تفكيك السلاح: ما هي تداعيات الاتفاق بين الحكومة والحركات المسلحة في السودان؟
وقع الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة السوداني و”عبد العزيز الحلو” قائد “الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال” (أحد أكبر الحركات المسلحة في البلاد)، في 28 مارس الماضي، إعلان مبادئ تمهيداً لتوقيع اتفاق سلام نهائي بين الطرفين، حيث أتفق الطرفان في مدينة جوبا – عاصمة جنوب السودان- على فصل الدين عن الدولة وتكوين جيش واحد في نهاية الفترة الانتقالية، فضلاً عن توطيد سيادة السودان واستقلاله وسلامة أراضيه، وإقامة حكم مدني ديموقراطي فيردالي، والاقرار بالتنوع العرقي والديني والثقافي.
رعاية جنوبية:
يأتي هذا الاتفاق بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدت بين الطرفين برعاية رئيس جنوب السودان “سلفا كير ميارديت”، وقد أنطوى هذا الاتفاق على جملة من المبادئ الهامة، والتي يمكن تفنيدها على النحو التالي:
(*) السودان بلد متعدد الأعراق والديانات والثقافات، لذا يجب الاعتراف بهذا التنوع وإدارته ومعالجة مسألة الهوية الوطنية، كما أن للسودانيين في المناطق المختلفة حقاً في إدارة شئونهم من خلال الحكم اللامركزي أو الفيدرالي.
(*) تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية في السودان، تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني، وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة، وألا تفرض الدولة ديناً على أي شخص، ولا تتبنى ديناً رسمياً، وتكون الدولة غير منحازة فيما يخص الشئون الدينية وشئون المعتقد والضمير، وأن تضمن هذه المبادئ في الدستور.
(*) يكون للسودان جيش قومي مهني واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة، يلتزم حماية الأمن الوطني وفقاً للدستور، على أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني، وأن يكون ولاؤها للوطن وليس لحزب أو جماعة، كما تكون عملية دمج وتوحيد القوات عملية متدرجة، وتكتمل بنهاية الفترة الانتقالية.
(*) الحل العسكري لا يقود إلى سلام واستقرار دائمين، لذا فيجب أن يكون التوصل إلى حل سياسي وسلمي وعادل هدفاً مشتركاً لطرفي التفاوض.
(*) تستند قوانين الأحوال الشخصية على الدين والعرف والمعتقدات بطريقة لا تتعارض مع الحقوق الأساسية، وتحقيق العدالة في توزيع السلطة والثروة بين جميع شعب وأقاليم السودان، للقضاء على التهميش التنموي والثقافي والديني، واضعين في الاعتبار خصوصية مناطق النزاعات، وتأكيد اتخاذ حكومة السودان التدابير اللازمة للانضمام إلى المواثيق والمعاهدات الدولية والأفريقية لحقوق الإنسان التي لم يصدق عليها السودان، مع إدراج حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل الواردة في المعاهدات الدولية التي صادق عليها السودان في إتفاقية السلام.
(*) وقف دائم لاطلاق النار عند التوقيع على الترتيبات الأمنية المتفق عليها كجزء من التسوية الشاملة للصراع في السودان.
(*) وقف الاعتداءات، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية.
اتفاق سلام بين الحكومة والحركات المسلحة:
وتجدر الإشارة إلى أنه في فبراير 2019، أنطلقت مفاوضات رسمية مباشرة بين الحكومة الانتقالية في الخرطوم، وقادة الحركات المسلحة السودانية المنضوية تحت كيان “الجبهة الثورية، وذلك في جوبا وبرعاية رئيس جنوب السودان “سلفا كير ميارديت”، وقد أمتدت هذه المفاوضات إلى نحو عام كامل، إلى أن وصلت إلى توقيع الاتفاق النهائي في أكتوبر 2020.
فقد وقعت الحكومة السوادنية وعدة حركات سودانية مسلحة على اتفاق سلام تاريخي، وضع نهاية للسنوات الـ 17 التي شهدتها مناطق عدة في البلاد من نزاعات مسلحة، حيث أنضمت هذه الحركات بموجب هذا الاتفاق إلى السلطة الانتقالية في مجلس السيادة والوزراء. وقد نص الاتفاق على تفكيك الحركات المسلحة، وانضمام مقاتليها إلى الجيش النظامي السوداني، الذي سيعاد تنظيمه ليكون ممثلاً لجميع فئات الشعب. وقد شهد هذا الاتفاق مشاركة 5 حركات مسلحة رئيسية تقاتل 4 منها في إقليم درافور، وأخرى في جنوب كردفان والنيل الأزرق، تمثلت فيما يلي:
- حركة العدل والمساواة، بقيادة “جبريل إبراهيم”.
- حركة تحرير السودان، بقيادة “مني أركو مناوي”.
- حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، برئاسة الدكتور “الهادى إدريس”.
- تجمع قوى تحرير السودان” بقيادة “عبد الله يحيى.
- التحالف السوداني، برئاسة “خميس عبد الله أبكر”.
بيد أن هذا الاتفاق لم يشمل حركتين رئيسيتين، هما: “الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال” بقيادة “عبد العزيز الحلو” التي تسيطر على مناطق واسعة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، و”حركة وجيش تحرير السودان” بقيادة “عبد الواحد محمد نور” ذات النفوذ القوي في دارفور.
اتفاق قديم بملامح جديدة:
لكن، في ظل الضغط الداخلي والخارجي الذي يستهدف انضمام كافة الحركات لعملية السلام، إنخرط “عبد العزيز الحلو” في مفاوضات مع الحكومة السودانية، في مسار منفصل عن مسار “الجبهة الثورية”، في ظل مطالبه بفصل الدين عن الدولة واقرار العلمانية في دستور الدولة، أو الاقرار بحق تقرير المصير بشأن منطقتي “جنوب كردفان” و”النيل الأزرق”، حيث تقاتل الحركة الشعبية منذ عام 2011 في هاتين المنطقتين، من أجل الحصول على وضع خاص لحكمهما، وضمان عدالة في قسمة السلطة والثروة.
وفي سبتمبر 2020، وقع رئيس الوزراء السوداني “عبد الله حمدوك” ورئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال” “عبد العزيز الحلو” إعلان المبادئ الأول في أديس أبابا، بيد أن هذه الخطوة لاقت رفضاً شديداً من قبل المكون العسكري في السلطة السودانية الحاكمة، وذلك قبل أن يقوم رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” بالتوقيع مع “الحلو” على إعلان مبادئ في جوبا، لكن هذا الإعلان لقي ترحيباً من الشركاء كافة.
ويمكن أن يعزى ذلك إلى الاختلاف بين الإعلانين، فعلى الرغم من كلا الاتفاقين قد أقرا بمبدأ فصل الدين والدولة، بيد أن اتفاق البرهان- الحلو قد تضمن نصاً صريحاً بشأن وحدة السودان وتكوين جيش واحد بنهاية الفترة الإنتقالية، كما أن هذا الاتفاق لم يتضمن النص على حق تقرير المصير، وذلك على خلاف إعلان حمدوك- الحلو، والذي تضمن الاقرار بمبدأ حق تقرير المصير ووجود جيشين، وتلويحاً بالحكم الذاتي أو الإنفصال، وهو ما ينطوى على تكرار لتجربة الحركة الشعبية الأم، والتي تمخض عنها انفصال جنوب السودان.
مؤشرات إيجابية:
تعكس هذه الخطورة الكثير من المؤشرات الإيجابية بشأن استقرار الوضع في السودان، من خلال حلحلة بعض الملفات الجدلية في الداخل السوداني، ومنها علاقة الدين والدولة، والتي تمثل واحدة من أبرز المحددات التي تدفع نحو مزيد من الاستقطاب، ومن ثم تنبع أهمية هذا الإعلان، كونه يعد خطوة إيجابية في مسار إنهاء التشرذم، وذلك عبر التوصل إلى صيغ توافقية بشأن القضايا الخلافية.
أيضاً، تفرز هذه الخطوة مناخاً أيجابياً لإنضمام حركة “تحرير وجيش السودان” بقيادة “عبد الواحد محمد نور”، ومن ثم إنهاء ملف الحركات المسلحة في السودان، وربما يعزز من هذا الطرح الزيارات المتتالية التي قام بها ” نور” إلى جنوب السودان خلال الفترة الأخيرة، والتي كانت آخرها في منتصف مارس الجاري، والتي ربما تؤشر إلى احتمالات التوصل إلى تفاهمات في المرحلة المقبلة.
كذا، من بين المؤشرات الإيجابية التي أنطوى عليها هذا الإعلان هو اتفاق الطرفين على وقف دائم لإطلاق النار عند التوقيع على الترتيبات الأمنية المتفق عليها، وذلك كجزء من التسوية الشاملة، كما تم التوصل لإتفاق بشأن تشكيل جيش وطني واحد، وفقاً للعقيدة العسكرية الموحدة الجديدة، مع ضمان أن تعكس المؤسسات الأمنية والعسكرية التنوع السوداني. لذا، فيرجح أن يلي هذه الخطوة العديد من جلسات التفاوض التي من المفترض تبدأ في 20 أبريل المقبل، وذلك للوصول إلى إتفاق شامل يتضمن محاور خاصة بالترتيبات الأمنية والسياسية.
وواقعياً، يمثل هذا الإعلان خطوة هامة في مسار تعزيز مدنية الدولة في السودان، وتجاوزاً للإشكالية الخاصة بملف “أسلمة الدولة” التي وضع جذورها الرئيس السوداني الراحل “جعفر النميري”، ورسخ معالمها الرئيس السابق “عمر البشير”، ولعل هذه الإشكالية هي التي مهدت الطريق أمام انفصال جنوب السودان، فضلاً عن إفرازها للكثير من الحركات المسلحة والمتمردة في السودان.
أخيراً، يعكس إعلان المبادئ الموقع بين الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي، و”عبد العزيز الحلو” رئيس “الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال” مؤشرات هامة بشأن تسوية النزاع ووقف الحرب الأهلية القائمة في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فضلاً عن إرساء دعائم سلام دائم في البلاد، قادر على حلحلة الخلل الموروث في هيكل الدولة السودانية، عبر تغليب منهج الحوار السياسي على الحرب الأهلية والنزاع المسلح.