أول رئيسة لـ “تنزانيا”: كيف تواجه ” صلوحى” تحديات الأزمة الاقتصادية خلال الـ 5 سنوات المقبلة؟
أدت نائبة رئيس تنزانيا سامية صلوحي حسن اليمين الدستورية اليوم الجمعة(19 مارس 2021)، لتصبح أول إمرأة تتولى رئاسة دولة في شرق أفريقيا. يأتي ذلك بعد يومين من إعلان الحكومة التنزانية وفاة رئيس البلاد جون ماغوفولي متأثرا بنوبة قلبية. وأدت سامية حسن اليمين أمام رئيس المحكمة العليا إبراهيم جمعة في العاصمة التجارية دار السلام. ودخلت خبيرة الإحصاء التي تبلغ من العمر 61 عامًا، والتي تنحدر أصولها من جزيرة زنغبار، معترك السياسة في عام 2000 وسرعان ما ارتقت في المناصب، حيث شغلت مناصب وزارية مختلفة.
وفي ظل تزايد حجم التحديات الداخلية في تلك الدولة، وقدرة اقتصادها على التعافي بسبب تنوعه، ووجود العديد من المقومات الايجابية- يبقى السؤال: ما هو واقع الاقتصاد التنزاني، وأهم تحدياته، وكيف يمكن أن تتعامل الرئيسة الجديد “صلوحي” مع أزمات الوقت الراهن والعبور لمستقبل أفضل؟.
واقع اقتصادي:
تمكنت تنزانيا، البلد الأفريقي الشرقي، من تجنب الاضطرابات التي ابتليت بها العديد من الدول الأفريقية، فهي ثاني أكبر اقتصاد في مجموعة شرق أفريقيا، والثاني عشر في قائمة الدول الأفريقية حسب الناتج القومي الإجمالي. ويعتمد اقتصاد الدولة بشكل كبير على الزراعة، حيث يعمل بها ما يقرب من نصف القوة العاملة. وقد بلغ متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في تنزانيا 7٪ خلال السنوات الخمس الماضية (2015-2020) ، مما يجعلها واحدة من أسرع 20 اقتصادا نموا في العالم، وتفوق متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا جنوب الصحراء والذي بلغ 4.4٪ خلال نفس الفترة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الناتج الصناعي نما بنسبة 12.1٪ عام 2019، بارتفاع طفيف عن 10.7٪ في الفترة السابقة، ويرجع ذلك أساسًا إلى توسع أنشطة التعدين والمياه والبناء. وفي عام 2017/2018، ونما التعدين واستغلال المحاجر بنسبة 17.5 % ، والمياه بنحو 17 % ، والبناء بنسبة 14% . كما نمت أنشطة النقل والتخزين بنسبة 17٪. وقد كان النمو في التعدين مدفوعًا في المقام الأول بارتفاع كبير في إنتاج الفحم والغاز الطبيعي.
مقومات إيجابية:
لقد استطاع الاقتصاد التنزانى تحقيق أداء جيد إلى حد كبير خلال الفترة السابقة لوباء كورونا، بفضل ما تنعم به الدولة من السلام والاستقرار السياسي، والموارد الطبيعية الوفيرة، والموقع الجغرافي الاستراتيجي، وإمكانات تنموية هائلة فى قطاع السياحة. كما استطاعت تنزانيا تأسيس وكالة لمنطقة التصدير في عام 2008 لتسريع الصادرات الصناعية ومساعدة الدولة على تحقيق التحول الهيكلي فى مجال التجارة الخارجية، وقد ساعدت في جذب ما يقرب من مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، وإنعاش قطاع التصنيع ليصبح واحدًا من أسرع القطاعات نموًا في إفريقيا. وعلى وجه التحديد، فإن متوسط توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتنزانيا مدعوم بالأساس بما يلي:
(*) تحسين واستقرار إمدادات الطاقة بشكل رئيسي من الغاز الطبيعي، والذي من المتوقع أن يعزز أداء القطاعات الأخرى بما في ذلك التصنيع والتجارة.
(*) زيادة قدرة وكفاءة مينائي دار السلام وتانجا.
(*) توسيع نطاق إنتاج الغاز البري، وبناء خط أنابيب النفط من أوغندا إلى تنزانيا.
(*) تطور كفاءة القطاع المصرفي من حيث الشمول والعمق المالي.
تطور معدل النمو الاقتصادي لتنزانيا خلال الفترة (2014-2019)
Source: Tanzania Invest , Tanzania GDP Growth Slow Down in Q1 2019 to 6.6%, https://www.tanzaniainvest.com/economy/gdp-growth-q1-2019
تحيات أمام “صلوحي”:
تواجه رئيسة تنزانيا الجديدة ( سامية صلوحى )، العديد من التحديات التي تتعلق بالاقتصاد التنزانى، خاصة مع استمرار تفشى وباء كورونا وانعكاساته السلبية على معظم الدول الأفريقية. حيث يواجه الاقتصاد التنزانى العديد من التحديات فى ظل انتشار فيروس كورونا، التي تتطلب على وجه السرعة إعادة النظر فيها من قبل سامية صلوحى.
فقد شهدت تنزانيا نموًا قويًا في السنوات الأخيرة، بمتوسط نمو بلغ 6.5٪ خلال الفترة (2017-2019) ؛ وذلك بفضل ارتفاع مستوى الصادرات في الموارد الطبيعية، والتطورات في قطاع الخدمات (الاتصالات ، والنقل، والتمويل، والسياحة). وبسبب جائحة كورونا، تباطأ النشاط الاقتصادي، وانخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي فى تنزانيا من 7٪ في عام 2019 إلى 1.9٪ في عام 2020. ومن المتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي إلى 3.6٪ في نهاية عام 2021 و 6.1٪ في عام 2022 فى حالة إذا تعافى قطاع السياحة على وجه الخصوص نظرا لكونها دولة سياحية.
ففي عام 2020، تباطأ الاقتصاد التنزاني بسبب تأثير الوباء على قطاع السياحة التي كانت من بين القطاعات الأسرع نموًا في البلاد قبل الوباء، حيث توظف أكثر من 10 % من إجمالي القوى العاملة واستحوذت السياحة على 11.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي و 25.8٪ من عائدات النقد الأجنبي، وبالتالي كانت مصدرًا رئيسيًا للعمالة والإيرادات الضريبية والعملات الأجنبية. لكن عائدات السياحة والسفر انخفضت بنسبة 39.1 % عام 2020 مقارنة بما كانت عليه عام 2019، كما انخفض نسيب القطاع فى الناتج المحلى الإجمالي، وعانى الكثير من العاملين بها من البطالة وسوء الأحوال المعيشية.
كما شهد عام 2020 تراجع فى الإيرادات الضريبية بفعل تراجع أداء وأرباح الكثير من الأنشطة الاقتصادية، وزيادة عجز الموزانة العامة للدولة. كما استمرت مشكلة الديون مسيطرة على أداء الدولة الاقتصادي. فعلى الرغم من استفادة تنزانيا من مبادرات تخفيف خدمة الديون من صندوق النقد الدولي ودول مجموعة العشرين، فإن خدمة الدين مازالت تهيمن على الإنفاق الجاري، خاصة فى ظل اهتمام الدولة بمشروعات البنية التحتية، والتى تحتاج إلى قدرات تمويلية أكبر وتساهم في الاتجاه التصاعدي للديون.
والملاحظ أن الدين العام ارتفع بشكل طفيف من 38.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 38.5٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020 ، ومن المتوقع أن يصل إلى 39.2٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021 و 39٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 (وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي). يضاف إلى ذلك، ساعد انخفاض أسعار المواد الغذائية وتحسين الإمدادات الغذائية في الحفاظ على معدل التضخم عند 3.4٪ في عام 2019، وارتفع المعدل بشكل طفيف إلى 3.6٪ في عام 2020 مقارنة بمستوى 4.3% عام 2019 بفضل أسعار الطاقة المنخفضة. ومن المتوقع أن تصل إلى 3.7٪ عام 2021 و 3.9٪ عام 2022 (صندوق النقد الدولي).
وعلى الرغم من انخفاض معدل الفقر من 60 ٪ في عام 2007 إلى ما يقدر بنحو 26.4 ٪ في عام 2018 ، إلا أن حوالي 13 مليون تنزاني ظلوا تحت خط الفقر ونما العدد المطلق للفقراء. ولا يزال الفقر وعدم المساواة في الدخل مرتفعا بالرغم من النمو الاقتصادي المرتفع نسبيا ، وازدادت الأوضاع سوءا مع تفشى وباء كورونا وفقدان العديد من المواطنين لوظائفهم. كما تعاني البلاد أيضًا من ارتفاع معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز بالإضافة إلى وباء كورونا، ويفتقر الكثير من الناس إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية (المياه والكهرباء والرعاية الصحية) . بالإضافة إلى ذلك ، تأثرت جودة الرعاية الصحية الأولية سلبًا بمجموعة من العوامل ، بما في ذلك نقص وسوء توزيع العاملين الصحيين ، وضعف الوصول إلى الأدوية الأساسية وضعف البنية التحتية.
” صلوحي” واستراتيجيات الاحتواء:
لقد تبنت الحكومة خطة تنمية طموحة (رؤية تنزانيا للتنمية 2025) تركز على دعم القطاع الخاص والتصنيع وخلق الوظائف، بهدف تحسين مناخ الأعمال من خلال رفع مستوى البنية التحتية وتسهيل الوصول إلى التمويل ورفع مستوى التعليم. وتعتمد تلك الرؤية على تعزيز الاقتصاد على تحسين بيئة الأعمال، وزيادة الإنتاجية الزراعية والقيمة المضافة، وتحسين تقديم الخدمات لبناء قوة عاملة ماهرة، وصحة جيدة، وإدارة أفضل للتوسع الحضري.
بالإضافة إلى ما سبق، لا تزال تنزانيا تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، حيث يأتي ما يقرب من ثلث ميزانيتها من المساعدات الدولية. ومن هنا يبقى على عاتق الرئاسة الجديدة لتنزانيا اتخاذ العديد من القرارات وإطلاق الخطط التحفيزية للاقتصاد حتى يتمكن من العودة إلى الأوضاع المستقرة نسبيا مرة أخرى ودفعه نحو تحقيق خطة 2025، مع استمرار اتخاذ الإجراءات الاحترازية السليمة، حيث تعتبر تنزانيا من الدول التي اتخذت إجراءات احترازية أقل صرامة من غيرها من الدول الأفريقية.
فقد كانت تنزانيا بطيئة نسبيا في الاستجابة والتحوط فى مواجهة وباء كورونا، لكن تفرد اقتصادها دون غيرها من دول الجوار، يوضح حاجة الحكومات إلى تشكيل استراتيجيات احتواء ذكية خاصة بالسياق وخطط التعافي حتى يتمكن الاقتصاد التنزانى من مواصلة أهدافه وخطته التنموية.