس بشكل مباشر على معدل البطالة في مصر، حيث يعتبر نشاط الزراعة واستغلال الغابات وقطع الأشجار وصيد الاسماك، هو أعلى الأنشطة الاقتصادية المستحوذة على اكبر عدد من المشتغلين في مصر، وذلك بنسبة بلغت 19.4% من إجمالى المشتغلين في الربع الأول من العام السابق 2020.
المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على احصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وختاما، يمكن القول بأن مشروع “مستقبل مصر” يعتبر إنجاز جديد داعم للاتجاه الحكومى بزيادة مساحات الأراضى المخصصة للزراعة والاعتماد على الزراعات المستهلكة لكميات أقل من المياه وتعطى إنتاج أكبر وسد الفجوة الغذائية وتوفير السلع الغذائية بأسعار أقل للمواطنين وخفض معدل البطالة، بما يمهد لرسم مستقبل جديد للقطاع الزراعى المصرى يغير من خريطة الإنتاج الزاعى ورى الأراضى، بعد إتمام الأعمال بكافة المشروعات القومية التى تقوم بها الدولة فى هذا المجال.