المخدوعون بالشفاعة
رسالة الإسلام منهاج وشريعة أرسلها الله فى كتاب كريم إلى الناس جميعا، تنزلت بالوحي على الرسول الكريم، لتهديهم طريق الخير والسعادة والسلام، ليتحقق للناس العيش الكريم فى ظل الأمن والاستقرار، وليست رسالة الإسلام نظرية يتم تقييمها بشتى أنواع المصطلحات البشرية أم تكون محل مراجعة لخلق الشك والريبة في آيت الله ومقاصدها لخير الإنسانية جمعاء أو أن يطلق عليها بعض الفقبهاء والمفسرين المصطلحات التى تنطبق على الاجتهادات البشرية.
فشتان بين الآيات والروايات ولاتستوي كلمات الله خالق السماوات والأرض والذي يعلم ما فيهن والذي يدبر حركة كونه، ويعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور فلابد من أن نفرق بين رسالة الله للناس التى تدعو إلى قيم الفضيلة والمعاملة الحسنة بين الناس، وتضع لهم تشريعا بضبط علاقة الإنسان بالله، ومنهجا للسلوك والفضيلة يعلم الناس أسلوب التعامل بينهم، ليتحقق للإنسان العيش الكريم والسلام يستمتع برزق الله من صحة ونعمة وبركة ليعيش حياته فى محيط من الطمأنينة والاستقرار، ويتخذ الرحمة سلوكا والعدل معاملة والإحسان ممارسة، وتجنب الاعتداء على حياة الناس وممتلكاتهم، والوفاء بالعهود والتعاون على البر والتقوى.
تلك دعوة الله للناس ليهديهم طريق الحق والخير والسعادة، ويضمنون خير الجزاء يوم الحساب، تأكيدًا لحكمه سبحانه وتعالى: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا)( الإسراء:٧١)، هم الذين اتبعوا آيات الله وكتابه المبين والتزموا بتطبيق تشريعاته، واتبعوا عظاته وتهذبوا بأداب القرآن وأخلاقياته وصدقوا الله على عهدهم وتجنبوا محرماته وأطاعوا الله فى كل أمر وذكروا الله فى كل أوقاته، ذلك هو طريق الحق الذي يهديهم إلى جنات النعيم والمنهج القويم، الذى يقودهم للطريق المستقيم إذا اتبعوا قرآنه وآمنوا ببيانه، كما قال سبحانه: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)( الإسراء :٩).
فالدنيا دار امتحان وأسئلة الامتحان وضعها الله فى القرآن، فمن اتبع آياته وطبق تشريعاته، وابتعد عن محرماته وسلك أخلاقياته، ونفذ عظاته فيوفقه الله يوم القيامة لاجتياز الامتحان بنجاح، استحقاقا لاجتهاده فى الدنيا ومجاهدته لنفسه باتباع كتاب الله ومضمون آيات.
ومن أعرض ذكر الله وكتابه واتبع الشيطان والذي أضاع رواياته سيأتي يوم الحساب أضاع عمره فى اللهو والمتعة والعصيان لأمر الله، وارتكب الموبقات من قتل وظلم وسرقات وارتكاب المحرمات، فلن يستطيع إجتياز الامتحان وسيسقط فى الاختبار ولن يشفع له أحد، ولن يعينه بنت ولا ولد، ستكون نتيجته كما وصف الله الذين نسوا القرآن وأعرضوا عنه وهم يسألون الله عمن يشفع لهم يوم الحساب أو يردهم الله للحياة الدنيا ليتبعوا آياته ويطبقوا تشريعاته، فلن يجدوا لهم من يشفع لهم ولن يعيدهم الله إلى الحياة الدنيا مرة أخرى، فخسروا أنفسهم بما كانوا يفترون، حيث يقول سبحانه: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ۚ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (الأعراف: ٥٣).
ذلك حكم الله العادل لايحابي أحدا ولاشفاعة لمن أعرض عن كتاب الله وعصاه فى الدنيا، بل يحاسب حسابه عسيرا وفق القانون الإلهي في قوله سبحانه: ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)(المدثر:٣٨)، وقوله سبحانه: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (النحل :١١١)، حينها يتحسر الإنسان على عمر أضاعه في العصيان وأضله الشيطان بشيوخ الدين، وأوهموه بالشفاعة يوم لا ينفع غير العمل الصالح ومن اتبع القرآن، فعدالة الله وحكمه الصالحين الجنة والظالمين النار، وذلك حكم العدل لمن يسقط فى الامتحان، ومن صدق بالشفاعة فلن يجد أمامه غير الخزي والخسران، تطبيقا لحكم الله فى الناس جميعا رسلا وأنبياء وصالحين ومجرمين وعاصين كلهم يحكمهم قانون العدل الإلهي (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ﴿٧﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴿٨﴾)( الزلزلة : ٧-٨).
ويبين الله سبحانه للناس بقوله (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم قيل أن يأتي يوم لابيع فيه ولاخلة ولاشفاعة والكافرون هم الظالمون ) البقرة (254 ) يدعوهم للانفاق على المستحقين للصدقة محذرا الناس أن يطيعو الله وينفقوا مما رزقهم من نعمه قبل يوم القيامة مؤكدا لمن لم يطع الله لن يكون له شفيع يوم القيامة يخفف عنه العقاب تحذير لايقبل التأويل للذين ينخدعون بأن الرسول سيشفع لهم يوم الحساب، ويؤكد سبحانه هذا الحم بقوله (وأتقوا يوما لاتجزي نفس عن نفس شيئا لايقبل منها عدل ولاتنفعها شفاعة ولاهم ينصرون ) البقرة (123) ثم يتكرر الحكم الإلهي منذرا الناس من الجري خلف وهم الشفاعة، حيث يقول سبحانه (وأنذر به الذين يخافون أن يشروا الى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولاشفيع لعلهم يتقون ) الآنعام (51) ثم يخاطب الله الذين ظنوا بأنه سيكون معهم شفعاء يوم القيامة يسألهم سبحانه بقوله (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شكاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ماكنتم تزعمون ) الأنعام (94) تلك الآيات المذكورة تحذر الناس من ألا ينخدعون بأوهام الشفاعة، ويرتكبون المعاصي والذنوب على أمل بمن يشفع لهم يوم الحساب.
ومن عدل الله سبحانه حين يخاطب الإنسان بقوله وهو يعلم سبحانه ماذا قدم الإنسان في حياته من خير أوشر وحتى لا يشعر بأن الله ظلمه فيعطيه حق الحكم على نفسه بما عمله في الدنيا، كل مسجل فى كتاب يأمره الله بقوله سبحانه: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)( الإسراء:١٤)، أي عدل هذا وأية رحمة للإنسان يترك له الله أن يبين لنفسه الحكم الذي يستحقه على ماعمله فى الدنيا ليستيقن بعدل الله الذي لا يظلم أحداً من عباده، فإن كان عمل الصالحات واتبع كتاب الله والتشريعات الإلهية فحكمه جنات النعيم، وأما إن قرأ الإنسان كتابه ووجد فيه ماعمله من المعاصي، سيحكم على نفسه بأن مصيره النار وبئس القرار، يؤكد الله سبحانه بقوله: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)( فصلت : ٤٦)، فمن أعتمد على وهم الشفاعة ورواياتها وهجر القرآن واتبع هواه واعتقد في الشفاعة لترفع عنه الذنوب ويدخله الجنة، يأتي يوم القيامة فتقول له الملائكة المكلفون بالحساب نأسف رصيدك مع العمل الصالح نفد، خسرت الدنيا والآخرة، فاذهب إلى جهنم ذلك جزاء الظالمين.