طرق تدمير إدارة الخصم وضرب معنوياته.. في “وسائل وأساليب الحرب النفسية وآليات مواجهتها”.. (عرض كتاب)

صـــدر مؤخـــرًا عـــن دار جامعة نايف للنشـــر كتاب «وســـائل وأســـاليب الحرب النفســـية وآليـــات مواجهتهـــا» مـــن تأليـــف د .محمد بـــدرت بديـــر (ويحمل درجـــة الدكتـــوراه فـــي العلـــوم الشـــرطية وإدارة الأزمـــات، ولـــه مشـــاركات عديدة في مجـــالات البحـــث العلمـــي والتدريب). ويقـــع الكتـــاب في 237 صفحـــة من الحجم المتوسط.
وقـــد أكـــد المؤلـــف أهمية هـــذه الدراســـة لأنهـــا تبـــرز الخطـــورة التي باتت تشـــكلها الحرب النفســـية المتمثلة في أنها تعتمد على أســـلوب دس الســـم في العســـل؛ أي أنهـــا تظهـــر مـــا لا تبطـــن، وأنهـــا تمـــارس تأثيراتهـــا الخبيثة والضـــارة وهي متخفية، حيـــث إنها تتســـتر وراء شـــائعة أو قصة أو حادثة أو خبر أو رواية أو مســـرحية، أو حتى موقعة عســـكرية.
وأكـــد المؤلـــف أن الحـــرب النفســـية هـــي أشـــد ضـــراوة مـــن الحـــرب العســـكرية؛ لأن الإنسان يـــدرك الحـــرب العســـكرية ويعي خطرهـــا، ويمكـــن لـــه أن يتخـــذ الســـبل اللازمة للوقايـــة منها، أما الحرب النفســـية ولأنها تســـتخدم كثيـــرًا مـــن الحيـــل، وترتـــدي الأقنعـــة لتتســـلل إلـــى النفـــس البشـــرية دون أن يـــدرك الفـــرد أخطارهـــا فهي أشـــد خطـــرًا وفتكًا فـــي المجتمعات مـــن غيرها مـــن الحـــروب.
وجـــاء تعريـــف «الحـــرب النفســـية» فـــي الدراســـة بأنـــه «التخطيـــط الدقيـــق والممنهـــج مـــن جانـــب دولـــة أو مجموعـــة دول ـفـــي وقـــت الحـــرب أو الســـلمـ بقصد التأثير على ســـلوك واتجاهات وآراء وأفكار وعقائـــد ومعتقـــدات مجموعة من البشـــرـ وذلـــك مـــن خـــلال مخاطبـــة العقـــول والمشـــاعر والعواطـــف؛ لتحقيـــق سياســـة الدول أو الدول المســـتخدمة لهـــا ولأهدافهـــا»، مؤكـــدًا أن الحـــرب النفســـية ما هي إلا فرض أيديولوجيات وأفـــكار ومعتقـــدات ونظـــم سياســـية واقتصاديـــة مـــن جانب طـــرف على آخر أو عـــدة أطـــراف، فـــي حيـــن أن الحـــرب العســـكرية هـــي فـــرض إرادة طـــرف علـــى آخر ســـواء بالاحتلال أو بالإخضاع العســـكري، وفـــي كلتـــا الحالتيـــن فإن الحـــرب ســـواء أكانـــت العســـكرية أم النفســـية فإنهـــا تهـــدف إلـــى إخضـــاع وإضعـــاف الطـــرف الآخـــر.
وقد هدفت هذه الدراسة إلى ما يلي:
- إبـــراز مفهـــوم الحـــرب النفســـية، والتمييـــز بينهـــا وبيـــن حـــرب المعلومـــات وحـــروب الجيـــل الرابـــع.
- إلقـــاء الضـــوء على أســـلوب الدعاية ودوره فـــي الســـيطرة على ســـلوك الخصـــم واتجاهاته.
- بيان ما يحدث للمجتمع من تشـــتت واضطرابات جراء مـــا تثيره الفوضى الهدامـــة وتفتعلـــه الأزمـــات كأحـــد أســـاليب الحرب النفسية.
- إظهـــار الـــدور الـــذي يؤديـــه غســـل الدمـــاغ في إعادة تشـــكيل التفكير وتطويـــع الأفـــكار وتغييـــر القناعات الـــرأي والمعتقـــدات.
- الوقوف على أهم الأوراق الماســـونية التي تســـيطر وتتحكم فـــي العقل والتفكير.
- تســـليط الضـــوء علـــى مـــا يثيـــره أســـلوب تمزيـــق الوحـــدة الوطنيـــة مـــن فتـــن وصراعـــات بيـــن الطوائف والأحـــزاب والملـــل والفـــرق المتعدة؛ لإدخـــال الـــدول المســـتهدفة فـــي دوامـــة من العنـــف والفوضى وعدم الاســـتقرار.
- إيضـــاح أهـــم الإجـــراءات الاقتصاديـــة التـــي تهـــدف إلـــى إرغـــام الخصـــم علـــى تبديـــل مواقفـــه السياســـية لكـــي تتفـــق واتجاهـــات الدولة التي تمـــارس أســـلوب الضغـــط الاقتصـــادي.
- إبـــراز قـــوة تأثيـــر الشـــائعة فـــي المعنويـــات وقدرتهـــا الهائلـــة على الانتشـــار والتـــداول والوصـــول إلـــى أكبـــر عـــدد مـــن الأفـــراد والجماعـــات عبـــر مســـافات طويلـــة.
- بيـــان آليـــات التحـــدي والصمـــود في مواجهـــة الحـــرب النفســـية، وإيضاح كيفيـــة تصديرهـــا إلـــى الخصـــم وتحطيـــم معنوياتـــه وتجريـــده مـــن إرادتـــه، وتأكيـــد رغبتـــه فـــي الاستسلام.
وقـــد أكـــدت الدراســـة أنـــه علـــى الرغم مـــن حداثة اســـتخدام مصطلح «الحرب النفســـية» إلا أنـــه قـــد تـــم اللجـــوء إليه منـــذ أقـــدم العصـــور؛ إذ أشـــارت إلى أن المخطـــط العســـكري الصينـــي «صـــن تـــزو» قـــد كتـــب فـــي القـــرن الخامـــس قبـــل الميلاد كتابـــه الشـــهير «فـــن الحـــرب» الـــذي أوضـــح فيـــه الأهمية الحقيقيـــة لتدميـــر إرادة وعزيمة العدو على القتـــال دون أن يخوض أي معركة قتاليـــة، وذلـــك عندمـــا قـــال: «إن أعظم درجـــات المهـــارة هي تحطيـــم مقاومة العدو قبـــل القتال» وأيضــاً حينما قال: «إن كل الحـــروب تقـــوم علـــى الخـــداع، ولهـــذا عندمـــا تكـــون قـــادرًا علـــى الهجـــوم، ينبغـــي أن تتظاهر بأنك غير قـــادر، وحينمـــا تقتـــرب اجعـــل عـــدوك يؤمـــن بأنـــك بعيـــد، وحينمـــا تكـــون بعيدًا اجعله يشـــعر بأنـــك قريب، أوجد اضطرابـــات عنـــد العـــدو واســـحقه».
قد جاءت الدراسة في خمسة فصول:
تنـــاول الفصـــل الأول الإطـــار النظـــري للدراســـة، وأهدافهـــا، وأهميتهـــا، وتســـاؤلاتها، ومنهجها، وتنـــاول الفصل الثانـــي ماهيـــة الحـــرب النفســـية: نشـــأتها، ومفهومهـــا، وخصائصهـــا، وأهدافهـــا وعلاقتها بحـــرب المعلومات، فيمـــا عـــرض الفصـــل الثالـــث وســـائل وأســـاليب الحـــرب النفســـية القائمـــة على: الدعايـــة، وإثارة الفوضـــى وافتعال الأزمـــات، وتزييـــف الوعـــي والتحـــولات العقائديـــة، الحـــرب الإعلاميـــة، والحـــرب الاقتصاديـــة، واســـتعرض الفصـــل الرابـــع مواجهـــة الحـــرب النفســـية بدءًا مـــن تقويـــة الجبهـــة الداخليـــة وتنمية الثقـــة بالنفـــس، ومـــرورًا بتفعيـــل الاتصـــال الجماهيـــري، والنهـــوض بالوعـــي المجتمعـــي، ونشـــر وســـطية الديـــن الإسلامي، وتحقيـــق الريادة في السياســـة الخارجية، والدعاية المضادة ودحـــض الشـــائعات الهدامـــة، وانتهاءً بتوجيـــه ضربـــات نفســـية ومعنويـــة للعـــدو.
وفـــي الفصـــل الخامس عـــرض الباحث خلاصـــة الدراســـة وتوصياتهـــا التـــي جـــاءت على شـــكل خطة اســـتراتيجية يمكـــن أن تســـهم فـــي إجهـــاض حمـــلات الحـــرب النفســـية والمعنويـــة التـــي تســـتهدف اســـتقرار الأمتيـــن العربيـــة والإســـلامية وكياناتهـــا ومقدراتهـــا، وقســـمها الباحـــث إلـــى اثنـــي عشـــر محـــورًا هـــي: المحـــور التعليمـــي، المحـــور الإعلامـــي، المحـــور الدينـــي، المحور الاســـتخباراتي، المحور الاســـتراتيجي، المحـــور الدبلوماســـي، المحـــور التشـــريعي، المحـــور الأمنـــي، المحـــور المجتمعـــي، المحـــور الرياضي والترويجـــي، المحـــور الثقافـــي، المحور الأســـري، وقـــد خـــص كل محـــور مـــن هـــذه المحـــاور بعـــدد مـــن التوصيـــات العلميـــة والعمليـــة التي يمكـــن الأخذ بهـــا لإجهاض حمـــلات الحرب النفســـية والمعنوية التي تســـتهدف أبناء الأمة، والتـــي تســـعى إلـــى تحقيـــق الأهـــداف المرجـــوة مـــن الدراســـة.