اضطرابات متزايدة: التداعيات المحتملة لإعلان الرئيس الصومالي تمديد فترة ولايته؟
بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية التي استمرت أربع سنوات، وقع الرئيس الصومالي “محمد عبد الله فيرماجو” قانوناً مثيراً للجدل تحمل مؤشرات خطيرة ربما تدفع بالبلاد الهشة نحو اضطرابات جديدة، حيث مدد الرئيس الصومالي فترة ولايته المنتهية لمدة عامين، وهو ما تمخض عنه إدانة قوية من الولايات المتحدة والشركاء الدوليين، باعتبار أن هذه الخطوة تمثل انتزاع للسلطة باستخدام القوة، وتقوض من الجهود الدولية لحلحلة الأزمة الصومالية المتعثرة، ومن ثم بات الصومال على أعتاب مشهد مختلف في تفاصيله ربما يدفع البلاد نحو مزيد من الارتباك وعدم الاستقرار.
التمسك بالسلطة:
أعلنت الرئاسية الصومالية أن الرئيس “فيرماجو” وقع قانون يسمح له بالاستمرار في السلطة لمدة عامين إضافيين، وذلك بعد ساعات من إقرار هذا القانون من قبل البرلمان الصومالي، بيد أن ثمة اتهامات واسعة ترجح أن مكتب الرئيس هو الذي خطط وقاد عملية التصويت داخل البرلمان.
وقد وقع “فيرماجو” على تمديد التفويض المتنازع عليه ليصبح قانوناً يسمح له بالبقاء في السلطة، على الرغم من أن القرار لم يعرض على مجلس الشيوخ، وهو أمر مطلوب عادةً، وهو ما دفع رئيس مجلس الشيوخ “عبدي حاشي عبد الله” إلى انتقاد هذه الخطوة ووصفها بأنها غير دستورية، وأنها ستقود البلاد إلى عدم استقرار سياسي وتشكل مخاطر أمنية.
ويعكس قرار البرلمان الصومالي مؤشرات حول تفاقم الأزمة السياسية، وقد يصل بالبلاد إلى حرب أهلية، فالفترة المقبلة يتوقع أن تشهد تطورات خطيرة على الأرض، وربما يتم فرض حصارا اقتصاديا على الولايات المعارضة الكبرى مثل جوبالاند وبونتلاند بحجة التمرد على نظام الحكم الاتحادي في البلاد، لأنهما يمثلان العقبة الكبرى أمام الحكم في مقديشيو. من ناحية أخرى، تتجه معارضة الداخل للحشد في مقديشيو، وقد أشارت بعض المصادر المحلية أن هناك انقسام داخل الجيش حسب توجهات القبائل المكونة له، ومن ثم يبدو أن المرحلة القادمة سوف تشهد الكثير من الفوضى والاضطرابات.
قلق دولي وأممي:
ورداً على هذه الخطوة، انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية، تمديد مجلس الشيوخ الصومالي، ولاية الرئيس “محمد عبد الله فرماجو” والبرلمان لمدة عامين، مهددة بفرض عقوبات على فرماجو وحلفائه، وأصدرت الخارجية الأمريكية بيانا أعلنت فيه أن التمديد يجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم العلاقات الثنائية مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، والنظر في جميع الأدوات المتاحة، بما في ذلك العقوبات والقيود المفروضة على التأشيرات للرد على الجهود الرامية لتقويض السلام والاستقرار.
وأضاف البيان، أن واشنطن تشعر بخيبة أمل شديدة من قرار الحكومة الفيدرالية الصومالية بالموافقة على مشروع قانون يمدد تفويض الرئيس والبرلمان لمدة عامين، وأشار إلى أن مثل هذه الإجراءات قد تكون مثيرة للانقسام بشدة، وتقوض عملية الإصلاحات السياسية وتصرف الانتباه عن مواجهة حركة الشباب ويؤدي لتأخير إجراء الانتخابات. وفي تأكيد للرسالة الأمريكية، أعلن مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” أن المجتمع الدولي لن يقبل بأي حال من الأحوال تمديدًا أحادي الجانب. بينما أعلنت بريطانيا أن هذه الخطوة تقوض مصداقية القيادة الصومالية، وهددت لندن بالعمل مع الشركاء الدوليين لإعادة تقييم علاقاتها وطبيعة مساعداتها للصومال.
ثمة قلق دولي وأممي متصاعد إزاء الأوضاع الحرجة التي تعاني منها الصومال، وتمثل الخطوة الأخيرة التي أقدم عليها الرئيس الصومالي هي السيناريو الأسوأ بالنسبة للشركاء الدوليين والأمم المتحدة، بعد سنوات من الجهود والأموال التي تم إنفاقها لتحقيق الاستقرار في الصومال، وهو ما تجسد في البيانات الصادرة عن أربع المنظمات الدولية (الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)) في الـ9 من أبريل الجاري، والتي طالبت الأطراف الصومالية بضرورة التوصل إلى توافقات تفضي إلى إجراء انتخابات سريعة، وضمان عدم اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض استقرار الصومال. وفي 31 مارس الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي السلطات الصومالية إلى الخروج من الطريق المسدود المرتبط بالعملية الانتخابية، مطالباً مقديشيو بالإسراع في إجراء انتخابات تشمل الجميع في أقرب وقت ممكن.
وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” قادة الصومال الفيدراليين وقادة ولاياتها لتنحية الأهداف السياسية الضيّقة جانبا، وتحمّل مسؤولياتهم تجاه الشعب الصومالي، والاتفاق على إجراء انتخابات شفافة وشاملة للجميع فورا. وردا على هذه القرارات بعثت وزارة الخارجية الصومالية خطابا إلى الأمم المتحدة ولمجلس الأمن تحذر من مغبة التدخل في شؤونها الداخلية، واعتبرت الخارجية الصومالية أن أي تدخل في عملية الانتخابات الوطنية من قبل جهات خارجية، يعد تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية للصومال وانتهاكا لقرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدولية والقوانين، وهو ما يعكس توجهات الرئيس فرماجو الساعية إلى مواجهة المجتمع الدولي للاستمرار في السلطة. وربما يسعى فيرماجو إلى استغلال حالة التنافس الشديدة التي يشهدها النظام الدولي في الوقت الراهن بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا والصين من ناحية، والتي تمثل منطقة القرن الإفريقي أحد أهم ساحات هذا التنافس، ومن ثم قد يلوح “فيرماجو” بورقة التقارب مع بكين وموسكو لتجنب الضغط الأمريكي الذي يدفع نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية عاجلة.
فشل توافقات الانتخابات:
وفي إطار الضغط الدولي والأممي على الحكومة الصومالية من أجل استئناف المحادثات بين الأطراف الصومالية المختلفة للتوصل إلى توافقات بشأن القضايا الخلافية، أعلن الرئيس الصومالي “عبد الله فيرماجو” عن دعوة كافة الأطراف إلى اجتماع حاسم في مطلع أبريل الجاري، وهذه هي المرة الرابعة من نوعها هذا العام التي يستدعي فيها الرئيس القوى الصومالية المختلفة، وكانت الاجتماعات السابقة قد انتهت عند تحديد جدول الأعمال.
وقد وجه “فيرماجو” الدعوة إلى رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس في الصومال لحضور الاجتماع الحاسم، فضلاً عن رئيس الوزراء “محمد حسين روبلي”، وقد انعقد الاجتماع في الـ3 من أبريل الجاري في مجمع “حلني الدبلوماسي” داخل مطار مقديشو الدولي، وذلك برعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والأوروبي، إلى جانب سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا، بيد أنه ما لبث أن أعلن وزير الإعلام الصومالي -بعد ثلاثة أيام من المشاورات- عن فشل المحادثات في التوصل إلى أي اتفاق من شأنه ينهي الخلافات القائمة ويمهد الطريق أمام إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وشهدت الأيام التالية لفشل المحادثات الأخيرة بين الحكومة الفيدرالية وقوى المعارضة تبادل للاتهامات بين الأطراف المختلفة، حيث حمل كل طرف مسئولية فشل المحادثات للطرف الآخر، وفي أعقاب الإعلان عن فشل المباحثات الأخيرة بين القوى الصومالية، أطلق المجتمع الدولي مبادرة لإنقاذ المشاورات الرامية للتوصل إلى اتفاق حول أجندة المؤتمر التشاوري المقبل، وهو ما تجسد في تحركات المبعوث الأممي للصومال “جيمس سوان” واللقاءات التي عقدها مؤخراً مع رؤساء الولايات الفيدرالية.
سيناريوهات محتملة:
امتدت الخلافات والانقسامات الخاصة بأزمة التمديد للرئيس الصومالي “محمد عبدالله فرماجو” إلى الأجهزة الأمنية في الصومال، بعد إقدام قائد شرطة مقديشو على تعليق أشغال البرلمان قبيل استئنافها في 12 أبريل الجاري لتمديد ولاية الرئيس، وقال قائد شرطة مقديشو الجنرال “صادق عمر حسن” عبر تلفزيون محلي إنه منع عقد الجلسة البرلمانية، وذلك قبيل صدور قرار بإقالته من منصبه، وأضاف أن شرطة مقديشو لن تكون طرفا في الخلافات السياسية، ولن تقبل بأي تمديد لولاية ثانية للمؤسسات الدستورية والتشريعية، وسعت الجهات الحكومية إلى إرسال تهديدات مباشرة لأي جهة “تحاول إثارة الفوضى والاضطرابات” بعد إقالة قائد الشرطة، وسلطت العملية الضوء على حالة الفوضى في البلد، الذي لا يزال يعاني من وضع اقتصادي صعب وهجمات إرهابية تقودها حركة الشباب المتطرفة، وانقسامات سياسية عميقة.
وتجدر الإشارة إلى أن الانقسامات والاصطفاف السياسي في صفوف الأجهزة الأمنية والجيش حول التمديد لولاية الرئيس قد عززت من مخاوف اندلاع أعمال عنف أوسع، فقد أطلق رئيس كتلة المرشحين في سباق الرئاسة “شيخ شريف شيخ أحمد” تحذيرات من دخول القيادات الأمنية في الخلافات السياسية المتفاقمة في البلاد، ودعا القيادات الأمنية إلى الابتعاد عن الخلافات السياسية وعدم الانصياع إلى أوامر الحكومة التي انتهت ولايتها، حتى لا يكونوا طرفا في عرقلة مسيرة الدولة الصومالية.
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى 3 سيناريوهات رئيسية محتملة بشأن مآلات الوضع السياسي في الصومال، على النحو التالي:
السيناريو الأول، العودة إلى طاولة الحوار مجددا بضغوط دولية: فثمة انخراط دولي وإقليمي متزايد فيما يتعلق بالأزمة الصومالية، ويرجح أن تتصاعد وتيرة الزخم الدولي في الملف الصومالي بعد الإعلان عن تمديد ولاية الرئيس “فيرماجو”، وربما تتجسد بعض المؤشرات الأولية التي تدعم ذلك في إعلان وزارة الخارجية الأمريكية والذي حمل تهديدات للحكومة الفيدرالية، ومن ثم ربما يؤدي الضغط الدولي -والذي قد يصل حد التلويح بفرض عقوبات على حكومة الرئيس فيرماجو- إلى العودة إلى المفاوضات، بيد أن هذا السيناريو يبدو اقل ترجيحاً، فثمة دلالات تعكس وجود دعم من قبل بعض الفواعل الإقليمية والدولية لموقف الرئيس الصومالي.
السيناريو الثاني، تمسك فرماجو بتمديد فترته الرئاسية عبر البرلمان: وهو السيناريو الذي يبقى الأكثر ترجيحاً في ظل المعطيات الراهنة، فعلى الرغم مما سيترتب على هذا المسار من انقسام داخل البرلمان بسبب الحضور القوي للمعارضة داخل المجالس التشريعية، فضلاً عن احتمالات دخول البلاد في حرب أهلية بسبب رفض المعارضة لهذه الخطوة، فضلاً عن العقوبات المحتملة من قبل الفواعل الدولية، خاصة الولايات المتحدة)، لكن ربما تعزز محدودية الخيارات أمام المعارضة، وضعف قوتها أمام الحكومة المركزية من هيمنة فيرماجو على المشهد الداخلي بالقوة، خاصةً في ظل وجود قوى دولية وإقليمية تدعم استمراره في الحكم للحفاظ على مصالحها، وهو ما يمثل عامل محفز آخر للرئيس الصومالي وربما يخفف من وطأة أي عقوبات دولية محتملة.
السيناريو الثالث، توجه البلاد نحو مجلس انتقالي وطني تحت رعاية دولية: وهنا يقودها حتى إجراء انتخابات توافقية ونزيهة: يبقى هذا السيناريو مطروحاً، فربما يتمخض عن الضغط الدولي على الحكومة الصومالية إلى بعض إعادة بلورة المشهد من خلال بعض التنازلات التي يتمخض عنها تشكيل مجلس انتقالي، لكن تبقى احتمالات هذا السيناريو محدودة نظراً لما ينطوي عليه من تقليص فرص إعادة انتخاب الرئيس فيرماجو لفترة جديدة.
في النهاية، تشهد الصومال نقطة فاصلة، ربما تعزز من سيطرة الحكومة المركزية أو تعيد الصومال إلى مستنقع الحرب الأهلية من جديد، وفي هذه الإطار لا يمكن استئصال حالة الصومال بعيداً عن السياق الإقليمي المحيط، والحراك الذي تشهده منطقة القرن الإفريقي والتي بدأت تفرز تحالفات جديدة يضم بعضها كل من الصومال وإثيوبيا واريتريا. بالتالي يبدو أن الفترة المقبلة سوف تشهد تصعيداً من قبل الحكومة الصومالية ضد الولايات والقوى المعارضة لحكومة الرئيس فيرماجو، خاصة في ظل وجود بعض الفواعل الإقليمية والدولية التي تدعم الاضطرابات في تلك المنطقة الأفريقية باعتبارها تعزز مصالحها وحضورها في القرن الإفريقي.
د عدنان لم يشر المقال الرائع الي اسباب اقتصار الإدانة علي الولايات المتحدة فقط وعدم صدور ردود أفعال من القوي العربية والإقليمية .