تغيرات إقليمية مؤثرة: كيف دعمت مصر استقرار الوضع في الداخل الليبي؟

لطالما سعت الدولة المصرية إلى الدفع بالملف الليبي إلى التسوية السياسية، عبر الجهود المستمرة التي بذلتها القاهرة لدعم وحدة واستقرار طرابلس، وقد أصدر الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في يونيو 2020 مبادرة “إعلان القاهرة”، والتي رسمت الخطوط العريضة لحلحلة الأزمة الليبية، والتي تمخض عنها حكومة الوحدة الوطنية الراهنة، ولا تزال مصر مستمرة في دعمها ليبيا وحكومتها الموحدة في كافة المجالات، وهو ما تعكسه التحركات الحثيثة التي تقوم بها مؤسسات الدولة المصرية في الفترة الأخيرة، لتعزيز التعاون وتقديم الدعم لنظيرتها الليبية، ومواجهة التحديات والإشكاليات التي تعاني منها الأخيرة.
ما بعد تغير موقف تركيا:
ثمة تغييرات باتت تطغى على الموقف التركي الراهن تجاه الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة، ومحاولات مستمرة من قبل أنقرة للتقارب مع مصر، وإذابة الجليد الذي راكمته تركيا خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات بشأن التداعيات المحتملة لهذا التغيير على الملف الليبي.
واقعياً، يحمل هذا التغيير في الموقف التركي مؤشرات إيجابية بشأن حلحلة الأزمة الليبية المتفاقمة، فحال ألتزمت تركيا بالتخلي عن سياساتها السابقة، فربما يدفع هذا نحو تفاهمات إقليمية ودولية بشأن تسوية الأزمة الليبية، خاصةً وأن ملف المرتزقة الأجانب الذين تم جلبهم إلى ليبيا، إضافة إلى المليشيات المسلحة المتحركة على الأراضي تمثل أحد أبرز الملفات المعقدة في مسار التسوية في ليبيا.
وفي إطار ما أشارت إليه بعض التقارير الغربية خلال الأيام الأخيرة، حول وجود ترتيبات أمريكية – تركية بشأن إخراج المرتزق الأجانب خلال مدة 30 يوماً تبدأ من مطلع أبريل المقبل، وهو ما قد يجسد عن تغييرات ” نسبية” في الموقف التركي الخاص بالملف الليبي، ما يعني إحتمالات تنسيق وتعاون مستقبلي بين القاهرة وأنقرة – حال إلتزام تركيا- لحلحلة الأزمة الليبية في مساراتها المختلفة، والدفع نحو إنجاح الفترة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات العامة في ديسمبر 2021.
دعم مصري واسع:
وفي إطار ما سبق، هناك تحركات مصرية حثيثة لتعزيز التعاون مع الحكومة الليبية، وتقديم الدعم الشامل لها في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الأمنية، وهو ما أنعكس في مبادرة القاهرة في الإعلان عن دعمها لحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي فور إعلان فوز قائمتهما في التصويت الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وهو ما ينسجم في الواقع مع السياسة المصرية الثابتة تجاه الملف الليبي، والتي تستهدف بالأساس حلحلة الأزمة الليبية وتحقيقة التسوية الشاملة لهذا الملف بما يحقق مصالح الشعب الليبي، ويضمن وحدة واستقرار الدولة الليبية، والحيلولة دون تغلغل الأطراف الخارجية في الداخل الليبي.
لذا، فقد أجرى الرئيس “عبد الفتاح السيسي” اتصالا هاتفيا مع “عبد الحميد الدبيبة” رئيس الحكومة الليبية الجديد، وذلك في الـ 13 من مارس الجاري، فقد أعرب السيسي عن خالص التهنئة للدبيبة لحصول حكومته على ثقة مجلس النواب الليبي، وذلك بإعتبارها خطوة هامة في طريق تسوية الأزمة الليبية، كما شدد الرئيس على دعم مصر الكامل للحكومة الليبية والاستعداد لتقديم خبراتها في المجالات التي من شأنها تحقيق الاستقرار السياسي، فضلاً عن المشاركة في تنفيذ المشروعات التنموية في ليبيا والتي تمثل أولوية بالنسبة للشعب الليبي.
كذلك، قام الرئيس السيسي بإجراء إتصالاً آخر برئيس المجلس الرئاسي الليبي “محمد المنفي”، مقدماً له التهنئة على تشكيل السلطة التنفيذية الليبية الجديدة، وحصول حكومة الدبيبة على ثقة مجلس النواب، كما أكد السيسي على ضرورة البناء على هذه الخطوات الإيجابية، من خلال العمل على دفع مسار التسوية السياسية والإبقاء على مناخ الحوار الليبي الليبي، وبما يحد من التدخلات الخارجية في هذا الإطار.
انعكاسات إيجابية:
استقرار الوضع الليبي الذي تبذل مصر من أجله أقصي درجات التعاون والدعم للمسار العملية الصحيحة، سينعكس بالايجاب على العلاقات بين البلدين، وذلك على النحو التالي:
(*) الاستعداد لعودة العمالة المصرية إلى ليبيا: شهدت الأيام الأخيرة تحركات حثيثة من أجل تعزيز العلاقات المصرية- الليبية، فقد تم توقيع اتفاقية جديدة بين وزارة القوى العاملة المصرية ووزارة العمل الليبية بغية تسهيل إجراءات دخول العمالة المصرية إلى ليبيا، وهو ما بينته السفارة الليبية في القاهرة، حيث أشارت إلى أن الاجتماع الذي عُقد بين الوزارتين خلال الأيام الأخيرة في القاهرة، قد خلص إلى ضرورة تنفيذ مذكرة التعاون الموقعة بين الوزارتين في عام 2013، والتي تتعلق باستخدام العمالة المصرية في ليبيا، وهو ما يأتي في إكار قرار المجلس الرئاسي الليبي بالدفع نحو تعزيز التعاون بين البلدين، ووضع آليات لجذب العمالة الصرية للعمل في إعمار ليبيا.
كذلك، تضمن هذا الاتفاق التأكيد على ضرورة البدء في تنفيذ الربط الإلكتروني بين وزارة القوى العاملة المصرية ونظيرتها الليبية؛ لتوفير قاعدة متكاملة من البيانات والمعلومات حول احتياجات السوق الليبي من العمالة المصرية، فضلاً عن تسهيل إجراءات دخول هذه العمالة، ومن ثم تم الاتفاق بين الوزارتين على تشكيل لجنة دائمة لتحقيق الأهداف المبتغاة، إلى جانب تشكيل لجنة عليا منوط بها المتابعة والإشراف على كافة الأعمال، إضافة إلى الترتيب إلى زيارة قريبة لوفد مصري إلى ليبيا لبحث كافة الترتيبات الفنية.
(*) زخم في التعاون الاقتصادي بين مصر وليبيا: من ناحية أخرى، شهدت فعاليات الدورة الـ15 لمعرض القاهرة الدولي للجلود، اجتماعاً بين رئيس غرفة صناعة الجلود باتحاد الصناعات “جمال السمالوطي” والسفير “محمد الربيع” رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، إضافة إلى رئيس الغرفة الاقتصادية الليبية- المصرية المشتركة “إبراهيم الجراري”، ورئيس الغرفة التجارية درنة ليبيا “حسن الديبالي” إضافة إلى عدد من رجال الأعمال المصرية، حيث تم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على تسهيل عمليات التصدير إلى ليبيا، والعمل على تنظيم عدد من المعارض والمؤتمرات بكافة محافظات ليبيا، كما تم التوافق على ترتيب زيارة لوفد من رجال الأعمال المصريين المتخصصين في المنتجات الجلدية إلى ليبيا، وذلك لبحث زيادة التبادل التجاري بين البلدين.
وفيما يتعلق بقطاع الاتصالات، فثمة بوادر لتعاون أوسع خلال الفترة المقبلة، وهو ما عكسته الزيارة التي قام بها وفد رفيع المستوى من شركة الاتصالات الدولية الليبية -برئاسة المهندس “عادل أبو فارس” رئيس الشركة- إلى مصر، حيث عقد الوفد لقاءات مع الرئيس التنفيذي لشركة المصرية للإتصالات، وذلك لبحث سبل التعاون المشترك في مجال الاتصالات الدولية، وتعزيز حركة الاتصالات بين الدولتين، والاستفادة من البنية التحتية الممتدة حول العالم للكابلات البحرية الخاصة بشركة المصرية للإتصالات، وقد أشار الرئيس التنيذي للمصرية للإتصالات “عادل حامد” إلى أن الفترة المقبلة يتوقع أن تشهد توفير المزيد من خدمات الاتصالات التي تخدم الشعب المصري والليبي، وذلك في إطار مبادرة التخطيط للنظام البحري ” HARP” التي تعتمدها الشركة المصرية، بغية ربط القارة الإفريقية بمصر وأوروبا.
أيضاً، وقعت غرفة المنيا التجارية بروتوكول تعاون مع الغرفة التجارية والصناعية والزراعية بمدينة درنة الليبية، يستهدف تعزيز التعاون الإقتصادي الثنائي بين مصر وليبيا، وحلحلة كافة المعوقات التي يمكنها الحد من توسيع التبادل التجاري بين البلدين، وقد نص بروتوكول التعاون على العمل على تنظيم المعارض والأسواق التجارية تحت إشراف غرفة المنيا ودرنة، إضافة إلى تبادل الخبرات وتنظيم المؤتمرات الاقتصادية لتعزيز التبادل التجاريبين القاهرة وطرابلس.
إضافة لما سبق، فإن ثمة اتجاه لزيادة قدرة خط الربط الكهربائي بين مصر وليبيا، وقد تجسد ذلك في إعلان وزير الكهرباء “محمد شاكر” مؤخراً عن استعداد مصر لزيادة هذا الخط المتجه نحو ليبيا ليصل إلى حوالي 450 ميغاوات (مقابل 200 ميغاوات في الوقت الراهن)، مع وجود خطة لزيادة هذه القدرة في الفترة المقبلة، وهو ما جاء رداً على طلب ليبيا بزيادة صادرات الكهرباء من مصر.
أخيراً، لا تمثل التحركات المصرية الراهنة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع طرابلس استراتيجية جديدة، بل يمثل إمتداداً للاستراتيجية المصرية الواضحة التي تستهدف دعم وحدة واستقرار الدولة الليبية، وتحقيق مصالح شعبها، وربما يحمل التحول الراهن في الموقف التركي إرهاصات لتطور إيجابي في مسار التسوية السياسية للأزمة الليبية، خاصةً في ظل الدفع الدولي المكثف لحلحلة الأزمة الليبية، ومن ثم يرجح أن تشهد العلاقات المصرية الليبية مزيد من التعاون في الفترة المقبلة.
المراجع:
- A thaw in Turkey’s relations with Egypt, Al – Monitor, March 12, 2021.
- Federico Borsari, New government in Libya: a first step on the obstacle course, The Italian Institute for International Political Studies (ISPI), March 15, 2021.
- Libya’s Bumpy Road to Peac, The Italian Institute for International Political Studies (ISPI), 15 March 2021.
- Rasha Mahmoud, Egypt seeks to turn into regional hub for electricity suppl, al-monitor, Mar 10, 2021.