دلالات واحتمالات: لماذا يتجدد الصراع بين “القاعدة” و”داعش” في سوريا؟

في السابع والعشرين من مارس المنتهى، وقعت اشتباكات في بلدة أطمة الحدودية الواقعة بشمال إدلب السورية بين عناصر تابعة “لهيئة تحرير الشام”، فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، وعناصر تابعة لتنظيم “داعش”- أسفر عنه سقوط قتلى، وذلك بعد توقف لأعمال العنف على الساحة السورية بين التنظيمين دام أكثر من عام ونصف تقريباً.

 تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن تجدد الاشتباك بين التنظيمين في هذا التوقيت بعد توقفه لفترة طويلة، يطرح العديد من الأسئلة، لعل أهمها: ما هي أسباب تجدد الصراع من وقت لأخر بين هذين التنظيمين الإرهابيين؟، وما هو مستقبل وحدود الصراع بينهما، خاصة فيما يتعلق بالتمويل والدعم والتجنيد؟، وإلى أي مدى يؤثر الصراع على الخلايا الوسطى والدنيا داخلهما؟.

صراع منهجى:

بحسب تقرير عن مستقبل التشدد الأصولي نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية، فإن أولى شرارات الخلاف والتوبيخ بين التنظيمين بدأت من جانب أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم “القاعدة” الإرهابى، الذى وصف تنظيم “داعش” في مناسبات مختلفة بالانحراف عن أيديولوجية ومنهجية “القاعدة”، الذى يعد التنظيم الأم لكل التنظيمات الإرهابية. فقد بعث أيمن الظواهري برسالة إلى أبو مصعب الزرقاوى، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، يأخذ عليه أعمال العنف تجاه الشيعة في العراق، لكن الزرقاوى تجاهل الرسالة مواصلا في وقتها رفع حدة أعمال العنف ضد الشيعة، ومن المعروف أن القاعدة الأم تفرق بين عوام الشيعة وقادتهم، فترى وجوب قتال قادة الشيعة، في حين تستثنى عوام الشيعة من القتال بعتبارهم مقلدين وليسوا مبتدعين.

نتيجة لما سبق؛ بدأت أولى شرارات الخلاف الذي تطور إلى الإنفصال عن التنظيم تحت لواء “داعش” عام 2005، والواقع أن الخلاف بين القاعدة وداعش فيما بعد كان خلاف حول الاستهداف والمنهجية، ففي حين ترى القاعدة استهداف العدو البعيد متمثلا في الغرب، وصولا لتحقيق أقامة الشريعة وفقا لرؤيتهم، ترى داعش بضرورة قتال العدو القريب، وتتخذ من تمركزها في مناطق من الدول العربية، واستهداف مسلمين من طوائف مختلفة -الشيعة والصوفية- فريضة دينية ومنهج، تنطلق منه لتحقيق إقامة الخلافة الإسلامية وسيادة العالم وفقا لتصوراتهم.

عليه؛ أصدر تنظيم داعش عام2020 فيلما وثائقياً، يوضح فيه كل العوامل المحورية التي تجعله مختلفا عن تنظيم القاعدة، وأشار “التنظيم” خلال الفيلم أنه أكثر صرامة في الأصرار على أقامة دولة الخلافة وفق أحكام قاسية وصارمة، بينهم يحذر تنظيم القاعدة من هذا النهج. والحقيقة أن الصراع الدائر بين أقطاب الأصولية الدينية يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، مرجعه في الأساس مبدأ الفرقة الناجية الذى تؤمن به كل الجماعات المتطرفة، واعتبار كل فرقة نفسها أنها أهل الحق والإيمان، والفرقة الأخرى أهل الضلال.

صراع متشابك الأسباب:

يرجع الصراع الدائر بين هذه التنظيمات، من داخل العائلة الأيديولوجية المتطرفة الواحدة، لاستهدفهما في الأساس نفس الدوائر التي يسعون إلى الاستفادة منها عن طريق التجنيد والتمويل وتوفير الملاذات الآمنة. حيث يسعى “القاعدة” و”داعش” من وراء الصراع الدائر بينهما إلى تحقيق ثلاث أهداف، هم:

(*) الأول، يتمثل في جذب الممولين والداعمين: حيث يسعى كل من تنظيمى داعش والقاعدة من وراء الاقتتال الدائر بينهم، إلى إثبات القوة والهيمنة على الأراضى السورية، ومحاولة استقطاب الممولين والداعمين، الذين يسعون إلى توظيف هذه الجماعات لتنفيذ سياستهم داخل سوريا.

(*) الثاني، يتمثل في إثبات القوة والريادة: يعد إثبات القوة والريادة أهم أهدف التنظيمين الإرهابيين داخل سوريا، “فهيئة تحرير الشام” فرع تنظيم “القاعدة” بحاجة إلى إثبات القدرة على القيام بأعمال إرهاب، وسيطرة وانتصار على تنظيم داعش، لاثبات القدرة للحلفاء الغربين، خاصة بعد إعطاء الإدارة الأمريكية الشرعية “لهيئة تحرير الشام” بقيادة الجولانى، للتعامل العلنى والتقارب مع الأهالى في سوريا وتبيض السمعة الإعلامية دوليا، وربما التهيئة لخوض انتخابات في المرحلة القادمة.

(*) أما السبب الثالث، فيتمثل في التصدي المبكر لحدوث انشقاق تنظيمي: مع نجاح العديد من دول الإقليم توجيه ضربات لكلا التنظيمين “داعش والقاعدة”، وقتل العديد من قياداتهما، باتت تخوفات لدى بعض عناصر تلك التنظيمات وسعى بعضها إلى طرح فكرة انشقاقات جديدة، وهو ما يهدد أي تنظيم إرهابي. وبالتالي قد يكون تجدد الصراع في الوقت الراهن بين “داعش” و”القاعدة” في سوريا جاء من منطلق تسكين الأوضاع الداخلية وكسر موجة الانشقاقات المتوقعة، لذا من المحتمل أن ترتفع حدة الصراع بين التنظيمين خلال العام الجاري.

مستقبل يحمل توترات متقطعة:

قراءة للمؤشرات السابق يشير إلى أنه على الرغم من أن تنظيم “داعش” كان المبادر لتصعيد حدة وتيرة الصراع، والوصول بها إلى مرحلة المواجهة الدامية، إلا أن سرعة تعامل تنظيم “القاعدة” ورد الفعل القوي الذي ظهر منه، من خلال تمكن مسلحى القاعدة من فرض سيطرتهم على المواقع التابعة لداعش، تعكس سيطرة القاعدة على الأوضاع على الساعة السورية، خاصة في ظل قدم تواجد تنظيم القاعدة في سوريا متمثلا في “جبهة تحرير الشام”، وترسخ علاقاته بالسكان المحليين وربما دعم بعضهم للجبهة، نتيجة لامتلاكه الموارد اللازمة للمواطنين، خاصة في ظل المعاناه التي يعيشها الكثيرين إزاء وضع الادولة، فضلا عن الإنتماء المحلى للكثير من عناصرالقاعدة، في مقابل غلبة العناصر الأجنبية على تنظيم داعش. بناءا على ما سبق، يمكن القول إن كفة موازين القوى تميل لمصلحة تنظيم القاعدة، في الوقت الحالي وربما إلى فترة قادمة.

أخيرا، يمكن التأكيد على أن تنظيم القاعدة بات يمثل التهديد طويل الأجل على الآمن والاستقرار في الداخل السورى، حيث ينظر اليه على أنه الكيان المتأهب للعمل مع السكان المحليين، فضلا عن الحصول على دعم من قوى دولية رسخت ربما لشرعيته على الأرض، على العكس أدت الضربات المتوالية التي تعرض لها تنظيم داعش، من دول وتحالفات إقليمية ودولية إلى إضعافه والقضاء على دولته، فلم يبقى منه سوى بقايا فلول، غير قادرة على القيام بأعمال إرهابية بهدف السيطرة على مناطق، كما كان يحدث في الماضى.

لذا، قد يكون من المتوقع أن يتحول تنظم القاعدة “جبهة تحرير الشام” على المدى البعيد، إلى كيان يشبه تنظيم “حزب الله” اللبناني –الكيان العنيف غير الحكومى في الداخل اللبناني، الذى تمكن من تعزيز شرعية وجوده سياسيا، وكسب اعتراف بشرعيته من بعض الأطراف الدولية، في نفس الوقت تمسك بآليات القدرة على القيام بأعمال عنف واسعة النطاق كلما اقتضت الظروف.

أسماء دياب

-رئيس برنامج دراسات الإرهاب والتطرف. -باحث دكتوراه في القانون الدولي- بكلية الحقوق جامعة عين شمس. - حاصلة على ماجستير القانون الدولي جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون الدولى جامعة القاهرة. -حاصلة على دبلوم القانون العام جامعة القاهرة. - خبيرة في شئون الحركات الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى