تحركات مدروسة: ماذا تحقق مصر من مشروع المشرق الجديد؟
لا يزال مشروع المشرق الجديد أو الشام الجديد كما تسميه بعض المصادر يلقي بظلاله على اهتمامات الباحثين المهتمين ليس فقط بالشئون العربية والإقليمية، بل كذلك المهتمين بمستقبل الشرق الأوسط، فهذا المشروع الواعد نواة مهمة وقاعدة إنطلاق نحو إعادة ترتيب الأوضاع في جزء مهم من المنطقة العربية، وكان هناك بالفعل ترقب للقمة التي كان مقرراً أن تحتضنها العاصمة العراقية، بغداد في السابع والعشرين من شهر مارس 2021 الماضي ، إلا أنه تقرر تأجيلها حتى إشعار آخر؛ بسبب وقوع حادث في قناة السويس استحوذ على اهتمامات القيادة المصرية بشكل كبير، لأهميته الكبرى. ويتوقع خلال الفترة القادمة ان يتم الترتيب لعقد هذه القمة بين زعماء الدول الثلاث. فما هي الأهداف الاستراتيجية لهذا المشروع، وما هي حدود رؤية كل دولة من الدول الأعضاء، وما هي الفرص والتحديات الماثلة أمام هذا المشروع الواعد، وأخيراً ما الذي يمكن أن تجنيه مصر من هذا المشروع ؟
الأهداف الاستراتيجية للمشروع:
لقد جاء هذا المشروع الوحدوى العربي فى إطار محاولة ثلاثية عربية جادة وحثيثة من أجل إعادة التوازن إلى المنطقة العربية فى ظل أزمات وخلافات وتحديات غير مسبوقة ووجود مشروعات إمبريالية توسعية بانت أطماعها فى الدول العربية وتجلت بوضوح، تتزعمها كل من تركيا وإيران، بهدف السيطرة على مقدرات المنطقة العربية، والعبث بها تحقيقا لمصالح هاتين الدولتين وسعيا منهما لهيمنة تركية إيرانية، استغلالاً لحالة الضعف والوهن التى يعانيها الجسد السياسي العربى، وانكفاء بعض الدول العربية على مشكلاتها الداخلية، الأمر الذى أتاح للقوى الإقليمية تقديم بدائل الهيمنة وفرض السيطرة من وجهة نظرهما للاستحواذ على ثروات ومقدرات العالم العربى، والعصف باستقرار المنطقة. ويمكننا القول أنه رغم الأجواء العربية الملتهبة والمشحونة بالتوترات والانقسامات.
ويُنظر إلى مشروع المشرق الجديد، على أنه نواة أولية لتجمع عربى أكبر وأكثر اتساعاً يتيح تدفقات رأس المال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاث على نحو أكثر حرية، وبما يحقق التكامل والتعاون الاقتصادى بين هذه الدول كبداية لتعاون عربى أشمل وأوسع، يحمل بين طياته تجربة تعاونية عربية تستحق الإشادة والتقدير. كما يمثل المشروع كذلك مجالا رحبا لتنسيق اقتصادي بين أعضائه الثلاث، يهدف إلى جذب المشاريع الاستثمارية وتأسيس شراكات تجارية متبادلة، خاصة في ظل التهاوي الاقتصادي الذي تعيشه دول المنطقة بسبب جائحة كورونا .
هناك ملفات كثيرة يتطلع مؤسسو المشروع إلى انجازها أبرزها تفعيل اتفاقيات بين الأردن والعراق، تتعلق بإنشاء خط أنبوب تصدير النفط العراقي (البصرة ــ العقبة) لسد حاجة المملكة الداخلية من استهلاك الوقود، خاصة لمحطات الكهرباء ، فيما تسعى مصر إلى إبرام اتفاقيات تجارية مع العراق للتصدير، و دخول الشركات المصرية إلى المجال الاقتصادى بالعراق، بهدف الاستثمار هناك مع التركيز على مناقشة ملف التبادل التجاري بين مصر العراق عبر ميناء نويبع المصري باتجاه العقبة ثم العراق، والتبادل التجاري الأردني العراقي. وعموما تستهدف الدول الثلاث الاستفادة من المزايا الاقتصادية والجغرافية التي تملكها كل منها، ودمج المصالح الاقتصادية لها بالشكل الذي يعود بالنفع على اقتصاداتها، وكذا نقل القدرات والفعالية التى يتسم بها الاقتصاد العراقي إلى البحر الأحمر والبحر المتوسط، بعيداً عن الخليج العربي ومضيق هرمز الواقعين تحت سيطرة إيران؛ الأمر الذي يعزز أوراق القوة العراقية مقابل إيران، هذا بالإضافة لتطوير التنسيق السياسي والأمني بين الدول الأعضاء على نحو يخدم أهداف كل طرف.
رؤية مصر للمشروع:
لاقت فكرة مشروع المشرق الجديد ترحيبا واسعا من القيادة السياسية المصرية، فى تعبير واضح عن تطلعات الرئيس عبدالفتاح السيسى لتقديم تجربة مصر وخبرتها فى جميع المجالات إلى الأشقاء فى الأردن والعراق، الأمر الذى يعني توافر الجاهزية والاستعداد من قبل الحكومة المصرية لإقامة مشروعات تنموية مشتركة مع أعضاء المشرق الجديد، يتم تنفيذها وفقا لجدول زمنى محكم، على أن يكون لها مردود مباشر وسريع على عملية التنمية والحياة المعيشية للشعوب الدول الثلاث، فضلا عن تعزيز اتجاهات التعاون على المستويين السياسى والأمنى. ولقد تركزت المشروعات المزمع العمل بها حول مشروعات اقتصادية تتعلق بالطاقة، والربط الكهربائى، والبنية الأساسية والغذاء.
من المنتظر أن تشرع مصر في جني ثمار المشرق الجديد ابتداء من خط أنبوب نفطي تقرر له أن ينطلق من ميناء البصرة جنوب العراق وصولا إلى ميناء العقبة في الأردن، ومن ثم إلى مصر، حيث يحصل الأردن منه على النفط العراقي بسعر أقل من سعر السوق الدولي، فضلاً عن رسوم العبور، وتستفيد مصر من عملية تكرير جزء من هذا النفط العراقي على أراضيها، كما يستورد العراق الكهرباء من مصر، هذا ناهيكم عن استفادة العراق من الخبرات والكوادر المصرية في عملية إعادة الإعمار، وهى فائدة مزدوجة للبلدين العراق ومصر، حيث تستفيد العراق الخبرات وتدريب كوادر عراقية بأياد مصرية، وتستفيد مصر من تشغيل وتوظيف طاقتها البشرية من أصحاب الخبرة فى إعادة الإعمار، كما سيتم تصدير السلع من الأردن ومصر إلى العراق. الأمر الذى يعنى أن أبرز القطاعات المستفيدة من التحالف الجديد فى مصر هى، البترول، والكهرباء، والتشييد والبناء.
الرؤية العراقية للمشروع:
لم تكن الإرادة السياسية العراقية إلا مكملة للإرادة السياسية المصرية على طريق إنجاح المشروع التعاوني الوليد، فرئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى، كشف عن رغبة بلاده فى تكثيف وتوسيع دائرة التعاون مع الأشقاء العرب عبر بوابة التعاون الثلاثى المصرى، العراقى، الأردنى، مع التركيز على دعم العلاقة مع دول الخليج العربى. فضلا عن ذلك فقد تطلع الكاظمي إلى ارساء دعائم حرية أكبر لحركة رأس المال، والتكنولوجيا بين الدول الثلاث. هذه الرؤية تعنى بما لا يدع مجالا للشك ضرورة الاتجاه نحو إزالة الحواجز والقيود أمام حرية تدفق رءوس الأموال بين الدول الثلاث لتعميق التعاون الاقتصادى فى مختلف المجالات، وتبادل الخبرات التكنولوجية.
رؤية المملكة الأردنية الهاشمية:
يؤكد ملك الأردن على قضية الأمن الغذائى بين الدول الثلاث، باعتبارها أحدى الأولويات الرئيسية، كونها تمس حياة المواطن العربي ليس فى دول المشرق الجديد المؤسيين فحسب ولكن أيضا المواطن العربي فى عموم البلاد العربية، مما يستدعى توحيد الجهود وتبادل الخبرات لتفادى تلك الأزمة. وتحرص القيادة السياسة الاردنية على تأكيد رفضها المستمر للتدخلات غير المسئولة من جانب بعض دول الجوار الإقليمى فى الشئون الداخلية للدول العربية فى إشارة واضحة لما يحدث فى ليبيا وسوريا ولبنان خاصة فيما يتعلق بدور تركيا وإيران وغيرهما ممن يحاولون العبث بالمقدرات العربية، وتشجيع الفوضى وعدم الاستقرار فى تلك المنطقة، مما يقتضى معه بل ويفرض، ضرورة التنسيق الوثيق والعمل المشترك بين الدول الثلاث.
الفرص والتحديات المتوقعة:
نتطرق أولاً للفرص المتاحة للنجاح، وذلك على النحو التالي:
(*) توافر الإرادة السياسية. غنى عن البيان أن كل من مصر والعراق والأردن لديهم الإرادة الحقيقية للمضي قدما بمشروع وحدتهم الاقتصادية والمأمول لها أن تأخذ أبعادا سياسية وأمنية فى المستقبل المنظور، وجميعهم يتمتع بأهمية كبيرة فى نطاق المشروع، ويبذل كل البذل فى سبيل انجاحه وحصاد ثماره.
(*) الدعم الأمريكي للمشروع. هناك دعم أمريكي واضح للمشروع؛ حيث تنظر الولايات المتحدة للمشروع ضمن استراتيجية محاصرة إيران وتفكيك هيمنتها على العراق، وترغب الإدارة الأمريكية في تحويل العراق باتجاه مصر والأردن، وقد سبق أن ضغطت إدارة ترمب على رئيس الوزراء العراقي خلال زيارته الأخيرة لواشنطن من أجل الإسراع في مشروع ربط شبكة الكهرباء بمصر والأردن. أما التحديات التي تواجه المشروع فيمكن حصر أهمها على النحو التالي:
(&) الوضع الداخلي غير المستقر في العراق. هناك انقسام عراقي بين مؤيد للتحالف مع إيران ومؤيد لعودة العراق إلى أسرته العربية، وبالتالي فالتحديات التى تواجه العراق وبالتبعية تواجه مشروع الوحدة ذاته، فهناك قوى سياسية عراقية تنظر للمشروع على انه اصطفاف ضمن لعبة المحاور الإقليمية، وهنا من غير المستبعد لجوء أنصار إيران في البرلمان العراقي والكتل الحزبية إلى تفعيل التمسك بهذا المبدأ من أجل رفض التحالف، حيث سارع عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، وهو نائب عن كتلة “الفتح” ذات الصلة بإيران بقيادة هادي العامري، إلى التقليل من أهمية قمة عمّان، فقد جاء على لسانه إنه “لا يمكن الالتزام بأي تعهد خلال القمة الثلاثية ما لم تتم المصادقة عليه في البرلمان”. كما طالب الحكومة بإرسال محاضر جميع مذكرات التفاهم والاتفاقيات إلى البرلمان من أجل الاطلاع عليها وتحديد موعد للتصويت بشأنه.
(&) محاولة عرقلة المشروع من القوى الإقليمية. هناك مساعي من بعض الأطراف الإقليمية والدولية المتضررة من مشروع المشرق الجديد بتحريك أدواتها في العراق لعرقلة أعمال ومجريات التحالف الثلاثي، والأمر هنا ليس مقصورا على إيران، فتركيا هي الأخرى ستنظر إلى التحالف من منظار العداء مع مصر وترفض منح مصر موطئ قدم في العراق.
ملامح المشروع على أرض الواقع:
هناك مشاريع مشتركة على الأرض بين هذه الدول الثلاث وفي مقدمتها شركة الجسر العربي في العقبة وهي شراكة ( أردنية مصرية عراقية ) إضافة الى شركة فجر الأردنية المصرية للغاز في العقبة أيضا، إضافة لمشروع الربط الكهربائي بين مصر والاردن وسوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومؤخرا كانت هناك اتفاقات بين الاردن والعراق حول تصدير فائض الطاقة الكهربائية، ويمكن القول بأن قمة عمان الأخيرة بين الدول الثلاث، تعد مؤشراً على جدية البلدان الثلاث على السير قدماً بالتحالف، وهذا ما وضح من خلال تدشين أمانة عامة دائمة للمشروع للعمل على التنسيق حول ملفات التعاون الثلاثي، إذ ستكون مهمة تلك الأمانة العامة، تنفيذ ومتابعة ما جرى الاتفاق عليه بين البلدان الثلاثة، وذلك في محاولة لتجنُّب فشل التجارب العربية السابقة التي لم يستطع القائمون عليها نقلها من مرحبة البيانات والشعارات إلى مرحلة التنفيذ والتطبيق على الأرض. وقد تقرر أن يكون مقرها في السنة الأولى عمّان لتنتقل في كل عام تباعاً بين عواصم الدول الثلاث.
وفي الختام، يجب التأكيد فى هذا المقام على أن موقع دول المشرق الجديد الجيوسياسي الممتد بين قارتي آسيا وإفريقيا والمتاخم لبؤر سياسية ملتهبة، يزيد من قوة وأهمية هذا التحالف الثلاثي، فكل دولة تتمتع بمميزات تضيف قوة إلى التعاون السياسي والتكامل الاقتصادي، فمصر تمثل ثقل وقوة سكانية هي الأكبر عربيا، والعراق واحدة من أهم دول أوبيك وتعد إحدى البلدان التى تملك أكبر احتياطات من النفط في العالم، وفيما يخص الأردن، فهو رغم صغر حجمه السكاني والاقتصادي إلا أنه يتمتع بثقله ووزنه السياسي في القضية الفلسطينية ومواجهة الإرهاب والسلام والوئام في المنطقة وملف اللاجئين وغير ذلك، إضافة إلى الطاقات البشرية المدربة بها، علاوة على موقعها -أى الأردن- كبوابة اقتصادية للسوق الخليجية، كما أن العراق بوابة لأسواق غرب آسيا، ومصر بوابة للسوق الإفريقية، وغيرها من المميزات تزيد من أهمية التعاون السياسي والتكامل الاقتصادي والتجاري بين هذه الدول سواء تحت مسمى ” مشروع المشرق الجديد” أو أي مسميات أخرى، فالعبرة بالنتائج والحصاد المنتظر وليست بالمسميات.