تصعيد أمريكي: هل تتمكن قوانين واشنطن من تغيير الموقف الإيراني؟
شهدت الأيام الماضية موجة من التحركات المتسارعة داخل الكونجرس الأمريكي التي تراوحت بين طرح سلسلة من مشاريع القوانين لفرض عقوبات جديدة على طهران، وكتابة رسائل إلى الإدارة الأميركية لحثها على عدم التساهل مع النظام الإيراني، لتبدأ مرحلة جديدة من التصعيد في العلاقات بين الدولتين.
ولعل التحرك الأبرز الذي يحظى بإجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري، هو مسودة رسالة يتناقلها أعضاء مجلس الشيوخ تعارض العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران بنسخته الحالية، وتدعو الرسالة، التي تحظى بدعم كبير من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن (إيباك)- إلى توظيف جميع الأدوات الاقتصادية، والدبلوماسية، مع الحلفاء في مجلس الأمن القومي، والمنطقة للتوصل إلى اتفاق يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، والحد من أنشطتها المزعزعة في الشرق الأوسط، وبرنامجها للصواريخ الباليستية.
وقد حصلت الرسالة على الدعم من الحزبين” الجمهوري والديمقراطي” على توافق كبير الذي بدأ بالتبلور في الكونغرس بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذين يدعمون لاستمرار حملة الضغط القصوى على إيران، وربط أي اتفاق نووي معها بملفي برنامج الصواريخ الباليستية وأنشطتها الإقليمية في المنطقة.
قوانين مهددة لطهران:
يأتي مشروع قانون قد طرحه، النائب الجمهوري “جريغ ستوب”، ليعزز من هذه التحركات ويسلط الضوء على دور الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، حيث يدعو المشروع إدارة “بايدن” إلى فرض عقوبات مرتبطة بالإرهاب على ميليشيا “كتائب سيد الشهداء العراقية”. ويقول “ستوب” في مسودة المشروع إن “كتائب سيد الشهداء المدعومة من إيران تشكل خطراً جدياً على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ومسئولة بشكل مباشر عن مقتل أميركيين في العراق.
مؤكداً إن اعتداءات “طهران” على الأميركيين، إضافة إلى المصالح الاستراتيجية الأمريكية تتطلب رداً قوياً وحاسماً من إدارة “بايدن”، لكن كل ما رأيناه من المسؤولين في هذه الإدارة هو تنازلات خطيرة لطمأنة المتشددين”.
أما مشروع القانون الثاني، المهدد لطهران، فقد تضمن فرض عقوبات على ” المرشد الإيراني” ، حيث طرح النائب الجمهوري”جو ويلسون” هذا المشروع بناء على توصيات من قبل لجنة الدراسات الجمهورية التي أوصت أيضاً بفرض عقوبات على “المرشد” الإيراني، علي خامنئي، ومنتهكي حقوق الإنسان في إيران في إطار أمر تنفيذي أقره الرئيس السابق باراك أوباما.
محاصرة من الداخل:
في ظل هذه التحركات السريعة، سعت مجموعة مؤلفة من 9 نواب جمهوريين أيضاً إلى الضغط على إدارة “بايدن” بأسلوب مختلف، عبر الدعوة إلى التحقيق بحملة ترويج ممولة من النظام الإيراني في الداخل الأميركي، ومحاسبتهم. وقد حض النواب في رسالة تخاطب وزير العدل الأميركي “ميريك غارلاند”، إلى ضرورة ملاحقة أي أميركي يتقاضى راتباً من النظام الإيراني بهدف التأثير على سياسات الرئيس الأمريكي”بايدن” تجاه طهران واستمالة الرأي العام الأميركي.
كما تبنت النائبة “إيفيت هاري” التي ترأست هذه الدعوات، وصرحت بأن”إيران لا تزال تعتبر التهديد الأبرز للولايات المتحدة في المنطقة، مؤكدة على أنه من المهم أن يتم الحرص على أن طهران لا توظف أموالها للتأثير على السياسيين في حكومتنا، وأن أي محاولة للتخفيف من الموقف الأميركي تجاهها يهدد من الأمن القومي الأمريكي. وقالت “هاري” في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” إن “هدف الرسالة هو حماية أمن الولايات المتحدة القومي، وتحميل إيران مسؤولية أعمالها”.
بالإضافة إلى ما سبق، تم إنشاء مجموعة عمل خاصة لتعقب أي إيراني داخل الولايات المتحدة، حيث طالب النواب إدارة بايدن بإنشاء مجموعة عمل خاصة لتعقب واعتقال أي إيراني مقيم في الولايات المتحدة يعمل على خرق قانون التسجيل كعميل أجنبي (فارا)، وذلك على غرار ما فعل الباحث الإيراني – الأميركي، “لطف الله أفراسيابي”، الذي ألقت السلطات الأميركية القبض عليه في يناير من هذا العام بتهمة التهرب من التسجيل كعميل أجنبي وفق القانون، والتآمر لترويج أجندة النظام في الولايات المتحدة.
وبحسب الاتهامات الموجهة ضد “أفراسيابي” فقد تقاضى الأخير نحو 265 ألف دولار من بعثة إيران للأمم المتحدة كموظف سري لترويج أجندة النظام داخل الولايات المتحدة، وذكر النواب في رسالتهم قضيّة “أفراسيابي” فدعوا مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBA) إلى التركيز على “عمليات التأثير الإيرانية والتحقيق بمجموعات وجمعيات خيرية ومراكز بحوث تتلقى تمويلاً من الحكومة الأميركية”، بهدف التأكد من أنها لا تتلقى أي تمويل من الحكومة الإيرانية.
كما دعا النواب إلى ضرورة الكشف عن مجموعات ممولة لصالح إيران، التي من أبرزها وفقاَ لهم “المجلس الوطني الإيراني الأميركي” الداعم بشكل كبير لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. فقد أكد بعض أعضاء الكونجرس أن البدء بتحقيقات رسمية بهذا الخصوص، سوف يؤدي إلى الكشف عن المزيد من العملاء غير المسجلين. وحذرت النائبة “إيفيت”، قائلة إن “إيران نظام معقد، ويسعى للتأثير على المسار السياسي والسياسيين لتقديم مصالحهم وإيذاء مصالحنا”. وأكدت “النائبة” المذكورة أن إدارة ترامب حملت إيران مسؤولية أفعالها، ونظرت إلى تهديداتها بجدية، باعتبار أن أي تخفيف من الموقف الأمريكي تجاه طهران سيهدد من الأمن القومي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض أعضاء الكونجرس يتذمرون من غياب الشفافية من قبل مبعوث “بايدن” الخاص لإيران “روبرت مالي”، ويطالب بعضهم “مالي” بالإفصاح عن تفاصيل محادثاته مع الصين بخصوص إيران.
رغم ما سبق ذكره عن التحولات في الموقف الأمريكي، فإنه تلاحظ اتخاذ المسار الأوروبي اتجاه مغاير للأمريكي. فمنذ بداية شهر مارس الجاري، تراجعت الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي عن مشروع قرار يدين إيران بسبب تقليصها التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في محاولة لتجنب التصعيد وإفساح المجال لدبلوماسية تعيد واشنطن وطهران إلى طاولة التفاوض، حيث دعا المشروع الذي تراجع عنه الأوروبيون، إيران إلى الرد على أسئلة الوكالة، بشأن منشأ جزيئات اليورانيوم التي عثر عليها حديثاً في مواقع لم تبلغ طهران عن أنشطة فيها خلال مفاوضات الاتفاق النووي.
مراوغة إيرانية مستمرة:
في المقابل أخفت إيران عمداً عن مفتشي “الوكالة الدولية”، عناصر أساسية من برنامجها النووي، من حيث كميات المواد الخام المخزنة في أماكن تابعة لقوات “الحرس الثوري”، المكلف بحماية المنشآت النووية الإيرانية. ويشمل ما تم إخفاءه على آلات، ومضخات، وقطع غيار لأجهزة الطرد المركزي، يمكن أن تستخدم في عملية تخصيب لليورانيوم بدرجة تصل إلى تطوير قنبلة نووية، فضلاً عن ألياف الكربون الوارد استخدامها في إنتاج أجهزة طرد مركزي متطورة.
ويعبر ما سبق ذكره عن مراوغة إيرانية مستمرة، خاصة وأنه يأتي بعدما أبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طيلة الأشهر الماضية، مخاوف إزاء احتمال وجود مواد نووية في مواقع عدة غير معلنة، وهذه هي الملفات التي سيتم درستها في اجتماع مرتقب بين المسئولين الإيرانيين، والوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع الشهر المقبل.
فقد بدأت طهران، أثناء انتقال السلطة إلى جو بايدن، مرحلة جديدة من انتهاكات بنود الاتفاق النووي التي بدأت بها في مايو 2019، وذلك بعد قانون أقره البرلمان في بداية ديسمبر تحت اسم “الخطوة الاستراتيجية لرفع العقوبات الأميركية”، وبموجبه، رفعت نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، قبل أن توقف إنتاج المعدن، بناء على أوامر من الرئيس حسن روحاني، وفق ما أوردت مصادر إيرانية. وقد سبق هاتين الخطوتين، تخلي إيران عن بروتوكول التفتيش الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار النووي، رغم أنها أبرمت اتفاقاً مؤقتاً مع الوكالة الدولية يتيح التحقق من بعض الأنشطة الحساسة.
ورغم ما تفعله إيران من مراوغة، وما يصر عليه النواب الأمريكيين من ضرورة محاصرة “طهران” ، فإنه تلاحظ وجود إصرار إيراني على تخفيف العقوبات، حيث تطالب “طهران” بتخفف العقوبات قبل أن تستأنف الالتزام ببنود الاتفاق. واستبعدت أي مفاوضات حول القضايا الأمن،
خاصة، وأنها “قامت بتخصيب مواد أكثر بكثير وبمستويات أعلى بكثير مما يسمح به الاتفاق”.
في النهاية، يمكن التأكيد على أنه رغم الموجة المتصاعدة من تحركات النواب داخل الكونجرس الأمريكي لمحاسبة إيران، وكتابتهم رسائل إلى الإدارة الأميركية لحثها على عدم التساهل مع النظام الإيراني- فإن إيران ما زالت تصر على التموقع في منطقة عدم المشاركة، بالرغم من أن “الكرة” موجودة حقاً في الملعب لمعرفة ما إذا كانت تسعى إلى طريق الدبلوماسية والعودة إلى الامتثال للاتفاق.
بالتالي، قد يكون المتوقع، مماطلة إيران في تنفيذ أي اتفاقات حقيقية بين الجانبين الأوروبي والإدارة الأمريكية، خاصةً مع حالة الاستجداء المطروحة من الجانب الأمريكي. وعليه، قد تمنع إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية من القيام بأي عمليات تفتيش مفاجئة وهو ما يؤكد استمرارية المراوغة المستمرة من الجانب الإيراني.